أنسيات الطاقةالتقاريرتقارير النفطسلايدر الرئيسيةنفط

المقاطعة النفطية عام 1973.. رسالة حاسمة من السعودية.. ودولتان ترفضان المشاركة (صوت)

أحمد بدر

قال مستشار تحرير منصة الطاقة، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن وقت المقاطعة النفطية عام 1973 شهد محاولات من جانب دول عربية ثورية لتمرير بعض الأمور، من بينها تأميم شركات النفط الأجنبية.

وأوضح الحجي، في حلقة من برنامج "أنسيات الطاقة"، بمنصة "إكس" بعنوان "غزة وسلاح النفط والغاز في الذكرى الـ50 للمقاطعة النفطية في أكتوبر 1973"، أن هذه الدول أرادت استعمال النفط بصفته سلاحًا، ومعاقبة الدول الرأسمالية به.

وأضاف: "الأنظمة الثورية في ذلك الوقت كانت كلّها تميل إلى الاتحاد السوفييتي، وكان القوميون العرب يمارسون ضغوطًا شديدة على الحكومات، بما فيها الخليجية، ولو رجعنا للإعلام في ذلك الوقت، نجد أن موضوع التخوين الذي نراه الآن بسبب غزة، لا يمثّل 1% من التخوين في 1973".

ولفت إلى أن القوميين العرب كانوا نشيطين جدًا، وظهرت حينها مقولة (نفط العرب للعرب)، كما انتشرت الأفكار اليسارية بشكل كبير، خاصة بشأن موضوع النفط ومعاقبة الدول الرأسمالية.

هل دعت أوبك إلى المقاطعة النفطية؟

أوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة الدكتور أنس الحجي أن من بين الأخطاء الشائعة اليوم، وصف المقاطعة النفطية بأنها "مقاطعة أوبك"، على الرغم من أن أوبك لا علاقة لها بهذا الموضوع على الإطلاق.

أوبك

وأضاف الدكتور أنس الحجي: "كان هناك اجتماع لمنظمة أوابك في الكويت، وهي منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول، وشهد الاجتماع انقسامًا، إذ أرادت الدول الثورية فرض عقوبات بوقف الإمدادات بالكامل، وفرض عقوبات على أميركا وأوروبا، وفي الوقت نفسه تطالب بتأميم النفط كاملًا، ليس في بلادهم فقط، ولكن حتى في الدول الأخرى، إذ كانت تضغط على السعودية والكويت والإمارات وغيرها لتأميم النفط، كما فعلوا في بلادهم".

في الوقت نفسه، كانت هناك دول لا ترغب في المقاطعة النفطية على الإطلاق، ومنها سلطنة عمان والبحرين، بينما الدول المقاطعة كانت مصر والعراق وسوريا وليبيا، ولم تكن مصر في ذلك الوقت لديها نفط، مضيفًا: "وهذا من الأشياء التي نراها اليوم، أن أغلب من يطالب بفرض عقوبات أو وقف ضخ النفط لمعاقبة الأميركيين والغرب، ليس لديهم نفط أصلًا، ويحاولون المحاربة بسيف غيرهم".

ولفت إلى أن موقف السعودية -تحت هذه الضغوط- كان واضحًا تمامًا، وهو أن النفط ليس سلاحًا، فكان هناك في اجتماع أوابك خلاف بين الدول العربية المصدّرة للنفط، فيما يخصّ موضوعين، الأول هو التأميم، والثاني هو استعمال النفط بصفته سلاحًا.

وتابع: "استمرت الخلافات لأيام، والأخبار التي كانت تأتي من الجبهات أن الحرب مستمرة كانت دافعة بشدّة، والجمهور والشارع العربي متأزم بشكل كبير، فانتهت الأمور إلى تحوّل الموقف السعودي بشكل مفاجئ، والموافقة على المقاطعة النفطية عام 1973، التي أُعلِنَت يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول".

المفاجئ في الأمر، وفق الحجي، -والحديث هنا من ناحية أكاديمية بحتة تتعلق بتحدّث القادة عن عدم استعمال النفط سلاحًا، ثم يحدث ذلك بعدها- أن الرواية الرسمية، خاصة الأميركية، تقول، إن الرئيس نيكسون وعد الملك فيصل -رحمه الله- بعدم دعم إسرائيل في الحرب، ولكنه كان يحاول تجهيز نفسه للانتخابات، والأصوات اليهودية مهمة له، لذلك كانت هناك ضغوط ضخمة عليه لمساعدة إسرائيل.

وأردف: "في الأيام الأولى، كانت إسرائيل تخسر، فكانت هناك ضغوط ضخمة، رضخ لها نيكسون، وأرسل إعانات عسكرية لإسرائيل، وكانت هذه الإعانات مشروطة بأن تصل عبر دول أخرى بعد منتصف الليل، وكان الإسرائيليون أذكياء، إذ غيّروا الخطط، واتّصلوا بالإعلام، وهبطت الطائرات في وضح النهار أمام الجميع، ووضعوا نيكسون في مأزق كبير، ليهاجمهم نيكسون بعدها، لأنه أدرك أنهم دبّروا له "مقلبًا كبيرًا".

نتائج المقاطعة النفطية عام 1973

قال خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن المقاطعة النفطية أفرزت نتائج عديدة، جزء منها سلبي، والجزء الآخر إيجابي، ولكن للوصول إلى هذه النتائج، يجب شرح أمور وأدلة على أن هذه المقاطعة لم تكن سببًا في أزمة الطاقة الأميركية منذ البداية.

