طاقة الرياح.. كيف طوّرها الإنسان خلال 7 آلاف عام؟
محمد عبد السند
- منذ آلاف السنين استُعملت طاقة الرياح في تسيير القوارب وطحن الحبوب وضخ المياه،
- أحدثت طواحين الهواء الأميركية تطورًا مذهلًا في طاقة الرياح.
- في عام 1899، صمم لا كور ما يمكن أن يُطلق عليه أول توربين رياح حديث.
- شهد قطاع الطاقة المتجددة نموًا متسارعًا خلال السنوات والعقود القليلة الماضية.
تعدّدت استعمالات طاقة الرياح منذ آلاف السنين، بدءًا من تسيير القوارب وطحن الحبوب وضخ المياه، وصولًا إلى استعمالاتها الحالية التي أثبتت نجاحًا منقطع النظير في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والصناعية، في وقت لم تكن فيه مصادر الطاقة الأخرى معروفة أو حتى نادرة.
وشهدت تقنية توربينات الرياح قفزات كبيرة على مدى العقود القليلة الماضية، بدءًا من تطوير أول توربينات هوائية لتوليد أكثر قليلًا من 1 ميغاواط من الكهرباء في عام 1941، قبل أن يقترب الباحثون من استحداث توربينات تلامس سعتها 20 ميغاواط.
غير أن تلك الإنجازات تستند إلى مئات، بل آلاف السنين، من التطورات التكنولوجية لتسخير طاقة الرياح.
وقد استغلت البشرية طاقة الرياح منذ أن بدأت السجلات التاريخية؛ إذ استعان بها الفراعنة لتسيير القوارب في نهر النيل منذ 5 آلاف عام قبل الميلاد، وفق ما أورده موقع "بي بي في إيه أوبن مايند" (BBVA OpenMind).
طواحين الهواء
في عام 200 قبل الميلاد تقريبًا، استُعملت طواحين هواء بسيطة لضخ المياه في الصين، بينما كانت بلاد فارس (إيران حاليًا) والشرق الأوسط، تستعمل آنذاك طواحين هواء بمحور عمودي وأشرعة مصنوعة من عيدان القصب مُصممة خصيصًا لطحن الحبوب.
وفي القرن الحادي عشر، انتشرت طرق جديدة لاستعمال طاقة الرياح عبر العالم؛ فقد استعمل سكّان الشرق الأوسط طواحين الهواء على نطاق واسع لطحن الحبوب من أجل إنتاج الغذاء، قبل أن تنتقل الفكرة ذاتها إلى أوروبا عبر التجار والغزاة العائدين إليها من تلك المناطق.
وقد أتاح هذا لسكان هولندا تطوير طواحين هواء، وتعديلها لتجفيف البحيرات والمستنقعات في دلتا نهر الراين.
وظلّت طواحين الهواء تُستَعمل على نطاق واسع لضخ المياه وتجفيف المستنقعات حتى القرن التاسع عشر .
ومع اشتعال شرارة الثورة الصناعية، شهد استعمال طواحين الهواء تلك تراجعًا كبيرًا، في ظل تنامي استعمال المحركات البخارية التي تعمل بالفحم والكهرباء؛ كونها مصادر رئيسة للطاقة.
القرن الـ19 - الحرب العالمية الثانية
عندما وصلت تلك التقنية إلى حدود أميركا الشمالية في أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين، بفضل الهجرة من أوروبا، بدأ استعمال طواحين الهواء في ضخ المياه بالمزارع لتوليد الكهرباء واستعمالها لإنارة البيوت وتشغيل المصانع.
وشهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر أحد أهم التطورات في تقنية طاقة الرياح، مع ظهور طاحونة الهواء الأميركية متعددة الشفرات، التي تعمل -منذ ذلك الحين- على ضخ المياه في كل مكان في العالم.
وقد استُلهمت خصائص طواحين الهواء الأميركية تلك في السنوات اللاحقة لتصميم توربينات الرياح بأشكالها الحالية.
وفي عام 1887، بنى العالم الأميركي تشارليز إف. براش ما بات يُعرف -حاليًا- بأول توربين رياح لتوليد الكهرباء في العالم.
وقد صُنع هذا التوربين العملاق الأكبر في العالم من خشب الأرز، بقطر دوار طوله 70 مترًا، ويتكون من 144 شفرة دوارة.
وظل هذا التوربين يعمل لمدة 20 عامًا في شحن البطاريات المركبة في قبو براش.
ورغم حجمه الضخم؛ فقد أنتج هذا التوربين كهرباء سعة 12 كيلوواط، ومن ثم لم تتسم نوعية تلك التوربينات بالكفاءة المطلوبة.
ثم اكتشف العالم الدنماركي بول لا كور، توربينات الرياح المُصممة بعدد أقل من الشفرات لتوليد الكهرباء، والتي تتسم بكفاءة أعلى مقارنة بنظيرتها متعددة الشفرات؛ حيث تكتسب الأولى سرعة دوران أكبر بكثير من تلك التي طوّرها براش.
وفي عام 1899، صمم لا كور ما يمكن أن يُطلق عليه أول توربين رياح حديث، يشبه في تصميمه كثيرًا تصميم طواحين الرياح الشهيرة التي نسجها المؤلف المسرحي الإسباني ميغيل دي ثيربانتس سابيدرا في روايته الشهيرة دون كيخوت قبل 4 قرون.
وخلال النصف الثاني من القرن العشرين تطوّرت الأسس النظرية لاستعمال طاقة الرياح لتوليد الكهرباء في ألمانيا، بفضل عالم الفيزياء الألماني ألبرت بيتز، الذي وضع قانونًا في عام 1919 يحمل اسمه.
تطور فارق في الدنمارك
لعل التطور الذي مثّل علامة فارقة في تاريخ طاقة الرياح في أوروبا، قد حدث في الدنمارك؛ حيث اكتسبت تلك الطاقة النظيفة جذبًا كبيرًا في الربع الأول من القرن العشرين، وأسهمت في بناء نموذج مركزي لتوليد الكهرباء في البلاد.
وفي عام 1908، بلغ عدد مولدات الرياح المصنعة عالميًا 72، بسعة مجمعة تتراوح بين 5 كيلوواط و25 كيلوواط.
وفي مناطق أخرى على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، استُعملت طواحين الهواء على نطاق واسع في ثلاثينيات القرن الماضي لتوليد الكهرباء في مناطق زراعية مختلفة من الولايات المتحدة الأميركية، التي لم تكُن قد شهدت آنذاك تطوير أنظمة التوزيع بعد.
ولم يُركَّب أول توربين رياح بسعة تزيد على 1 ميغاواط (أو 1.25 ميغاواط على وجه التحديد) حتى عام 1941.
طوّر التوربين العالم الأميركي في طاقة الرياح بالمر كوسيليت بوتنام، وصنعته شركة "إس. مورجان سميث"، إذ جرى تركيبه في بلدية كاستليتون بولاية فيرمونت الأميركية.
ولم يستمر تشغيل هذا التوربين سوى 1000 ساعة حتى حصل خلل فني في الشفرات.
ويُشار إلى أن مثل تلك التوربينات التي ولدت هذه الكمية الهائلة من الكهرباء لم تظهر مُجددًا لأكثر من 40 عامًا.
مرحلة الابتكار الأولى (1930-1960)
قادت الحاجة لتوصيل الكهرباء إلى المناطق الريفية، وشُح الكهرباء إبان الحرب العالمية الثانية، إلى تطورات جديدة في طاقة الرياح.
وأصبحت الأدوات الديناميكية الهوائية أكثر تقدمًا، وانتهت هذه المدة نتيجة ظهور النفط والغاز رخيص التكلفة.
مرحلة الابتكار الثانية (منذ عام 1973)
قادت أزمة الطاقة والمشكلات البيئية والتقدم التكنولوجي إلى طفرة تجارية، وإنتاج الكهرباء بكميات كبيرة، إلى جانب إنتاج الهيدروجين كي تخلف الغاز الطبيعي ومصادر الوقود الأحفوري الأخرى، بوصفها مصدرًا نظيفًا للطاقة.
تراجع النفط وتحول الطاقة
مع تعرض العالم لأزمة طاقة طاحنة في سبعينيات القرن الماضي، اكتسبت طاقة الرياح اهتمامًا جديدًا، مع تطلع دول عديدة حول العالم إلى استغلال مصادر الطاقة البديلة، وفق ما ذكره موقع سبيرنجر لينك.
وجاء الكثير من التطورات التقنية في مجال طاقة الرياح إبان تلك المدة مدعومًا بالجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الأميركية ووكالة ناسا، اللتين استحدثتا برناجمًا بحثيًا صُمم خصيصًا لإيجاد مصدر طاقة على نطاق المرافق.
وبحلول العقد التالي، انخرطت الولايات الأميركية في المساعي الرامية لتعزيز مصادر الطاقة النظيفة.
فعلى سبيل المثال، تبنّت ولاية كاليفورنيا حزمة من الإجراءات الرامية لتعزيز تطوير طاقة الرياح، وتركيب آلاف التوربينات.
ومع تجدد المخاوف إزاء التغيرات المناخية، دفعت حكومات الدول باتجاه تطوير سياسات وتقديم تحفيزات لتعزيز بحوث وتطوير الطاقات المتجددة.
توجهات طاقة الرياح الحالية
شهد قطاع الطاقة المتجددة نموًا متسارعًا خلال السنوات والعقود القليلة الماضية.
ووفقًا لما ذكرته الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في عام 2010، فقد بلغت سعة الكهرباء المتجددة العالمية 1.22 تيراواط، قبل أن تصل إلى 2.8 تيراواط في عام 2020.
وأثبتت الكهرباء المتجددة دورها الحاسم نحو مستقبل مستدام؛ ما يفسر تحول الشركات والحكومات حول العالم إلى هذا المصدر النظيف منخفض التكلفة؛ للاستعاضة به عن الكهرباء المولّدة باستعمال الوقود الأحفوري المثير للجدل.
موضوعات متعلقة..
- لماذا شكَّل إعلان سيمنس عيوب توربيناتها الجديدة صدمة لقطاع طاقة الرياح؟ (تقرير)
- بدء تصنيع منصة ربط طاقة الرياح البحرية بشبكة الكهرباء الألمانية
- طاقة الرياح البحرية في المملكة المتحدة تواجه مخاطر.. "قد لا تصل للسعودية"
اقرأ أيضًا..
- صادرات النفط الروسي تهبط لأقل مستوى منذ أكثر من عامين
- ثاني أكسيد الكربون يتحول إلى "منجم" للذهب والفضة والمعادن النادرة
- وكالة الطاقة الدولية تخفض تقديرات نمو الطلب على النفط لأول مرة خلال 2023