استحواذ روساتوم الروسية على سوق الطاقة النووية العالمية يثير قلق أوروبا
بعد امتداد نشاطها إلى 54 دولة
رجب عز الدين
ما زال استحواذ شركة روساتوم الروسية على سوق الطاقة النووية في العالم يثير الجدل بين أنصار الشركة وخصومها، لا سيما بعد الحرب الأوكرانية التي رفعت من سقف العداء لموسكو بين الأوروبيين والأميركيين على وجه الخصوص.
وتخطط أغلب الدول الأوروبية لإنهاء اعتمادها على روسيا في جميع قطاعات الطاقة، بداية من النفط والغاز وحتى الطاقة النووية في غضون سنوات، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ورصد مقال تحليلي متخصص، في أواخر فبراير/شباط الماضي (2023)، مشكلات فنية في أداء شركة روساتوم الروسية، تنبأ بتراجع مستوى اعتماد العالم عليها في مجال الطاقة النووية، وفق ما نشرت مجلة "ناتشر إنرجي" البريطانية المتخصصة.
واضطرت الشركة الروسية إلى الرد بصورة تفصيلية على ما وصفته بـ"إغفال حقائق وتناقض في التناول الغربي" لنشاطها، وفقًا لتقرير منشور على الموقع الإلكتروني لروساتوم.
وتنافس شركة روساتوم الحكومية شركات صينية وفرنسية ويابانية وكورية وأميركية رائدة، للاستحواذ على الحصة الأكبر من سوق الطاقة النووية في العالم.
أداء الشركة خلال 16 عامًا
تتميّز شركة روساتوم الروسية عن غيرها، بانخراطها في جميع مراحل مشروعات الطاقة النووية، بداية من استخراج اليورانيوم وتخصيبه، وصولًا إلى تصنيع الوقود النووي والتخلص من نفاياته.
كما يمتد نشاطها إلى تصنيع المفاعلات النووية وتركيبها وتشغيلها وصيانتها على مستوى 54 دولة حول العالم، من خلال 330 شركة تابعة وعدد ضخم من المهندسين والفنيين والعمال، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ورسخت الشركة الروسية أقدامها في مجال الطاقة النووية السلمية منذ تأسيس ذراعها المدنية في عام 2007، لتصبح المزوّد الرائد للخدمات النووية في العالم.
حصص الاستحواذ حتى 2017
شيّدت الشركة الروسية 10 مفاعلات نووية خلال المدة من 2007 إلى 2017، كما استحوذت على 23 طلبًا لشراء خدماتها النووية المختلفة من أصل 31 طلبًا معروضًا عالميًا، بالإضافة إلى استحواذها على نصف وحدات المفاعلات النووية تحت الإنشاء في جميع أنحاء العالم.
وتوفر روساتوم الوقود النووي للمفاعلات، وتتحكم في 38% من تحويل اليورانيوم عالميًا، و46% من قدرات تخصيبه، بالإضافة إلى التخلص من النفايات، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ومنحت هذه القدرات روسيا نفوذًا كبيرًا في سوق الطاقة النووية عالميًا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لتصبح المورد الأساسي في 50% من الاتفاقيات الدولية المتعلقة ببناء محطات الطاقة النووية أو المفاعلات أو إمدادات الوقود أو التخلص من النفايات خلال مدة الـ15 عامًا الممتدة بين 2000 و2015.
35 مفاعلًا حتى 2021
يتنافس مع روسيا في مجال الطاقة النووية كل من الصين وفرنسا واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، إذ تستحوذ هذه الدول مجتمعة على 40% من سوق الطاقة النووية عالميًا.
ورغم الضجة التي حصلت بعد حادث مفاعل فوكوشيما في اليابان عام 2011، فإن مكانة الشركة الروسية في سوق الطاقة النووية لم تتأثر، بل ظلّت ترسخ أقدامها عامًا بعد عام حتى 2021.
فقد بلغ عدد المشروعات النووية التي تطورها الشركة الروسية نحو 35 مفاعلًا حول العالم حتى عام 2021، وفقًا لتقرير سنوي صادر عن شركة "أتوم إنرجو بروم" القابضة التي تدير الأصول النووية المدنية لشركة روساتوم.
ثاني أكبر احتياطي يورانيوم
ارتفعت حصة الشركة الروسية في نشاط تخصيب اليورانيوم إلى 38%، بالإضافة إلى استحواذها على المركز الثاني عالميًا من حيث حجم احتياطيات اليورانيوم وتعدينه بنسبة 15%.
كذلك ارتفعت حصة الشركة في إنتاج الوقود النووي المشغل للمحطات النووية المولدة للكهرباء إلى 17% من السوق العالمية، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ولم تتأثر الشركة الروسية كثيرًا بالعقوبات الغربية المفروضة على موسكو منذ الحرب الأوكرانية في عام 2022، باستثناء مشروع محطة نووية واحدة علقتها فنلندا التزامًا بالعقوبات الأوروبية.
وانخفضت محفظة مشروعات الشركة الروسية حول العالم بعد هذا التعليق، من 35 إلى 34 مشروعًا، مع الإشارة إلى أن فنلندا لم تلغ المشروع نهائيًا، وإنما علقته إلى أجل غير مسمى، وربما تراجعه في وقت ما.
وتكمن القدرة التنافسية لشركة روساتوم في الترويج لنفسها في صورة "متجر نووي متكامل" يمكن للمتعاقد معه أن يضمن احتياجاته كافة من بداية المعدات وحتى التشغيل والتخلص من النفايات، خلافًا لشركات أخرى منافسة لا تقدم جميع الخدمات النووية المرتبطة بالمفاعلات.
لهذا السبب اكتسبت الشركة الروسية شهرة عالمية متزايدة جذبت أغلب الدول الجديدة في استعمال الطاقة النووية لأغراض توليد الكهرباء حول العالم.
تحديات الحرب الأوكرانية
نجحت الشركة في تشغيل مفاعل جديد في سلوفاكيا يناير/كانون الثاني 2023، لكنها واجهت مشكلات في تزويد مفاعلات بلغاريا والتشكيك وبولندا بالوقود النووي بصورة منتظمة بسبب العقوبات المفروضة على موسكو منذ الحرب الأوكرانية.
وينطبق الأمر نفسه على محطة الطاقة النووية التي تبنيها موسكو في بنغلاديش، فلا يمكن لسفينة روسية تحمل شحنة وقود للمحطة الواقعة في جنوب شرق آسيا أن تمر عبر المياه الإقليمية سالمة دون إيقاف أو فرض عقوبات.
كما احتُجز طاقم سفينة سلمت وقودًا نوويًا روسيًا إلى مفاعل ريفني النووي في أوكرانيا، لمدة شهر، وجرى تبادلهم بوصفهم أسرى حرب خلال العام الماضي، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
واختطفت موسكو عقد توريد الوقود النووي لمفاعل أبحاث بولندا في عام 2015، من شركة فرنسية كانت تزوّد المفاعل بوقود نووي فرنسي منافس.
يُشار إلى أن المفاعلات النووية لا تحتاج إلى التزوّد بالوقود بصورة دورية مثل محطات الكهرباء العاملة بالوقود الأحفوري، وإنما يكفيها التزوّد مرة كل 12 إلى 24 شهرًا.
وغالبًا ما تسلم شركة روساتوم شحنات الوقود النووي المتفق عليها مع المفاعلات قبل نفاد دورة الوقود بشهر على الأقل، كما يمكن للشركة أن تعيد ترتيب خلط الوقود في المفاعل، لتمديد وقت التشغيل لعدة أشهر تجنبًا لأي أحداث طارئة قد تعطل الإمدادات.
تركيا ومصر والسعودية
نجحت الشركة الروسية في توقيع اتفاقيتين لإنشاء محطتين للطاقة النووية في تركيا ومصر خلال يوليو/تموز، وأغسطس/آب 2022، أي بعد اندلاع الحرب الأوكرانية بـ5 أشهر فقط.
وتتعاون روساتوم مع الأردن منذ عام 2018 في إنشاء مفاعل معياري صغير، وتستعد منذ أشهر لدخول مناقصة أول مشروع نووي في السعودية بالتوازي مع مفاوضات مع الإمارات لإنشاء مفاعلات نووية منخفضة القدرة.
وتشعر أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل بقلق بالغ من زيادة نفوذ روسيا في سوق الطاقة النووية حول العالم، وسط مخاوف من استعمال موسكو لهذا النفوذ في أغراض سياسية مستقبلية، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ويخشى المنافسون استعمال الحكومة الروسية قدراتها في توريد الخدمات النووية وتشغيلها ووقفها، في معاقبة بعض الدول أو إكراهها على موقف سياسي تريده موسكو مستقبلًا.
لا ضغوط من بوتين
تنكر روساتوم تعرضها لأي ضغوط سياسية من قبل الحكومة الروسية للضغط على أي دولة متعاقدة معها على مشروع أو شحنات وقود نووي.
وتتحدى الشركة الروسية المعارضين لها أن يأتوا بقضية واحدة مارست فيها ضغوطًا متعمدة على أي دولة، أو أسهمت في خلق أزمات نووية في أي دولة منذ عام 2007 أو قبل ذلك.
وتؤكد الشركة تعريف نفسها بكيان تجاري دولي يهدف إلى تعظيم عائداته وأرباحه من خلال التوسع في مشروعات الطاقة النووية وخدمات تشغيلها على مستوى العالم.
وسجلت الشركة إيرادات قياسية بقيمة 1.7 تريليون روبل روسي (14 مليار دولار)، وفقًا لأحدث نتائج أعمال سنوية معلنة أواخر يناير/كانون الثاني 2023.
(دولار أميركي = 76.5 روبلًا روسيًا)
وتنصح الشركة عملاءها بعدم الانقياد وراء الدعوات الغربية المشككة في نزاهتها الفنية والتجارية، وكذلك الدعوات التي تطالب بقطع العلاقات أو فسخ التعاقدات.
كما تلفت انتباههم إلى أن القدرات النووية لا تنمو وتتطور في العالم المعاصر إلا في إطار شراكات مع آخرين، بسبب عدم توافر التقنيات النووية إلا في بلدان معدودة على الأصابع في العالم، ما يعني أن قطع العلاقات مع مورد نووي لن يحقق الاستقلال بقدر ما سيوقع صاحبه في التبعية لمورد آخر.
وتضرب الشركة مثالًا بأوروبا التي استبدلت الغاز الأميركي الأغلى ثمنًا بالغاز الروسي، ما زاد من تبعيتها الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة، وفقًا لردود مفصلة على الموقع الإلكتروني للشركة الروسية.
موضوعات متعلقة..
- روساتوم الروسية تنافس على بناء أول محطة نووية في السعودية
- الطاقة النووية سلاح روسيا الجديد للهيمنة على شبكات الكهرباء في أوروبا
- موثوقية الطاقة النووية وجدواها الاقتصادية تفوق مصادر الشمس والرياح (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- انخفاض سعة طاقة الرياح المضافة عالميًا 17% في 2022
- أطول توربينات الرياح البحرية في العالم تنافس ناطحات السحاب.. ما السبب؟
- حقل غاز روسي يثير أزمة بين فيتنام والصين