الطاقة في شمال أفريقيا.. هل تتعلم دول الجنوب من خبرات الجزائر ومصر وليبيا؟
هبة مصطفى
خلال السنوات القليلة الماضية، شهد قطاع الطاقة في شمال أفريقيا طفرة على أصعدة عدّة، تُشكّل "درسًا عمليًا" لدول القارة عمومًا، ودول أفريقيا جنوب الصحراء خصوصًا.
وتكافح دول أفريقيا الجنوبية لإحراز تقدّم في مسارات مختلفة لقطاع الطاقة، أبرزها جهود استكشاف النفط والغاز، غير أن جهودًا إضافية لتعزيز "الكهربة" والطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر بدأت تسطع تدريجيًا، بحسب ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.
وبالنظر إلى أن دول القارة بأسرها تُظهر تكاتفًا، يمكن أن تتحول خبرات الطاقة في شمال أفريقيا إلى نموذج يُحتذى به بالنسبة لدول الجنوب، في: (كيفية تطوير الموارد، وتوفير التمويل، والتعاون مع الشركات الأجنبية لتعزيز الاستثمارات).
وفي التقرير التالي، تستعرض منصة الطاقة المتخصصة تجارب 3 دول في شمال القارة كان لها طابع متميز، وهي: (خبرة الجزائر مع الغاز المسال، تجربة ليبيا مع تطوير قطاع النفط، سوق الطاقة المتجددة في مصر)، بحسب ما نقلته صحيفة إنرجي كابيتال أند باور (Energy Capital & Power).
ويتعين على دول أفريقيا جنوب الصحراء البحث بين دول القارة على التجارب والخبرات التي تعود عليها بالنفع، خاصة أن غالبية هذه الدول تملك موارد هائلة في حين إن معاناتها بقطاع الطاقة آخذة بالارتفاع.
أولًا.. خبرات الجزائر في قطاع الغاز المسال
تعدّ خبرة الجزائر في صناعة الغاز المسال من أبرز ما يميز قطاع الطاقة في شمال أفريقيا، إذ ركّزت على تطوير سوق الغاز المحلية والاستفادة من حجم الموارد المتاحة، والمقدَّر بنحو 159 تريليون قدم مكعبة.
وبذلت الجزائر جهودًا مضنية لتطوير مواردها من الغاز إلى أن تقلّدت المرتبة الخامسة ضمن قائمة أكبر مُصدّري الغاز المسال في العالم، وأحرزت إنجازات محلية في تطوير البنية التحتية وتوليد الكهرباء.
واحتلّت الجزائر المرتبة الثانية ضمن قائمة تدفقات الغاز إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر خطوط الأنابيب يوم 13 أغسطس/آب 2023، وفق الرسم البياني أدناه الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة:
ويمكن أن تعود خبرات الدولة الرائدة بقطاع الطاقة في شمال أفريقيا بالنفع على دول الجنوب، بتعزيز الأسواق الناشئة للغاز، للاستفادة من الموارد وتلبية الطلب وسد العجز المحلي.
وتُتيح خبرات الجزائر في قطاع الغاز المسال دعمها دولًا أفريقية أخرى بخلاف دول جنوب الصحراء، خاصة أن دولًا مثل (موزمبيق، السنغال، موريتانيا، تنزانيا) أحرزت تقدمًا في الصناعة.
وتشكّل خبرات قطاع الغاز في الجزائر مسارًا للمنتجين الأفارقة، لا سيما أن هناك توجّهًا تُخطط له وزارة الطاقة والمعادن بتوسعة التأثير والدعم داخل القارة الأفريقية، وفق رؤية رئيس البلاد "عبد المجيد تبون".
وتضمنت الرؤية الرئاسية النظر إلى قارة أفريقيا بكونها "أولوية" في التعاون، وفتح المجال أمام تعاون شركات الطاقة الجزائرية مع بقية أسواق القارة.
ثانيًا.. خبرات ليبيا في قطاع النفط
رغم ما مرّ به قطاع النفط الليبي مؤخرًا من تداعيات وأحداث عطّلت مضيَّه قدمًا، فإنه ما زال يحتفظ برونقه كونه أحد أبرز أضلاع تطور قطاع الطاقة في شمال أفريقيا.
وتعدّ إمكانات ليبيا وموارد القطاع خير شاهد على ذلك، إذ تقتنص طرابلس أكبر الاحتياطيات النفطية المؤكدة في القارة السمراء، وحجزت الموقع الـ10 ضمن أكبر الاحتياطيات العالمية، بامتلاكها ما يزيد عن 46 مليار برميل.
ويكشف الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- حجم إنتاج النفط الليبي من عام 2017 حتى العام الماضي 2022:
وتتركز غالبية احتياطيات النفط الليبي القابلة للاستخراج في حوضي سرت ومرزق، بنسبة تصل إلى 93% من احتياطيات البلاد، ومن شأن ذلك أن يعزز خبرتها في تطوير حقول النفط البرية، وتسهم بنقل هذه الخبرة إلى البلدان الأفريقية الأخرى.
ولعل تعاون ليبيا مع شركات الطاقة الأجنبية لدعم مواصلة الاستكشافات كان داعمًا لها ضمن خبرات الطاقة في شمال أفريقيا، وتعزيز استثمارات السوق المحلية على حدّ سواء.
وتفتح تجربة تطور قطاع النفط في ليبيا -خاصة الحقول البرية- باب أمل أمام دول أفريقية أخرى بالقارة اتجه إنتاجها إلى الانخفاض لتهالك حقولها وتقادمها، مثل جنوب السودان وكينيا.
ويمكن أن يشكّل تعاون طرابلس مع جنوب السودان -المنتج الوحيد للنفط على الصعيد التجاري في منطقة شرق أفريقيا- منفعة كبيرة لتطوير الاستكشافات البرية.
وبجانب جنوب السودان، تُشير وتيرة تطوير ليبيا لقطاع النفط والاستكشافات البرية إلى إمكان مساهمة الدولة البارزة بقطاع الطاقة في شمال أفريقيا لتعزيز جهود استكشاف وإنتاج النفط في كينيا، خاصة أن الأخيرة تكافح لزيادة التنقيب في حوضي "لامو، وجنوب لوكيشار".
ويمكن أن تمتد خبرات قطاع الطاقة في شمال أفريقيا لتعزيز أواصر التعاون النفطي بين ليبيا وأوغندا، في مشروعي "كينغفيشر" و"تيلنغا".
ثالثًا.. خبرات مصر في قطاع الطاقة المتجددة
عززت مصر خبرات الطاقة في شمال أفريقيا بأكثر من جانب، فمن جهة، برزت القاهرة سوقًا رئيسة بالنسبة لصناعة الغاز المسال، ومن جهة أخرى، شكّلت "نموذجًا" يمكن أن تقتدي به الدول الأفريقية في مجال الطاقة المتجددة.
واستهدفت القاهرة إنتاج 60% من كهربائها بحلول عام 2040، اعتمادًا على مصادر الطاقة المتجددة، وسخرت في سبيل ذلك أنظمتها المالية الجاذبة، وشجعت القطاع الخاص على المشاركة.
ونجحت مصر في تطوير مشروعات طاقة متجددة عدّة، أبرزها مجمع بنبان للطاقة الشمسية، الذي تصل قدرته إلى 1.8 غيغاواط، وكذلك مشروعات في مجال طاقة الرياح، من بينها: مشروع جبل الزيت بقدرة 580 ميغاواط، ومشروع الزعفرانة بقدرة 545 ميغاواط.
ويرصد الإنفوغرافيك أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أبرز إنجازات مصر في قطاع الطاقة المتجددة خلال العام الماضي 2022:
وحققت مصر معادلة مهمة لمرحلة انتقال الطاقة التي تمرّ بها دول عدّة في طريقها لتنفيذ الأهداف المناخية العالمية، إذ عززت سوق الطاقة المتجددة والنظيفة عن طريق الاستفادة من عائدات الغاز، واستعملت الهيدروكربونات حافزًا للتطوير.
ومن الممكن أن تنعكس إستراتيجية مصر في تطوير "الطاقة الخضراء" على فرص التعاون والشركات مع الدول الأفريقية الأخرى لتعزيز موارد الطاقة المتجددة، وقد تُسهم القاهرة في إنعاش رؤى الطاقة النظيفة لدى كل من: (موريتانيا، تنزانيا، أنغولا، ناميبيا).
اقرأ أيضًا..
- خبراء: قطاع النفط والغاز في لبنان ينتظر انفراجة قريبة.. وهذه أبرز التحديات
- السعودية وأسواق النفط.. ما قصة المدة الذهبية والصدام مع المضاربين؟
- احتجاز الكربون وتخزينه في الخليج.. تكلفة أقل وطموحات كبيرة للسعودية والإمارات
- سلطنة عمان تقود سباق الهيدروجين الأخضر في الخليج