بلغاريا مستمرة في غسل النفط الروسي وتصديره إلى أوكرانيا بعد الحظر (تقرير)
حظر صادرات الديزل الروسي خلال 48 ساعة
عمرو عز الدين
مازالت بعض دول شرق أوروبا -مثل بلغاريا- تمارس عمليات غسل النفط الروسي بصورة علنية عبر تكريره إلى مشتقات نفطية وبيعه إلى الأسواق الأوروبية عبر شركات محلية المنشأ.
وأعلنت الحكومة البلغارية الأربعاء (2 فبراير/شباط 2023)، استمرارها في تصدير المشتقات النفطية إلى أوكرانيا بعد دخول قرار حظر واردات الديزل الروسي حيز التنفيذ خلال أيام قليلة، وفقًا لموقع يورو أكتف (euractiv).
وتواجه صادرات النفط الروسي إلى أوروبا حظرًا شبه كامل دخل حيز التنفيذ منذ 5 ديسمبر/كانون الأول 2022، في إطار العقوبات المفروضة على موسكو بسبب حربها على أوكرانيا.
حظر المشتقات الروسية
تتجه دول الاتحاد الأوروبي لتنفيذ حظر جديد على واردات الديزل الروسي بداية من 5 فبراير/شباط 2023، في محاولة للضغط على روسيا لوقف الحرب على أوكرانيا.
وحصلت بلغاريا على استثنائها من العقوبات الأوروبية المفروضة على واردات النفط الروسي المنقول بحرًا في ديسمبر/كانون الثاني 2022؛ استنادًا إلى عقود مبرمة قبل 4 يونيو/حزيران 2022.
وتقول الحكومة، إن هذا الاستثناء يمكّنها من استمرار تصدير المشتقات النفطية المكررة من النفط الروسي إلى أوكرانيا وأوروبا حتى نهاية عام 2024.
وحصلت دول شرق أوروبية أخرى على هذا الاستثناء، من بينها المجر والتشيك وسلوفاكيا؛ لصعوبة استبدال الواردات الروسية التي تأتيها عبر خط أنابيب دروجبا الروسي القريب جغرافيًا.
حجج الحكومة البلغارية
تروج الحكومة البلغارية دوافع بيئية وراء عمليات التصدير الخلفي، إذ تخشى من مخاطر السلامة في حال تخزين كميات كبيرة من المشتقات النفطية المنتجة فوق الاستهلاك المحلي في البلاد.
ويعني تصريح الحكومة الحديث، استمرار مصفاة شركة لوك أويل-في مدينة بورغاس جنوب شرق بلغاريا- في عمليات تكرير النفط الروسي وتصديره إلى أوروبا بكميات ضخمة.
وتنشط هذه المصفاة في عمليات التكرير بدرجة تفوق قدرة بلغاريا على التخزين؛ ما اضطر الحكومة لطلب استثناء من الاتحاد الأوروبي لتصدير الفائض عن الاستهلاك، بوصفها من الدول الأعضاء الملزمة بتطبيق العقوبات.
أوكرانيا تشتري الديزل الروسي
كشف أحدث تحقيق صحفي أوروبي حول هذا الملف، شراء أوكرانيا كميات ضخمة من المشتقات النفطية الروسية المنتجة في بلغاريا طوال العام الماضي.
واستند التحقيق الذي أجراه موقع "يورو أكتف" إلى بيانات صادرة عن المعهد الإحصائي الوطني البلغاري، تؤكد شراء أوكرانيا مشتقات نفطية روسية مصنعة في بلغاريا بقيمة 700 مليون يورو خلال المدة منذ يناير/كانون الثاني إلى نوفمبر /تشرين الثاني 2022.
(اليورو = 1.09 دولارًا أميركيًا).
ورجّح المعهد ارتفاع هذه القيمة إلى 825 مليون يورو في حالة جمع بيانات شهر ديسمبر/كانون الثاني 2022، التي شهدت نموًا في حركة تصدير المشتقات النفطية.
لوك أويل محتكرة التكرير
استحوذ وقود الديزل على 90% من صادرات بلغاريا إلى أوكرانيا خلال المدة الماضية، كما زادت مبيعات البنزين بصورة متسارعة خلال الأشهر الـ6 الماضية.
وتتحكم مصفاة مدينة بورغاس -التابعة لشركة النفط الروسية لوك أويل- في إنتاج الجانب الأكبر من مشتقات الوقود في بلغاريا، لا سيما الديزل الذي تكاد تكون المنتج الوحيد له في البلاد، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتعمل المصفاة الروسية في بلغاريا على تكرير النفط الروسي الخام المنقول لها بحرًا عبر ناقلات تمر من البحر الأسود؛ ما يمكنها من بيع المشتقات بأسعار أقل؛ لأن المادة الخام نفسها قادمة من موسكو.
500 شركة بلغارية
تقول شركة لوك أويل الروسية، إن مصفاة التكرير التابعة لها في بلغاريا تبيع مشتقات البنزين والديزل إلى 500 شركة بلغارية محلية، ولا تتعامل مباشرة مع الأوكرانيين.
وتنتج مصفاة الشركة الروسية كميات كبيرة من المشتقات تفوق قدرة السوق المحلية المحدودة، في دولة صغيرة الحجم مثل بلغاريا، لا يتعدى عدد سكانها 7 ملايين نسمة.
يعني هذا، أن توقف الصادرات غير المباشرة إلى أوكرانيا سيصيبها بضرر بالغ، وسيضطرها لخفض الطاقة الإنتاجية لتقتصر على السوق البلغارية المحلية فقط.
وتسهم مصافي التكرير البلغارية المحلية في إنتاج كميات صغيرة من وقود الديزل الذي يجرى تسويقه في الاتحاد الأوروبي بوصفه بلغاري المنشأ على خلاف الواقع الذي يشير إلى جهة روسية مستحوذة على قطاع التكرير في بلغاريا.
ارتفاع الصادرات 1000%
تصدّر بلغاريا الوقود إلى أوكرانيا منذ سنوات، إلا أن معدل صادراتها قبل الحرب لم يكن بهذه الصورة الضخمة التي تتجاوز 1000%، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
إذ بلغت قيمة صادرات عام 2021 (قبل الحرب)،قرابة 750 ألف يورو فقط، بينما يبلغ هذا الرقم حاليًا قرابة 825 مليون يورو، تمثل 1% من حجم الاقتصاد البلغاري بأكمله.
ويقول خبير اقتصادات الطاقة الدولي، الدكتور أنس الحجي، إن ما يحدث في بلغاريا ودول شرق أوروبا لا يخرج عن كونه عملية غسل علنية للنفط الروسي، تشبه ما يعرف في عالم الجريمة المالية باسم "جريمة غسل الأموال".
كيف يجرى غسل نفط موسكو؟
تعنى عمليات غسل النفط الروسي، محاولة إنتاجه وبيعه بطرق ملتوية لا تخضع للعقوبات الأوربية والأميركية المفروضة على صادرات خام النفط الروسي، والمشتقات النفطية المكررة منه.
وفقًا لهذه الصورة، تستورد بلغاريا خام النفط الروسي المستثناة من حظره، لكنها تعيد تكريره في الداخل ثم تبيعه عبر شركات بلغارية إلى أوروبا.
وهذه هي إحدى الحيل والأساليب المستخدمة في عمليات غسل النفط عبر التاريخ، إلا أنها تتم في حالة روسيا على نطاق واسع وبأحجام قياسية لم تحدث في التاريخ المعاصر على الأقل، وفقًا لخبير الطاقة الدولي ومستشار تحرير منصة الطاقة الدكتور أنس الحجي.
مفارقة الحالة البلغارية
هناك ثمة مفارقة في الحالة البلغارية، تتمثل في أن الشركة المكررة للنفط الروسي في بلغاريا ليست محلية، بل روسية صريحة (لوك أويل)؛ ما يعني أن عمليات غسل خام موسكو تتم بأيادي روسية على أراضٍ بلغارية، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وليست عمليات غسل النفط بجديدة على القطاع، أو من ابتكار روسيا، بل سبقت إليها دول أخرى وضعت في ظروف مشابهة لموسكو، مثل العراق وإيران وفنزويلا، لكن حالة روسيا يمكن وصفها بأكبر سوق سوداء للنفط في العالم، وفقًا لخبير الطاقة الدولي.
ويفسر مرور عمليات غسل النفط الروسي أمام أعين الأوروبيين بهذه الطريقة، إلى غلبة الجانب الدعائي على العقوبات، وضعف جدّيتها؛ ما أدى إلى فشلها للمرة الـ10؛ بسبب الخداع أو "الضحك على الذقون"، على حد تعبير الخبير الحجي الذي خصص حلقة كاملة من برنامج "أنسيّات الطاقة" لهذا الملف.
موضوعات متعلقة..
- صفقة غير معلنة.. المغرب يستورد شحنات ضخمة من الديزل الروسي
- أوروبا تودع الديزل الروسي رسميًا في فبراير.. والصين "قنطرة" للتكرير والتصدير
- هل يلبي الديزل الصيني احتياجات أوروبا بعد انقطاع الإمدادات الروسية؟ (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- مشروعات توتال في العراق تواجه شبح الانهيار.. وسحب موظفي صفقة الـ27 مليار دولار
- رسميًا.. انهيار أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم.. ووضع لافتة "للبيع"
- إطلاق أول حافلة نقل عام كهربائية في السعودية (صور)