تراجُع إنتاج النفط الصخري الأميركي والتضخم يبددان تطلعات أوروبا المتعطشة للطاقة (تحليل)
نوار صبح
- • روسيا هددت بمنع مبيعات النفط إلى الدول الداعمة للاتحاد الأوروبي في تحديد سقف الأسعار
- • خلال عقد من النمو تحدى النفط الصخري توقعات الإنتاج ومعارضة دعاة حماية البيئة
- • بعد حرب الأسعار بين عامي 2014 و2016 أفلست المئات من شركات النفط
- • النفط الصخري لم يَعُد مؤثِّرًا جرّاء استعادة أوبك السيطرة على السوق
- • الحكومة الأميركية تتوقع وصول إنتاج النفط الإجمالي إلى ذروة جديدة العام المقبل
أدى تراجع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة إلى تفاقم مشكلة إمدادات أوروبا المتعطشة إلى الطاقة، في وقت أعلن فيه تحالف أوبك+، في 5 أكتوبر/تشرين الأول (2022)، خفض سقف إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا بدءًا من شهر نوفمبر/تشرين الثاني حتى ديسمبر/كانون الأول 2023.
قبل أقل من أسبوع، نشرت منصة الطاقة المتخصصة تقريرًا بعنوان "تحديات تواجه إنتاج النفط الصخري الأميركي في عام 2023"، مشيرة فيه إلى أن منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة يعملون -حاليًا- على زيادة مردود الآبار لمواجهة القيود على نمو الإنتاج.
وذكر تقرير منصة الطاقة المتخصصة أن اضطرابات سلسلة التوريد المرتبطة بخدمات حقول النفط ومشكلات الآبار وارتفاع التكاليف دفعت المشغلين في الولايات المتحدة إلى تقليص خططهم والتركيز على تحسين الإنتاجية.
علاوة على ذلك، تحوّلت شركات التنقيب عن النفط الصخري في الولايات المتحدة من حفارات استكشاف متناثرة إلى أصحاب الملايين على مدى العقدين الماضيين، ما دفع الولايات المتحدة إلى أن تصبح أكبر منتج في العالم، ويبدو أن تلك الشركات تعيد حساباتها بعد تراجع الإنتاج.
تحذير من انخفاض مستقبلي
في ظل تباطؤ مكاسب إنتاج النفط الأميركي، يحذّر المسؤولون التنفيذيون لدى بعض أكبر الشركات من انخفاضات في المستقبل من حقول النفط المثقلة بالأعمال والآبار الأقل إنتاجية، حسب تحليل نشرته وكالة رويترز (Reuters) في 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وتجتمع منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، يوم الأحد 4 ديسمبر/كانون الأول، لتقرير ما إذا كانت ستصمد في وجه الضغوط أو تخفّض إنتاجها.
ولم تعد المنظمة تخشى أن تؤدي قراراتها السياسية إلى زيادة في إنتاج النفط الصخري بالطريقة التي فعلتها في السنوات التي سبقت جائحة كوفيد-19، وفقًا لتحليل رويترز.
ويرى المحللون أن تهميش النفط الصخري الأميركي يعني أن المستهلكين في جميع أنحاء العالم قد يواجهون شتاءً ترتفع فيه أسعار الوقود.
وبدورها، هدّدت روسيا بمنع مبيعات النفط للدول التي تدعم الاتحاد الأوروبي في تحديد سقف الأسعار، وتعمل الولايات المتحدة على تقليص عمليات السحب من مخزونات النفط الطارئة التي ساعدت في تهدئة تضخم الطاقة.
ونتيجة لارتفاع تكاليف إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، لا توجد علامة على أن المستثمرين غير الراغبين بالتمويل سيغيّرون مطالبهم بالعائدات بدلًا من الاستثمار في توسيع أنشطة الحفر.
وخلال عقد من النمو الملحوظ، تحدى النفط الصخري باستمرار توقعات الإنتاج ومعارضة دعاة حماية البيئة، إذ انفتحت التكنولوجيا على المزيد من منصات النفط الصخري وأحدثت ثورة في صناعة الطاقة العالمية.
ويبدو أنه لا توجد تقنيات جديدة لتحقيق تحوّل نوعي في الأعمال أو وفورات في التكاليف يمكن أن تغير الصورة هذه المرة.
فقد أدى التضخم في الولايات المتحدة إلى ارتفاع التكاليف بنسبة تصل إلى 20%، كما أن الآبار الأقل إنتاجية تعوق قدرة القطاع على إنتاج كميات إضافية.
على صعيد آخر، انخفض الإنفاق على الأبحاث والهندسة في شركة حقول النفط الكبرى شلمبرجيه الأميركية هذا العام إلى 2.3% من الإيرادات حتى سبتمبر/أيلول، من 2.4% في المدة نفسها من العام الماضي.
وفي شركة هيلمريتش آند باين، أحد أكبر مقاولي الحفر، سترتفع موازنة البحث والتطوير الخاصة بها إلى مليون دولار فقط من 27 مليون دولار في عام 2022.
وقال محللون في بنك الاستثمار الأميركي "مورغان ستانلي"، الأسبوع الماضي، إن إنفاق الصناعة على مشروعات نفطية جديدة "متواضع في أحسن الأحوال، وما يزال المستوى المطلق للاستثمار منخفضًا تاريخيًا".
وبهذا أثبت النفط الصخري خطأ المعترضين على إنتاجه في الماضي، فقد ابتكر قطاع النفط الصخري طرق تشغيل أقل تكلفة، بعد حرب الأسعار التي دارت رحاها بين عامي 2014 و2016، التي أسفرت عن إفلاس مئات شركات النفط.
وقد منحت المكاسب اللاحقة الولايات المتحدة بحلول عام 2018 لقب أكبر منتج للنفط الخام في العالم، وهي ميزة ما تزال البلاد تحتفظ بها.
تلاشي النجاح وتفضيل توزيعات الأرباح
قال مسؤولون تنفيذيون إن المستثمرين فضّلوا توزيعات الأرباح وعمليات إعادة شراء الأسهم على تحقيق المزيد من مكاسب الإنتاج في السنوات القليلة الماضية، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وقال بريان شيفيلد -الذي باع شركة بارسلي إنرجي الأميركية، ويدير الآن صندوق أسهم خاصًا يركز على الطاقة-: إن ذلك غيّر قدرة منتجي النفط الصخري على الاستجابة إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية.
وأكد شيفيلد أنه "لا يمكن أن يعود النفط الصخري ليصبح منتجًا متناميًا"، بسبب عدم رغبة المستثمرين في تمويل النمو.
وأضاف أن الطلب على المدفوعات والانهيارات المتكررة في الأسعار أجبرت منتجي النفط وشركات الخدمات على "تقليص المشروعات العلمية" التي غذّت اختراقات الإنتاج السابقة، حسب تحليل نشرته وكالة رويترز (Reuters) في 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وقال نائب رئيس شركة سبيرز آند أسوشيتس، ريتشارد سبيرز: إن التطور التكنولوجي الذي أدى إلى ابتكارات مثل التكسير المائي (الهيدروليكي) متعدد المراحل "سيتباطأ ويتباطأ".
وأوضح الرئيس التنفيذي لشركة هيس الأميركية، جون هيس: إن الصناعة لديها -أيضًا- وقت أقل لاستعادة ريادتها السابقة.
ويرى جون هيس أن المنافسين لديهم ما يقرب من عقد من الجري في الغرفة قبل أن يتلاشى. وقال هيس إن النفط الصخري "لم يعد في مقعد القيادة" مع استعادة أوبك السيطرة على السوق.
وتتوقع الحكومة الأميركية وصول إنتاج النفط الإجمالي إلى ذروة جديدة العام المقبل، لكنها خفّضت عدة مرات هذا العام توقعاتها. وخفضت مؤخرًا توقعات نمو الإنتاج لعام 2023 بنسبة 21%، إلى مكاسب بنحو 480 ألف برميل يوميًا، إلى 12.31 مليون برميل يوميًا.
وقد يعني ذلك تراجع النمو مقارنة بمكاسب قدرها 500 ألف برميل يوميًا فقط هذا العام، وهو أقل بكثير من التوقعات العالية بمكاسب بنحو 900 ألف برميل يوميًا هذا الربيع.
التأثير المتضائل للنفط الصخري
أصبح تراجع تأثير النفط الصخري واضحًا في داكوتا الشمالية. وعندما تصدَّرت الولاية صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة، أدى ضعف إنتاجية الآبار في منطقة باكن بالولاية ونقص العمالة إلى تركها بعيدة عن أيام الازدهار.
وما يزال نحو 4% من مخزون حفر النفط الصخري مرتفع الإنتاج، أو في نطاق المستوى 1، انخفاضًا من 9% في بداية عام 2020، وفقًا لشركة تكنولوجيا الإنتاج نوفي لابز، التي تركز على عوائد آبار النفط والغاز.
ونظرًا إلى انخفاض عدد مواقع الحفر الرئيسة في جميع حقول النفط الصخرية، فإن التوقعات قاتمة. علاوة على ذلك، يتراجع إنتاجه بسرعة بعد أن بلغ ذروته مقارنة بآبار النفط التقليدية، إذ انخفض بنحو 50% بعد العام الأول.
ويُعد حوض برميان في غرب تكساس ونيو مكسيكو أكبر وأهم حقل نفط في الولايات المتحدة، المنطقة الوحيدة من النفط الصخري في الولايات المتحدة التي تجاوزت مستويات إنتاج النفط الوبائي قبل تفشي جائحة كوفيد-19، وفقًا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
ويوضح الرسم البيان التالي -الذي أعدته منصة الطاقة المتخصصة- حجم إنتاج داكوتا الشمالية من النفط، خلال مدة ثورة النفط الصخري، بين عامي 2000 و2020:
ويرى المراقبون أن هذا الحقل -أيضًا- تظهر عليه علامات الإجهاد.
ويبلغ متوسط معدلات الإنتاج الأولية لبئر جديدة في القسم الأوسط من حوض برميان نحو 790 برميلًا يوميًا من النفط، انخفاضًا من 830 برميلًا يوميًا قبل 6 أشهر فقط، بحسب شركة الأبحاث بي تي يو.
وانخفضت توقعات بي تي يو للإنتاج الأولي في حقل نفط صخري آخر، شرق إيغل فورد، إلى 778 برميلًا يوميًا من 828 برميلًا يوميًا.
النقص المستمر في العمالة
قال مدير إدارة الموارد المعدنية في ولاية داكوتا الشمالية، لين هيلمز: "سنذهب إلى عام 2023 مع نقص خطير في القوى العاملة". فقد واجهت الولاية تاريخيًا صعوبة في جذب العمال، وقد أدى ضيق سوق العمل إلى تفاقم المشكلة.
وأوضح هيلمز أن جذب العمال لأطقم العمل اللازمة لتشغيل أساطيل الحفر والحفارات كان أمرًا صعبًا للغاية، مضيفًا أن المزيد من منصات الحفر انتقلت جنوبًا إلى حوض برميان.
وفي المقابل، انخفض عدد عمال استخراج النفط والغاز في ولاية داكوتا الشمالية بنسبة 12% بين عامي 2019 و2021، وفقًا لأحدث بيانات مكتب إحصاءات العمل السنوية، مقارنةً بانخفاض نيو مكسيكو بنسبة 9.6%.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة إنتاج النفط الصخري "تول سيتي إكسبلوريشن"، مايك أوستمان: إن معدلات الإنتاج المنخفضة هي "احتمالات طويلة الأجل".
وأشار إلى وجود مشكلات أخرى تحدّ من مكاسب النفط الصخري المحتملة، على سبيل المثال: الافتقار إلى الوضوح التنظيمي ورغبة الحكومة الأميركية في الاستغناء عن الوقود الأحفوري.
موضوعات متعلقة..
- النفط الأميركي يغزو أسواق أوروبا وآسيا.. هل البنية التحتية وحجم الإنتاج مؤهلان للتصدير؟
- انخفاض قياسي لإنتاج النفط الصخري بولاية داكوتا الشمالية
اقرأ أيضًا..
- قمة عُمان للهيدروجين الأخضر تنطلق بمشاركة عالمية واسعة.. في 5 ديسمبر
- شيفرون الأميركية توقع اتفاقًا رسميًا مع فنزويلا لاستئناف نشاطها النفطي
- تعاون لإنتاج الهيدروجين الأخضر والتنقيب عن النفط والغاز بين الأردن والنرويج