الكهرباء المولدة من الطاقة المتجددة غير مستدامة.. والسر في المعادن (مقال)
عبدالله النعيمي*
الموارد الطبيعية اللازمة لبدائل الطاقة وصناعة الطاقة المتجددة متوفرة بشكل دائم، وتتجدد بمرور الوقت؛ فالشمس والرياح والماء والكتلة الحيوية لا تفنى وتمثّل عنصر الحياة ومورد ديمومتها.
ومن خصائص الموارد الطبيعية أنها لا تلوّث البيئة وتأثيرها في الاحتباس الحراري محدود وغير مؤثّر، ويمكن استعمالها بوصفها بديلًا مهمًا للطاقة، وكانت في العصور السابقة تمثّل الموارد الأساسية للطاقة؛ فالشمس كانت مصدر التدفئة الطبيعية، والرياح كانت وسيلة النقل الطبيعية، وكذلك تعدّ المسطحات المائية والبحار والأنهار.
اليوم لا يمكن الاستفادة من هذه المصادر بشكل منفرد، ولا بد من أن ترتبط بمواد ومعادن طبيعية لتحويلها إلى طاقة مفيدة، نستطيع بها الاستغناء عن الطاقة الأحفورية.
ومع ارتباط الموارد الطبيعية المستدامة بمعادن ومواد طبيعية وأحفورية أخرى يصعب التأكد من ديمومتها، لا يمكن تسمية الطاقة الناتجة من هذا الارتباط طاقة مستدامة.
الارتباط بمواد أحفورية
كثيرًا ما نسمع -مثلًا- أن الطاقة الكهربائية والتقنيات المرتبطة بالمياه من المصادر المتجددة، لأن وقودها يتجدد بشكل طبيعي اعتمادًا على وفرة المياه، وكذلك الحال بالنسبة للشمس والرياح، وهي بدائل نظيفة للوقود الأحفوري الذي يرتبط بتغير المناخ وتأثيراته السلبية، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، إذ إن الطاقة المتجددة (الشمسية والرياح والكهرومائية) ترتبط بمواد أحفورية غير متجددة، ولها عمر زمني محدود، ولا يمكن القول بأن مواد مثل النحاس والنيكل والمغنيسيوم معادن غير متناهية ومتوفرة بكميات هائلة لا تنضب.
المواد الرئيسة اللازمة لصناعة الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح) هي النحاس والنيكل والمنغنيز، وهي متوفرة بكميات محدودة وفي مناطق محددة، كما هو مبين في الجدول المرفق، حسب المسح الجيولوجي في الولايات المتحدة (USGS).
الجدول التالي يستعرض أهم المعادن اللازمة لصناعة الطاقة المتجددة، وحجم احتياطياتها العالمية، وأبرز الدول المنتجة لها:
وتوضح الدراسة الحديثة، الصادرة من مؤسسة ماكنزي وشركائه، أن مرحلة الحياد الكربوني أو الصافي الصفري (net-zero) قد أثّرت سلبًا بوسائل الإمداد للمواد والمعادن اللازمة للتكنولوجيا منخفضة الكربون، وأن هذه المعادن والمواد ستواجه نقصًا حادًا في عام 2030.
وعلى سبيل المثال، فإن معدن النيكل سيصاحبه نقص في الإمدادات بنسبة تقارب 20% من حاجة السوق، وكذلك الحال بالنسبة للمواد الأخرى، خاصةً معادن الأرض النادرة (Rare Earth Elements) مثل الديسبروزيم (DY) العنصر الذي ترتبط به المحركات الكهربائية، والذي سيصاحبه نقص في الإمداد يقارب 70%، هذا النقص في الإمداد سوف يرافقه ارتفاع ملحوظ في الأسعار.
وقد يصل هذا النقص في توفر المعادن والمواد اللازمة للاستفادة من الطاقة المتجددة والجديدة إلى وقف في الإنتاج، ومن ثم تباطؤ في التنمية، الأمر الذي يؤدي إلى الزيادة على طلب الوقود الاحفوري، وتخلّي بعض الدول عن التزاماتها تجاه المحافظة على الأهداف المناخية، كما هو الحال في بيان رئيس وزراء بريطانيا ريتشي سوناك في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، الذي نصّ على دراسة تمديد المواعيد النهائية لفرض حظر على السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين والديزل المقررة حاليًا في عام 2030 إلى 2035، وعلى وسائل التدفئة المنزلية التي تعمل بالغاز الطبيعي.
أدبيات الطاقة المغلوطة
في أدبيات الطاقة المتجددة، كثيرًا ما يعتقد بعضهم أن المتاح من طاقة الرياح والطاقة الشمسية والكهرومائية بديل لا ينقطع، وأن التحول إلى الطاقة البديلة أمر سهل، نظرًا لديمومة المصدر، وأن الحكومات تتحمّل نتيجة التباطؤ في تنفيذ مشروعات الطاقة البديلة وأعباء عدم القدرة على الوفاء بتعهداتها.
سبق أن أشرنا -في مقال سابق- إلى أنّ ما نُفِّذ من مشروعات تُعنى بالطاقة المتجددة والجديدة يمثّل 3% من احتياجات الاستهلاك العالمي خلال العقد المنصرم، في وقت تزايد فيه الطلب العالمي على الطاقة أكثر من 18%، الأمر الذي دفع وكالة الطاقة الدولية (IEA) إلى القول بأن بعض السياسات لا بد أن تُضاف للتأكد من استمرار سلاسل الإمداد للمعادن والمواد اللازمة لصناعة الطاقة النظيفة، وأن مرونة وصمود سلاسل الإمداد لا بد أن تُبنى على شفافية بيانات استخراج المعادن والمواد المعاد تدويرها وكفاءة تلك المواد والقدرة على الابتكار وتنويع مصادر الطاقة واحتياجاتها.
من هذا المنطلق؛ فإن مصادر الطاقة المتجددة والجديدة يمكن أن تكون مستدامة، إذا ما ارتبطت بمواد ومعادن متوفرة بشكل مستمر، وتحددت وبدائلها وأماكن وجودها بوضوح.
والخيار الأكثر فعالية هو الاعتماد على الابتكار لتغيير التكنولوجيا القائمة والذهاب إلى تكنولوجيا قادرة على خفض الاعتماد على المعادن الناضبة والنادرة التي قد تؤثّر سلبًا في أسعار الطاقة.
وكذلك على ديمومة توفرها، كما تجلب الندرة في المعادن اللازمة لإنتاج الطاقة العديد من التحديات الجيوسياسية والاقتصادية التي ترتبط بالعرض والطلب والقدرة على تلبية الحاجة العالمية للطاقة البديلة.
بناءً على ما سبق، فإن المعادن والمواد اللازمة للوصول إلى الحياد الكربوني غير كافية، وإن المخزون العالمي من هذه المواد ربما يكون قادرًا على تلبية الطلب المتزايد للطاقة البديلة لمدة لا تتجاوز 15 سنة في أفضل التقديرات.
لذلك من المهم متابعة وتحليل معدلات واتجاهات الطلب على هذه المواد، وتأثير هذا الطلب على سلاسل الإمداد وسلامتها وضرورة استدامتها.
وأخيرًا، لا بد من إيجاد البدائل اللازمة لهذه المعادن وتقليل الاعتماد عليها وتنويع مصادرها.
* الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي وزير التغير المناخي والبيئة الإماراتي السابق.
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- مسؤول سعودي: الطلب على المعادن النادرة سيرتفع 4 أضعاف في 2040
-
لعنة الوقود الأحفوري تصيب المعادن النادرة.. كم دعوى حقوقية في 12 عامًا؟ (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- قيمة واردات مصر من الغاز الإسرائيلي ترتفع 53%.. وتل أبيب تفاجئ القاهرة
-
أوبك تتوقع وصول الطلب على النفط إلى 116 مليون برميل يوميًا بحلول 2045