الاعتماد على روسيا قد يعرّض استقلال الطاقة في أوزبكستان للخطر (مقال)
فيلينا تشاكاروفا – ترجمة: نوار صبح
- إعادة انتخاب شوكت ميرضيائيف تُمثِّل منعطفًا حاسمًا لقطاع الطاقة في أوزبكستان.
- إنتاج النفط التقليدي بلغ ذروته في أوائل العقد الأول من القرن الحالي.
- وجهات التصدير الرئيسة لسلع الطاقة في أوزبكستان هي الصين وروسيا وقازاخستان.
- أوزبكستان تُعَد من بين أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم.
- أوزبكستان تنتج سنويًا نحو 60 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
بناءً على النتائج الأولية، أعلنت لجنة الانتخابات المركزية في أوزبكستان فوز رئيس البلاد شوكت ميرضيائيف، لدى إعادة انتخابه بأغلبية ساحقة بلغت 87.1%، وبمشاركة قوية لأكثر من 15 مليون ناخب أدلوا بأصواتهم يوم الأحد 9 يوليو/تموز.
ودعا ميرضيائيف، الزعيم القوي لأكبر دولة في آسيا الوسطى من حيث عدد السكان منذ عام 2016، إلى انتخابات مبكّرة بعد تنظيم تعديل دستوري من خلال استفتاء عام.
وقد أعاد هذا التعديل الحاسم تحديد مدة ولايته ومدد الرئاسة من 5 إلى 7 سنوات؛ ما عزز مدة ولايته.
تجدر الإشارة إلى أن ميرضيائيف تولّى منصب رئيس الوزراء في عهد سلفه إسلام كريموف، قبل توليه الرئاسة، واكتسب خبرة مهمة في تعقيدات المشهد السياسي والإداري في أوزبكستان.
بعد الانتخابات الرئاسية، يمثّل انتصار الرئيس شوكت ميرضيائيف بداية عهد جديد لأوزبكستان.
ويعتمد نجاح رؤية الرئيس ميرضيائيف لـ"أوزبكستان الجديدة" إلى حد كبير على الإدارة الفعّالة والمستدامة لقطاع الوقود الأحفوري في البلاد.
ومن ثم؛ فإن إعادة انتخابه تُمثِّل منعطفًا حاسمًا لقطاع الطاقة في أوزبكستان، وتُعَد فرصة لتحويل مشهد الطاقة في البلاد، وتأمين الازدهار الاقتصادي في مشهد الطاقة العالمي سريع التطور.
ويتوقّف تعهده بمضاعفة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى 160 مليار دولار في المستقبل القريب، بشكل كبير، على مسار قطاع النفط والغاز في البلاد؛ ما يتطلب إعادة تقييم إستراتيجية في مواجهة التحديات المعاصرة.
إنتاج النفط التقليدي
من المهم أن نلاحظ أن إنتاج النفط التقليدي في أوزبكستان بلغ ذروته في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، وبعد ذلك حدث تراجع مستمر.
وفي السنة المالية 2019، أعلنت البلاد إنتاجًا قويًا من مكثفات الغاز؛ حيث بلغ 2.1 مليون طن.
وقد أدى هذا الرقم إلى مضاعفة إنتاج النفط التقليدي 3 مرات في العام نفسه؛ ما يشير إلى أداء قوي في هذا القطاع.
بالإضافة إلى إنتاجها النفطي المحلي، تستكمل أوزبكستان احتياجاتها النفطية عن طريق استيراد نفط خام إضافي، الذي يشكل نحو 30% من إجمالي المدخلات في مصافيها، كما هو مسجل في عام 2018.
ويلبّي ناتج التكرير بشكل كبير طلب السوق المحلية مع السماح بالتصدير بكميات صغيرة (0.13 مليون طن عام 2018).
كما هو الحال حاليًا، فإن وجهات التصدير الرئيسة لسلع الطاقة في أوزبكستان هي الصين وروسيا وقازاخستان، وتُشكِّل هذه الدول جزءًا مهمًا من سوق الطاقة الخارجية في البلاد.
بالتطلع إلى المستقبل، من المتوقع أن تستمر احتياطيات النفط والغاز في أوزبكستان المعتمدة -حاليًا- لمدة تتراوح بين 20 و30 عامًا، حسبما ورد في تقرير صادر عن موقع غازيتا الأوزبكستاني.
وتُعَد أوزبكستان من بين أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم؛ حيث تنتج سنويًا ما يقرب من 60 مليار متر مكعب؛ ما يدل على قدرات تصدير قوية.
منذ أوائل العقد الأول من القرن الـ21، كانت أوزبكستان تصدر 10-15 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا إلى الصين وروسيا وقازاخستان ودول آسيا الوسطى الأخرى.
وفي عام 2020، كانت أوزبكستان تصدر الغاز إلى الصين، لكن الاستياء المحلي من انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد أدى إلى وقف هذه الصادرات، وإعادة توجيه المزيد من الطاقة إلى الاستهلاك المحلي.
ويوضح الرسم التالي -الذي أعدته منصة الطاقة المتخصصة- إنتاج النفط ومكثفات الغاز في أوزبكستان:
تداعيات العقوبات الغربية على روسيا
شأنها شأن دول آسيا الوسطى الأخرى، تعاني أوزبكستان تداعيات العقوبات الغربية على روسيا، شريكها التجاري القديم.
بصفتها مصدرًا للطاقة تاريخيًا، تحوّل دور أوزبكستان إلى مستهلك للطاقة، معتمدةً بشكل كبير على الهيدروكربونات الروسية.
ويزداد هذا الاعتماد مع إعادة توجيه موسكو للصادرات بعيدًا عن الغرب الخاضع للعقوبات.
وفقًا لتقرير شركة بي بي البريطانية لعام 2021، وبحسب معدلات الاستهلاك الحالية، ستستمر احتياطيات الغاز في أوزبكستان لـ18عامًا فقط، والنفط لنحو 35 عامًا.
ومن ثم، يصبح من الضروري بالنسبة إلى أوزبكستان تأمين مستقبلها في مجال الطاقة.
وللتحوط من النقص المحتمل في فصل الشتاء، تفاوضت أوزبكستان على صفقة مع شركة غازبروم الروسية لشراء 2.8 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا على مدى العامين المقبلين.
إضافة إلى ذلك؛ فإن هذا الاعتماد الجديد على واردات الطاقة الروسية قد حرّض النقاد الذين يرون أنه يمكن أن يعرّض استقلالية طاقة أوزبكستان للخطر.
وأوضح وزير الطاقة في جمهورية أوزبكستان، في بيان لا لبس فيه، أن "التأكيد على أن أوزبكستان نقلت حقوقها الحصرية في جميع حقولها من النفط والغاز إلى روسيا خاطئ بشكل قاطع".
وأصدرت وزارة الطاقة، في 19 يونيو/حزيران، بيانًا رسميًا أوضحت فيه أن الشحنات اليومية، التي تبلغ نحو 9 ملايين متر مكعب من الغاز، ستبدأ من 1 أكتوبر/تشرين الأول.
وأشارت الوزارة كذلك إلى أنه ستجري معايرة هيكل التعرفة وفقًا لمعدلات السوق السائدة والأسعار المحلية داخل أوزبكستان.
في المقابل، تستلزم الخدمات اللوجستية لعملية إمداد الغاز هذه ضخ الغاز عبر قازاخستان عبر خط أنابيب وسط آسيا للغاز.
وستؤدي هذه القناة، المستعملة تاريخيًا لنقل الغاز من الجنوب إلى الشمال، دورًا محوريًا في ضمان التسليم السلس والفعال للغاز من روسيا إلى أوزبكستان.
وعلى الرغم من أن الصفقة الحالية لا ترقى إلى الحصة المتوقعة البالغة 6 مليارات متر مكعب سنويًا التي تكهّن بها الإعلام الروسي في وقت سابق من هذا الشهر؛ فإنها تشير إلى اختراق مهم في مساعي موسكو المتوترة سابقًا للتفاوض بشأن مبيعات الغاز مع المشترين من آسيا الوسطى.
ويوضح الرسم التالي -الذي أعدته منصة الطاقة المتخصصة- إنتاج الغاز الطبيعي واستهلاكه في أوزبكستان:
ثلاثية الغاز
وسط هذه الأزمة، اقترحت روسيا "ثلاثية الغاز" -اتحاد ثلاثي لتجارة الغاز يضم قازاخستان وأوزبكستان- وبعد شكوك أولية، أبدى المسؤولون الأوزبكيون انفتاحًا على الفكرة.
وبعد الاتفاق على استكشاف إمكان تغيير تدفق الغاز في خط أنابيب وسط آسيا (سي إيه سي)، بدا أن بدء عمليات التسليم بات وشيكًا.
على صعيد آخر، فإن هذا الترتيب ينطوي على تغييرات جوهرية في البنية التحتية، ويتطلب إنشاء محطة قياس غاز جديدة بحلول شهر سبتمبر/أيلول، إلى جانب تحديث 3 محطات لضخ الغاز وإضافة 22 كيلومترًا إلى شبكة خطوط الأنابيب.
وتُعَد هذه التطورات ذات آثار أوسع على المنطقة، ويمكن للمحور الروسي لاستيراد الغاز وتصديره من آسيا الوسطى أن يعيد تشكيل ديناميكيات الطاقة الإقليمية.
وهذا يثير التساؤل عن سبب عدم شراء أوزبكستان الغازَ مباشرة من جارتها تركمانستان، بينما كان ترتيب التوريد ساري المفعول حتى منتصف يناير/كانون الثاني؛ فقد توقف بسبب التعقيدات الفنية الناجمة عن الظروف الجوية القاسية.
وبالنظر إلى استمرار الصفقة الجارية بين غازبروم وتركمانستان حتى عام 2024؛ من المتوقع أن يستورد مشترو آسيا الوسطى خارج أوزبكستان؛ بما في ذلك قازاخستان وقيرغيزستان، وقود غازبروم؛ ما يخلق شبكة معقّدة من الاعتماد على الطاقة.
في ظل هذه المشكلات، يمكن لأوزبكستان تلبية احتياجاتها المحلية من خلال الواردات الروسية، بشرط عدم وجود زيادة غير متوقعة في الطلب.
ويتوقّع خبير سوق الطاقة سيرغي كوندراتييف، أن يرتفع الطلب المحلي على الغاز في أوزبكستان إلى 51-52 مليار متر مكعب في عام 2023، مقارنة بـ48.4 مليار متر مكعب في عام 2022، ومن ثم، يواجه مشهد الطاقة في البلاد تغيرات كبيرة.
للحد من اعتمادها على إمدادات الطاقة الروسية، اتخذت أوزبكستان خطوات جديرة بالثناء.
ويمثل تحرير قطاع النفط في عام 2020، وتحرير الغاز في عام 2019، والهدف المتمثل في تحرير الغاز بالكامل بحلول عام 2026 تدابير لجعل اقتصاد الطاقة مرنًا ضد الصدمات الخارجية والاستنزاف الداخلي.
وتؤكد هذه الخطوات التزام أوزبكستان بمستقبل آمن للطاقة، وتمهّد الطريق أيضًا لعصر جديد من الطاقة المستدامة للبلاد.
وسط نمو سكان البلاد، من المتوقع أن يرتفع الطلب على الغاز الطبيعي بنسبة 30% إلى 65 مليار متر مكعب بحلول عام 2030.
ويوضح الرسم التالي -الذي أعدته منصة الطاقة المتخصصة- إنتاج بعض المشتقات النفطية في أوزبكستان:
ويمكن أن يؤمّن الاستعمال الفعال للغاز، إلى جانب تطوير إمكانات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في البلاد، مستقبل الطاقة والمساهمة في جهود التخفيف من تغير المناخ العالمي.
ولتقليل اعتمادها على إمدادات الطاقة الروسية، اتّخذت أوزبكستان خطوات لتحرير قطاعها النفطي (2020)، وتحرير الغاز (2019)، وتهدف إلى تحرير الغاز بالكامل بحلول عام 2026.
وتهدف هذه الإجراءات إلى جعل اقتصاد الطاقة أكثر مرونةً في مواجهة العوامل الخارجية، ويرحّب خبراء الصناعة وقادة الأعمال بالصدمات والاستنزاف الداخلي.
وسيؤدي تنفيذ سياسات أوزبكستان إلى زيادة إنتاج الغاز إلى 42.3 مليار متر مكعب في عام 2024، فضلًا عن جذب استثمارات للتنقيب والإنتاج بما لا يقل عن 1.8 مليار دولار بحلول عام 2024.
ومن المقرر زيادة إنتاج المنتجات النفطية 2.1 ضعفًا إلى 3.2 مليون طن سنويًا بحلول عام 2024، والغاز المسال إلى 1.5 مليون طن.
ومن خلال تعزيز الاستعمال الفعّال للغاز وتسخير إمكانات البلاد الكبيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، يمكن لأوزبكستان تأمين مستقبل طاقتها.
* فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- الغاز الروسي يتدفق إلى أوزبكستان لأول مرة قبل نهاية 2023
- أول مشروع لإنتاج الهيدروجين والأمونيا في أوزبكستان تنفذه أكوا باور السعودية
- أوزبكستان تدخل في ورطة بسبب توقف صادرات الغاز من جارتها
اقرأ أيضًا..
- صادرات النفط الروسي تهبط لأقل مستوى منذ أكثر من عامين
- وكالة الطاقة الدولية تخفض تقديرات نمو الطلب على النفط لأول مرة خلال 2023
- ثاني أكسيد الكربون يتحول إلى منجم للذهب والفضة والمعادن النادرة