غازالتقاريرالنشرة الاسبوعيةتقارير الغازرئيسيةسلايدر الرئيسية

أوروبا تتسابق على غاز شرق المتوسط.. مصر تتصدر المشهد وتركيا تنافس

مي مجدي

اقرأ في هذا المقال

  • أوروبا لجأت إلى مصر وإسرائيل بعد وقف إمدادات الغاز الروسي.
  • تحول الجغرافيا السياسية للطاقة في شرق المتوسط بدأ مع اكتشاف حقل ظهر المصري.
  • خطة تسويق الغاز المسال من مصر تعارض الأهداف الطموحة لتركيا.
  • الاكتشافات في قبرص تعزز مكانتها الجيوسياسية للاتحاد الأوروبي.

منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، في فبراير/شباط 2022، ظهرت تساؤلات عديدة حول كيف يمكن لأوروبا تنويع مصادر الطاقة، وما إذا كان غاز شرق المتوسط سيسهم في تقليل اعتماد الدول الأوروبية على الغاز الروسي.

ووفقًا لتقرير صادر عن معهد الدراسات السياسية الدولية في إيطاليا (آي إس بي آي) -اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة- تمثل حاجة أوروبا الملحة إلى الغاز الطبيعي فرصة غير مسبوقة لتهدئة النزاعات في منطقة شرق المتوسط وتعزيز العلاقات بين الدول.

ويرى التقرير أن كيفية إدارة العلاقات بين مثلث الطاقة (مصر وإسرائيل وتركيا) سيحدد الملامح الجيوسياسية العريضة للمنطقة.

الابتعاد عن الإمدادات الروسية

قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، اعتمد الاتحاد الأوروبي على الواردات الروسية لتوفير قرابة 40% من إمدادات الغاز الطبيعي.

إلا أن وقف تدفقات الغاز الروسي دفع العديد من الدول الأوروبية للجوء إلى مصر وإسرائيل للمساعدة في سد الفجوة.

ويُعد شرق البحر الأبيض المتوسط من المناطق الواعدة لتعزيز خطة الاتحاد الأوروبي الهادفة لتنويع مصادر الطاقة.

وتتمتع بعض الدول الأوروبية بعلاقات وثيقة مع المنطقة سواء على المستوى السياسي أو قطاع الطاقة؛ لذا ركّزت جهودها على مصر وإسرائيل، وهما من أكبر مصدري الغاز في المنطقة.

وفي 15 يونيو/حزيران (2022)، وقّعت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، مذكرة تفاهم مع مصر وإسرائيل لوضع إطار مدته 5 سنوات لتعزيز صادرات غاز شرق المتوسط إلى الاتحاد الأوروبي.

وتشكل اتفاقية الاتحاد الأوروبي مع مصر وإسرائيل تحولًا تجاريًا غير مسبوق لتسويق غاز شرق المتوسط.

فقبل جائحة كورونا، كان غاز شرق المتوسط غير قادر على المنافسة تجاريًا في السوق الأوروبية؛ بسبب الإمدادات الروسية رخيصة الثمن.

وفي ظل احتياج أوروبا لتعويض قرابة 155 مليار متر مكعب من الغاز الروسي، بات بإمكانها الاعتماد على فائض إنتاج غاز شرق المتوسط؛ بما في ذلك إنتاج قبرص، التي تمتلك ثالث أكبر احتياطيات قابلة للاستخراج في المنطقة.

إلا أن أنقرة لن تتغاضى عن احتمال انضمام قبرص إلى الاتفاقية الثلاثية، وتلقي استثمارات أجنبية ضخمة.

حقل ظهر المصري

على الرغم من توتر علاقات تركيا مع إسرائيل ومصر في عامي 2011 و2013 على التوالي؛ فقد بدأ تحول الجغرافيا السياسية للطاقة في شرق المتوسط مع اكتشاف حقل ظهر للغاز الطبيعي قبالة السواحل المصرية في أغسطس/آب (2015)، وهو أكبر حقل غاز طبيعي مُكتشف في شرق البحر الأبيض المتوسط حتى الآن.

