مقالات الهيدروجينالمقالاترئيسيةهيدروجين

الهيدروجين بديل غير مناسب للاستغناء عن النفط والغاز (مقال)

الدكتور عبدالله النعيمي*

طيف لون قوس قزح آخر يُنسب إلى غاز غير مرئي، خفيف، ليس له لون ولا رائحة، حتى عند احتراقه، إذ خلقت التكنولوجيا -هذه المرة- رموزًا لونية داخل قطاع الطاقة لتُميز أسلوب إنتاج غاز الهيدروجين.

نقرأ ونسمع عن الهيدروجين الأخضر والهيدروجين الأزرق والرمادي والتركواز والأصفر، حتى اللون الوردي أصبح يميز نوعًا من أنواع الهيدروجين، ولن نستغرب إن سمعنا في المستقبل عن لونٍ آخر.

على الرغم من كل هذه الألوان، فإن الأرض ستكون سعيدة إذا ما تحولت كل تلك الألوان إلى اللون الأخضر، وهو اللون الذي يعبّر عن الهيدروجين المُنتج باستعمال الطاقة المتجددة.

وعلى الرغم من كل الجهود؛ فإن المنتج العالمي للهيدروجين الأخضر لا يتجاوز 1%، في حين إن الإنتاج المتبقي للهيدروجين ليس ما يسعى إليه العلم والعلماء، وهو غير صديق للمناخ ومحدود الاستعمال.

كما أنه لا وجود لغاز الهيدروجين على هذا الكوكب في صورة مادة منفصلة، ولا بد من اللجوء إلى مركبات أخرى لاستخراجه، ففي بداية هذا القرن، ومع بداية صناعة تشكيل الغازات الطبيعية والغازات الناتجة من الفحم؛ بدأ التفكير في صناعة الهيدروجين.

زيادة إنتاج الهيدروجين

خلال العقود الـ5 الماضية، زاد إنتاج الهيدروجين من الوقود الاحفوري 3 أضعاف تقريبًا، كما ارتفعت الاستثمارات في صناعات الهيدروجين بصورة ملحوظة، إذ بلغت تلك الاستثمارات ما يقارب 240 مليار دولار خلال العام الماضي (2022).

وتتسابق الدول -أيضًا- بشكل ملحوظ على صناعة هذا الغاز، وبطرق مختلفة، وتتصدر الصين وكوريا واليابان، بجانب الإتحاد الأوروبي، هذا السباق.

ونتيجة لذلك، أصبح الهيدروجين مسؤولًا عن أكثر من 900 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وتعادل هذه الكمية من الانبعاثات الكربونية إجمالي الانبعاثات الناتجة عن حرق الوقود لكل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى قطر.

معظم -إن لم يكن جميع- أشكال إنتاج الهيدروجين، يُوَلَّد من الغاز الطبيعي أو غاز الميثان باستعمال طريقة إعادة تشكيل غاز الميثان بالتبخير (MSR)، دون احتجاز غاز ثاني أكسيد الكربون خلال عمليات الإنتاج.

ويعدّ الهيدروجين الرمادي هو الأكثر شيوعًا والأكثر استعمالًا في الصناعة اليوم، وفي الآونة الأخيرة، اكتسب الهيدروجين الأسود أو البني الكثير من الزخم، وهو الهيدروجين المُنتج بوساطة الفحم، وهذا المنتج الهيدروجيني الذي يستعمل الفحم البني يُعدّ الأكثر ضررًا على البيئة، والأشدّ تأثيرًا في الاحتباس الحراري.

وتقوم أستراليا بأنشطة كبيرة لزيادة استعمال الفحم لإنتاج الهيدروجين المسال، وشحنة إلى اليابان، وبطبيعة الحال، فإن نقل الغاز المسال يمثّل تحديًا أقلّ من شحن الغازات بصورة عامة، خاصة حينما لا تتمكن البنية التحتية القائمة من التكفل بنقل الغازات الخفيفة.

لا شك أن هذا النوع من عمليات إنتاج الهيدروجين يؤثّر في كل الجهود المبذولة بمكافحة تغير المناخ، ويرفع من درجة حرارة الأرض.

و‏يبيّن الجدول أدناه مصادر الطاقة اللازمة لصناعة الهيدروجين ومدى ارتباطها بالانبعاثات الكربونية:

ألوان الهيدروجين
ألوان الهيدروجين

بدائل النفط والغاز

حتى يصبح الهيدروجين الأخضر الذي يعتمد على الطاقة المتجددة موثوقًا ومستدامًا، فإن الوقت يؤدي دورًا رئيسًا في العمليات التي تتبع الإنتاج من أساليب النقل والتكاليف وقياس المخلفات الناتجة من إعادة تشكيل غاز الميثان، وما ينجم من غازات ضارة بالبيئة والمناخ، وخاصة غازات عائله النيتروجين المؤكسدة، مثل غازات النيتروس أوكسيد (N2O)، والتي سنفرد لها موضوعًا خاصًا في وقت لاحق.

ولا بد من الإشارة إلى أن افتراض غاز الهيدروجين يمثّل اليوم البديل المناسب للطاقة الهيدروكربونية يفتقر إلى الحكمة والمعرفة، إذ لا ينبغي لنا أن نتفاجأ عندما نرى الهيدروكربونات تمثّل المصدر الرئيس للطاقة بعد عام 2100، أو حتى استنفادها من باطن الأرض، فالبدائل المطروحة للنفط والغاز لا يمكن أن تكون بدائل موثوقة تستطيع أن تحلّ مسببات الانبعاثات والاحتباس الحراري، كما لا يمكنها أن تكون مستدامة، حتى تلك البدائل التي تعتمد على المصادر الطبيعية المستدامة مثل الشمس والهواء والمياه.

سلّطت قمة المناخ كوب 27، عشية انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيير المناخ في تقرير فجوة الانبعاثات لعام 2022، الضوء على أن البلدان التي تعهدت بالالتزامات المناخية كانت تتحرك ببطء في تنفيذ تلك الالتزامات، هذا الأمر يضع العالم على مسار يؤدي إلى ارتفاع كارثي في درجات الحرارة، التي قد تصل إلى 2.8 درجة مئوية، أعلى من مستواها قبل الثورة الصناعية، بحلول نهاية القرن.

كما أشار التقرير إلى أن تعهدات الدول قد لا تفي بمتطلبات حماية المناخ، حتى إن التزمت بها، وسنواجه ارتفاعًا في درجات حرارة تصل معدلاته إلى2.4 أو 2.6 درجة مئوية مع نهاية القرن.

كما أن ما نراه اليوم من أعاصير وارتفاعات متتالية في مناسيب أمواج البحار ودرجات الحرارة وزيادة في معدلات الرطوبة، يشير -بوضوح- إلى أن البشرية ليست في مأمن، وأن الدول والمؤسسات الدولية لم تفعل ما يكفي لرصد ومكافحة مسببات تغير المناخ، واعتمدت على التركيز على الطاقة الأحفورية ومحاربتها.

* الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي وزير التغير المناخي والبيئة الإماراتي السابق.

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق