معركة الغاز المسال الأميركي تشتعل بين 5 شركات كبرى (القصة كاملة)
دينا قدري
احتدم نزاع الغاز المسال الأميركي بين شركات النفط الكبرى وشركة فنتشر غلوبال إل إن جي (Venture Global LNG)، في ظل اتهام الشركة الأميركية بتحقيق مليارات الدولارات من بيع الغاز المسال في السوق الفورية، بدلًا من إمداد الشركات بالأحجام المتفق عليها بموجب عقود طويلة الأجل.
ورفعت شركات شل (Shell) وبي بي (BP) وريبسول (Repsol) وإديسون (Edison) قضايا تحكيم ضد شركة فنتشر غلوبال على مدار العام الجاري (2023)، بسبب فشلها في توريد الشحنات من محطة كالكاسيو باس التي بدأت التصدير في مارس/آذار 2022.
وفي أحدث تصعيد لنزاع الغاز المسال الأميركي، طالبت شركات النفط الكبرى فريق العمل المشترك بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة المعني بأمن الطاقة، بالتدخل لإجبار الشركة الأميركية على تسليم الشحنات المتعاقد عليها، أو دفع غرامات مالية في إطار عملية قد تستغرق سنوات، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وهذا هو التحرك الذي وصفته "فنتشر غلوبال" بـ"المشين"، إذ أكدت -في وقت سابق- أن المحطة لا تعمل بكامل طاقتها، بسبب خلل في معدّات الكهرباء، ما منعها من تزويد أصحاب العقود طويلة الأجل بشحنات الغاز المسال.
وأشارت إلى أن الشحنات حتى الآن تُعدّ "شحنات ما قبل التشغيل"، متوقعة بدء العمليات التجارية في الربع الأول من عام 2024، وفق ما جاء في ملف قدّمته إلى اللجنة الفيدرالية لتنظيم الطاقة، خلال أبريل/نيسان الماضي.
نزاع الغاز المسال الأميركي
تُمثّل الدعوة إلى التدخل من جانب فريق العمل المشترك بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة المعني بأمن الطاقة -الذي شُكِّل بعد الغزو الروسي لأوكرانيا لتحفيز صادرات الغاز الأميركية إلى أوروبا- تصعيدًا كبيرًا لنزاع الغاز المسال الأميركي.
ويرأس الهيئة مسؤولون كبار، بما في ذلك المدير العام للطاقة في المفوضية الأوروبية ديتي يول يورغنسن، وكبير مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن لشؤون الطاقة آموس هوكستين.
واتهمت شركات النفط الكبرى شركة فنتشر غلوبال بـ"سوء السلوك" بسبب احتجاز شحنات الغاز المسال المتفق عليها بموجب عقود توريد طويلة الأجل، وبيعها في السوق الفورية، بحسب ما جاء في مراسلات اطّلعت عليها منصة الطاقة، نقلًا عن صحيفة "فايننشال تايمز" (Financial Times).
وقد بدأت أول منشأة للغاز المسال التابعة لشركة فنتشر غلوبال "كالكاسيو باس"، الواقعة على ساحل الخليج في لويزيانا، بإنتاج الغاز المسال الأميركي في يناير/كانون الثاني 2022، وصدّرت أول شحنة لها بعد شهرين.
إلّا أن الشركة الأميركية تقول، إنها لم تبدأ بعد العمليات التجارية الكاملة، وليست ملزمة بتزويد العملاء حتى تتمّ عملية التشغيل.
وأعلنت "القوة القاهرة" فيما يتعلق بالتزاماتها التعاقدية على أساس أن معدّات إمداد الكهرباء بالمنشأة تحتاج إلى إصلاح.
وقالت شركة شل متعددة الجنسيات، إن عذر "فنتشر غلوبال" لا يصمد أمام التدقيق، إذ سلّمت المنشأة أكثر من 200 شحنة للعملاء، مضيفة أن مدّة التشغيل البالغة 600 يوم تقريبًا لمحطة كالكاسيو باس تتحدى معايير الصناعة.
وزعمت شل -في رسالتها- أن سلوك شركة فنتشر غلوبال "يهدد بتقويض الأهداف ذاتها" لفريق العمل، والتي تتمثل في تعزيز أمن الطاقة في أوروبا.
ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- تَصدُّر الولايات المتحدة قائمة أكبر مصدّري الغاز المسال إلى أوروبا في الربع الأول من عام 2023:
مزاعم شركات النفط الكبرى
أشارت شركة شل إلى أن الإجراء "الانتهازي" الذي اتخذته فنتشر غلوبال مكّنها من جني مكاسب غير متوقعة بقيمة 18 مليار دولار بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الغاز بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، في حين أضعف قدرتها على تلبية احتياجات إمدادات الطاقة الحيوية في أوروبا.
وقالت شل -في رسالتها إلى المسؤولين-: "مثل هذا السلوك قصير النظر وغير المسبوق يشكّل سابقة مثيرة للقلق يمكن أن تؤدي إلى تآكل ثقة السوق، وتأخير الاستثمار في البنية التحتية لتصدير الغاز المسال في الولايات المتحدة، والتي ما تزال الحاجة ماسّةً إليها لدعم أمن الطاقة في أوروبا".
وتحثّ الرسالة التي كتبها نائب الرئيس التنفيذي لشركة شل ستيف هيل، والمؤرخة في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فريق العمل على الضغط على "فنتشر غلوبال" لوقف أفعالها "غير المبررة والمضرة" واحترام اتفاقيات التوريد طويلة الأجل.
وتوافق خطاب منفصل من شركة النفط البريطانية بي بي، مع موقف شل؛ إذ كتبت نائبة الرئيس التنفيذي للتجارة والشحن في الشركة كارول هاول: "لقد أدى سلوك فنتشر غلوبال إلى زعزعة الثقة في مصداقية مورّدي الغاز المسال الأميركي في وقت حرج".
كما كتبت شركة إديسون الإيطالية إلى فريق العمل تطلب منه "استعمال كل صلاحياته" لإجبار شركة فنتشر غلوبال على توريد الشحنات، متهمة الشركة بـ"التربح" على حساب العملاء الأوروبيين.
واستشهدت إديسون بتقرير صادر عن شركة الأبحاث وود ماكنزي يتوقع أن تجني شركة فنتشر غلوبال نحو 17.5 مليار دولار من مبيعات السوق قصيرة الأجل، مقارنةً بـ2.8 مليار دولار ستحصل عليها بموجب عقود طويلة الأجل مع العملاء.
وقالت إديسون -في رسالتها-: "لم تعد هذه القضية نزاعًا خاصًا بين الشركات.. بل إن الأمر يؤدي إلى تفاقم أزمة الطاقة التي تؤثّر في حياة المواطنين الأوروبيين العاديين.. لم يعد من الممكن التغاضي عن ذلك".
فنتشر غلوبال
من جانبها، ردّت شركة فنتشر غلوبال على مزاعم شركات النفط الكبرى، بشأن عدم الوفاء بتوريد شحنات الغاز المسال الأميركي، فضلًا عن إضرارها بثقة السوق في الإمدادات الأميركية.
وكتبت الشركة -في بيان حصلت منصة الطاقة المتخصصة على نسخة منه-، إن طلب التدخل في إدارة الاتفاقيات الثنائية الملزمة والسرّية بين الكيانات التجارية "أمر مشين".
وقالت: "إنه ليس أكثر من الأحدث في سلسلة من المحاولات الفاشلة للتنمر على الوافد الجديد في الصناعة للتنازل عن حقوقه التعاقدية من أجل زيادة أرباحه بما يتجاوز المستويات القياسية الأخيرة".
وتابعت: "تشير الرسائل إلى أن فنتشر غلوبال تقوّض الثقة بصناعة الغاز المسال في الولايات المتحدة.. بل على العكس من ذلك، كانت شركتنا واحدة من المصدّرين القلائل في الولايات المتحدة (والعالم) الذين نجحوا في تمويل مشروعاتنا وتسويقها وبنائها".
كما قالت: "باختصار، لقد حققنا ما فشل فيه الآخرون، وهو ما كان جزءًا لا يتجزأ من دعم العمل المهم الذي يقوم به فريق العمل لزيادة إمدادات الغاز المسال المتدفق من الولايات المتحدة".
وأكدت الشركة أنها دعمت مهمة فريق العمل المشترك بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة المعني بأمن الطاقة، وأدركت الدور الحاسم الذي يؤديه الغاز المسال الأميركي في دعم أمن الطاقة الأوروبي.
وأشارت إلى احترام التزاماتها التعاقدية تجاه عملائها على المدى الطويل بما يتوافق تمامًا مع عقودها طويلة الأجل، كما أنها تعمل بجدّ من أجل استكمال المنشأة بالكامل، والجدول الزمني المتوقع للقيام بذلك يقع ضمن (أو حتى قبل) الإطار الزمني النموذجي لمشروعات الغاز المسال الأخرى.
وشددت على إسهامها الكبير في تصدير الغاز المسال إلى أوروبا من خلال مبيعات التشغيل؛ إذ سُلِّمَ نحو 70% من جميع الشحنات التي تنتجها وتصدّرها الشركة إلى أوروبا، وبيعَت إلى أطراف متعددة، بما في ذلك 3 من عملائها الـ6 على المدى الطويل.
وكتبت الشركة -في بيانها-: "بينما يستشهد بعضهم بشكل مخادع بأمن الطاقة الأوروبي مبررًا لشكاواهم، فإن تصرفاتهم تحكي قصة مختلفة.. وبدافع تحقيق أعلى ربح ممكن، قاموا بتبادل العديد من الشحنات التي تلقّوها من شركة فنتشر غلوبال إلى أماكن خارج أوروبا".
وذكرت أن شركة شل اشترت -حتى الآن- 7 شحنات تشغيلية من فنتشر غلوبال، وجرى تداول 3 منها خارج أوروبا لتحقيق أرباح أعلى؛ وبالمثل، اشترت شركة بي بي 6 شحنات تشغيلية، وجرى تداول اثنتين منها إلى وجهات خارج أوروبا.
4 قضايا تحكيم في 2023
تُعدّ محطة كالكاسيو باس أول المرافق الـ3 المخطط لها لشركة فنتشر غلوبال؛ وقد دمجت 18 وحدة تسييل معًا لإنتاج ما يصل إلى 12 مليون طن سنويًا من الغاز المسال الأميركي.
ومنذ أن بدأت التصدير في مارس/آذار 2022، باعت شركة فنتشر غلوبال ما يقرب من 200 شحنة بقيمة نحو 18.2 مليار دولار حتى نهاية أغسطس/آب 2023، وفقًا لحسابات رويترز.
وبيع نحو ثلثي هذه الشحنات، أو نحو 130 شحنة، مقابل نحو 13.6 مليار دولار في أوروبا، وبيعت 30 شحنة أخرى أو نحو ذلك في آسيا، وذهبت الـ 40 المتبقية تقريبًا إلى أميركا الوسطى وأميركا الجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي.
ومع ذلك، قالت الشركة، إن مرفق إمداد الكهرباء الموجود في الموقع يتطلب إصلاحات واسعة النطاق من شأنها أن تمنع تسليم العقود من المرحلة الأولى حتى أوائل عام 2024.
ولذلك، أطلقت مجموعة الطاقة الإيطالية إديسون إجراءات تحكيم ضد شركة فنتشر غلوبال، مدّعية أن التأخير في تسليم إمدادات الغاز المسال المتعاقَد عليها من منشأة كالكاسيو باس غير مبرر.
وتعتقد إديسون أن مثل هذا التأخير "غير مبرر" و"لا يطاق"، وأجبرها على رفع دعوى أمام محكمة لندن للتحكيم الدولي في مايو/أيار، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة، نقلًا عن منصة "آرغوس ميديا" (Argus Media).
كما تقدّمت شركتا شل وبي بي بشكل منفصل بالتحكيم أمام محكمة لندن للتحكيم الدولي، ضد شركة فنتشر غلوبال، لفشلها في توريد الشحنات المتعاقد عليها، حتى مع بيعها لعملاء غير متعاقدين مع ارتفاع الأسعار، بحسب ما كشفته وكالة رويترز في يوليو/تموز الماضي.
وطلبت شركة ريبسول الإسبانية من محكمة دولية إلزام شركة فنتشر غلوبال بالوفاء بعقدها الخاص بالغاز المسال، أو تعويضها بأكثر من 100 مليون دولار، وقبلت غرفة التجارة الدولية قضية التحكيم في وقت سابق من شهر سبتمبر/أيلول.
وكانت شركة فنتشر غلوبال قد أبلغت شركة ريبسول بأنها لن تكون قادرة على توفير الشحنات لها قبل نهاية عام 2024، أو حتى أوائل عام 2025، بحسب ما نقلته وكالة رويترز.
موضوعات متعلقة..
- تراجع صادرات الغاز المسال الأميركي خلال أسبوع.. وهذه توقعات 2023
- محطات تصدير الغاز المسال الأميركي تواصل انتعاشها من موسم الصيانة
- مشروعات الغاز المسال الأميركي تتعثر في تأمين صفقات شراء طويلة الأجل (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- العراق يؤكد التزامه باتفاق أوبك+: تراجعَ الاستهلاك فزادت صادراتنا النفطية
- ضريبة صادرات الغاز الروسي إلى شرق أوروبا قد لا تتحملها غازبروم
- أسعار الهيدروجين الأخضر في أوروبا لن تنخفض بحلول 2030 (تقرير)
- تخزين الهيدروجين أم الميثانول.. أيهما أفضل لدعم الكهرباء المتقطعة؟ (تقرير)