وكالة الطاقة الدولية ترسم ملامح التحول الأخضر في إستونيا وتحديات الصخر النفطي
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين
- إستونيا الدولة الوحيدة في العالم المعتمدة الصخر النفطي بصورة واسعة
- خطط حكومية لتلبية احتياجات الكهرباء كاملة من الطاقة المتجددة
- الاعتماد على الغاز الطبيعي لا يتجاوز 6% من إمدادات الطاقة
- الاعتماد على الكتلة الحيوية من أخشاب الغابات تحدٍّ يواجه إستونيا
- تعزيز إنتاج الميثان الحيوي وتوسيع قدرة معالجة المعادن النادرة توصيات مهمة
اهتمت وكالة الطاقة الدولية بتحليل مستقبل التحول الأخضر في إستونيا، ضمن أحدث تقارير دراسة الحالة التي تصدر عنها بصورة دورية وتغطي نماذج مختارة من دول العالم.
وأجرى التقرير، الصادر حديثًا عن الوكالة الدولية، مراجعة شاملة لنظام الطاقة في إستونيا وأبرز تحديات التحول إلى الطاقة المتجددة، لا سيما إنتاج الصخر النفطي ومشكلة قطع الأشجار بالغابات.
وأشادت وكالة الطاقة الدولية بموقف إستونيا في إنهاء كل أشكال تجارة الطاقة المتبقية مع روسيا، في إطار الردّ على عدوانها على أوكرانيا منذ فبراير/شباط 2022.
وكانت إستونيا ثاني دولة في الاتحاد الأوروبي تبادر بالتخلي عن الغاز الروسي بعد ليتوانيا، إذ اتخذت الدولتان هذا القرار في أبريل/نيسان 2023، وكلتاهما من دول بحر البلطيق الصغيرة الواقعة شمال أوروبا، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
أهداف تحول الطاقة في إستونيا
أعلنت إستونيا، ذات الـ1.3 مليون نسمة، التزامها بالوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، مع هدف الوصول إلى تغطية كامل احتياجات الكهرباء من المصادر المتجددة بحلول عام 2030، إلّا أن السياسات الحالية غير كافية لتحقيق هذه الأهداف الطموحة بحسب تقرير وكالة الطاقة الدولية.
ويتطلب تحقيق هذه الأهداف استثمارات كبيرة في جميع القطاعات، وتحسين تخطيط قطاع الطاقة، وخفض الاعتماد على الصخر النفطي في مزيج الطاقة العام، ومعالجة مشكلة القطع المتزايد لأشجار الغابات.
وخفضت إستونيا انبعاثات الغازات الدفيئة بصورة ملحوظة خلال السنوات الماضية، بسبب خطواتها في خفض استعمال الصخر النفطي في توليد الكهرباء والتدفئة والنمو الملحوظ لطاقة الرياح والطاقة الشمسية والكتلة الحيوية المحلية المعتمدة على أخشاب الغابات.
ورغم ذلك، فقد تزايد صافي الانبعاثات من جديد بداية من عام 2020، بسبب انتعاش توليد الكهرباء والتدفئة من الصخر النفطي وتغيير استعمال الأراضي وزيادة انبعاثات من زيادة أنشطة قطع أشجار الغابات.
تحديات استعمال الصخر النفطي
تعدّ إستونيا الدولة الوحيدة في العالم التي يُعتمد فيها على الصخر النفطي بتوليد أغلب احتياجات الكهرباء بنسبة وصلت إلى 73% في عام 2018، ثم انخفضت إلى 54% عام 2020، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
والصخر النفطي عبارة عن طبقات صخرية قريبة من سطح الأرض، لا تحتوي على النفط، لكن تحتوي على مادة عضوية تسمى "كيروجين"، إذا تُسَخَّن إلى درجات حرارة عالية تتحول إلى نفط عالي الجودة، ويمكن حرقها مباشرة للحصول على الطاقة في محطات الكهرباء، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وتُستعمل منتجات الصخر النفطي في إستونيا بصفة أساسية في الغلايات ومحطات الطاقة الصغيرة الخاصة بالتدفئة وتوليد الكهرباء، كما تصدّر كثيرًا من إنتاجه في صورة وقود سائل.
وتسببت معدلات حرق الصخر النفطي في زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مع تصنيف إستونيا في المركز الثاني على مستوى الاتحاد الأوروبي من حيث نصيب الفرد من الانبعاثات خلال عام 2020، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
إنشاء وزارة خاصة بالمناخ
تشدد وكالة الطاقة الدولية على ضرورة التخلص التدريجي من الصخر النفطي، وتسريع نشر مصادر الطاقة المتجددة في البلاد، وزيادة عمليات التحول نحو الكهرباء، مع ضمان الانتقال العادل الذي يحافظ على قدرة تحمّل تكاليف الطاقة ويدعم التنمية الاقتصادية في مناطق الصخر النفطي.
وأشادت الوكالة بإنشاء إستونيا وزارة متخصصة للمناخ تتمتع بسلطات واسعة النطاق بإعادة هيكلة نظام الطاقة في البلاد، إلى جانب الإشادة بشروع البلاد في إعداد قانون المناخ.
وتعتقد الوكالة أن هذه الخطوات ستساعد على توفير الوضوح السياسي اللازم لانطلاق الجهود واسعة النطاق لتلبية طموحات المناخ والطاقة في إستونيا، إذ تعاني مسارات تحول الطاقة في عديد من البلدان من غموض الموقف السياسي العام.
وتوصي وكالة الطاقة الدولية إستونيا بإصدار قانون للمناخ يحدد أهدافًا ملزمة لخفض الانبعاثات والحياد الكربوني، إلى جانب وضع أهداف واضحة للتخلص التدريجي من الصخر النفطي وغيره من أنواع الوقود الأحفوري، مع آليات تنفيذية واضحة لمتابعتها.
توصيات للنظام المالي والضريبي
تنصح وكالة الطاقة الدولية بإجراء تغييرات على السياسات المالية والضريبية لتشجيع المستهلكين على الابتعاد عن الوقود الأحفوري، ودعم خيارات البدائل المتجددة المبتكرة منخفضة الانبعاثات ذات الكفاءة الأعلى.
ولا تستند التعرفات الجمركية في إستونيا على التحقق من الانبعاثات أو الأخذ بالعوامل البيئية الأخرى فيما يتعلق بالسلع المستوردة أو المصدّرة.
وتعدّ إستونيا الدولة العضوة الوحيدة في وكالة الطاقة الدولية التي لا تفرض ضرائب على المركبات الخاصة، إلى جانب امتلاكها واحدًا من أقدم أساطيل المركبات وأقلّها كفاءة في العالم، بحسب تفاصيل رصدتها وحدة أبحاث الطاقة من التقرير.
وتنصح الوكالة بتحديث التعرفات الجمركية المتعلقة بالطاقة، وإنهاء دعم الوقود الأحفوري، وزيادة أسعار الكربون، والإسراع في فرض الضرائب على المركبات، لتعزيز التحول إلى أنواع السيارات الأكثر كفاءة، بما في ذلك المركبات الكهربائية.
مشكلة قطع أشجار الغابات
امتدت توصيات وكالة الطاقة الدولية إلى مشكلة تغيير استعمالات الأراضي في إستونيا، التي أدت إلى زيادة قطع الأشجار في الغابات وتسببت بارتفاع مستويات الانبعاثات سنويًا منذ عام 2018.
وتؤدي مصادر الكتلة الحيوية للغابات (الأشجار والأعشاب) دورًا رئيسًا في نظام الطاقة في إستونيا، إذ تشكّل 32% من إجمالي إمدادات الطاقة عام 2022، مقارنة بالمتوسط العالمي لأعضاء وكالة الطاقة الدولية البالغ 3.5%، إذ تُستَعمَل بصورة واسعة وقودًا للتدفئة بالبلاد.
ومن المتوقع أن يؤدي الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على واردات الأخشاب من روسيا إلى زيادة الطلب على منتجات الأخشاب من إستونيا التي صُدِّرَ 40% منها عام 2021.
ويمكن لهذا الطلب الأوروبي المرتفع على الأخشاب من إستونيا أن يؤدي إلى زيادة أسعار الأخشاب وضعف توافرها محليًا، كما يمكن للإجراءات الرامية إلى تعزيز امتصاص الكربون في استعمالات الأراضي أن تقلل من توافر الكتلة الحيوية للطاقة.
وتوصي وكالة الطاقة الدولية الحكومة الإستونية باتخاذ تدابير قوية لضمان استعمالات رشيدة للأراضي تضمن انخفاض الانبعاثات المرتبطة بالغابات، بما يتماشى مع أهدافها للمناخ والطاقة.
كم تعتمد إستونيا على الغاز الطبيعي؟
تعتمد إستونيا على الغاز الطبيعي بصورة ثانوية في مزيج الطاقة، وغالبًا ما يُستعمل في التدفئة، وليس توليد الكهرباء.
وشكّل الغاز الطبيعي 8.6% من إجمالي إمدادات الطاقة في إستونيا عام 2021، وهو ما يقلّ بكثير عن متوسط الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية البالغ 30%، إلّا أن أغلبه كان يأتي من روسيا.
وفي عام 2022، اتخذت إستونيا إجراءات سريعة لإنهاء اعتمادها على الغاز الروسي وتأمين إمدادات إقليمية بديلة مع خفض الطلب على الغاز إلى 5.8% من إجمالي إمدادات الطاقة.
وشملت خطة الحكومة في ذلك، فتح طريق إمداد جديد بالتعاون مع فنلندا التي وافقت على مدّ إستونيا بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب بحر البلطيق.
ورغم الأضرار التي لحقت بهذا الخط -ما زال التحقيق فيها جاريًا- في أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلّا أن إستونيا ما زالت قادرة على تأمين إمدادات الغاز بفضل احتياطي الغاز الطارئ المخزّن في لاتفيا، مع القدرة على الوصول إلى محطة الغاز المسال في ليتوانيا.
وفي الوقت نفسه، نجحت إستونيا في تعزيز إنتاج الميثان الحيوي، وهو ما توصي وكالة الطاقة الدولية بالتوسع فيه وتطوير سياسة شاملة، لتعزيز الطلب عليه في إطار بدائل الغاز الطبيعي والوقود الأحفوري.
معالجة المعادن النادرة في إستونيا
تعدّ إستونيا -مع صغر حجمها ومكانتها الأوروبية- من أبرز الدول الرائدة في تعزيز إمدادات المعادن الحيوية اللازمة لمسارات تحول الطاقة في أوروبا والعالم.
ونجحت دولة بحر البلطيق -مؤخرًا- في أن تكون موطنًا لواحدة من مرافق معالجة المعادن النادرة خارج الصين، عبر جذب شركة نيو ماتريلز الكندية "Neo materials" التي بدأت منذ يونيو/حزيران الماضي في أعمال إنشاءات مصنع لإنتاج المغناطيسات الأرضية النادرة المستعملة في المركبات الكهربائية وتوربينات الرياح.
ومن المتوقع بدء الإنتاج من هذا المصنع في عام 2025، ما يجعله أول مصنع للمغناطيسات الأرضية النادرة في أوروبا، كما تمتلك البلاد رواسب كبيرة من الفوسفات الذي يحتوي معادن أخرى مهمة تمثّل فرصة لإستونيا لدعم خططها لتحول الطاقة وتوسيع اقتصادها، مع إمكان استعمال خبرتها المتراكمة في صناعة الصخر النفطي بهذا المجال.
وتشجع وكالة الطاقة الدولية، إستونيا، على تعزيز قدرتها في إنتاج المعادن وضخ الاستثمارات اللازمة لذلك، مع تجنّب أو تخفيف الآثار السلبية على البيئة والمجتمعات المحلية.
موضوعات متعلقة..
- إستونيا تتوسع في إنتاج الصخر النفطي لتعويض الغاز الروسي
- 5 أسباب تجعل الطاقة النووية في إستونيا "السيناريو الأخطر"
- قمة المناخ.. رئيس إستونيا لـ"الطاقة": مستعدون لدعم نشر الطاقة المتجددة في أفريقيا
اقرأ أيضًا..
- أسعار الغاز في أوروبا تقفز أكثر من 3% بعد اختطاف سفينة بالبحر الأحمر
- أمين عام أوابك: دول النفط والغاز تواجه تحديات.. و4 بلدان لديها خطط كبيرة للطاقة المتجددة (حوار)
- مصر تصدر أول شحنة أمونيا في العالم من الطاقة المتجددة
- هل تتأثر أرباح شركات النفط والغاز الكبرى بدفع تكاليف انبعاثاتها؟ (تحليل)