الطاقة الشمسية في لبنان.. هل تستفيد من تجربتَي الأردن واليمن؟ (مقال)
مارك أيوب - باحث في مجال الطاقة
- اللبنانيون بدؤوا في استعمال الطاقة الشمسية لضمان أمن الطاقة
- فيلم وثائقي يسلّط الضوء على التجارب الحديثة بالطاقة الشمسية في الأردن واليمن
- الأردن نجحت في تجربة الطاقة المتجددة بمحاولة لحلّ أزمة نقص إمدادات الطاقة
- انهيار شبكة الكهرباء في اليمن نتيجة الحرب حفّز سوق الطاقة الشمسية
شهد لبنان أزمة اقتصادية ومالية ونقدية عاصفة أثّرت في أهم القطاعات الحيوية في الدولة، ومنها قطاع الطاقة، وفي القلب منه الطاقة الشمسية في لبنان.
ويمر لبنان بأسوأ أزمة اقتصادية على مستوى العالم منذ منتصف القرن الـ19، وفقًا لتقرير البنك الدولي الصادر في 2021، ووصلت نسبة التضخم السنوي إلى 206% في أبريل/نيسان 2022، حسب صحيفة ذا ناشيونال الإماراتية، في حين تشير التقديرات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي قد انخفض بنسبة 10.5% في عام 2021، عقب انكماش بنسبة بلغت 21.4% في عام 2020.
نتيجة لذلك، اضطرت الدولة أن تعتمد منذ عام 2020 على الواردات المتقلصة وباهظة الثمن من المازوت والديزل، بالإضافة إلى تدهور شبكة توزيع الكهرباء ومعاناتها من خسائر جسيمة فنية وغير فنية، مما أدى بدوره إلى تصاعد الاعتماد على شبكة المولدات الخاصة التي تعمل بوقود الديزل، ومنذ رفع الدعم عن الوقود، ارتفعت أسعار الكهرباء، ولم يعد بمقدور معظم العائلات اللبنانية تحمّلها.
نتيجة لذلك، بدأ المواطنون استعمال الطاقة المتجددة -وتحديدًا الطاقة الشمسية- وسيلة لضمان أمن الطاقة وتجنّب الانقطاع الكامل للتيار الكهربائي، غير أن توسُّع قطاع الطاقة الشمسية واجه العديد من التحديات.
بهدف إلقاء الضوء على هذه التحديات، وكذلك على المبادرات الفردية التي اتّبعها المواطنون للدفع نحو التحول الطاقي خلال هذه الأزمة، أنتج معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية بالجامعة الأميركية في بيروت، بالتعاون مع معهد حوكمة الموارد الطبيعية الفيلم الوثائقي "بحثًا عن الشمس".
إذ يهدف الفيلم إلى الإسهام في حملة دعمٍ وتوعية لمساعدة المواطنين على فهم أفضل الممارسات لتطوير أنظمة الطاقة الشمسية وتنفيذها، والتوجّه إلى صنّاع القرار لاعتماد الإجراءات والسياسات اللازمة لنمو هذا القطاع.
ويستخلص العمل الوثائقي دروسًا من سلسلة من المقابلات التي أُجريت في لبنان، وكذلك من التجارب الحديثة في الأردن واليمن.
الطاقة الشمسية في لبنان 2022
شهدت سوق الطاقة الشمسية في لبنان نموًا غير مسبوق في الطلب منذ صيف 2020، تزامنًا مع التدهور المستمر في إمدادات الكهرباء في البلاد بسبب النقص الحادّ في الوقود؛ إذ سارع المواطنون القادرون على تحمّل التكلفة المادية، نقدًا و/أو من خلال تحويلات نقدية من الخارج، إلى تركيب أنظمة للطاقة الشمسية.
ووفقًا لأحدث أرقام أصدرتها وزارة الطاقة والمياه، انتقل لبنان من بلد لا توجد به أيّ مشروعات للطاقة الشمسية في عام 2010، إلى ما يقارب 1000 مشروع لها في عام 2020، بقدرة إجمالية تصل إلى 100 ميغاواط.
علاوةً على ذلك، أُضيفت 100 ميغاواط أخرى في عام 2021 وحده، ويتوقع المسؤولون إضافة 250 ميغاواط أخرى في عام 2022؛ مما يزيد إجمالي حجم الطاقة المتجددة اللامركزية إلى 450 ميغاواط على مستوى البلاد، بحسب الفيلم الوثائقي "بحثًا عن الشمس" Chasing the Sun
تزامن هذا النمو مع سلسلة من الإجراءات الحكومية، شملت بناء قدرات المهندسين والفنيين، وزيادة الوعي داخل المجتمعات المحلية حول أهمية الطاقة المتجددة، والارتقاء بالمواصفات اللازمة لمعدّات الطاقة الشمسية المستوردة لضمان أفضل جودة.
وضعت الحكومة -أيضًا- أهدافًا طموحة تستهدف زيادة حصة الطاقة المتجددة إلى 12% لعام 2020، و30% بحلول عام 2030، على الرغم من أن حصة الطاقة المتجددة لعام 2019 من إجمالي توليد الكهرباء السنوي لم تتجاوز 7.83% فقط (شاملة الخلايا الشمسية الكهروضوئية، والطاقة الكهرومائية، وحرق النفايات).
رغم هذا، فمن الواضح أن الأزمة الاقتصادية كانت هي المحرك الرئيس لنمو الطاقة المتجددة في لبنان، وليست سياسات الحكومة.
لذلك، لا تزال هناك حاجة إلى إطار تنظيمي مناسب للطاقة المتجددة، وقد وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون لتوليد الطاقة المتجددة الموزّعة في مارس/أذار 2022، ويُنتظر تصديق البرلمان عليه.
ومن المتوقع أن يوفر مشروع القانون هذا الأساس لإنشاء مشروعات موزّعة تصل قدرتها إلى 10 ميغاواط، علاوة على دعم نظام قياس صافي الطاقة بجميع أشكاله، والتعامل من خلال اتفاقيات مباشرة لشراء الطاقة ونقلها.
وبالمثل، يهدف مشروع قانون كفاءة الطاقة -الذي أقرّه مجلس الوزراء أيضًا- إلى تعزيز التغييرات السلوكية واستعمال أجهزة ومعدّات أكثر كفاءة من خلال مجموعة من السياسات والحوافز الاقتصادية.
ومن المتوقع أن يكون هذا المشروع مكملًا لقانون تنظيم قطاع الكهرباء رقم 462 لعام 2002، الذي يسمح بإنتاج الطاقة المتجددة والنظيفة للاستعمال الشخصي، بسعة قصوى تصل إلى 1.5 ميغاواط، دون الحاجة إلى ترخيص.
وبعيدًا عن السياسات والقوانين، تمثّلت المشكلة الأكبر منذ بداية الأزمة الاقتصادية في عدم القدرة على توفير التمويل لتنفيذ المشروعات المخطط لها، وكذلك المشروعات الجديدة.
فبين عامي 2011 و2019، أُنفق نحو 125.83 مليون دولار أميركي لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة، موَّلت 54% منها الهيئة الوطنية لكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة، والتي كانت آلية تمويل وطنية، سمحت لكيانات القطاع الخاص بالحصول على قروض مدعومة لأيّ نوع من مشروعات كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة.
مع ذلك، تظل فرص التمويل المتاحة حاليًا محدودة، رغم الزخم الموجّه لخلق مصادر تمويل جديدة من خلال البنوك التجارية.
أمّا على مستوى المجتمع، فتستكشف العديد من المجتمعات المحلية -حاليًا- شبكات التوزيع المصغرة بناءً على سلسلة من المشروعات التجريبية التي موّلتها المنظمات الدولية أو المنظمات غير الحكومية أو الأفراد على مدى الأعوام الماضية، ولكن لا تزال هناك حاجة إلى آلية تمويل أكثر استدامة.
الاستفادة من التجارب الإقليمية
من أجل تقييم مسار لبنان نحو تطوير الطاقة المتجددة، يمكن إجراء مقارنة مع دولتين في العالم العربي، شهدتا مواقف مماثلة: الأردن واليمن.
نجحت الأردن في اكتساب سمعة لها كونها دولة رائدة إقليميًا في مجال الطاقة المتجددة؛ إذ أتى التحول إلى موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بمثابة ردّ فعل لأزمة إمدادات الطاقة الإقليمية والعالمية التي ضربت البلاد في عامي 2008 و2010.
وقد اتّبعت الأردن نهجًا مركزيًا لتعزيز الطاقة الشمسية الكهروضوئية بشكل هائل.
كذلك كان من العناصر الأساسية المؤدية إلى النجاح وجود إطار تنظيمي جيد يعتمد على رأس المال الدولي، ويسمح بالمرونة -على سبيل المثال- من خلال نظام قياس صافي الطاقة ونقل الطاقة، ووجود الدعم المستمر من المقرضين والممولين الدوليين، وإشراك القطاع الخاص والمستهلكين.
أمّا من حيث السعة المركّبة، فقد ركّب الأردن 1521 ميغاواط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية بحلول عام 2021، وهو ما يمثّل 25% تقريبًا من قدرة التوليد في البلاد.
ووفقًا لما تقدّم في سياق حديثنا، فقد بلغت ذروة الطلب المسجَّلة في أوائل عام 2022 نحو 4000 ميغاواط، حسب تقرير شركة الكهرباء الوطنية (إن آي بي سي أو) لعام 2022.
دعمت الانتقال السريع إلى مصادر الطاقة المتجددة في الأردن مجموعة من الأسس القانونية الراسخة؛ إذ طوّر قانون الطاقة المتجددة وقانون كفاءة الطاقة رقم 13 لعام 2012 أنظمة الطاقة المتجددة في اتجاهين متوازيين.
الاتجاه الأول سمح للحكومة بطرح مناقصات لمشروعات واسعة النطاق بموجب عطاءات مباشرة.
أمّا الاتجاه الثاني فهو نظام قياس صافي الطاقة الذي منح المستعمِلين النهائيين الحق في تركيب أنظمة الطاقة الشمسية لتغطية احتياجاتهم الخاصة.
من ناحية أخرى، شهدت اليمن إقبالًا هائلًا على الطاقة الشمسية الكهروضوئية، بسبب انهيار شبكة الكهرباء نتيجة للحرب.
انهيار شبكة الكهرباء
في عام 2015، تسبّبت الحرب في اليمن بانهيار كامل لشبكة الكهرباء العامة، ونقص حادّ في أنواع الوقود الأحفوري؛ إذ تشير التقديرات إلى انخفاض القدرة الإجمالية لتوليد الكهرباء في العاصمة صنعاء، من 500 ميغاواط قبل الحرب إلى ما يتراوح بين 280 و350 ميغاواط في عام 2021، مُولَّدة من مزيج من الطاقة الشمسية الكهروضوئية صغيرة السعة، وشبكة من الشبكات الصغيرة القائمة على الديزل.
كان الدافع وراء ذلك نهج رفع اليد الذي اتّبعته الحكومة، والسماح للقطاع الخاص بتزويد الكهرباء بأسعار تجارية، فضلًا عن إلغاء دعم الوقود، والتحرير الكامل لقطاع الكهرباء، بما في ذلك أسعاره.
ونتيجة لأزمة الطاقة، شهدت مبيعات أنظمة الطاقة الشمسية وتركيبها نموًا هائلًا في اليمن.
أدت هذه الظروف إلى معدل تغلغل لأنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية في القطاع المنزلي، بلغ 75% في المناطق الحضرية، و50% في المناطق الريفية، وفقًا للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة (ركري)، الذي تشير تقديراته إلى إنفاق المواطنين والمجتمعات المحلية نحو مليار دولار أميركي على أنظمة الطاقة الشمسية بين عامَي 2014 و2017.
وتركزت هذه المناطق جغرافيًا في شمال البلاد، وبالأخصّ في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين (معظم المناطق الشمالية والغربية الوسطى).
كان هذا مدفوعًا جزئيًا بواقع أن هذه المناطق أصبحت الآن منفصلة عن الشبكة الوطنية؛ بسبب تدمير البنية التحتية للنقل نتيجة للحرب، وصعوبة صيانة البنية التحتية للتوليد والتوزيع، وحقيقة أن سعر الصرف كان أكثر استقرارًا في هذه المناطق، بما يسمح بتركيب الطاقة الشمسية الكهروضوئية.
وعلى الرغم من هذا التقدم، فلا تزال هناك تحديات فنية ومالية وسياسية.
الدروس المستفادة من تجربتَي الأردن واليمن
يمكن للبنان استخلاص العديد من الدروس من تجربتَي الأردن واليمن، وقد تُمثّل هذه الدروس منطلَقًا للإصلاحات السياسية التي تمسّ الحاجة إليها في الحالة اللبنانية.
تُظهر التجربة الأردنية ما يلي:
- تؤدي الأطر القانونية والتنظيمية دورًا أساسيًا لنمو قطاع الطاقة المتجددة.
- ضرورة الدعم الحكومي المتمثل في ضمانات واتفاقيات الشراء للمشروعات القابلة للتمويل التي تجذب القطاع الخاص والجهات المانحة الدولية.
- يؤدي المستعمِلون النهائيون دورًا مهمًا في دفع انتقال الطاقة عند تنفيذ المخططات المناسبة، بما في ذلك نظام قياس صافي الطاقة.
- أهمية التخطيط الإستراتيجي الشامل لقطاع الطاقة؛ لضمان الانتقال السلس إلى التقنيات الخضراء.
التوجه نحو الطاقة الشمسية الكهروضوئية
يتشابه انتشار الطاقة الشمسية الكهروضوئية في اليمن ولبنان في العديد من الخصائص، ففي الحالتين كلتيهما، كان التوجه نحو الطاقة الشمسية الكهروضوئية نتيجة لأزمة في قطاع الطاقة، واقترن بعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي.
وكانت المبيعات مدفوعة بطلب القطاع المنزلي مع تدخّل بسيط من الحكومات.
يُعتقد -أيضًا- أن التحويلات المالية، بصفتها وسيلة لتمويل الطاقة الشمسية، مثّلت عاملًا مهمًا في البلدين، ولا سيما في المراحل الأولى.
مثّل السياق السياسي أحد العوامل الرئيسة التي أثّرت بوتيرة انتشار الطاقة الشمسية الكهروضوئية وجودتها في البلدان الـ3.
فالأردن يتمتع بنظام سياسي مستقر وفعال إلى حدّ معقول، يسمح للحكومة بالعمل واتخاذ القرارات وإحراز تقدّم، عندما يتعلق الأمر بمشروعات تطوير الطاقة المتجددة.
أمّا اليمن، فالوضع على النقيض؛ فقد ازداد تطوير الطاقة الشمسية الكهروضوئية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون بسبب تسعير الكهرباء بصفتها سلعة تجارية، والسماح للجهات الفاعلة من القطاع الخاص بإمدادها.
ومع ذلك، يتطلب الانتشار الفعال للطاقة الشمسية الكهروضوئية في جميع أنحاء البلاد عملية سلام تفاوضية تستند إلى اتفاق وقف إطلاق النار الحالي، الذي تمّ التوصل إليه مؤخرًا في البلاد.
تشبه حالة لبنان تجربة اليمن أكثر من الأردن. ورغم أن لبنان ليست في حالة حرب، فإنها تواجه أزمة سياسية ومالية متجذّرة، كما أنها بالفعل في حاجة ماسّة لإصلاحات قطاع الكهرباء التي تعطلت بسبب عدم وجود توافق سياسي.
وعلى الرغم من أن مثال اليمن يُظهر إمكان إحراز بعض التقدم بناءً على مبادرات الطاقة المتجددة الفردية، فإن وجود منظومة كهرباء فعالة يتطلب وجود حكومة قوية لوضع إطار العمل وتوفير الأمن للاستثمارات في قطاع الطاقة المتجددة.
*مارك أيوب - باحث في مجال الطاقة بمعهد عصام فارس في الجامعة الأميركية ببيروت وجامعة ليمريك في أيرلندا
*نُشر هذا المقال لأول مرة في موقع "حلول للسياسات البديلة" التابع للجامعة الأميركية بالقاهرة، وأعادت منصة الطاقة نشره بعد الحصول على موافقة الكاتب.
موضوعات متعلقة..
- الطاقة المتجددة في اليمن تترقب مشروعًا جديدًا
- هل تنجح الطاقة الشمسية في لبنان نحو إنهاء المعاناة؟ (3 رسوم بيانية)
- تفاصيل الحصول على دعم صندوق الطاقة المتجددة في الأردن "والتقسيط" (خاص)
اقرأ أيضًا..
- إيرادات صادرات النفط السعودي ترتفع 16.6% في أكتوبر
- تكرير النفط عام 2023 ينتظر طفرة.. ومصفاة ضخمة في أفريقيا قد تغيّر "قواعد اللعبة"
- مصفاة ميناء الأحمدي الكويتية.. رحلة إحدى أكبر مصافي التكرير حتى تصدير الوقود النظيف
- المغرب ومصر يقودان استثمارات الهيدروجين الأخضر في أفريقيا.. تريليون دولار سنويًا