تقارير النفطرئيسيةنفط

تراخيص النفط والغاز في بحر الشمال تُعجل بصدام سياسي بريطاني

بين ريشي سوناك والمعارضة

محمد عبد السند

اقرأ في هذا المقال

  • بريطانيا تعلن منح المئات من تراخيص النفط والغاز في بحر الشمال
  • تراخيص النفط والغاز في بحر الشمال تُنذر بمواجهة وشيكة بين سوناك والمعارضة
  • وتيرة التغيرات المناخية تتسارع حاليًا في العالم
  • يقول حزب العمال، إنه سيضخ استثمارات مكثفة في موارد الطاقة المتجددة
  • يرى العلماء أن معظم احتياطات الوقود الأحفوري يجب أن يظل كامنًا تحت الأرض

ضرب رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بالتزامات بلاده المناخية عرض الحائط، عبر إعلانه منح المئات من تراخيص النفط والغاز في بحر الشمال، متحديًا بذلك كل النداءات الدولية بوقف الاعتماد على الوقود الأحفوري، وسط تسارع وتيرة التغيرات المناخية.

ويرى كثيرون أن التراخيص الجديدة ستضرّ بسمعة المملكة المتحدة بوصفها رائدًا في الجهود المناخية، وهو اللقب الذي نالته لندن بصعوبة بالغة، إذ سُينظَر إليها على أنها تشجع -ضمنيًا- الدول النفطية لمواصلة أنشطتها الحالية، وعرقلة الإجراءات المناخية.

وفي هذا السياق أثارت حكومة المملكة المتحدة غضب الجماعات البيئية، بعدما كشفت النقاب عن خطط لمنح المئات من تراخيص النفط والغاز في بحر الشمال، حسبما أوردت شبكة "سي إن بي سي" الإخبارية الأميركية.

ويأتي إعلان خطط سوناك في وقت يشهد فيه العالم صيفًا جهنميًا مع تعرُّض مناطق عديدة في جنوب أوروبا وشمال أفريقيا لموجات حرارة غير مسبوقة، أدّت في حالات كثيرة إلى اشتعال حرائق الغابات، وفق تقارير طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وذكرت السلطات أن الإعلان الحكومي بشأن تلك التراخيص سيحمي ما يزيد على 200 ألف وظيفة، وسيدعم استقلال الطاقة في المملكة المتحدة، في وقت تشهد فيه البلاد اضطرابات جيوسياسية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي اندلعت شرارته الأولى في 24 فبراير/شباط (2022).

ومن المتوقع أن تًصدر الحكومة البريطانية الجولة الأولى من تراخيص النفط والغاز في بحر الشمال خلال موسم الخريف الحالي.

انقسام عميق

إلى جانب عمليات التنقيب الجديدة عن الوقود الأحفوري، أعلنت الحكومة -أيضًا- مواقع لبناء منشأتين لتقنية احتجاز الكربون وتخزينه، تقعان شمال شرق إسكتلندا، وهامبر، في إنجلترا.

كما أعلنت لندن إكمال بناء منشأتين أُخريين لاحتجاز الكربون وتخزينه.

وأشعلت تقنية احتجاز الكربون وتخزينه انقسامًا عميقًا -على ما يبدو- في الأوساط البريطانية المعنية، وفي مقدّمتها المنظمات البيئية التي أعربت عن مخاوفها إزاء آثار تلك التقنيات على الصحة والمجتمع.

سوناك يُفضّل النفط والغاز

قال رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك: "الآن، وبأكثر من أيّ وقت مضى، بات من المهم أن ندعم أمن الطاقة لدينا، وأن نستثمر في هذا الاستقلال، بما يمكّننا من توليد كهرباء نظيفة بأسعار ميسورة، وإتاحتها إلى المنازل والشركات البريطانية"، وفق ما ورد في بيان رسمي.

وأوضح البيان: "حتى عندما نصل إلى أهداف الحياد الكربوني في 2050، سياتي رُبع احتياجاتنا من الطاقة من النفط والغاز".

وأضاف: "لكن سيظل هناك أناس يفضّلون أن تأتي تلك الطاقة من بلدان معادية، على أن تأتي من الإمدادات التي نمتلكها محليًا".

ريشي سوناك
ريشي سوناك - الصورة من سكاي نيوز

انتقادات بيئية

رغم حرص الحكومة البريطانية على تأكيد ما تعدّه إيجابيًا بشأن خططها المُعلَنة حديثًا، فإن تلك الخطط قوبلت بسيل من الانتقادات اللاذعة من قبل الجماعات البيئية.

وفي هذا الصدد، قال رئيس السياسات في مجموعة فريندز أوف زي إيرث "أصدقاء البيئية" مايك تشايلدز: "ينبغي أن تركز خطط أمن الطاقة التي يتبنّاها ريشي سوناك على كفاءة الطاقة، والموارد المتجددة المتوافرة محليًا في المملكة المتحدة، بدلًا من التوجه إلى مصادر الوقود الأحفوري الأعلى تكلفة وتلويثًا للبيئة".

وأوضح تشايلدز: "التغيرات المناخية تضرب -الآن- الكوكب الذي نعيش فيه، ويمكننا أن نلحظ ذلك في حرائق الغابات وموجات الحرارة في العالم".

وأردف تشايلدز: "إن منح المئات من تراخيص النفط والغاز في بحر الشمال سيسكب المزيد من الزيت على النار، كما أن هذا لن يخدم قضية أمن الطاقة لدينا، إذ إن مصادر الوقود الأحفوري تلك ستباع في الأسواق العالمية، ولن يُحتفظ بها للاستعمال في المملكة المتحدة".

أمن الطاقة في خطر

وصف المسؤول عن المناخ بفرع منظمة "غرين بيس" في المملكة المتحدة فيليب إيفانز اعتماد لندن على مصادر الوقود الأحفوري بأنه "مروع" لأمن الطاقة، وهو "ما ينطبق كذلك على كلفة المعيشة والمناخ في المملكة المتحدة".

ولم يتسبب إعلان الحكومة البريطانية منح المئات من تراخيص النفط والغاز في بحر الشمال بغضب داخلي فحسب، بل إنه يتعارض -كذلك- مع التصريحات التي سبق أن أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، منتقدًا فيها التمويلات الجديدة الممنوحة لاستكشافات الوقود الأحفوري، واصفًا إياها بأنها مجرد "وهم".

جدال "أخضر"

يأتي إعلان حكومة المملكة منح تراخيص النفط والغاز في بحر الشمال في وقت تُعقد فيه مناقشات مستمرة حول تنفيذ السياسات الخضراء، مثل "منطقة الانبعاثات المنخفضة للغاية في لندن".

وتغطي تلك الخطة التي أعلنها عمدة لندن صادق خان -سياسي رفيع من حزب العمال- الجانب الأكبر من العاصمة البريطانية، وتقضي بفرض غرامات على المركبات التي لا تتطابق مع مجموعة محددة من معايير الانبعاثات.

ويُنظَر إلى التوسع المُخطط له في منطقة الانبعاثات المنخفضة للغاية على أنه سبب رئيس في فوز حزب المحافظين الذي يترأّسه سوناك، بمقعد عن ضاحيتي أوكسبريدج وساوث رويسليب في الانتخابات الفرعية التي جرت مؤخرًا.

حظر السيارات

في علامة على الكيفية التي ربما يستفيد بها رئيس الوزراء البريطاني من الجدل الدائر حول البيئة والحياد الكربوني، قال سوناك في تغريدة بموقع "إكس" (تويتر سابقًا): إنه "كان يراجع خططًا مناهضة للسيارات في عموم البلاد".

في غضون ذلك، شكّك بعض نواب البرلمان عن حزب المحافظين -أيضًا- في جدوى خطط الحكومة وقف السيارات وسيارات الفان الجديدة العاملة بالديزل والبنزين بحلول نهاية العقد الجاري (2030)، ضمن مُستهدف أوسع يُلزم جميع السيارات وسيارات الفان الجديدة بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2035.

وكان عدد من نواب البرلمان البريطاني من حزب المحافظين قد اقترحوا إرجاء موعد تحقيق هذا المستهدف، وهو ما لم يرُقْ -على ما يبدو- لرئيس الوزراء ريشي سوناك.

وفي هذا الصدد، قال سوناك: "مستهدف 2030 هو إستراتيجيتنا التي نلتزم بها منذ مدة طويلة، ونحن ماضون في هذا المسار، ولن نحيد عنه"، في تصريحات أدلى بها خلال مقابلة مع صحيفة صنداي تلغراف.

وتابع سوناك: "لا نفكر مطلقًا في إرجاء ذلك الموعد".

مظاهرة لأنصار المناخ في بريطانيا
مظاهرة لأنصار المناخ في بريطانيا - الصورة من بي بي سي

المناخ والوقود الأحفوري لا يلتقيان

قال المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول العام قبل الماضي (2021): "إذا ما كانت الحكومات جادة في التعامل مع أزمة المناخ، فلن يكون هناك أيّ استثمارات جديدة في النفط والغاز والفحم من الآن"، أي منذ ذاك العام، وفق ما نشرته صحيفة "غارديان" البريطانية.

ويتّفق علماء العالم مع رأي بيرول، قائلين، إن مصادر الوقود الأحفوري الجديدة لا تتوافق مع تحقيق الحدّ الأدنى المتفق عليه عالميًا بشأن الحرارة، والبالغ 1.5 درجة مئوية.

ومع ذلك، قال العلماء، إن معظم احتياطات الوقود الأحفوري يجب أن تظل كامنة تحت الأرض، غير أن حكومة المملكة المتحدة ترغب في استخراج جزء من تلك الاحتياطات في بحر الشمال.

ويرى منتقدو إعلان سوناك منح تراخيص النفط والغاز في بحر الشمال أنه إذا كان رئيس الوزراء البريطاني يُبدي حرصًا حقيقيًا على إنهاء اعتماد لندن على ما وصفوه بـ"الدول المعادية" في تحقيق أمن الطاقة، لكان قد دفع باتجاه تنفيذ سياسات يمكنها أن تخلّص البلاد من هيمنة الوقود الأحفوري.

وتشمل تلك السياسات طاقة الرياح البرية التي تُعدّ أرخص أشكال الطاقة المتجددة، والتي ما يزال سوناك يعرقل تنفيذ مشروعاتها في البلاد، إضافة إلى تحسين كفاءة الطاقة في المنازل، مثل استعمال أنظمة عزل محكمة، وخفض فواتير الطاقة.

اتهامات متبادلة

اتهمت حكومة سوناك حزب العمال بجعل بريطانيا أكثر اعتمادًا على الموارد الخارجية، إذا ما واصل السير باتجاه حظر تنفيذ مشروعات جديدة في بحر الشمال.

في المقابل، يقول حزب العمال، إنه سيضخّ استثمارات مكثفة في موارد الطاقة المتجددة، مثل الرياح، والطاقة النووية، التي تسهم في تقليل فواتير الكهرباء، وتعزيز أمن الإمدادات، واستدامتها.

وتضع خطط سوناك حكومة حزب المحافظين في صدام واضح مع حزب العمال المعارض، الذي طالما طالب بفرض حظر على مشروعات النفط والغاز في بحر الشمال، وتعزيز الاستثمارات بصناعة الطاقة المتجددة في المملكة المتحدة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق