أحلام اكتشاف النفط في ناميبيا.. هل يبددها الفساد الحكومي؟ (تقرير)
نوار صبح
- اكتشاف النفط في ناميبيا أثار حماسة مفهومة في الدولة الواقعة جنوب أفريقيا
- الإدارة السيئة لقطاع النفط والغاز يمكن أن تؤدي إلى الفساد وعدم المساواة
- الصناعة الموبوءة بالفساد في نيجيريا أدت إلى تعرّض دلتا النيجر لتسربات نفطية
- في أنغولا ونيجيريا يعاني أكثر من 40% من السكان من فقر مدقع
- اكتشاف توتال إنرجي وحده هو الأكبر على الإطلاق في المياه العميقة
- مشروعا توتال إنرجي وشل سيوفران نحو 3600 فرصة عمل بحدّ أقصى
مع تنامي عمليات اكتشاف النفط في ناميبيا، يتساءل بعض المحللين عمّا إذا كان الفساد المستشري يبدد آمال الناميبيين بمكاسب تلك الاكتشافات العملاقة لشركتي شل وتوتال إنرجي في بلدهم، التي يبلغ عدد سكانها 2.7 مليون نسمة.
ويدعو بعض المراقبين إلى التريّث في تقدير الفوائد، بالنظر إلى نتائج الاكتشافات النفطية في أماكن أخرى من القارة السمراء.
وقد أثار اكتشاف في ناميبيا بكميات كبيرة تُقدّر بنحو 11 مليار برميل من النفط الخام، قبالة شواطئ البلاد العام الماضي، حماسة المواطنين في الدولة الواقعة جنوب القارة السمراء، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وإذا كان جزء صغير فقط من هذه الكميات المحتملة، التي تُقدَّر قيمتها بنحو تريليون دولار بالأسعار الحالية، قابلًا للاستخراج واقعيًا، فإنه يحمل وعدًا بثروات هائلة للبلاد، حسبما نشرته وكالة بلومبرغ (Bloomberg) في 20 سبتمبر/أيلول الجاري.
اكتشاف النفط في ناميبيا.. نعمة أم نقمة؟
وقال وزير المناجم والطاقة الناميبي، توم ألويندو، الشهر الماضي، "إن الإدارة السيئة لقطاع النفط والغاز يمكن أن تؤدي إلى الفساد وعدم المساواة، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تأجيج التوترات الاجتماعية وتهديد الاستقرار السياسي".
وأضاف: "من الضروري أن يمتلك القائمون على هذه الموارد المهارات المطلوبة، وقبل كل شيء، أن يتمتعوا بمستوى عالٍ من النزاهة."
على صعيد آخر، أدت الصناعة الموبوءة بالفساد في نيجيريا إلى تعرُّض دلتا النيجر لتسربات نفطية، جعلتها واحدة من أكثر المناطق تلوثًا على وجه الأرض.
وشهدت أنغولا المجاورة، ثاني أكبر منتج للنفط في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، تدفقات هائلة من مبيعات النفط الخام تملأ جيوب نخبة صغيرة لها علاقات وثيقة بالرئيس السابق للبلاد.
من ناحيتها، شهدت موزمبيق، التي تقع في المنطقة الجنوبية نفسها، فسادًا هائلًا نشأ عن الاقتراض مقابل اكتشافات الغاز، قبل تطويرها، ومنذ ذلك الحين تعطّلت المشروعات بسبب التمرد المسلح.
وتركت الصناعة الموبوءة بالفساد في نيجيريا منطقة دلتا النيجر عرضة للتسربات النفطية التي جعلت منها واحدة من أكثر المناطق تلوثًا على وجه الأرض، في حين لم تفعل سوى القليل لتخفيف حدّة الفقر في المجتمعات المحلية.
ناميبيا تغير قواعد اللعبة
بالنسبة لناميبيا، الواقعة على الساحل الغربي لمنطقة أفريقيا الجنوبية التي تشتهر بمحميات الحياة البرية وصحراء ناميب، من المرجّح أن تؤدي اكتشافات النفط الأولية وحدها إلى مضاعفة حجم اقتصادها البالغ 12.6 مليار دولار بحلول عام 2040، حسب تقديرات الحكومة.
وترى ناميبيا، التي استعمرها الألمان في القرن الـ19، واستولت عليها جنوب أفريقيا حتى استقلالها في عام 1990، أن هذه الاكتشافات ستغير قواعد اللعبة؛ إذ من المحتمل أن تحوّلها المشروعات المستقبلية -بما في ذلك تطوير حقل كودو للغاز- إلى مصدّر للطاقة في جميع أنحاء المنطقة.
ويشير المحللون إلى أن الاستفادة من هذه النعمة مع تجنّب العلل التي تصيب البلدان الغنية بالموارد في أفريقيا، قد تكون أمرًا بالغ الصعوبة.
وسيذهب جزء كبير من عوائد الاكتشافات إلى الحكومة، إذ تمثّل الإتاوات والضرائب وأرباح الأسهم من شركة النفط الحكومية 58% من كل برميل من النفط الخام، وفقًا لمفوضة النفط في وزارة المناجم والطاقة الناميبية، ماغي شينو.
وقال المدير التنفيذي لمعهد أبحاث السياسة العامة، غراهام هوبوود، إنّ تجنُّب التأثير المفسد للفيضان المفاجئ للأموال سيكون أمرًا ضروريًا، وفقًا لما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وأوضح: "لعنة الموارد تشكّل خطرًا واضحًا وقائمًا على ناميبيا"، "في غضون 10 سنوات، من المتوقع أن تصبح ناميبيا أكبر منتج للنفط في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بعد نيجيريا وأنغولا، وإذا نظرنا إلى أنغولا ونيجيريا، في كلا البلدين، سنجد أن أكثر من 40% من السكان يعانون من فقر مدقع".
في المقابل، يقول المنتقدون، إن أيّ إيرادات نفطية مكتسبة من غير المرجّح أن تحسِّن وضع الناميبيين العاديين.
وقال عالم البيئة في منظمة إنقاذ أوكافانغو، رينهولد مانغوندو: "تنعم ناميبيا بموارد طبيعية ومعدنية وفيرة من الذهب واليورانيوم والألماس، وما تزال تعاني من أحد أعلى معدلات عدم المساواة في العالم".
وأضاف: "من غير المرجح أن تصل الاستثمارات النقدية الكبيرة من الشركات العالمية إلى غالبية السكان".
فضيحة شركة نامكور
تراجعت شعبية الحكومة الناميبية، مع تراجع الثقة برئيس البلاد هاجي جينغوب من أكثر من النصف إلى الربع في السنوات الـ7 حتى عام 2021، وفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة أفروباروميتر.
الجدير بالذكر أن مجموعة الشركات في شركة البترول الوطنية الناميبية نامكور المملوكة للدولة قد هزّتها الفضيحة. وفي مارس/آذار، ألقي القبض على رئيسة الشركة، جينيفر كومالي، بعد العثور على مخدرات في سيارتها الرسمية المتوقفة في ساحة انتظار الشركة.
ونفت جينيفر كومالي التهم، وأشارت إلى وجود خلافات داخلية في شركة نامكور، وقالت لبلومبرغ، إن القضية ستُعرَض على المحكمة في 3 أكتوبر/تشرين الأول، "وبعدها يجب أن يكون الطريق للمضي قدمًا أكثر وضوحًا".
وفي أبريل/نيسان، أُوقِفَ المدير الإداري لشركة نامكور، إيمانويل مولونغا، عن العمل، وسط تكهنات بشأن المدفوعات المدفوعة مقابل مربّع نفطي في أنغولا، حسبما نشرته وكالة بلومبرغ (Bloomberg) في 20 سبتمبر/أيلول الجاري.
وتمتلك نامكور عادةً حصة 10% في تراخيص النفط، ما يجعلها شريكًا لشركات شل وتوتال إنرجي وشيفرون وإكسون موبيل وقطر للطاقة وأيّ شركة أخرى تشارك في المشروع.
إضافة إلى ذلك، فإن مياه المحيط الأطلسي قبالة سواحل ناميبيا كانت تعجّ بأنشطة الحفر؛ ما اجتذب عدّة منصات، إذ تقوم شركتا شل وتوتال إنرجي بتقييم الحقول لتحديد جدواها التجارية.
وعلى الرغم من أن تقييم جميع الآبار سينتهي، فإن البلاد يمكن أن تبدأ في إنتاج النفط بحلول عام 2029 من بئر فينوس التابعة لشركة توتال إنرجي، وبعد ذلك من اكتشاف غراف التابع لشركة شل، وفقًا لشركة نامكور.
تجدر الإشارة إلى أن الكثير من البنية التحتية المطلوبة لم تُنشَأ بعد، وتمتلك شركة المواني الحكومية خططًا للتوسعة بقيمة 2.1 مليار دولار لاستيعاب سفن الدعم والتحديثات اللازمة.
وأيّ تقدُّم في استغلال الموارد سوف يمرّ عبر وزارة المناجم والطاقة الناميبية التي يرأسها توم ألويندو، وتبلغ موازنتها أقلّ من 14 مليون دولار، أي أقلّ بنحو 40 مرة من الموازنة المماثلة في جنوب أفريقيا.
وقال المؤسس المشارك لمجموعة المنتجين الجدد -وهي مبادرة غير ربحية تساعد الدول التي تفتقر إلى قطاع النفط والغاز الراسخ- فاليري مارسيل: "كل دولة تقوم باكتشافات كهذه ستحاول اللحاق بالركب"، "لا يعني ذلك أنهم لم يفعلوا شيئًا بشكل صحيح، بل لأنهم بحكم طبيعة ما يحدث يحتاجون إلى بناء قدراتهم".
اكتشافات شركتي توتال إنرجي وشل النفطية في ناميبيا
يشير اكتشاف النفط في ناميبيا إلى نتائج مبشّرة، وتوقعت مجلة أبستريم التجارية أن يكون اكتشاف توتال إنرجي وحده هو الأكبر على الإطلاق في المياه العميقة.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة الفرنسية، باتريك بويان، تعليقًا على بئر استكشاف فينوس، في عرض تقديمي للمستثمرين، إنه "يبدو كبيرا جدا" أو حتى "عملاقًا".
وقال مدير شركة شل في ذلك الوقت، دينيس زيكفيلد، بمؤتمر عُقد في ويندهوك العام الماضي، إن أحد أفراد طاقم التنظيف واجهه بمقالة في إحدى الصحف المحلية تضاعف عدد البراميل المضاربة بسعر النفط، مشيرًا إلى أن البلاد ستكون غنية.
وكانت آخر بئر لشركة شل عديمة الفائدة، ما يدل على أنه ليس من السهل دائمًا تحديد مدى غِنى الاكتشاف، وقال زيكفيلد أمام الجمهور في مناسبة بمدينة كيب تاون يوم 13 سبتمبر/أيلول: "لا تبالغ أبدًا في الوعود".
وقال المدير التنفيذي لمعهد أبحاث السياسة العامة، غراهام هوبوود: "الناس لديهم توقعات بأن جميع مشكلاتهم المالية ستُحَلّ قريبًا، وهذا ليس واقعيًا للغاية"، "ما زلت غير مقتنع بأننا سنكون قادرين على خلق الكثير من فرص العمل للناميبيين، وخصوصًا الشباب".
وترى شركة البترول الوطنية الناميبية نامكور أن مشروعَي توتال إنرجي وشل سيخلقان نحو 3600 فرصة عمل بحدّ أقصى، إذ تنفّذ الشركة التدريب لتتولى في النهاية منصب المشغّل.
وقال متحدث باسم الشركة، إن نشاط توتال إنرجي خلق أكثر من 130 فرصة عمل خلال مرحلة الاستكشاف الأولية، ويشهد زيادة المساعي الاقتصادية للمجتمعات المحلية، وقال متحدث باسم شل، إن الشركة ستعطي الأولوية "للخدمات والمهارات المحلية، حيثما أمكن ذلك".
وقال وزير المناجم والطاقة الناميبي، توم ألويندو، إن مطالب الدول ومجموعات المصالح العالمية بشأن تحول الطاقة تتجاهل مصالح ناميبيا.
اقرأ أيضًا..
- فيضانات ليبيا.. 3 شروط لعدم تكرار المأساة الناجمة عن تغير المناخ (تقرير)
- انبعاثات قطاع الكهرباء العالمي ترتفع 10% خلال 7 سنوات (تقرير)
- السيارات الكهربائية الصينية تقلق أسواق الاتحاد الأوروبي (مقال)