مقالات الغازالمقالاتغاز

خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان "نقطة تحول".. وهذه أبرز التحديات (مقال)

بقلم: أومود شوكري - ترجمة: دينا قدري

يُعدّ خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان، الذي يشار إليه غالبًا باسم "خط أنابيب السلام"، منارة للإمكانات، في وقت يكتسب فيه أمن الطاقة والنمو الاقتصادي المستدام أهمية قصوى.

ويحمل هذا المشروع وعدًا، ليس فقط بالتخفيف من تحديات الطاقة في باكستان، بل أيضًا بتشجيع منصة لتعزيز التعاون بين هذه الدول المجاورة.

الهدف الطموح لهذا الخط هو خلق صلة بين احتياطيات الغاز الطبيعي الوفيرة في إيران، والاقتصاد الباكستاني الذي يعاني من نقص الطاقة، إلّا أنه تجدر الإشارة إلى مواجهة طهران نقصًا في الغاز الطبيعي خلال الشتاء الماضي، ومن المتوقع حدوث تحديات مماثلة في الشتاء المقبل أيضًا.

ومع ذلك، فإن الرحلة نحو تحقيق هذا الهدف محفوفة بالتحديات بسبب الديناميكيات الجيوسياسية المعقّدة، والعوامل الاقتصادية الدقيقة، والإطار المعقّد للعقوبات الدولية.

فقد جرى التخلّي -من قبل- عن مشروع خط أنابيب غاز تبلغ تكلفته عدّة مليارات من الدولارات بين باكستان وإيران، كان يهدف في البداية إلى توفير طاقة ميسورة التكلفة، وتشير التكهنات إلى أن هذا القرار تأثّر بضغط من الولايات المتحدة التي فرضت عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي.

بعد انسحاب الهند، تحوّل المشروع -الذي كان متصورًا في الأصل على أنه مسعى ثلاثي يشمل الهند وباكستان وإيران- إلى مبادرة ثنائية بين باكستان وإيران.

تطورات خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان

كانت الخطط الأولى لمشروع خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان متفائلة، إذ أظهر إمكاناته بوصفه ربطًا غير مسبوق للطاقة، إلا أن التعقيد المالي للمشروع وتعقيدات العمل مع دولة خاضعة لعقوبات دولية، كلّها تمثّل تحديات كبيرة.

فقد أدت العقوبات الأميركية إلى إبطاء تقدّم باكستان في خط الأنابيب، ما تسبَّب في حصول إيران على إشعار "القوة القاهرة، وحدث "التبرير" لتعليق الالتزامات التعاقدية.

ويُعزى هذا الخيار إلى عوامل خارجية لا تستطيع باكستان السيطرة عليها، مثل العقوبات الأميركية وجهود الاستقرار المستمرة.

ووفقًا للتقارير الأخيرة، لم تتخلَّ باكستان عن مشروعها الضخم لخطّ أنابيب الغاز مع إيران بسبب مخاوف من العقوبات الأميركية؛ إذ يزعم وزير النفط الباكستاني مصدق مالك أن المشروع ما يزال قيد التنفيذ، وأن البلدين يعملان معًا لتطوير خطط إبداعية لاستكماله في الموعد المحدد.

خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان
عمليات بناء خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان - الصورة من منصة "صوت أميركا" (Voa News)

ونتيجةً لحاجة باكستان للغاز الإيراني لضمان أمن الطاقة لديها، تجري حاليًا مناقشات لتفادي المشكلات القانونية.

وتريد باكستان استكمال المشروع بحلول مارس/آذار 2024، على الرغم من العقبات التي تسبّبها العقوبات الأميركية والأمم المتحدة.

كانت الرحلة الأخيرة، التي قام بها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى إسلام آباد، بمثابة تذكير بالتزام طهران باستكمال حصتها من المشروع.

كما تُعدّ زيارته علامة على توسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين إيران وباكستان، والتي تؤكدها خطوط نقل الكهرباء عبر الحدود والأسواق المشتركة.

نقطة تحول في باكستان

قد يكون استكمال خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان نقطة تحول في جهود باكستان لمعالجة قضايا أمن الطاقة لديها.

فالمشروع لديه القدرة على حماية البلاد من النقص المستمر في الكهرباء الذي ابتليت به منذ مدّة طويلة، من خلال إنتاج إمدادات ثابتة، ويُمكن الاعتماد عليها من الغاز الطبيعي.

بالإضافة إلى تأثيره في الطاقة، يَعِد خط الأنابيب بتقوية العلاقات بين اقتصادات إيران وباكستان؛ فقد يكون بمثابة محفّز لعلاقة اقتصادية شاملة، تمتد إلى ما وراء مجال الطاقة وتشجع التعاون في العديد من المجالات، لأنه مشروع بنية تحتية له تشعبات أوسع.

كما تتجاوز أهمية خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان الحدود الوطنية، ما يخلق فرصة للتكامل الاقتصادي الإقليمي، فقد يكون بمثابة قناة للجمع بين المصالح المتباينة، وتعزيز المزيد من التعاون عبر الحدود، إذا امتد إلى الدول المجاورة.

ويتماشى قبول خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان مع رغبة باكستان في تنويع مصادر طاقتها، والمساهمة في بيئة طاقة أكثر صداقة واستدامة للبيئة.

عمومًا، من المتوقع أن يؤدي استكمال المشروع بنجاح إلى التخفيف من نقص الطاقة، وإطلاق الروابط الاقتصادية، وتعزيز التناغم الإقليمي، وتوجيه البلاد نحو مستقبل يتمتع بطاقة أنظف.

قطاع الطاقة في باكستان

التغلب على تحديات المشروع

يُعدّ كل من الدبلوماسية الماهرة والتواصل المستمر بين إيران وباكستان ضروري للتغلب على الصعوبات التي تفرضها العقوبات الدولية والعوامل الجيوسياسية المعقّدة.

ويُمكن إيجاد أرضية مشتركة وإزالة العوائق أمام تقدّم مشروع خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان، من قبل كلا البلدين، عبر التواصل الفعّال.

بالإضافة إلى ذلك، قد يساعد إشراك المنظمات الدولية المحايدة أو الوسطاء الخارجيين في خلق مناخ ملائم لتوقع النمو، ويُمكن لمثل هذه المشاركة أن تبني التعاون من خلال تنمية الثقة بين المشاركين، ما يسمح بالحوار المفتوح.

في الوقت نفسه، يجب تنفيذ تغييرات اقتصادية هيكلية كبيرة في باكستان من أجل تحسين وضعها المالي، وزيادة جاذبيتها بوصفها موقعًا استثماريًا، وتوفير الأساس لنجاح خط الأنابيب.

ومن شأن حل المشكلات الأمنية، الحفاظ على بيئة مستقرة، ويُمكن تقليل المخاطر وحماية تنفيذ المشروع باستعمال إستراتيجية تعاونية تضم كلا البلدين في توقّع الصعوبات الأمنية المحتملة والتعامل معها.

أكثر من مجرد نقل غاز

أخيرًا، يوضح بناء خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان الإمكانات المذهلة للجهود المنسّقة لمعالجة قضايا الطاقة والقضايا الاقتصادية الملحّة.

على الرغم من التفاعلات المعقدة بين العقوبات والجغرافيا السياسية والقوى الاقتصادية التي ألقت بظلال من عدم اليقين، فإن الإستراتيجية الشاملة والتآزرية قد تحدد اتجاه هذا المسعى الثوري.

وتتضمن مثل هذه الإستراتيجية مفاوضات دبلوماسية بارعة، ومشاركة نشطة لمنظمات دولية محايدة، وإنجاز إصلاحات اقتصادية داخلية، وتعاونًا أمنيًا قويًا.

ويَعِد مشروع خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان بإقامة مسار مشترك نحو الازدهار والاستقرار والتعاون الإقليمي، بالإضافة إلى العمل بوصفه "قناة" للطاقة.

ويشمل استكمال خط الأنابيب بنجاح أكثر من مجرد نقل الغاز؛ فهو يمثّل خطوة تعاونية نحو الانسجام الإقليمي والتفاهم المتبادل والتنمية المستدامة.

ويجسّد هذا الجهد المعنى الأساسي للتعاون والمرونة والالتزام المشترك، لخلق مستقبل أكثر إشراقًا وأمانًا لكل من إيران وباكستان، من خلال تجاوز معاملات الطاقة اليسيرة.

* الدكتور أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق