التغير المناخيتقارير التغير المناخيرئيسية

6 دول تهدد تحول الطاقة في أوروبا.. ألم تتعلم الدرس الروسي؟

أسماء السعداوي

برز تحول الطاقة في أوروبا بصفته ملاذًا آمنًا من طغيان الإغراق الروسي لقطاع النفط والغاز، ولتحقيق أهداف الحياد الكربوني ومكافحة تغير المناخ.

فبعد الحرب الروسية الأوكرانية وما تلاها من قطع الإمدادات القادمة من موسكو، لجأت بعض الدول إلى مصادر الطاقة المتجددة لإيجاد بدائل نظيفة ومستدامة لتوليد الكهرباء.

وعلى العكس من ذلك، رأت دول غرب البلقان أن استيراد الغاز وإنفاق الأموال الشحيحة لإقامة البنى الأساسية لنقله لأراضيها سيحلّ الأزمة، بحسب مقال رأي للكاتبين غليغور راديتيش وببا غالوب نشرته صحيفة "إي يو أوبزرفر" (euobserver)، واطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

غرب البلقان يحلّق خارج السرب

في الوقت الذي تسعى فيه القارة إلى التخلص من أغلال الاعتماد على النفط والغاز الروسيين، لجأت دول غرب البلقان إلى زيادة واردات الغاز؛ ظنًا منها أنها تفطم نفسها عن التدفقات الروسية، لكنها لا تدري أنها تضرّ بذلك تحوُّل الطاقة في أوروبا.

وأعلنت الدول الـ6، وهي ألبانيا والبوسنة والهرسك وكوسوفو ومقدونيا الشمالية والجبل الأسود وصربيا، إقامة سلسلة من خطوط أنابيب الغاز والمواني ومحطات الكهرباء، وذلك خلال العام الماضي (2022).

وتلقّت تلك الخطط دعمًا ماليًا وسياسيًا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة -وفق المقال-، كما وتتضمن إنشاء أول محطتين لاستيراد الغاز الطبيعي المسال.

فقد عقد كل من رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين، والمفوض الأوروبي لشؤون الطاقة كادري سيمسون، ومفوض شؤون التوسع وسياسة الجوار بالاتحاد أوليفر فاريلي، لقاءات منتظمة مع مسؤولين في أذربيجان، لزيادة إمدادات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي ودول غرب البلقان.

كما يخطط بنك الاستثمار الأوروبي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية لتمويل خط أنابيب الغاز الواصل بين اليونان ومقدونيا المالية، الذي سيؤدي إلى زيادة واردات الغاز إلى مقدونيا الشمالية.

وكشف بحث جديد أجرته مؤسسة "غلوبال إنرجي مونيتور" وشبكة بانك ووتش أن تكلفة مشروعات الغاز الجديدة بالمنطقة تزيد عن 3.5 مليار يورو (3.8 مليار دولار أميركي).

ولفت المقال إلى أن البنية الأساسية للغاز -في معظم الحالات- ستُبنى من العدم، وستكلّف الكثير وستستغرق سنوات لإكمالها؛ ما يعني أنها ستبقى لأعوام طويلة مقبلة، بحسب التقرير الذي طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- صادرات الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب، في عامي 2021 و2022:

صادرات الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب

عقبات أمام الطاقة المتجددة

ربما يكون التخلف عن تطوير قطاع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في غرب البلقان -إلى الآن- سببًا وجيهًا يبرر لتلك الدول استمرار اعتمادها على الغاز واستثمارها فيه، بصفته "منطقة الراحة الخطرة".

فمن غير المنطقي توقُّع توجّه تلك الدول إلى تحول الطاقة والتخلي عن الغاز والاعتماد كلية على مصادر الطاقة المتجددة، لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، كباقي الدول الأوروبية.

ويمكن تبرير ذلك بالنظر إلى ضعف ميزانيات تلك الدول الـ6 وانتفاء القدرات التنظيمية والمؤسسية، التي تسمح بذلك التحول العظيم، حسبما أوضح المقال الذي اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

عواقب خطيرة

يبلغ معدل استهلاك الغاز في غرب البلقان أقلّ من 4 مليارات متر مكعب سنويًا، ويُستعمَل معظمه لأغراض التدفئة وفي قطاع الصناعة.

