مصفاة نفط ضخمة في أوروبا تتحول إلى "مغسلة" للنفط الروسي
محمد عبد السند
- أكبر مصفاة في روسيا تُحرج الاتحاد الأوروبي بشأن عقوبات النفط الروسي
- تحقيق يُثبت تلاعب أكبر مصفاة في أوروبا بعقوبات النفط الروسي
- بلغت واردات أكبر مصفاة في بلغاريا 2.1 مليون طن من الخام الروسي، و216 ألف طن من الخام غير الروسي
- حظر تصدير المنتجات المصنعة من الخام الروسي عمومًا بموجب الإعفاء البلغاري
- كمية كبيرة من المشتقات النفطية قد صُدِّرت دون الإبلاغ عن الوجهة التصديرية المتجهة إليها
أظهرت بيانات اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، أن مصفاة نفط ضخمة في أوروبا متورطة في التلاعب بالعقوبات الغربية المفروضة على الخام الروسي، عبر شرائه من موسكو وإعادة بيعه في شكل مشتقات نفطية إلى وجهات تصديرية خارجية.
وحسب تحليل دولي تم الكشف عنه اليوم الخميس 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، فإن أكبر مصفاة في بلغاريا تحولت إلى "مغسلة" للنفط الروسي.
ووضعت تقديرات قيمة صادرات المنتجات النفطية المنقولة بحرًا من قبل المصفاة المذكورة عند 984 مليون يورو (نحو مليار و51 مليون دولار) في الشهور الـ10 الأولى من عام 2023، وفق تقارير اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
(اليورو = 1.07 دولارًا أميركيًا).
واستهدفت القوى الغربية قطاع الطاقة الروسي بحِزَم عديدة من العقوبات؛ أملًا في شلِّ قدرات موسكو على تمويل آلة الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ أكثر من عام ونصف العام.
وفي هذا السياق، كشف تحقيق مشترك أن أكبر مصفاة في بلغاريا تستغل الإعفاءات الممنوحة للأخيرة من العقوبات، وتشتري صادرات النفط الروسية، لتسهم بذلك في في تعزيز إيرادات موسكو المتحققة من من قطاع الطاقة، وفق ما أورده موقع مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (Centre for Research on Energy and Clean Air).
مغسلة للنفط الروسي
أظهر التحقيق الذي أجرته مؤسسات غلوبال ويتنس (Global Witness) ومركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف "سي آر إي إيه" ومركز دراسات الديمقراطية (Center for the Study of Democracy) "سي إس دي" أن مصفاة نفط ضخمة، هي نيفتوتشيم بورغاس Neftochim Burgas الواقعة بالقرب من ميناء بورغاس بالبحر الأسود، أصبحت واحدة من أكبر مستهلكي النفط الروسي.
ويوضح التحليل المشترك أن المصفاة المذكورة استهلكت أكثر من 4.95 مليون طن (36.135 مليون برميل) من النفط الروسي في الشهور الـ10 الأولى من العام الحالي (2023)، مانحة عائدات ضريبية مباشرة إلى الكرملين تُقدَّر قيمتها بـ1.13 مليار يورو .
(الطن = 7.3 برميل نفط).
ويكفي هذا المبلغ لتشغيل مجموعة فاغنر شبه العسكرية المرتزقة لمدة عام، بحسب تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تابعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وتبرز بلغاريا رابع أكبر مشترٍ للنفط الخام الروسي المنقول بحرًا، بعد الهند والصين وتركيا.
إعفاء من العقوبات
حينما نفّذ الاتحاد الأوروبي حظرًا على صادرات النفط الروسية في ديسمبر/كانون الأول (2022)، حصلت بلغاريا على إعفاء بهدف "ضمان سلامة الإمدادات" محليًا، والسماح ببيع الوقود إلى أوكرانيا.
ويهدف هذا الإعفاء إلى تجنّب منح بلغاريا ميزة اقتصادية غير عادلة على بقية الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي مُنعت من استيراد الخام الروسي المنقول بحرًا.
وقال ناطق باسم المفوضية الأوروبية -الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي-، إن الهدف من هذا الاستثناء الذي مُنحت إياه بلغاريا هو مساعدتها على الحصول على الإمدادات، وعدم بيع النفط الروسي المستورد إلى بلدان أخرى. في بيان صدر العام الماضي (2022)، طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
لكن التحقيق وجد أنه بدلًا من تلبية الطلب المحلي المتنامي على النفط في بلغاريا، تستغل مصفاة نيفتوتشيم بورغاس التي تمتلك عملاقة الوقود الأحفوري الروسية لوك أويل حصة الأغلبية بها، الإعفاء الممنوح إلى بلغاريا في هذا الخصوص.
صادرات النفط الروسي
أظهر التحقيق الذي أجرته غلوبال ويتنس، واستند إلى الأرقام الصادرة عن مزودة البيانات الشهيرة كيبلر (Kpler)، أنه وقبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت صادرات روسيا من النفط تمثّل نحو 70% من إجمالي واردات مصفاة نيفتوتشيم بورغاس من الخام.
لكن هذا الرقم ارتفع إلى 93% في الشهور الـ10 الأخيرة من عام 2023، وفق تقارير جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.
في غضون ذلك، صدّرت أكبر مصفاة في بلغاريا كميات كبيرة من المشتقات النفطية؛ إذ لامست قيمة صادرات المنتجات النفطية المكررة المنقولة بحرًا وحدها 984 مليون يورو في الشهور الـ10 الأولى من عام 2023، وفق تقديرات مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف "سي آر إي إيه".
وبينما تشعر دول الاتحاد الأوروبي بتداعيات حظر النفط الروسي، تشتري بورغاس الخام الروسي منخفض التكلفة من شركة لوك أويل ( Lukoil) النفطية الروسية، ثم تبيع المشتقات النفطية بعد تكريرها في السوق العالمية.
فائدة مزدوجة
بينما يشنّ حربًا شرسة على أوكرانيا، يستفيد الكرملين مرتين من تلك التجارة السخية، أولاهما من الضرائب المفروضة على إنتاج وتصدير الخام الذي اشترته المصفاة البلغارية، والثانية من أيّ ضرائب تدفعها لوك أويل التي تمتلك حصة من الأسهم نسبتها 99% في مصفاة نيفتوتشيم بورغاس.
من جهتها، قالت ليتاسكو إس.إيه الشركة التابعة لعملاقة النفط الروسية لوك أويل، والمالكة لأكبر حصة من الأسهم في المصفاة البلغارية، إنها تمتثل لجميع القوانين واللوائح المعمول بها في هذا الصدد، من بينها سقف الأسعار الذي حددته مجموعة دول الـ7.
وبموجب الإعفاء البلغاري، يحظر تصدير المنتجات المصنّعة من الخام الروسي بوجه عام، ومع ذلك يتيح القانون استثناءً ممثلًا في تصدير تلك المشتقات إلى البلدان غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عندما "يتعذر تخزين المنتجات في بلغاريا نتيجة مخاطر تتعلق بالسلامة أو البيئة"، أو بعبارة أخرى: عندما تُنتِج المصفاة أكثر مما يمكن تخزينه أو استهلاكه محليًا.
وينص القانون على أن "هذا البيع أو تلك الإمدادات أو النقل أو التصدير لا يُقصد بها التلاعب بالمحاذير".
وقد سمح الإعفاء البلغاري لمصفاة بورغاس بمواصلة إنتاج المنتجات الفائضة المكررة لديها وتصديرها إلى بلدان غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي.
ولا يُطبَّق هذا الإعفاء على الصادرات المتجهة إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
سي إكسبريس
وجد التحقيق الذي أجرته غلوبال ويتنس و"سي آر إي إيه" أدلة دامغة على أنه رغم الحظر تُواصل مصفاة نيفتوتشيم بورغاس إرسال المنتجات النفطية المكررة لديها إلى الاتحاد الأوروبي.
ففي الثامن من أغسطس/آب (2023)، شوهدت الناقلة سي إكسبريس Seaexpress التي تشغّلها شركة ثيناماريس شيب مانجمنت Thenamaris Ship Management، وهي ترسو في ميناء بورغاس، وعلى متنها حمولة تزن 40 ألف طن (290 ألف برميل) من النفط الوارد من المصفاة البلغارية.
وتُظهر بيانات تتبّع السفن أن الناقلة المذكورة بدأت حينها رحلة مدّتها 15 يومًا عبر البحر المتوسط قبل أن تفرغ حمولتها في ميناء روتردام الهولندي.
وقبل أن تتسلم حمولتها، لم تحصل أكبر مصفاة نفط في بلغاريا على أيّ خام غير روسي لمدة 21 يومًا.
وخلال المدة ذاتها، تلقّت المصفاة 4 شحنات من النفط الخام الروسي، بإجمالي 340 ألف طن (مليونان و482 ألف برميل)؛ ما يرجّح الرأي القائل، إن الوقود الذي كانت تنقله سي إكسبريس كان نتاج الخام الروسي.
لكن خرق بلغاريا شروط الإعفاء من العقوبات المفروضة على النفط الروسي يتفاقم بمبدأ "التوازن الشامل" الذي يعني أن بلغاريا ربما تصدّر إلى الاتحاد الأوروبي كمية المشتقات النفطية نفسها التي تعادل كمية النفط غير الروسي، الذي استوردته خلال عام.
ورغم الحقيقة التي ترجّح تسليم ناقلة سي إكسبريس الوقود المُنتَج من الخام الروسي مباشرة إلى هولندا، فإن المعاملة نفسها لا تمثّل أيّ خرق للعقوبات الغربية المفروضة في هذا الخصوص.
وبموجب قانون الاتحاد الأوروبي، لا يمكن اتخاذ قرار نهائي بشأن خرق أكبر مصفاة في بلغاريا العقوبات حتى فبراير/شباط (2024)، عندما تخضع بيانات الصادرات والواردات للمراجعة للبتّ فيما إذا كانت مصفاة بورغاس قد تجاوزت حصتها المسموح بها من المبيعات الأوروبية.
صادرات بلغاريا من المشتقات النفطية
وفق البيانات الصادرة عن هيئة الإحصاءات الأوروبية يوروستات (Eurostat)، لامست صادرات بلغاريا 304 آلاف طن من المشتقات النفطية المتجهة إلى الاتحاد الأوروبي خلال المدة بين مارس/آذار و يوليو/تموز (2023).
وخلال المدة ذاتها، بلغت واردات أكبر مصفاة في بلغاريا 2.1 مليون طن (15 مليون و 33 ألف برميل) من الخام الروسي، و216 ألف طن (1.577 مليون برميل) من الخام غير الروسي.
على صعيد متصل، لم يستبعد التحقيق الرأي القائل إن بعض تلك الصادرات قد أُنتِج بوساطة مصفاتين صغيرتين عاملتين في بلغاريا، أو أنه قد أُعيد تصديرها على شكل مشتقات نفطية.
وربما أُرسلت بعض المشتقات النفطية التي صدّرتها بلغاريا إلى رومانيا، والتي تمثّل ما نسبته 52% من صادراتها كافة للاتحاد الأوروبي -أيضًا- مباشرة إلى أوكرانيا، وهو ما يُسمح به وفق الإعفاء البلغاري.
ومع ذلك، فإنه نظرًا إلى هيمنة مصفاة بورغاس على قطاع التكرير في بلغاريا، يتعين أخذ فكرة انتهاكها للعقوبات المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي على محمل الجدّ.
لوك أويل تدافع
ترى لوك أويل أن النفط الروسي لا غنى عنه لتشغيل أكبر مصفاة في بلغاريا، غير أن بيانات الشحن التي رصدتها غلوبال وتنس و "سي آر إي إيه" تُظهر أنه قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كان لدى المصفاة مصادر إمدادات متنوعة، من بينها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا.
وإذا رغبت المصفاة في الامتثال للعقوبات، فسيتعين عليها استبدال النفط من مصادر أخرى ببعض وارداتها الروسية من الخام.
وتُظهر بيانات يوروستات أن كمية كبيرة من المشتقات النفطية قد صُدِّرت دون الإبلاغ عن الوجهة التصديرية المتجهة إليها.
وخلال المدة بين مارس/آذار ويوليو/تموز (2023)، غادرت 239 ألف طن (1 مليون و744 ألف برميل) إضافية من المنتجات النفطية المواني البلغارية على متن رحلات بحرية، ربما تكون قد أُخفِيَت الوجهات التصديرية النهائية لها، عبر سلاسل من النقل من سفينة إلى سفينة.
ومنذ تطبيق الحظر على منتجات النفط الروسي في فبراير/شباط (2023)، وحتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، تضاعفت كمية المنتجات النفطية المصدّرة على متن ناقلات غادرت أكبر مصفاة في بلغاريا، وخفضت لعمليات الانتقال من سفينة إلى سفينة، بواقع 3 مرات، مقارنة بالمدة ذاتها من عام 2022، وفق تحليل "سي آر إي إيه" لبيانات كيبلر.
حلول على الأرض
يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يشلّ قدرة شركة لوك أويل على إعادة الأرباح إلى الكرملين عبر تكرير الخام الروسي منخفض الثمن في بلغاريا، وتصدير المنتجات النفطية إلى الدول التي تفرض عقوبات على موسكو.
ويستهدف الحظر الغربي المفروض على النفط الروسي منع وصول الإيرادات إلى خزانة الكرملين، وتقويض قدرات موسكو على مواصلة الحرب في أوكرانيا.
لكن روسيا ما تزال تواصل تصدير النفط إلى الخارج، وبمستويات تعادل مثيلتها قبل اندلاع الحرب الأوكرانية في 24 فبراير/شباط (2022).
وفي ظل عدم وضوح الرؤية بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، يتعين على الدول الغربية تشديد العقوبات المفروضة على قطاع الطاقة الروسي بأكثر من أيّ وقت مضى.
وتتمثل إحدى تلك الطرق في غلق أكبر مصفاة في بلغاريا التي ما تزال تسمح بتدفق النفط الروسي حول العالم، بدعم من الطلب الغربي.
كما تستطيع الدول الأوروبية خفض اعتمادها على الوقود الأحفوري عبر تكثيف استثماراتها في مصادر الطاقة المتجددة.
موضوعات متعلقة..
- الكشف عن أفضل خلايا شمسية ترادفية من السيليكون في العالم
- نتائج أعمال أرامكو في الربع الثالث 2023 تسجل أرباحًا بـ32.58 مليار دولار
- قروض الطاقة الشمسية في الدول العربية.. 5 بلدان تقدم برامج دعم (تقرير)
- مصر تضيف أنشطة الهيدروجين إلى كبرى شركات الغاز.. وتعاون مرتقب مع فنزويلا (صور)
اقرأ أيضًا..
- إيرادات النفط والغاز في روسيا تهبط 36%.. والكرملين يتحدث عن أوبك+
- العقوبات الغربية ضد النفط الروسي تعيد رسم خريطة الخام عالميًا (مقال)
- إدارة بايدن تلجأ إلى حيلة "ناعمة" لمحاصرة مبيعات النفط الروسي
- النفط الروسي يتدفق إلى الهند والصين فوق مستويات السقف السعري