خطة أوروبا لتقنين أسعار الطاقة مهددة بالفشل (تقرير)
قد تحقق نتائج عكسية تعصف بجهود خفض الاستهلاك
تعرّض مقترح تقنين أسعار الطاقة في أوروبا لانتقادات عديدة من قِبل خبراء أكبر المؤسسات البحثية العالمية إضافة إلى بعض الحكومات الأوروبية المعارضة، وسط مخاوف من تداعيات تطبيق المقترح على سياسات خفض الاستهلاك.
في هذا السياق أصدرت 3 مؤسسات بحثية مرموقة مذكرات حديثة تجتمع على تحذير الحكومات من مغبة اللجوء لخيار تقنين أسعار الغاز الطبيعي؛ ما قد يؤدي إلى نتائج عكسية تعصف بجهود خفض الاستهلاك، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ويتخوف المحللون في مؤسسات مورغان ستانلي، وريستاد إنرجي، وسيتي غروب، من تعرض أوروبا لأزمة في فصل الشتاء المقبل، بسبب سياسات دعم أسعار الغاز والكهرباء المتوقع تعزيزها بمقترح تقنين أسعار الطاقة؛ ما قد يؤدي لزيادة الطلب على الطاقة ويعصف بسياسات خفض الاستهلاك في وقت حرج جدًا تمر به القارة العجوز، وفقًا لوكالة بلومبرغ.
مقترح تقنين الغاز
تواجه القارة العجوز تحديًا حرجًا في توفير الدفء والإضاءة للمنازل، خلال فصل الشتاء المقبل على الأقل، بعد أن قررت روسيا قطع الإمدادات بصورة كاملة عبر خط أنابيب نورد ستريم 1.
ويأتي تحذير خبراء المؤسسات البحثية العالمية في وقت تدرس فيه المفوضية الأوروبية طرح مقترح تشريعي في اجتماع وزراء الطاقة، الأسبوع المقبل، من شأنه أن يدعم تقنين أسعار الطاقة عبر وضع حد مؤقت لسعر الغاز الطبيعي المستخدم في توليد الكهرباء.
يثير المقترح مخاوف بعض البلدان الأوروبية التي تسعى لخفض الاستهلاك العام في المنازل والمصانع وتخشى من تداعيات قرار تحديد السعر على زيادة الطلب؛ ما قد يُلقي عليها أعباءً وتكاليف إضافية في مواجهة فصل الشتاء المقبل.
التقنين يرفع الاستهلاك
يقول المحلل في شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي، فابيان روننجين، إن تحديد سعر الغاز سيخلق طلبًا مرتفعًا بصورة مصطنعة، وسيخفض حافز المستهلكين لتوفير الطاقة.
واستوردت أوروبا حتى الآن كميات قياسية من الغاز الطبيعي المسال بوصفه أحد البدائل الحرجة القابلة للتخزين في مواجهة توقف تدفقات الغاز الروسي عبر نورد ستريم وخطوطه الفرعية التي تعرضت لعمليات تخريب إضافية منذ أسابيع.
وأدت الانفجارات التي تعرّضت لها خطوط أنابيب نورد ستريم 1 و2 في بحر البلطيق (30 سبتمبر/أيلول 2022) إلى تغيير جذري في قواعد المعركة المحتدمة بين روسيا وأوروبا منذ بدء الحرب على أوكرانيا فبراير/شباط (2022).
وجّهت ألمانيا إشارات الاتهام إلى موسكو، إلا أن روسيا تنفي ذلك وتصف تلك الاتهامات بالغبية، وما زالت التحقيقات الأوروبية مستمرة في محاولة لكشف ما لا يزال مجهولًا حتى الآن.
موجات البرد تقطع التيار
رغم أن بعض الدول الأوروبية قد استعدت لفصل الشتاء بمخزونات قوية؛ إلا أن موجات البرد القارس وتعطل الإمدادات وكذلك انخفاض إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة كالرياح والسدود من شأنها أن تزيد من مخاطر تقنين أسعار الطاقة وتنذر بانقطاع التيار الكهربائي خلال فصل الشتاء المقبل.
وتدفع مثل هذه المخاوف الخبراء في مورجان ستانلي إلى التشديد على إجراءات خفض استهلاك الطاقة أكثر من أي وقت مضى، لكن التحركات الأخيرة التي تتجه إليها الحكومات الأوروبية تسير في اتجاه معاكس تحت ضغط المستهلكين الذين ارتفعت أصواتهم بالشكوى من آثار ارتفاع أسعار الطاقة عليهم.
وتشير مذكرة حديثة صادرة عن وحدة أبحاث مورغان ستانلي إلى صعوبة التقدير الدقيق لقرارات تقنين أسعار الطاقة في أوروبا، لكنها تؤكد الآثار المحتملة في زيادة الطلب على الأقل مقارنة بالتوقعات السابقة، وفقًا لما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
ارتفاع الأسعار خفّض الطلب
في الاتجاه نفسه، يذهب محللو سيتي غروب؛ حيث يرون أن الارتفاع القياسي في أسعار الوقود خلال المدة الماضية قد أسهم في الحد من الاستهلاك خاصة في الاستخدامات الصناعية للغاز الطبيعي.
ويرجع المحللون أن انخفاض الأسعار، خلال الشهر الماضي (سبتمبر/أيلول 2022)، ربما كان أحد مظاهر انخفاض الاستهلاك في القطاع الصناعي، لكنهم لا يجزمون بأن معدل انخفاض الطلب كان كبيرًا.
وتتوقع مذكرة بحثية صادرة عن سيتي غروب تفاعل المستهلكين المنزليين والصناعيين للغاز والكهرباء مع قرارات تقنين الأسعار وحزم الإعانات بشكل عكسي سيترجم في صورة استهلاك متزايد أو مستقر في فصل الشتاء الذي تتزايد فيه ضغوط الطلب على الغاز بدرجة قوية كل عام.
المفوضية الأوروبية تخشى
اعترفت مفوضة الطاقة الأوروبية، كاردي سيمسون، بمخاطر تطبيق حد أقصى لأسعار الطاقة بعد اجتماعها مع وزارة الطاقة في الاتحاد الأوروبي، الأربعاء (12 أكتوبر/تشرين الأول 2022).
وقالت سيمسون إن المفوضية قد تنظر في إضفاء الصفة الإلزامية على جهود خفض الطلب التطوعية على الغاز داخل دول الاتحاد في حدود 15%، مقارنة بمتوسط نسب الخفض المحققة حاليًا في حدود 10%.
تنقسم دول الاتحاد الأوروبي حول مسألة تقنين أسعار الغاز الطبيعي إلى فريقين؛ أحدهما يدفع باتجاه وضع حد أقصى لسعره محليًا، بقيادة فرنسا وإيطاليا وبولندا، في مقابل فريق معارض تتزعمه ألمانيا وهولندا والدنمارك من جهة أخرى.
دعت 15 دولة أوروبية؛ من بينها فرنسا وإيطاليا وبولندا، الاتحاد الأوروبي (27 سبتبمر/أيلول 2022) إلى تبني اقتراح بوضع حد أقصى لأسعار جميع تعاملات الجملة على الغاز.
ناقشت المفوضية الأوروبية بعض الخيارات الجزئية لترويض أسعار الغاز مع الدول الأعضاء في اجتماع الأربعاء (28 سبتمبر/أيلول 2022)، لكنها ما زالت مترددة بشأن إجراء الحد الأقصى بوصفه عملية معقّدة تحتاج إلى موارد مالية ضخمة.
واقترحت المفوضية على الاتحاد الأوروبي فرض مزيد من الحدود القصوى على إمدادات معينة من الغاز، في مقابل الموقف المتشدد لبعض الدول التي تدفع في اتجاه وضع حد أقصى لجميع التعاملات على الغاز.
وقالت مفوضة الطاقة، كاردي سيمسون، في تعليق سابق: "أعتقد بشدة ضرورة وضع حد أقصى لسعر جميع واردات الغاز الروسي لأوروبا".
وأشارت سيمسون إلى أن الاتحاد يقف -حاليًا- في حالة استعداد لإمكانية اتخاذ قرار بوضع حد أقصى منفصل للأسعار على تعاملات الغاز المستخدم في توليد الكهرباء.
ونصحت المفوضة الأوروبية بعدم الذهاب بعيدًا باتجاه وضع حد أقصى على جميع تعاملات الغاز، إلا إذا فشلت مفاوضات الاتحاد حول خفض الأسعار مع موردي الغاز عبر الأنابيب، وفقًا لردود الأفعال التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة على اجتماع سبتمبر/أيلول 2022.
وما زال العديد من دول الاتحاد الأوروبي في حالة انزعاج من عدم وضوح رؤية الاتحاد وكياناته الأساسية بشأن وضع حد أقصى لأسعار الغاز في ظل ظروف وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية المندلعة منذ فبراير/شباط (2022).
ألمانيا تعارض التقنين
لم تقترح المفوضية الأوروبية -المنوطة برسم سياسات الاتحاد- اتخاذ إجراء الحد الأقصى للأسعار حتى الآن، كما لم تتبنَّ اقتراحات بعض الدول الأعضاء الدافعة في هذا الاتجاه، بسبب معارضة دول أخرى أكثر وزنًا.
تعارض ألمانيا -أكبر دولة في الاتحاد –وهولندا والدنمارك، إضافة إلى دول أخرى، معالجة أزمة ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بطريقة الحد الأقصى؛ الأمر الذي قد يعرقل أي قرار أوروبي جماعي مرتقب بهذا الشأن.
ويعتقد الفريق الرافض لوضع حد أقصى، بعدم جدوى اتخاذه، في ظل تراجع الإمدادات من روسيا إلى أوروبا، كما تخشى بعض دول أوروبا الوسطى، التي ما زالت تتلقى الغاز الروسي، من توقف الإمدادات بالكامل.
وتقترح ألمانيا في المقابل سلسلة إجراءات لكبح جماح التضخم القياسي المتفشي عبر أنحاء القارة، جراء ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بصورة قياسية منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية فبراير/شباط (2022).
وتستهدف الإجراءات الألمانية المقترحة توفير 140 مليار يورو (136 مليار دولار) لمساعدة الحكومات على دعم المستهلكين (الأفراد-الشركات) المتضررين من الارتفاعات القياسية في فواتير الغاز والكهرباء.
(يورو= 0.97 دولارًا)
إجماع على الضريبة الاستثنائية
تتضمن الخطة الألمانية تبني جميع دول الاتحاد فرض ضريبة استثنائية على أرباح شركات الوقود الأحفوري المحققة خلال عام 2022 أو عام 2023، إضافة إلى وضع سقف لعوائد شركات إنتاج الكهرباء -منخفضة التكاليف- غير العاملة بالغاز.
وتشمل الإجراءات المقترحة في قطاع الكهرباء وضع حد أقصى لسعر الكهرباء غير المولّدة بالغاز، ويشمل هذا منتجي الكهرباء من محطات الرياح والطاقة النووية والفحم والطاقة الشمسية.
ويدور الحد الأقصى المقترح في حدود 200 يورو (201.09 دولارًا أميركيًا) للميغاواط/ساعة، إضافة إلى اقتراحات أخرى لخفض استهلاك الكهرباء بنسبة 10% شهريًا، و5% خلال ساعات الذروة، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
واجتمع أعضاء الاتحاد على مقترح الضريبة الاستثنائية في اجتماع المفوضية الأوروبية (30 سبتمبر/أيلول 2022)، لكن تقنين أسعار الغاز ما زال خلافيًا.
موضوعات متعلقة..
- سقف أسعار الغاز يشعل الخلاف بين دول الاتحاد الأوروبي.. وبولندا تتهم ألمانيا بـ"الأنانية"
- إجراءات ألمانيا لمواجهة أسعار الطاقة تقوّض وحدة الاتحاد الأوروبي (تقرير)
- البريطانيون يستعدون لانقطاع الكهرباء في الشتاء بالمولدات والمصابيح اليدوية
اقرأ أيضًا..
- نظرة سلبية بشأن الطلب على النفط في 2023 مع مخاوف الركود (تقرير)
- أميركا تواصل هجومها على السعودية بسبب أوبك+.. وتكشف عن "حديث خاص"