وأضاف: "في 22 يناير/كانون الثاني 1973، أي قبل المقاطعة بنحو 9 أشهر، نشرت مجلة "نيوز ويك" الأميركية صفحة كاملة عنوانها (أزمة الطاقة الأميركية)، مع صور لإغلاق المدارس وتوقّف السيارات في الطرق لعدم توافر البنزين، كما نشرت مجلة "تايم" في 22 مايو/أيار 1972، أي قبل المقاطعة بنحو 15 شهرًا، مقالًا تناولَ نقص إمدادات الطاقة في البلاد بالأرقام".

في الوقت نفسه، وفق الحجي، نشرت "وول ستريت جورنال" مقالًا بعد بدء المقاطعة النفطية بأيام، وتحديدًا في 26 أكتوبر/تشرين الأول، تحدَّث عن الأرباح العالية جدًا لشركات النفط الأميركية، وكل هذه المجلات والتقارير والمقالات حتى 1974، كانت تلوم السياسات الحكومية وشركات النفط.

ولكن، بحسب الحجي، انقلبت كل الأمور في يوم واحد، كأن هناك توجيهًا معينًا بتوجيه اللوم إلى السعودية وأوبك، والأدلة كثيرة على هذا، إذ إنه فجأة، وفي يوم واحد، انقلبت الصحف التي كانت على مدى 3 أو 4 سنوات توجّه اللوم إلى السياسات الأميركية والشركات على عجز الطاقة في الولايات المتحدة، ليبدأ الهجوم على العرب.

النفط السعودي

وأوضح الدكتور أنس الحجي أن النتائج عمومًا كانت قاسية وسلبية، ومن بينها أن الدول الغربية لم تكن منتجة للنفط، إذ كانت أكثر دولة منتجة للنفط -تاريخيًا- هي الولايات المتحدة، بينما النفط لم يوجد في الأماكن الأخرى، وكانت هناك محاولات في الكونغرس الأميركي من عام 1971 للموافقة على بناء خط أنابيب ألاسكا.

ولفت إلى أن "ألاسكا" كانت تاريخيًا جزءًا من سيبيريا في روسيا، واشترتها الولايات المتحدة من روسيا، كما أنها تقع فوق كندا، لذلك فهي معزولة تمامًا عن الولايات المتحدة، ومنفصلة عنها جغرافيًا.

وكان الأميركيون، وفق الحجي، يريدون بناء خط من ألاسكا عبر كندا إلى أميركا، ورُفِض هذا الخط مرّات عدّة، وكان من أول نتائج المقاطعة النفطية الموافقة على بناء هذا الخط، الذي بُني وجلب 2.5 مليون برميل يوميًا، وهي لم تكن موجودة نهائيًا في السابق، أي إن المعروض العالمي زاد 2.5 مليون برميل يوميًا بسبب هذا الأنبوب.

كما كانت الشركات تعرف أن هناك نفطًا في بحر الشمال، ولكنه في مياه عميقة، وكان هذا مكلفًا، وتكاليفه أعلى من أسعار النفط التي كانت بحدود 2.5 دولارًا للبرميل، ولكن عندما ارتفعت الأسعار إلى 12 دولارًا أصبح الأمر مجديًا، فشجعت الشركات بريطانيا على التنقيب في بحر الشمال، وأضافت هذه الشركات أكثر من 3 ملايين برميل يوميًا.

تأسيس "وكالة" و"وزارة" و"مخزون"

قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة الدكتور أنس الحجي، إن من أبرز نتائج المقاطعة النفطية عام 1973 تأسيس وكاله الطاقة الدولية، التي تُسبِّب "وجع رأس" لكل الدول النفطية يوميًا.

كما أنه من بين النتائج، وفق الحجي، تأسيس المخزون الإستراتيجي الذي سبّب صداعًا للجميع خلال العام الماضي 2022، وطبعًا كل دولة من أعضاء وكالة الطاقة الدولية لا بد أن يكون لديها مخزون إستراتيجي، إمّا نفط خام أو منتجات نفطية، فأصبحت هذه الدول تستعد للأزمات.

وكالة الطاقة الدولية

وأضاف الدكتور أنس الحجي: "أصبحت الدول الأعضاء في الوكالة تستعمل هذا المخزون لأسباب اقتصادية وأسباب أخرى، المهم أن هذا المخزون الإستراتيجي كان في عام 1976 صفرًا، وفي نهاية عهد الرئيس جورج بوش الابن كان 700 مليون برميل، أي ما يكفي 700 يوم للسحب إذا سحبوا مليون برميل يوميًا، ما يعني كمية هائلة".

بالإضافة إلى ذلك، فإن المقاطعة النفطية أدت إلى تأسيس وزارة الطاقة الأميركية، التي تنفق المليارات حاليًا على مشروعات الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، بالإضافة إلى تبنّي سياسات أدت إلى انحسار الطلب على النفط بشكل كبير.

ومن ضمن هذه السياسات، وفق الحجي، نجد أن قطاع الكهرباء في أوروبا وأميركا كان يعتمد بشكل كبير على النفط، الآن أصبح اعتماده أقلّ من 1% في بعض البلاد، وانتهى الاعتماد على النفط نهائيًا بسبب المقاطعة النفطية، إذ طورت البرازيل صناعة الإيثانول من قصب السكر، التي تعمل بها السيارات هناك.

ومن ضمن النتائج -أيضًا- تطوير تقنيات كثيرة خفضت استهلاك النفط، ليصبح أقلّ من المتوقع بنهاية السبعينيات بنحو 14 مليون برميل، أي ضعف صادرات السعودية حاليًا، وهذا الانخفاض فقط نتيجة هذه السياسات، كلها نتجت عن موضوع المقاطعة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق