سباق التسلح الأخضر بين أميركا وأوروبا يبدأ أولى جولاته بشركات مهاجرة (تقرير)
ماكرون ينتقد ضرب قواعد التجارة الحرة في مجال المناخ
رجب عز الدين
دخل سباق التسلح الأخضر بين الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا أولى جولاته بموجة متصاعدة في هجرة شركات الطاقة المتجددة من بروكسل إلى واشنطن.
وأسهم قانون الحد من التضخم، الذي أقره الرئيس الأميركي جو بايدن العام الماضي، في جذب شركات أوروبية عديدة كانت تستوطن أوروبا منذ سنوات، وفقًا لوكالة بلومبرغ.
ويستهدف قانون الحد من التضخم تشجيع الشركات الأميركية وغيرها على الاستثمار في صناعة الطاقة المتجددة، عبر تقديم أكبر حزمة إعفاءات ضريبية في تاريخ الولايات المتحدة بقيمة 370 مليار دولار، ما أسهم في إذكاء سباق التسلح الأخضر مع أوروبا.
وانتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قانون الحد من التضخم الأميركي في ديسمبر/كانون الأول 2022، بسبب إجراءات الحماية الواسعة التي يضمنها للشركات المستثمرة في القطاع الأميركي، ما يهدد الشركات الأوروبية ويجعلها في منافسة غير حرة، على حد تعبيره.
فولكس فاغن وآخرون
بدأت إعلانات الشركات الأوروبية تتوالى -واحدة بعد الأخرى- لاختيار الولايات المتحدة موطنًا مستقبليًا لمشروعاتها في قطاع الطاقة المتجددة بفروعه المختلفة، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وأعلنت شركة فولكس فاغن الألمانية الرائدة في صناعة السيارات (13 مارس/آذار 2023)، اختيار كندا موطنًا لأول مصنع للبطاريات خارج أوروبا.
كما أعلنت شركة "إس كيه إف" السويدية اختيار الولايات المتحدة لإنشاء مصنعها الجديد المتخصص في صناعة لوازم إطارات السيارات الداخلية.
وتعد "إس كيه إف" السويدية أكبر شركة في العالم مصنّعة للكرات الخرزية الخاصة بالسيارات، التي يطلق عليها "رمّان بلي".
في السياق نفسه، هددت شركة الكيماويات الألمانية العملاقة "بي إيه إس إف" بتخفيض وجودها في أوروبا بسبب اشتعال أسعار الطاقة، وفقدان الأمل في تهدئتها بالمقارنة مع الشركات المستوطنة للولايات المتحدة الغنية بالحوافز الجديدة.
ويأتي هذا التهديد تزامنًا مع تحذير مماثل صدر من شركة "أرسيلور ميتال" لصناعة الصلب ومقرها لوكسمبورغ، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
8 مليارات دولار لشركة واحدة
تنظر الشركات الأوروبية بعين الغبطة إلى شركة "نورث فولت" السويدية المتخصصة في صناعة البطاريات، التي حصلت على إعفاءات ضريبية بقيمة 8 مليارات دولار حتى نهاية 2030، مقابل نقل إنتاجها إلى الولايات المتحدة.
وتثير تحركات الشركات الأوروبية نحو واشنطن مخاوف قادة الاتحاد الأوروبي المراهنين على قطاع الطاقة المتجددة ضمن خطط خفض الانبعاثات والحياد الكربوني بحلول عام 2050.
كما يراهن قادة أوروبا على القطاع في سد جانب من الطلب على الكهرباء خلال السنوات المقبلة التي يسودها القلق وعدم اليقين في ظل استمرار الحرب الأوكرانية للعام الثاني على التوالي دون حل، ما يهدد باستمرار أزمة الطاقة واشتعال أسعارها إلى عام 2024 على الأقل.
ويفكّر قادة الاتحاد في الوقت الحالي في إصدار استجابة سريعة للشركات الأوروبية المرتقبة موقفها بعد 8 أشهر من إقرار قانون المناخ الأميركي المغري للهجرة إليها.
اجتماع المفوضية الأوروبية
تُعِدّ المفوضية الأوروبية مسودة اقتراحات لتحسين خريطة طريق الطاقة الخضراء في أوروبا بحلول عام 2030، التي مر على إقرارها 3 سنوات.
ومن المقرر أن تطرح المفوضية هذه الاقتراحات على ممثلي الدول الأعضاء في اجتماع الخميس 16 مارس/آذار (2023)، لكن لا يبدو من مسودتها الأولية، أنها لن تبلغ سقف الإغراءات المقدمة في الولايات المتحدة، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتشير المسودة الأولية للمقترحات إلى نقاط محددة من قبيل تعزيز الاستثمار في إنتاج تقنيات الطاقة المتجددة، بما في ذلك الألواح الشمسية وتوربينات الرياح والمضخات الحرارية والبطاريات والمحللات الكهربائية.
وتنظر شركات الطاقة المتجددة في أوروبا لهذه المقترحات بعين لم يعد يرضيها أقل من الإغراءات الأميركية التي تبشّر بأرباح وعوائد مضمونة ومحمية بحزمة حوافز تعادل ميزانيات عدة دول نامية مجتمعة.
شركة دنماركية تدرس
تدرس شركة "توبسوي" الدنماركية المتخصصة في إنتاج الهيدروجين الأخضر إنشاء مصنعها الثاني في الولايات المتحدة، بعد نجاحها في بناء أول مصنع لها في الدنمارك بقدرة 500 ميغاواط عبر استعمال تقنيات المحللات الكهربائية المنتجة للهيدروجين من المياه.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة رولاند بان، إن الحوافز المالية المقدمة في الولايات المتحدة أكثر إغراءً ووضوحًا من نظيرتها المقدمة في أوروبا، كما يسهل الوصول والحصول عليها مقارنة بالإجراءات المتبعة في الاتحاد.
ويشترك في هذا الاستنتاج عدد كبير من الشركات الأوروبية التي توشك على إعلان هجرتها إلى الولايات المتحدة في إطار جولات سباق التسلح الأخضر بين واشنطن وبروكسل.
ويخشى الرئيس التنفيذي للشركة الدنماركية لجوء بعض الشركات الأوروبية لتصفية أعمالها في أوروبا والهجرة الكاملة إلى واشنطن، خلافًا لشركات أخرى تفكر في زيادة الاستثمارات بالولايات المتحدة في الوقت الحالي دون إغلاق مشروعاتها الإنتاجية في أوروبا على أمل صدور حوافز أوروبية تدفعها للبقاء.
تريليون دولار
يُقدّر حجم برامج الاتحاد الأوروبي في الإنفاق على مشروعات الطاقة المتجددة بما يعادل تريليون دولار حتى 2030، في حين يقدر حجم برامج الإنفاق والإعفاءات الضريبية الأميركية للقطاع نفسه بما يتجاوز هذا الرقم بكثير، وفقًا لتقديرات منصة "بلومبرغ إن إي إف" المتخصصة.
وتعاني الشركات الأوروبية صعوبات وعراقيل في الحصول على التمويل إلى درجة لجوئها إلى تعيين موظفين جدد لمجرد استيفاء متطلبات بعض الإجراءات البيروقراطية والورقية.
وعلى العكس من ذلك، يعتمد قانون الحد من التضخم الأميركي على مفاهيم بسيطة وواضحة للإعفاءات الضريبية لدعم مبيعات السيارات الكهربائية، ونشر محطات الشواحن الكهربائية، والتصنيع المحلي لمضخات الحرارة، وإنتاج الهيدروجين الأخضر.
شكوى أميركا لن تفيد
لهذا السبب يعتقد النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي باسكال كانفين، أن الأفضل لفرنسا وأوروبا الدخول في منافسة إيجابية مع الولايات المتحدة بشأن سياسات المناخ بدلًا من انتقاد الحوافز الأميركية والشكوى منها.
ويرأس باسكال كانفين في الوقت الحالي لجنة البيئة بالبرلمان الأوروبي، وهو رجل ذو صلة قوية بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لكنه يخالفه الرأي في انتقاده للولايات المتحدة التي حفزت قادة الاتحاد على الدخول في سباق التسلح الأخضر، وهو أمر جيد، على حد تعبيره.
ويوصي كانفين قادة الاتحاد بضرورة المواصلة في سياسات تسعير الكربون على المدى الطويل، مع تبني قواعد أكثر صرامة بشأن الاستثمارات الخضراء، إلى جانب اعتماد حزمة حوافز مالية سخية لدعم الاستثمار في تقنيات الطاقة المتجددة.
صناعة السيارات في خطر
يخشى صناع القرار الأخضر في الاتحاد الأوروبي بعض الإعفاءات الضريبية المقررة في قانون الحد من التضخم الأميركي للمركبات المصنعة والمجمعة جزئيًا في أميركا الشمالية، ما يهدد مصنعي السيارات الأوروبيين بصورة مباشرة ويتعارض مع قواعد التجارة الحرة كما يروجون.
ويبدو أن تخوفات صناع القرار الأوروبي في محلها، فلم تلبث شركات السيارات الأوروبية كثيرًا حتى تتخذ قراراتها بتسريع الاستثمارات في الولايات المتحدة، كما فعلت فولكس فاغن الألمانية، إحدى أكبر شركات السيارات في ألمانيا وأوروبا والعالم.
وأعلنت الشركة الألمانية تسريع استثمارات بقيمة ملياري دولار لإنشاء مصنع للسيارات الكهربائية في ولاية كارولينا الجنوبية، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
قد يستغرق عامًا
تترقب الشركات الأوروبية نتائج اجتماع المفوضية الأوروبية الخميس 16 مارس/آذار 2023، على الأمل الخروج بصياغة طموحة لقانون محفز للصناعة.
ورغم أن الموافقات الرسمية لدخول القانون حيز النفاذ قد تستغرق أكثر من عام، داخل أروقة الاتحاد الأوروبي، فإن إعلان الملامح الأولية قد يحفّز الشركات الأوروبية على الترقب ويعطيها دفعة للبقاء والاستمرار.
وتشتكي شركة "فيستاس ويند" الدنماركية الرائدة في صناعة توربينات الرياح في أوروبا والعالم، طول إجراءات الحصول على التصاريح اللازمة لتعزيز الصناعة، وترى أنها أكبر عقبة تواجه الاتحاد، وفقًا للرئيس التنفيذي هنريك أندرسون.
ولا يمكن للأوروبيين أن يستنسخوا خطط الولايات المتحدة لتحفيز الطاقة المتجددة داخل الاتحاد، لعدم اعتماد واشنطن على نظام ضرائب موحد للشركات كما هو حاصل في أوروبا.
ورغم ذلك، يتمتع الاتحاد الأوروبي بميزة نسبية تسهل عليه ترويج مشروعات القوانين وتمريرها ذات الصلة بالطاقة المتجددة والنظيفة، خلافًا للولايات المتحدة التي تضطر إلى الدخول في مساومات تشريعية مع أعضاء الحزب الجمهوري المقللين من أهمية قضايا البيئة والمناخ.
موضوعات متعلقة..
- الطاقة المتجددة في أميركا تستحوذ على 84% من سعة الكهرباء في 2023
- تكلفة مشروعات الطاقة المتجددة أقل من تشغيل محطات الفحم في أميركا (دراسة)
- الإعلان عن أكبر استثمار في تاريخ الطاقة الشمسية الأميركية
اقرأ أيضًا..
- تقرير حديث يكشف عن توقعاته لأسعار النفط بعد انهيار سيليكون فالي
- تطورات صفقة إسالة الغاز الإسرائيلي في مصر.. مسؤول أوروبي يتحدث لـ"الطاقة"
- السعودية تهدد بعدم تصدير النفط.. وتصريحات حاسمة بخصوص "لا لأوبك"