حرق الكتلة الحيوية يضاعف أزمة تغير المناخ أكثر من الوقود الأحفوري (تقرير)
تُشجع توجيهات الاتحاد الأوروبي بشأن الطاقة المتجددة على استخدام الكتلة الحيوية من الأخشاب في الغابات مصدرًا للطاقة؛ الأمر الذي صاحبه جدل ونقاش ساخن من الباحثين والمختصين في تغير المناخ.
ويتمحور الجدل حول ما إذا كانت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بإحراق الكتلة الحيوية بوصفها مصدرًا للوقود أقل من الانبعاثات التي تُتَجنَّب بعدم استخدام الوقود الأحفوري.
ووفقًا لمركز الأبحاث المشتركة التابع للمفوضية الأوروبية؛ فإنه تنتج عن معظم حرق الكتلة الحيوية للغابات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أكثر من الوقود الأحفوري، وفي جميع سيناريوهات الكتلة الحيوية التي قُيِّمَت تقريبًا، يكون لها تأثيرها سلبي في المناخ أو التنوع البيولوجي أو كليهما.
أشار عدد من الباحثين إلى أن استخدام جذوع الأشجار الكبيرة لإنتاج الطاقة الحيوية يتضمن سيناريوهات تجعل تغير المناخ والتنوع البيولوجي أسوأ.
وتمثل الطاقة الحيوية -حاليًا- أكثر من 6% من إمدادات الطاقة العالمية، ومن المتوقع أن يتضاعف استهلاك طاقة الكتلة الحيوية الحديثة في السنوات الـ20 المقبلة.
جهود مخيبة للآمال
تدفع الأهداف الغربية لزيادة إنتاج الطاقة المتجددة والإعانات المصاحبة لها إلى تصاعد وتيرة حرق الأخشاب، والانبعاثات المصاحبة لها؛ إذ تزيد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من حرق الكتلة الحيوية الخشبية في الاتحاد الأوروبي على 400 مليون طن متري سنويًا، وهو ما يعادل إضافة انبعاثات أخرى بولندا أو إيطاليا.
وبقدر ما كانت الحرائق في أوروبا سيئة، خلال الصيف الماضي؛ فإن حرق الأخشاب من أجل الطاقة ينبعث منه نحو 20 ضعفًا من ثاني أكسيد الكربون سنويًا.
يأتي ذلك في الوقت الذي تخصص فيه السياسة الرسمية للاتحاد الأوروبي للكتلة الحيوية قيمة "صفرية" للانبعاثات، تمامًا مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
كما يؤدي قطع الأشجار من أجل الوقود إلى تدهور مصارف الكربون في الغابات، كما حدث مؤخرًا في فنلندا؛ إذ حذر باحثون حكوميون من حصاد الأشجار من أجل الطاقة.
وفي إستونيا، يوجد الآن أكثر من نصف الخشب المقطوع، يُحرَق من أجل الطاقة، ويستورد العديد من البلدان الأخرى كريات الخشب المصنوعة من الغابات الإستونية من أجل استخدامها في توليد الكهرباء.
أرصدة الكربون
تؤدي الغابات دورًا مهمًا في نزع الكربون والمساهمة في أهداف خفض الانبعاثات، والحد من قدرتها على العزل له تأثير كبير في أرصدة الكربون.
وتكمن المشكلة في أن المنهجية المستخدمة حاليًا للحكم على أرصدة غازات الاحتباس الحراري محدودة جدًا؛ بحيث لا توفر إجابة دقيقة، وعلى هذا النحو، غالبًا ما تعطي إجابة خاطئة؛ ما يشجع على حصاد أخشاب الغابات بدلًا من حمايتها.
وعلى النقيض من ذلك؛ فإن منهجية الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لقوائم الجرد الوطنية لغازات الاحتباس الحراري تُقيِّم مقدار تغير مخزون الكربون في مساحة الغابات نتيجة لنوع معين من إدارة الغابات المطبقة.
ويسمح ذلك بحساب كمية الكربون المزالة من الخشب المقطوع بوصفها انبعاثات مباشرة، وإذا حُرِقَ خشب الغابات لاحقًا، على سبيل المثال في قطاع الطاقة؛ فلا داعي للإبلاغ عن انبعاثات أخرى، من ناحية أخرى، إذا حُوِّلَ الخشب إلى منتجات، يتم الاحتفاظ بجزء من الكربون المقطوع.
ومع ذلك؛ فإن طريقة موازنة غازات الدفيئة لا تقيم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن احتراق الأخشاب المقطوعة ولا التغييرات في تخزين الكربون في منطقة الغابات.
ولكن عند تطبيق منهجية أكثر اكتمالًا لموازنة غازات الاحتباس الحراري، والتي تعكس أيضًا تخزين الكربون في منطقة الغابات وفقًا لمبادئ الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ؛ نجد أن الأساس المنطقي للحصاد لتوفير الطاقة الخشبية يتلاشى.
ولسد هذه الفجوة المنهجية، طَوَّرَ خبراء فكرة "توازن تخزين الكربون في الغابات"، يصف هذا مقدار تغير تخزين الكربون في الغابات مع حصاد الأخشاب ويمكن دمجه بسهولة في موازين غازات الدفيئة.
الكريات الخشبية
بينما تدّعي شركات الكريات الخشبية، التي تستخدم بوصفها منتجًا يُحرق للتدفئة في كثير من الأحيان، أن منتجاتها مصنوعة من بقايا المنتجات الثانوية لصنع سلع مثل الألواح أو الخشب الرقائقي؛ وجد محققون أنه في كثير من الحالات تُطحَن جذوع الأشجار بالكامل على الفور في رقائق الخشب في منشآت الحبيبات، وتبيع هذه المصانع منتجاتها في أوروبا الغربية.
تُظهر بيانات التجارة تدفق الكريات من أوروبا الشرقية إلى بقية أوروبا؛ ما يشير إلى أن الطلب المتزايد على ما يسمى الكريات الخشبية المتجددة في بلدان مثل إيطاليا والنمسا واليونان يحفز على تدمير آخر الغابات السليمة المتبقية في القارة.
وأسهمت الأزمة الحالية في أوكرانيا في قضية الكتلة الحيوية؛ الأمر الذي وضع أمن الطاقة بشكل مباشر في قلب المناقشات السياسية في الاتحاد الأوروبي.
وسعى البعض في صناعة الكتلة الحيوية في أوروبا إلى الاستفادة من الأزمة، من خلال تشجيع زيادة قطع الأشجار في غابات أوروبا لاستخدامها في الكتلة الحيوية، باسم استبدال النفط والغاز الروسيين، مع دخول فصل الشتاء، سيزداد الضغط على غابات أوروبا.
وتحتاج التزامات الاتحاد الأوروبي بشأن المناخ إلى زيادة جذرية في امتصاص الكربون من الغلاف الجوي في قطاع الأراضي، والطريقة الأفضل والأكثر فاعلية من حيث التكلفة والأكثر مرونة للقيام بذلك هي حماية الغابات والسماح باستعادتها.
رأي العلم
نظرًا إلى أن الاحتراق ينبعث منه ثاني أكسيد الكربون بشكل أسرع من نمو الأشجار؛ فقد حذّر علماء المفوضية الأوروبية من أن حرق الكتلة الحيوية للغابات يمكن أن يؤدي إلى خفض كبير أو حتى توفير سلبي في غازات الاحتباس الحراري مقارنة باستخدام الوقود الأحفوري لمدة 20 إلى 50 عامًا أو حتى قرون.
إضافة إلى ذلك، يحذر الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ من أن الكتلة الحيوية لا ينبغي اعتبارها محايدة للكربون.
ويرى الباحثون أن هناك حاجة إلى نهج أكثر صرامة تجاه الكتلة الحيوية الخشبية الأولية للطاقة، مثل عدم تصنيف الكتلة الحيوية الخشبية الأولية بوصفها طاقة متجددة وإنشاء مسار للتخلص التدريجي من الكتلة الحيوية الخشبية الأولية الموجودة المستخدمة في الطاقة.
من شأن هذا المقترح أن يساعد الاتحاد الأوروبي أيضًا على تحقيق أهدافه لتوسيع مصارف الكربون في الغابات الأوروبية.
كان نواب في البرلمان الأوروبي قد اقترحوا إنهاء الدعم لحصاد الكتلة الحيوية الخشبية الأولية للطاقة، وحساب الكمية الحالية فقط نحو أهداف الطاقة المتجددة هو الحد الأدنى المطلوب.
موضوعات متعلقة..
- 5 حقائق عن الكتلة الحيوية.. أبرز مزاياها وعيوبها واستخداماتها (تقرير)
- هل تسهم الكتلة الحيوية بتحقيق الحياد الكربوني في أوروبا؟
اقرأ أيضًا..
- الطاقة الشمسية في لبنان.. هل تستفيد من تجربتَي الأردن واليمن؟ (مقال)
- 4 دول عربية تحتاج إلى الطاقة النووية بسرعة.. أبرزها الجزائر والمغرب (تقرير)
- انخفاض صادرات النفط الروسي المنقولة بحرًا مع تراجع واردات 3 دول