الانتقادات الموجهة إلى الهيدروجين لم تمنع الشركات من ضخ استثمارات جديدة
مع المزيد من السياسات الحكومية الداعمة
أحمد أيوب
تتزايد الانتقادات الموجهة إلى الهيدروجين كونه مصدرًا نظيفًا للطاقة، مع وجود مؤشرات على أن إنتاجه من الغاز الطبيعي والوقود الأحفوري يتزايد مقارنة بإنتاج الهيدروجين الأخضر من مصادر الطاقة المتجددة.
يأتي ذلك على الرغم من المزايا والتسهيلات الكبيرة التي تمنحها الدول حول العالم لتشجيع الاستثمارات في هذا القطاع المهم، ويشمل ذلك الولايات المتحدة الأميركية، ودول أوروبا، وأستراليا، بحسب تقرير نشرته صحيفة فاينانشال تايمز، مؤخرًا، واطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
ويبدو أن هذه الانتقادات التي تلحق بصناعة الهيدروجين حول العالم لم تُثنِ الشركات عن إقامة مشروعات جديدة أو التوسع في مشروعات قائمة.
الانتقادات الموجّهة إلى الهيدروجين
يُمكن إنتاج الهيدروجين الأخضر من خلال آليات التحليل الكهربائي باستعمال الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أو غيرهما من مصادر الطاقة المتجددة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن معظم الإنتاج الحالي من الوقود يكون من خلال الغاز الطبيعي أو الوقود الأحفوري، وهذا يُقلل من إمكاناته بوصفه وقودًا نظيفًا.
وتتبنى مجموعة من الناشطين في مجال حماية البيئة وجهة نظر، مفادها بأن إمكانات الهيدروجين مُبالغ فيها، الأمر الذي يُثير قلقًا لدى المستثمرين، كما أن البعض لديه شكوك حول أن الاستثمار فيه أصبح محفوفًا بالمخاطر في السنوات الأخيرة.
وأحد الأمثلة على ذلك، هي شركة نيكولا، التي تُعد أحد أهم مُصنعي الشاحنات الكهربائية، ونالت هذه الشركة إشادة واسعة بسبب تقنيتها للهيدروجين الخاصة بها.
وقالت الشركة في شهر مايو/أيار الماضي، إن سعر سهمها قد انخفض، وإنها مُعرضة لخطر الشطب من بورصة ناسداك، في أعقاب ادعاءات طالتها من أحد المتداولين على أسهمها من خلال آلية البيع على المكشوف.
وادّعى هذا المستثمر في عام 2020 أن نيكولا تبالغ في إمكاناتها التقنية الخاصة بالهيدروجين.
وآنذاك، اتخذ المؤسس المشارك لصندوق التحوط فاليو آكت كابيتال، المستثمر السابق وعضو مجلس الإدارة لدى نيكولا، جيف أوبين، موقفًا مدافعًا عن الشركة.
ارتفاع النفقات
خلال الآونة الأخيرة، تضررت مشروعات الهيدروجين من تضخم التكلفة الذي يُثقل كاهل المنشآت الجديدة.
وقال الرئيس التنفيذي لـصندوق "إتش واي 24"، بيير إتيان فرانك -الذي أعلن استثمارات بقيمة ملياري يورو لمشروعات الهيدروجين في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي 2022-، إن زيادة النفقات الرأسمالية لهذه المشروعات يُمكن أن ترفع أسعار وقود الهيدروجين بشكل لا يُمكن تحمُلِه.
وأضاف فرانك أن صناعة الهيدروجين تعاني الآن، لكنه يثق بأن هذا لن يدوم، ما دام يمكن السيطرة على تكاليف الإنفاق الرأسمالي والحفاظ على مستوياتها منخفضة، ووضع سياسات لدعم نشر الهيدروجين.
وحذّر بنك جي بي مورغان -في تقرير له خلال شهر مارس/آذار الماضي- من أن المستثمرين يجب أن "يكونوا حذرين من الإفراط في التفاؤل" فيما يتعلق بالهيدروجين، لأن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والبدائل الأخرى منخفضة الكربون تبدو أكثر جاذبية من الناحية الاقتصادية.
إقبال المستثمرين رغم الانتقادات
على الرغم من الانتقادات الموجهة إلى قطاع الهيدروجين، ما يزال بعض كبار المستثمرين مُقبلين على إقامة مشروعاته أو التوسع في أخرى قائمة.
وجمعت شركة "أوميوم" للهيدروجين الأخضر في أميركا -في أبريل/نيسان الماضي- 250 مليون دولار، بغرض إجراء توسعات جديدة خاصة بالإنتاج.
وأعلنت شركة "تي بي جي" لأول مرة قسمًا للمناخ ضمن وحدة الاستثمار بها عام 2021.
وقال الشريك في تي بي جي، إد بيكلي، إنه على الرغم من التحديات التي تواجه الاقتصاد الكلي، فإننا نشهد نموًا سريعًا في سوق الهيدروجين الأخضر.
وأوضح أن تنظيم السوق حفّز الاستثمارات في هذا الوقود النظيف، مع تركيز الحكومات حول العالم بصورة أكبر على ملف أمن الطاقة.
وأشار إلى أن الهيدروجين من المقرر أن يؤدي دورًا مهمًا في إزالة الكربون من الصناعات التي يصعب تشغيلها بالكهرباء، وذلك في معرض حديثه عن أن مصادر الطاقة المتجددة ما تزال هي الأفضل لتوليد الكهرباء.
وتابع: "كلا المصدرين بحاجة إلى النمو بشكل كبير خلال العقود المقبلة حتى نحقق طموحاتنا في إزالة الكربون".
وترى الشركات العاملة في مشروعات البنية التحتية للهيدروجين أن هناك حاجة إلى مزيد من الاستثمارات في هذا القطاع.
وقال مجلس الهيدروجين -مجموعة ضغط مقرها بروكسل، وتتألف من شركات "مايكروسوفت" و"إيرباص" و شركة النفط البريطانية "بي بي" وآخرين- في مايو/ أيار الماضي، إن مليارات الدولارات قد أُعلن الالتزام بها للمشروعات الخاصة بالهيدروجين، لكن "قرارات الاستثمار متأخرة، مع تنفيذ 10% فقط من حجم الاستثمارات".
المزيد من الإيجابيات للهيدروجين
من المتوقع أن يستفيد الهيدروجين -أيضًا- من التقدم في مشروعات الطاقة الأخرى، مثل تقنيات تخزين الكهرباء، وفقًا لما ذكره بنك "دويتشه بنك" في تقرير له خلال شهر مايو/أيار الماضي.
فهناك حاجة إلى تخزين الكهرباء في أثناء عملية إنتاجه من خلال تقنيات التحليل الكهربائي، إذ إن توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يمكن أن يكون متقطعًا.
وقال محلل الطاقة لدى مورنينغ ستار، ستيفن إليس، إنه بعد كل الضجيج المثار حول شركة نيكولا وشركات الهيدروجين الناشئة الأخرى في السنوات القليلة الماضية، "تحولت مواقف المستثمرين إلى نظرة أكثر رصانة، فيما يتعلق بالاستثمار في مجال الهيدروجين الأخضر".
ومن المؤكد أن الاهتمام بهذا الوقود النظيف بات الآن أكبر، بفضل قانون خفض التضخم الأميركي، الذي أسهم في إبرام المزيد من الصفقات.
ويستشهد إليس بأمثلة لشركات "شارت إندستريز"، وهي شركة للغاز أكملت في مارس/آذار الماضي استحواذها على شركة هاودن لمنتجات الهواء والغاز، للبدء في إنتاج الهيدروجين.
حوافز الدول للقطاع
يؤدي إقرار حوافز الهيدروجين والنجاح في حشد الأموال لهذا القطاع إلى زيادة الزخم حوله، وهو ما يؤدي إلى تخفيف المخاوف بشأن إمكاناته بوصفه وقودًا نظيفًا.
وتقدم الحكومات في الولايات المتحدة وأوروبا مجموعة من السياسات الداعمة، من أجل تعزيز ثقة المستثمرين الجدد في هذا القطاع.
ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أبرز الدول المرشحة عالميًا لإنتاج الهيدروجين:
ففي الولايات المتحدة، أقر قانون خفض التضخم إعفاءً ضريبيًا جديدًا للهيدروجين النظيف، بالإضافة إلى منحة قدرها مليارا دولار للمركبات الكهربائية التي تعمل بخلايا وقود الهيدروجين.
وفي العام الماضي 2022، أقر قانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف الأميركية 8 مليارات دولار للمشروعات الخاصة بالهيدروجين.
وفي أوروبا، تعمل المفوضية الأوروبية على إنشاء ما يُعرف بـ"بنك الهيدروجين" باستثمارات 800 مليون يورو من خلال صندوق الابتكار التابع للاتحاد الأوروبي لتقنيات منخفضة الكربون.
وبالمثل، في المملكة المتحدة، اقترحت الحكومة مضاعفة إنتاج هذا الوقود إلى 10 غيغاواط بحلول عام 2030 كونه جزءًا من إستراتيجيتها لأمن الطاقة، وفي مارس/آذار أعلنت قائمة بالشركات التي يمكنها التقدم للحصول على تمويل.
وفي غضون ذلك، التزمت أستراليا بنحو 1.6 مليار دولار أسترالي (1.10 مليار دولار أميركي) لتسريع تطوير صناعة الهيدروجين.
موضوعات متعلقة..
- انتقادات تنسف جدوى الهيدروجين الأخضر في أستراليا
- مزج الهيدروجين بالغاز يواجه اتهامات بـالغسل الأخضر
- الهيدروجين قد يزيد نسبة الاحتباس الحراري عالميًا (دراسة)
اقرأ أيضًا..
- قيمة صادرات الغاز الطبيعي والمسال المصرية تنخفض 67%
- صفقة بيع مفاجئة في حقل تندرارة للغاز المغربي.. ودخول شركة كندية
- أزمة طاقة جديدة في أوروبا على مشارف الشتاء (مقال)