مشروعات تحويل النفايات إلى طاقة في جنوب شرق آسيا تصطدم بمعارضة المجتمعات المحلية
رغم الاعتماد على تقنيات ودعم من أوروبا واليابان
مي مجدي
- تواجه مشروعات تحويل النفايات إلى طاقة معارضة شديدة من المجتمعات المحلية في جنوب شرق آسيا
- تخمة الأسواق الأوروبية واليابانية تجعل الشركات تتجه إلى جنوب شرق آسيا
- تعد اليابان أكثر نشاطًا من أوروبا لتنفيذ هذه المشروعات في المنطقة
- عملية تحويل النفايات إلى طاقة لا تناسب منطقة جنوب شرق آسيا عكس الدول المتقدمة
- عملية تحويل النفايات إلى طاقة قد تكون أسوأ من استخدام الوقود الأحفوري
تحرص الحكومات على الاستفادة من تقنيات تحويل النفايات إلى طاقة، بعدما باتت معالجة النفايات أمرًا حاسمًا للتخلص منها بعيدًا عن الطرق التقليدية.
إلا أن المشروعات في جنوب شرق آسيا تواجه العديد من الصعاب التي تقف في وجه تطويرها واعتماد التقنيات المتطورة.
فهناك ما يزيد على 100 مشروع لتحويل النفايات إلى طاقة إما شُيد حديثًا وإما يُطوّر أ أو يُخطط لتنفيذه في 3 أسواق رئيسة، وهي جنوب شرق آسيا، الفلبين وإندونيسيا وتايلاند، بمشاركة شركات أوروبية أو يابانية، لكن هذه المشروعات تستقطب معارضات من المجتمعات المحلية بسبب أوراق الاعتماد الخضراء، وفق معلومات منصة الطاقة المتخصصة، نقلًا عن موقع إنرجي مونيتور (Energy Monitor).
معارضة المشروعات
قال زعيم قرية في منطقة تالانغ غرب تايلاند كامبول ودنوي، إن إحدى المناطق بالقرب منه تشهد تطوير مشروع سعته 7.9 ميغاواط لتحويل النفايات إلى طاقة.
وأوضح أن مطور المشروع زعم أنه يتبنى تقنيات من الخارج، لذا لا تنتج عنه أي ملوثات أو مشكلات، إذ يستخدم جهاز حرق متقدمًا من شركة هيتاشي زوسن اليابانية، وتكنولوجيا معالجة مياه الصرف الصحي بالتناضح العكسي من ألمانيا.
ومع ذلك، تواجه هذه المشروعات معارضة من المجتمعات المحلية ودعاة حماية البيئية في جنوب شرق آسيا، إذ يخشون أن تسفر عمليات الحرق عن زيادة التلوث وإلحاق الضرر بالمجتمعات المحلية واستمرر إنتاج الوقود الأحفوري بصفته وقودًا لتشغيل هذه المصانع.
وفي المقابل، تروّج الحكومات المحلية لهذه المشروعات بصفتها حلًا طويل الأمد لمشكلة النفايات الصلبة.
وترى مديرة مجموعة "إنلو" لتقديم المساعدات القانونية البيئية -ومقرها تايلاند- سوبابورن مالايوي، أن مشروعات تحويل النفايات إلى طاقة تنطوي على مخاطر صحية وبيئية محتملة في حالة عدم معالجتها بطريقة صحيحة.
وقالت إن تايلاند تساعد المستثمرين لتسريع هذه المشروعات عوضًا عن وضع لوائح رقابية صارمة.
وتزعم المنظمات غير الحكومية أن محطات تحويل النفايات إلى طاقة -غالبًا- ما تحرق النفايات القابلة لإعادة التدوير أو تحويلها إلى سماد، وتنتج انبعاثات سامة وتُسهم في تغير المناخ.
ولعقود من الزمن، كان تحويل النفايات إلى طاقة أداة رئيسة لمعالجة المخلفات في البلدان المتقدمة، عن طريق حرق النفايات المنزلية التي لا يمكن إعادة تدويرها، وتنتج عن هذه العملية طاقة يمكن الاستفادة منها لتغذية الشبكة بالكهرباء أو لتدفئة المدن أو تبريدها، أو تحويلها إلى بخار للاستخدام في الصناعات المختلفة.
ويوجد نحو 1500 جهاز حرق في اليابان ودول، مثل ألمانيا والسويد والدنمارك، لحرق عشرات الملايين من الأطنان من النفايات سنويًا، وتولد أكثر من 10 غيغاواط من الكهرباء في أوروبا، و4.2 غيغاواط في اليابان.
وتتطلّع هذه الدول لتطوير العديد من الأسواق، وهناك العشرات من محارق النفايات لتحويلها إلى طاقة قيد الإنشاء أو مخطط لتطويرها في جنوب شرق آسيا باستخدام التكنولوجيا اليابانية والأوروبية، ومدرجة على أنها نظيفة أو متجددة.
الاتجاه إلى جنوب شرق آسيا
توجد في أوروبا قرابة 500 محطة قيد التشغيل، ونحو 40 محطة جديدة مخطط لها أو قيد الإنشاء، نصفها -تقريبًا- في المملكة المتحدة، وفقًا لاتحاد محطات تحويل النفايات إلى طاقة في أوروبا.
وافتُتحت أولى المحارق الحديثة في اليابان بمدينة أوساكا خلال الستينيات باستخدام التقنيات الأوروبية.
ومع ذلك، يُشكك منسق برامج المناخ والطاقة وتلوّث الهواء في منظمة "زيرو وست يورب" غير الحكومية يانيك فاك في ضرورتها.
وقال إن تقارير الصناعة تشير إلى أن هناك تخمة في السوق الأوروبية واليابانية، وتعترف بوجود حيز بسيط لتطوير المزيد من هذه المحطات.
وأوضح المتحدث باسم شركة هيتاشي زوسين، يوتاكا سوغيموتو، أن اليابان شهدت تطوير محطات تحويل النفايات إلى طاقة، وعلى المدى الطويل، من المتوقع انخفاض عدد سكان اليابان، لذا هناك احتمال عدم نمو السوق اليابانية.
ولمواجهة الأسواق المحلية المتخمة والمخاوف المتزايدة المتعلقة بتغير المناخ والتلوث، بالإضافة إلى زيادة الضغط لتقليل حجم النفايات، وليس حرقها، يتجه مطورو هذه المشروعات في أوروبا واليابان إلى جنوب شرق آسيا.
وتشكّل هذه المنطقة موطنًا لـ600 مليون شخص، وتواجه تحديًا متناميًا لمعالجة النفايات.
وتدعم الوكالات الحكومية -مثل وكالة اليابان للتعاون الدولي (جي آي سي إيه)، وبنوك التنمية متعددة الأطراف، مثل بنك التنمية الآسيوي- هذه المشروعات، من خلال توفير الدعم المالي أو دعم بناء القدرات للحكومات المحلية التي ترى في تحويل النفايات إلى طاقة حلًا سريعًا لمشكلة متنامية.
ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- حجم النفايات المعالجة في الاتحاد الأوروبي خلال عامي 2001 و2019:
دعم البلدان الآسيوية
تتلقى العديد من مشروعات تحويل النفايات إلى طاقة في جنوب شرق آسيا الدعم من وكالات المساعدات الأوروبية المدعومة من الحكومة أو باستخدام التكنولوجيا الأوروبية.
ويتضمّن ذلك محطة لتحويل النفايات إلى طاقة بقدرة 36 ميغاواط في مدينة سيبو بالفلبين، التي تحظى بدعم من شركة أمستردام وست إنفيرومنتال كونسلتانسي آند تكنولوجي -ومقرها هولندا-، ومحطة بقدرة 19 ميغاواط في بانغاسينان بالفلبين -أيضًا- بتمويل من شركة "آلايد بروجكت سيرفيسس"، ومقرها المملكة المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، تدعم حكومة الدنمارك مشروعًا بقدرة 15-17 ميغاواط في منطقة سمارانغ الإندونيسية، ومشروعًا بقدرة 8.7 ميغاواط في تشونبوري بتايلاند، بدعم من الشركتين الفرنسيتين إنجي وسويس إنفيرومنت.
ويعتمد تحويل النفايات إلى طاقة على المخلفات غير القابلة لإعادة تدويرها، وينظر إليها البعض على أنها تقنية نظيفة يمكن أن تؤدي دورًا حاسمًا لمساعدة المناطق، مثل جنوب شرق آسيا، على الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري، بدلًا من دفن النفايات، التي تُعد مصدرًا رئيسًا لغاز الميثان، وهو أحد غازات الدفيئة القوية.
وقد تكون اليابان أكثر نشاطًا من أوروبا في جنوب شرق آسيا، إذ تعمل كل من وزارة الخارجية اليابانية ووكالة اليابان للتعاون الدولي ورابطة كيتاكيوشو الدولية للتعاون التكنولوجي على تعزيز الحرق.
وستعتمد المشروعات في العديد من المدن، مثل دافاو وسيبو في الفلبين وباندونغ وسورابايا بإندونيسيا، على التقنيات من الشركات اليابانية الكبرى، مثل هيتاشي زوسن وإتوشو وغيرهما.
ويقع أكثر المشروعات تقدمًا في مدينة دافاو، إذ تُنفذ -حاليًا- محطة لتحويل النفايات إلى طاقة بتمويل من الحكومة اليابانية.
واعترف السكان بعدم استشارتهم من قبل المطورين، كما أن جامعي القمامة في سيبو، التي لديها خطط لمشروع بقدرة 36 ميغاواط، ليست لديهم أي فكرة عن خطط معالجة النفايات الصلبة وتأثيرها في مصدر رزقهم، الذي يصل إلى 90 دولارًا شهريًا.
ومن المقترح تطوير 17 مشروعًا بقدرة إجمالية لا تقل عن 134.9 ميغاواط في إندونيسيا.
وواجه المشروع تأجيلًا بعد معارضة المجتمعات المحلية ودعاة حماية البيئة، وقلقهم من احتمال إطلاق مادة الديوكسين من حرق القمامة، ما يؤدي إلى تدهور جودة الهواء في جاكرتا، التي تعاني -حاليًا- تلوثًا شديدًا.
كما يواجه مشروع بقدرة 12 ميغاواط قيد الإنشاء في سوراكارتا بدعم من شركة نمساوية ضغطًا شعبيًا متزايدًا.
أما تايلاند فلديها مشروعات بقدرة تصل إلى 600 ميغاواط، ويواجه مشروع في تالانغ معارضة كبيرة من المجتمعات المحلية، ويبدو أنها آتت ثمارها مع عدم وجود جدول زمني لبدء تشغيله.
ويوضح الرسم التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- مشروعات تحويل النفايات إلى الطاقة المدعومة أو المستخدمة للتقنيات الأوروبية أو اليابانية:
أوراق الاعتماد الخضراء
أحد الشواغل الرئيسة المتعلقة بتحويل النفايات إلى طاقة في جنوب شرق آسيا هو كيف يمكن لمصادر النفايات المختلفة أن تؤثر في استدامة المحطات وكفاءتها التشغيلية.
ففي الاقتصادات المتقدمة، مثل أوروبا واليابان، تشكّل النفايات العضوية مثل الطعام، 10-20% فقط من المخلفات المحلية.
وعلاوة على ذلك، تسمح أنظمة فصل النفايات طويلة الأمد والمنظمة لليابان بالحد من كمية النفايات غير القابلة للاحتراق، مثل الإلكترونيات والمعادن والمواد الكيميائية، ما يجعلها فعالة ونظيفة.
بينما النفايات في جاكرتا -على سبيل المثال- ليست مناسبة لتحويل النفايات إلى طاقة، لأنها مختلفة ومبللة وغير منظمة، وهي مشكلة شائعة.
وفي جنوب شرق آسيا، تصل النفايات العضوية نحو 50% من النفايات المحلية، وتفتقر إلى وجود أنظمة لفصل النفايات.
ومن المحتمل أن تتطلّب محطات تحويل النفايات إلى طاقة في جنوب شرق آسيا وقودًا لارتفاع درجات الحرارة اللازمة لتشغيل المحارق بفاعلية، وعلى الأرجح سيكون من البلاستيك.
ووفقًا لتقرير صادر في عام 2019 عن مركز القانون البيئي الدولي، فإن التوسع في عمليات الحرق على مستوى العالم سيزيد الانبعاثات العالمية من حرق البلاستيك بحلول عام 2050 إلى 309 ملايين طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون.
وأعربت المنظمات غير الربحية عن قلقها من أن طول مدة بقاء المحارق سيزيد الطلب على البلاستيك.
ورغم أن اليابان تحاول تقليل النفايات البلاستيكية ولديها نظام فعال لإعادة تدوير الزجاجات المصنوعة من البولي إيثيلين تريفثاليت، فإن تقليل الانبعاثات الناجمة من تحويل النفايات إلى طاقة سيكون حاسمًا لتحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
ويمثّل حرق النفايات -حاليًا- 3.2% من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في اليابان، أو 31 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا.
ويعتقد منسق برامج المناخ والطاقة وتلوث الهواء في منظمة "زيرو وست يورب" غير الحكومية يانيك فاك، أنه من المحتمل أن تصبح عملية تحويل النفايات إلى طاقة أسوأ من استخدام الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء.
وقال إن الاعتماد على البلاستيك يعني استمرار مصدر طاقة عالي الانبعاثات، موضحًا أن الطاقة التي تنتجها المحارق تُطلق انبعاثات أكثر بنحو 1.5 إلى مرتين مقارنة بحرق الغاز الطبيعي -على سبيل المثال-.
ويعارض مؤيدو الصناعة أنه عند أخذ انبعاثات دورة الحياة ومدخلات النفايات في الحسبان، فإن تحويل النفايات إلى طاقة يُعد جزئيًا مصدرًا متجددًا.
ويشيرون إلى المشروعات التجريبية في كوبنهاغن وأوسلو التي تستخدم تقنية احتجاز الكربون وتخزينه، التي يمكن أن تجعل هذه العملية محايدة للكربون في المستقبل.
ومع ذلك، لا توجد مشروعات في جنوب شرق آسيا تقترح استخدام تقنية احتجاز الكربون وتخزينه، ويقود هذا البعض إلى استنتاج أن هذه العملية لها تأثير سلبي في المنطقة والمجتمعات المحلية، إلى جانب الأهداف المتعلقة بالمناخ.
موضوعات متعلقة..
- النفايات البلاستيكية.. خطر جسيم يهدد الأحياء المائية ويفاقم تداعيات المناخ (تقرير)
- 10 معلومات عن محطة الشارقة لتحويل النفايات إلى طاقة (إنفوغرافيك)
- اللدائن الحرارية.. تجربة مثالية للاستفادة من النفايات المنزلية
اقرأ أيضًا..
- ساوند إنرجي تكشف عن رقم ضخم لاحتياطيات الغاز المغربي.. ثروة للمملكة
- طفرة ضخمة بصادرات الغاز المسال المصرية.. وتركيا في مقدمة المستوردين
- السعودية والكويت تقودان انتعاش قطاع تكرير النفط بالشرق الأوسط في 2023