وتستحوذ صربيا على نحو 60% استهلاك الغاز في غرب البلقان، في حين يُعدّ الجزء الأكبر من المنطقة (ألبانيا والجبل الأسود وكوسوفو) غير متصل بشبكة الغاز العالمية حاليًا.

ومن المتوقع -بحسب المقال- أن يؤدي الطلب المرتفع على الغاز إلى تعريض منطقة غرب البلقان لأسعار الغاز المتقلبة.

وهذا يعرّض المنطقة إلى "سيناريوهين":

  • في حالة استهلاك الغاز، من المحتمل أن تلجأ الحكومات إلى دعمه خلال أوقات ارتفاع الأسعار، وهو ما يفرض قيودًا جديدة على الميزانيات المحدودة لتلك الدول.
    وربما تلجأ إلى روسيا -الراغبة والقادرة على تلبية طلبيات الغاز -إذ إنه يخدم مصالحها الجيوسياسية- أكثر من شراء غاز رخيص من أذربيجان أو شراء الغاز الطبيعي المسال.
  • في حالة عدم استهلاك الغاز، وبالنظر إلى فقر الطاقة والحساسية السياسية لفواتير الكهرباء المرتفعة، لن تكون لدى المستهلكين الرغبة أو القدرة على تحمُّل أسعار الغاز العالية، وربما يؤدي بالبنى الأساسية إلى مصير الأصول المهجورة.

تحول الطاقة في أوروبا

إذا نُفّذت خطط دول غرب البلقان، من المتوقع أن تعرقل تحول الطاقة في أوروبا إلى مصادر الطاقة المتجددة، كما ستؤدي إلى تفاقم المخاطر الاقتصادية والأمنية، بما فيها تلك المتعلقة بروسيا.

يرى كاتبا المقال أن تلك الخطط ستؤدي إلى توسيع نطاق الاعتماد على الغاز لتوليد الكهرباء بصورة كبيرة داخل منطقة غرب البلقان، كما ستحول دول استغلال الموارد المالية للاستثمار في كفاءة الطاقة والموارد المتجددة المستدامة.

يأتي ذلك في الوقت الذي يحمل فيه تحول الطاقة بأوروبا إلى المصادر النظيفة أهمية بالغة؛ من أجل مكافحة تغير المناخ وتحقيق هدف خفض صافي انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، بواقع 55% بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 1990.

كما اتفق قادة الاتحاد الأوروبي على رفع حصة الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء إلى 42.5% بحلول 2030، ضمن خطط الاستغناء نهائيًا عن الوقود الأحفوري الروسي.

درس روسي لن يُنسى

أحد العمال في خطوط أنابيب الغاز الروسي
أحد العمال في خطوط أنابيب الغاز الروسي - الصورة من وكالة بلومبرغ

كشفت الحرب الروسية الأوكرانية النقاب عن حجم الاعتماد المفرط على النفط والغاز الروسيين، بعدما قطعت موسكو إمدادات الغاز عن أوروبا عقب وقف خط أنابيب نورد ستريم 1، لإجراء بعض الإصلاحات.

وردًا على غزو أوكرانيا، قرر الاتحاد الأوروبي معاقبة موسكو، متعهدًا بالتخلّي عن الغاز الروسي نهائيًا، لكنه لم يفرض عقوبات مباشرة بعد، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

ورغم انخفاض واردات الغاز والغاز المسال الروسية إلى أوروبا خلال عام 2022، فإنها وجدت طريق العودة إلى القارة العجوز ثانيةً عبر السفن والناقلات الحاملة للغاز المسال البديل.

ورغم التوترات، ارتفعت صادرات الغاز الروسي إلى القارة بنسبة 7.5% في أبريل/نيسان 2023، عبر خطوط نقل الأنابيب التركية، بحسب ما أظهرته بيانات وكالة رويترز، في 2 مايو/أيار الجاري.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق