هل تقوض زيادة محطات الفحم تعهدات الصين المناخية؟ (تقرير)
وحدة أبحاث الطاقة - أحمد شوقي
- حرب أوكرانيا تجبر الدول على العودة إلى الفحم في توليد الكهرباء.
- تصاريح بناء محطات الفحم في الصين ترتفع لأعلى مستوى منذ 2015.
- زيادة محطات الفحم في الصين قد تجعل التحول الأخضر صعبًا ومكلفًا.
- الصين مستمرة في تعزيز الطاقة المتجددة بالتوازي مع الوقود الأحفوري.
- إلغاء تصاريح محطات الفحم غير الضرورية أمر مهم لخفض الانبعاثات.
أثبتت أزمة الطاقة الحالية هشاشة الالتزامات المناخية للعديد من الدول وعلى رأسها الصين، التي بدأت بناء المزيد من محطات الفحم؛ لتعزيز قدرة توليد الكهرباء وتأمين الإمدادات في المقام الأول.
ولجأت بعض الحكومات إلى تعزيز سعة جديدة من توليد الكهرباء بالفحم، وألغى البعض الآخر خطط إيقاف تشغيل المحطات القائمة، مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ونتيجة لذلك، تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى ارتفاع استهلاك قطاع الكهرباء من الفحم بنحو 2.4% على أساس سنوي في 2022، ليصل إلى 5.472 مليار طن، مع استحواذ الصين على نصف الزيادة.
وسارعت الصين بالموافقة على مشروعات جديدة لتوليد الكهرباء بالفحم خلال 2022، مع ارتفاع أسعار الطاقة، لكن ذلك يتزامن مع سعي البلاد لتعزيز الطاقة المتجددة من أجل تحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول 2050؛ فهل تهدد محطات الفحم الجديدة الالتزامات المناخية؟
محطات الفحم في الصين
بلغت التصاريح الجديدة لبناء محطات توليد الكهرباء من الفحم في الصين أعلى مستوى منذ عام 2015، لتكون السعة التي بدأت البناء داخل البلاد أعلى من نظيرتها حول العالم بنحو 6 مرات، وفق تقرير صادر عن مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، إس آر إي إيه (CREA) ومؤسسة غلوبال إنرجي مونيتور.
وسمحت الصين ببناء إجمالي 106 غيغاواط من محطات الفحم خلال 2022، أي ما يعادل محطتين كبيرتين لتوليد الكهرباء كل أسبوع، مقابل 23 غيغاواط في عام 2021.
بينما بدأ بناء 50 غيغاواط من قدرة توليد الكهرباء من الفحم في البلاد خلال العام الماضي (2022)، بزيادة تتجاوز 50% عن العام السابق له، مع تسريع منح تصاريح المشروعات ودخولها مرحلة البناء في غضون أشهر.
وإذا كانت أزمة الطاقة الحالية حُجة الصين، للإسراع في بناء محطات الفحم؛ فإن بيانات شركة غلوبال داتا تشير إلى أن بكين قد أحيَت 82 محطة لتوليد الكهرباء بالفحم بصفة كاملة أو جزئية على مدى السنوات الـ5 الماضية، فضلًا عن خطط لبناء 15 محطة أخرى، حتى قبل أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا، التي أجبرت الدول على العودة إلى الفحم.
ورغم ذلك؛ فإن سعة محطات الفحم المضافة إلى الشبكة الكهربائية قد بلغت 26.8 غيغاواط في عام 2022، بزيادة طفيفة عن القدرة الجديدة في 2021، البالغة 26.2 غيغاواط، وفق تقرير "إس آر إي إيه".
وهذا يعني أن عامي 2021 و2022 قد شهدا أقل إضافات سنوية منذ عام 2003؛ ما يعكس قلة المشروعات التي بدأت البناء في المدّة بين 2017 و2020، لكن من المتوقع انتعاش السعة المضافة خلال السنوات المقبلة، مع زيادة المشروعات التي دخلت مرحلة البناء العام الماضي.
وعلى النقيض من ذلك، تباطأت إغلاقات محطات الكهرباء العاملة بالفحم في الصين خلال عام 2022، إلى 4.1 غيغاواط، مقارنة بـ5.2 غيغاواط في عام 2021.
وتجدر الإشارة إلى أن محطات الفحم في الصين قد شكّلت 63%، ما يعادل 4 آلاف و775 تيراواط/ساعة من إجمالي الكهرباء المولدة بين عامي 2000 و2020، مع ارتفاع توليد الكهرباء 500% تقريبًا خلال المدّة المقارنة، حسب تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
ويوضح الرسم التالي أن الصين تأتي على رأس قائمة أكثر الدول اعتمادًا على الفحم في توليد الكهرباء:
هل تتأثر التزامات الصين المناخية؟
بحسب وكالة الطاقة الدولية، شكّل قطاع الكهرباء 62% أو ما يعادل 2.617 مليار طن من استهلاك الفحم في الصين في عام 2021، مع تقديرات بزيادة تقارب 2% خلال 2022.
وحتى تحقق الصين تعهدها بخفض استهلاك الفحم بعد عام 2025؛ فمن الضروري أن يكون توليد الكهرباء أكبر المساهمين في ذلك، لكن هذا الأمر ما زال غير واضح، مع استمرار تعزيز السعة العاملة بالفحم.
ورغم ذلك، يرى مركز الأبحاث "إس آر إي إيه" أن إضافات السعة الجديدة لمحطات الفحم في الصين لا تعني بالضرورة زيادة استهلاك هذا الوقود الأحفوري أو ارتفاع انبعاثات الكربون من قطاع الطاقة، شريطة أن يستمر النمو في توليد الكهرباء النظيفة من الرياح والطاقة الشمسية والنووية واستقرار الطلب على الكهرباء أو تباطؤه.
وشهدت الصين بالفعل، إضافة 125 غيغاواط من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح عام 2022، محطمة بذلك الرقم القياسي السابق المسجّل في عام 2020، مع استحواذ السعة الشمسية على 87 غيغاواط من الإجمالي.
وحتى مع ذلك؛ فإن المئات من محطات توليد الكهرباء الجديدة التي تعمل بالفحم ستجعل الوفاء بالتزامات الصين بشأن المناخ أكثر تعقيدًا وتكلفة، كما أنها لا تترك مجالًا للتخطيط السليم والنظر في البدائل، كما ترى المحللة في مؤسسة غلوبال إنرجي مونيتور "فلورا تشامبينوا".
بينما تحرز الصين تقدمًا سريعًا في توسيع نطاق الطاقة النظيفة، فما زال نظام الكهرباء في البلاد يعتمد على محطات الفحم لتلبية أحمال الكهرباء في أوقات الذروة وإدارة تقلبات الطلب.
وفضلًا عن ذلك؛ فإن الإضافة المستمرة لقدرة توليد الكهرباء من الفحم تعني عدم وجود تركيز كافٍ لتقليل الاعتماد على الفحم، بل من الممكن أن يزداد الاستهلاك في القطاعات المختلفة للاستفادة من السعة الجديدة؛ ما قد يؤدي إلى ارتفاع انبعاثات الكربون في الصين خلال هذا العقد.
ورغم ذلك؛ تُقدر شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي استقرار انبعاثات الكربون من الوقود الأحفوري في الصين -أكبر مُصدر للانبعاثات عالميًا- عند 12.5 غيغاطن سنويًا في 2023، قبل أن تنخفض بين عامي 2026 و2028، مع تزايد كهربة قطاع النقل وتعزيز الطاقة المتجددة.
ويرصد الإنفوغرافيك التالي خطة الصين لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060:
تداعيات حرب أوكرانيا
لم تكن الصين الدولة الوحيدة التي اتخذت من حرب أوكرانيا ذريعة للعودة إلى الفحم، تحت راية "ضمان استقرار الشبكة الكهربائية"؛ فقد لجأ العديد من البلدان، خاصة في أوروبا، إلى إحياء محطات توليد الكهرباء العاملة بهذا الوقود الأحفوري، مع نقص إمدادات الغاز الطبيعي وارتفاع أسعاره.
وقيّدت روسيا أكثر من نصف تدفقات الغاز الطبيعي إلى أوروبا، ردًا على العقوبات الغربية، على خلفية أزمة غزو أوكرانيا؛ ما دفع دول الاتحاد الأوروبي للبحث عن مصادر بديلة وسريعة.
وفي ألمانيا -أكبر اقتصاد أوروبي- اضطرت الحكومة إلى إعادة تشغيل محطات الفحم المعطَّلة، لتأمين إمدادات بديلة للغاز الروسي، وهو ما يتعارض مع خطط إغلاق محطات الكهرباء العاملة بالفحم في عامي 2022 و2023، مع السعي للتخلص التدريجي من هذا الوقود الأحفوري بحلول عام 2030.
واستوردت ألمانيا 44.4 مليون طن من الفحم الصلب في العام الماضي، بزيادة 8% على أساس سنوي، وفق بيانات رابطة مستوردي الفحم في ألمانيا (في دي كيه آي)، التي نقلتها وكالة رويترز.
ألمانيا ليست وحدها؛ فقد أجبرت الحرب الروسية الأوكرانية الاقتصادات الكبرى والصغرى في أوروبا على إعادة التفكير في خطط الطاقة الخاصة بها؛ خاصة أن الكثيرين كانوا يعتمدون على إمدادات موسكو.
وفي الهند، أعلنت البلاد، في مايو/أيار 2022، خططها لإعادة فتح أكثر من 100 منجم للفحم كانت تنظر إليها سابقًا على أنها غير مجدية اقتصاديًا، بعدما واجهت أسوأ أزمة كهرباء منذ 6 سنوات.
وعلى مستوى العالم، تمثل محطات توليد الكهرباء أكثر من 63% من انبعاثات الفحم، ما يعادل 9.7 مليار طن بنهاية 2021، في الوقت الذي يتطلب فيه سيناريو الحياد الكربوني لوكالة الطاقة الدولية خفض متوسط انبعاثات توليد الكهرباء من الفحم بنسبة 0.8% سنويًا حتى عام 2030، وهو هدف من الصعب تحقيقه في ظل السياسات الحالية.
أمن الطاقة أم تغيّر المناخ؟
مع اندلاع الغزو الروسي لأوكرانيا وتفاقم أزمة الطاقة العالمية، منحت الدول الأولوية لتأمين الإمدادات بغض النظر عن مصدرها ومدى تأثيرها في الجهود المناخية.
"إنه أمر مرير لكنه ضروري".. هكذا وصف وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، قرار برلين بزيادة الاعتماد على الفحم، لتعويض نقص إمدادات الغاز الروسية، وهو دليل على أن الدول اتخذت حرب أوكرانيا ذريعة لتعزيز استهلاك الوقود الأحفوري.
ووسط محاولة الدول تعزيز أمن الطاقة ورغبتها في الوقت نفسه في دعم التحول الأخضر، أشار تقرير "إس آر إي إيه" إلى عدة توصيات مهمة لتحقيق هذه المعادلة الصعبة، استنادًا إلى الصين بصفتها نموذجًا.
وبحسب التقرير، من المهم التحكم الصارم في قدرة محطات الفحم الجديدة ورفض أو إلغاء التصاريح للمشروعات غير الضرورية لدعم استقرار الشبكة أو تعزيز تكامل الطاقة المتجددة ذات الطبيعة المتغيّرة.
كما يجب تسريع الاستثمار في الطاقة النظيفة لتلبية النمو الكامل في الطلب على الكهرباء ووقف زيادة التوليد من الفحم، فضلًا عن تعزيز الإنفاق على تخزين الكهرباء والنقل داخل مناطق الشبكة.
وأوضح التقرير أهمية تعزيز متطلبات كفاءة الطاقة لوحدات التكييف والمباني الجديدة وإدخال برنامج لتحسين الكفاءة على نطاق واسع للمباني القائمة.
هذا بالإضافة إلى إجراءات التيسير والتحفيز من الحكومات؛ لأن إزالة الكربون تتطلب تغييرات جوهرية في البنية التحتية للشبكة وآليات السوق والإطار التنظيمي.
موضوعات متعلقة..
- حرق الفحم في الصين يضعها بين مطرقة أزمة الطاقة وسندان الانبعاثات
- محطات الفحم في الصين تسابق الزمن.. تصريحان أسبوعيًا
- محطة بيلشاتو البولندية نموذجًا.. كيف يُمكن تحويل محطات الفحم إلى الطاقة النظيفة؟
- تكلفة مشروعات الطاقة المتجددة أقل من تشغيل محطات الفحم في أميركا (دراسة)
اقرأ أيضًا..
- اكتشاف نفطي باحتياطيات ضخمة في هذه الدولة
- كارول نخلة: الجزائر ومصر موردان مهمان للغاز إلى أوروبا.. وتكهنات حول احتياطيات المغرب
- أكثر الدول دعمًا للوقود الأحفوري.. 4 بلدان عربية بقائمة الـ10 (إنفوغرافيك)
- عام على الغزو الروسي لأوكرانيا.. دبابات موسكو تقلب موازين الطاقة (تغطية خاصة)