كما أن شركة إيني الإيطالية العملاقة، التي اكتشفت حقل ظهر، هي -أيضًا- المشغل الرئيس في تطوير الغاز الطبيعي بقبرص، ومن المساهمين الرئيسين في واحدة من محطتي الإسالة في مصر.

وبعد اكتشاف ظهر، بدأت إيني في الترويج لخطة تهدف إلى تجميع الغاز المصري والإسرائيلي والقبرصي واستخدام مرافق الإسالة المصرية لتسويق غاز المنطقة إلى أوروبا بتكلفة منخفضة.

وتعارضت خطة تسويق الغاز المسال في مصر مع خطة تركيا لاستخدام خط أنابيب الغاز العابر للأناضول (تاناب) لنقل غاز شرق المتوسط إلى الاتحاد الأوروبي.

ومن أجل دعم سياستها الإستراتيجية لتصبح مركزًا عالميًا لنقل الطاقة، دخلت أنقرة في مناقشات مع إسرائيل لبناء خط أنابيب تحت البحر من حقل غاز ليفياثان البحري الإسرائيلي إلى الساحل التركي؛ حيث يمكن نظريًا تدفق الغاز في خط أنابيب تاناب عبر التدفق العكسي.

إلا أن خطة نقل الغاز المسال من مصر تعني استبعاد تركيا والبنية التحتية لخطوط الأنابيب من تسويق غاز شرق المتوسط، وإحباط طموحات أنقرة.

ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- تطور عمليات الإنتاج من حقل ظهر:

رحلة حقل ظهر منذ أن اكتشفته إيني

الغاز المسال المصري

بعد سنوات من الأزمات الدبلوماسية، أدركت تركيا ضرورة إعادة النظر في سياستها تجاه دول شرق المتوسط ودول الخليج للتخفيف من عزلتها.

وبحلول الربع الأول من عام 2022، أصبحت تركيا أكبر مشترٍ للغاز المسال المصري.

وتوضح الزيادة في مبيعات الغاز المسال إلى تركيا أنه يمكن إدراج أنقرة في خطة تسويق الغاز المسال إلى أوروبا.

فرغم أن مصر لديها محطتان رئيستان للإسالة؛ فإنها تفتقر إلى مرافق التخزين اللازمة، في حين أن تركيا لديها سعة تخزين غير مستغلة.

ومن خلال دمج تركيا في آليات التسويق والتسليم الإقليمية، يمكن تسويق غاز شرق المتوسط بكفاءة.

أما بالنسبة لمصر وإسرائيل؛ فمن المحتمل أن يمثل الاتفاق الثلاثي تغييرًا محوريًا؛ إذ يعتمد البلدان على بعضهما في تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، ويمكن أن تصل الإمدادات إلى الأسواق الأوروبية دون خط أنابيب شرق البحر المتوسط.

فإسرائيل تعتمد على محطتي الإسالة في مصر للوصول إلى تلك الأسواق، ومصر بدورها تعتمد على واردات الغاز الإسرائيلية التي توفر فائضًا للتصدير.

صادرات الغاز المسال المصري

في عام 2019، بلغ إجمالي صادرات الغاز المسال في مصر 4.8 مليار متر مكعب، وهو ما يمثّل زيادة بنسبة 151% عن عام 2018.

وفي عام 2021، بلغت صادرات مصر من الغاز المسال 9 مليارات متر مكعب، وهو أعلى مستوى في 10 سنوات، ومن ثم لديها نحو 8 مليارات متر مكعب غير مستغلة لتعزيز الصادرات.

وخلال الأشهر الـ5 الأولى من عام 2022، بلغت صادرات مصر من الغاز المسال 4.7 مليار متر مكعب، بحسب التقرير الذي اطلعت عليه منصة الطاقة.

ومع ارتفاع أسعار الغاز، حاولت مصر زيادة صادراتها من الغاز المسال، خاصة إلى أوروبا؛ ففي أبريل/نيسان (2022)، وقّعت إيني صفقة مع شركة إيجاس المصرية، لشحن قرابة 3 ملايين متر مكعب من الغاز المسال خلال عام 2022 إلى أوروبا وإيطاليا من محطتي إدكو ودمياط، بطاقة إجمالية 17 مليار متر مكعب سنويًا.

وفي 21 يونيو/حزيران (2022)، وقّعت المفوضية الأوروبية اتفاقًا مع مصر وإسرائيل لتوريد الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا بعد تسييله في مصر.

ويمكن لمصر زيادة حجم الصادرات إلى 15-20 مليار متر مكعب، لكن يعتمد ذلك على الإمدادات من دول شرق المتوسط المجاورة.

وعلى مدى السنوات الـ10 المقبلة، ستعتمد مصر على إسرائيل وربما قبرص لخلق فائض أكبر قابل للتصدير.

ومع ذلك، تواجه مصر تحديات محلية يمكنها أن تعرقل الجهود لزيادة صادرات الغاز المسال، من بينها ارتفاع الطلب على الطاقة، والتحديات المتعلقة بإنتاج الغاز.

ولهذا السبب، أصبحت إسرائيل عنصرًا حاسمًا لصادرات مصر من الغاز إلى أوروبا.

ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- الدول المستورد للغاز المسال المصري خلال الأشهر الـ9 الأولى من 2022:

صادرات الغاز المسال المصرية

إنتاج الغاز الإسرائيلي

بالإضافة إلى ذلك، تعمل إسرائيل على تعزيز الإنتاج في حقول الغاز الرئيسة، مثل حقول ليفياثان وكاريش وتانين، وحال نجاحها في تحقيق أهدافها؛ فقد تتجاوز إمكانات التصدير الإسرائيلية السعة المتاحة لتصدير الغاز المسال في مصر؛ ما يعني أنه سيتعين النظر في حلول أخرى.

أحد هذه الحلول هو خط أنابيب إيست ميد بسعة 10 مليارات متر مكعب سنويًا، ويربط حوض ليفياثان بأوروبا مباشرة عبر قبرص واليونان وإيطاليا، ومن المحتمل أن يكون المشروع جاهزًا بحلول عام 2026 -تقريبًا-.

ويمثل الخط حماية للاتحاد الأوروبي من تزايد المنافسة على الغاز المسال مع المناطق الأخرى.

ونظرًا إلى الشكوك المتعلقة بالطلب المستقبلي على الغاز في أوروبا؛ فمن المتوقع تطوير خط الأنابيب للتحول بعد ذلك إلى نقل الهيدروجين.

الاكتشافات في قبرص

في 22 أغسطس/آب (2022)، أعلنت شركتا إيني الإيطالية وتوتال إنرجي الفرنسية رابع اكتشاف ضخم للغاز في قبرص، وتُقدر الاحتياطيات من الحقول الـ4 بنحو 391 مليار متر مكعب.

وتؤكد الاكتشافات الأخيرة مكانة قبرص وشراكتها في قطاع الطاقة مع مصر وإسرائيل؛ ما يعزز أهميتها الجيوسياسية للاتحاد الأوروبي.

وأكدت وزيرة الطاقة القبرصية، ناتاشا بيليدس، عزم بلادها التصدير إلى الاتحاد الأوروبي بوساطة خطة تسويق الغاز المسال من مصر.

وقالت: "في الوقت الحالي، يُعَد نقل الغاز الطبيعي إلى مصر أبرز الاتجاهات، وحتى بعد الاكتشافات الأخيرة لن تكون هناك أي تغييرات في الخطط".

ومع إضافة إمدادات الغاز الطبيعي من قبرص، يمكن أن يصل إجمالي فائض غاز شرق المتوسط القابل للتصدير إلى 40 مليار متر مكعب بحلول عام 2030، أو حتى قبل ذلك مع تسريع تطوير البنية التحتية اللازمة.

ونظريًا، يمكن أن تحل صادرات غاز شرق المتوسط إلى الاتحاد الأوروبي محل 26% إلى 32% من إمدادات الغاز الروسي التي تلقتها أوروبا قبل الحرب في أوكرانيا.

الغاز الطبيعي في تركيا

على الجانب الآخر، تعد تركيا أكبر مستورد للغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، وتمثل واردات أنقرة من الغاز أكبر مساهم في تضخم عجز الحساب الجاري في البلاد.

وفي أغسطس/آب (2020)، أعلنت تركيا اكتشاف حقل صقاريا، وتشير التقديرات إلى أن احتياطيات البلاد من الغاز في البحر الأسود تصل إلى 540 مليار متر مكعب.

وفي يونيو/حزيران (2022)، أعلن وزير الطاقة التركي، فاتح دونماز، أن حقل صقاريا سيبدأ الإنتاج عام 2023 بسعة تصل إلى 3.7 مليار متر مكعب، وسترتفع إلى 14.6 مليار متر مكعب بحلول عام 2026.

وبذلك، تتوقع أنقرة أن يسهم الإنتاج من البحر الأسود في تلبية قرابة 25% من استهلاكها المحلي من الغاز.

ومع ذلك، تواجه تركيا تحديين يتمثلان في ضمان توفير إمدادات الغاز بأسعار معقولة للاستهلاك المحلي، وزيادة حجم صادرات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي عبر خط أنابيب تاناب.

ورغم شبكتها الضخمة من خطوط الأنابيب؛ فقد بدأت تركيا التحول إلى الغاز المسال في عام 2019 لتنويع مصادر الإمدادات.

وبحلول نهاية عام 2021، احتلت أنقرة المرتبة الرابعة بين أكبر مستوردي الغاز المسال في أوروبا، مع زيادة الإمدادات المصرية بعد تعزيز العلاقات في ربيع 2021.

الغاز المسال
محطة مرمرة لتخزين الغاز في تركيا - الصورة من موقع شركة بوتاش

جذب الاستثمارات

من المرجّح أن يجذب الطلب المتجدد على الغاز من أسواق الاتحاد الأوروبي الاستثمار الأجنبي لتعزيز أنشطة التنقيب والتطوير في المنطقة.

وتحاول قبرص بناء محطة للغاز المسال في ميناء فاسيليكوس بتمويل من الاتحاد الأوروبي، وقد تتلقى وحدة تخزين عائمة في عام 2023 بمساعدة -أيضًا- من الاتحاد الأوروبي، وتصف تركيا هذه الإجراءات بأنها "استفزازية".

وفي أغسطس/آب (2022)، افتتحت تركيا سفينة حفر جديدة للعمل في شرق المتوسط، ووسعت أسطولها في المنطقة إلى 4 سفن حفر وسفينتي لإجراء المسوح الزلزالية.

ومع ذلك، اتخذت تركيا موقفًا عدائيًا تجاه كل من اليونان وقبرص، ومن المرجّح أن يشتد خلال العام الجاري (2023)، في ظل غياب إدراج تركيا بخطة تسويق غاز شرق المتوسط.

ومن الممكن أن يوفر تطوير خط أنابيب للغاز تحت البحر بين إسرائيل وتركيا فرصة لتغيير الجغرافيا السياسية للطاقة بالمنطقة.

عدم الاستقرار في ليبيا

على النقيض من ذلك، تُركت ليبيا على الهامش بسبب عدم الاستقرار السياسي وانعدام الأمن، على الرغم من امتلاكها احتياطيات غاز ضخمة تُقدر بنحو 1.4 تريليون متر مكعب في عام 2021، والبنية التحتية الحالية، والمتمثلة في خط أنابيب غرين ستريم، والتي تربطها مباشرة بإيطاليا.

إلا أن ليبيا لا تمثل ركيزة أساسية لإيطاليا في خطط تنويع مصادر الطاقة، ويرجع ذلك إلى عدم الاستقرار الذي تشهده البلاد.

وبدأت البلاد تشغيل خط أنابيب غرين ستريم في عام 2004، وكان له دور فعال في تطوير موارد الغاز في ليبيا.

وعلى مر السنين، ارتفعت واردات إيطاليا من الغاز من لا شيء في عام 2003 إلى 9.4 مليار متر مكعب في عام 2010؛ أي قبل الثورة مباشرة.

وتراجعت الواردات إلى 3.2 مليار متر مكعب في عام 2021، وهو أدنى معدل منذ عقد.

ورغم إعلان المؤسسة الوطنية للنفط عزمها مساعدة أوروبا من خلال زيادة الصادرات؛ فإن عدم اليقين السياسي يُشكّل تحديًا خطيرًا على المدى القصير.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق