ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء يدفع أوروبا لاتخاذ تدابير طارئة (تقرير)
نوار صبح
- غزو أوكرانيا تسبّب بارتفاع أسعار الغاز والكهرباء في أوروبا إلى مستويات قياسية
- من المتوقع أن تظل أسعار الطاقة في أوروبا مرتفعة بسبب حالة عدم اليقين في السوق
- أسواق الطاقة العاملة عبر الحدود تُعدّ المفتاح لضمان أمن الإمدادات في حالة النقص
- اقترحت المفوضية مساهمة تضامنية استثنائية من الشركات في قطاعات النفط والغاز والفحم والتكرير
- الضغط الحالي على أسواق الكهرباء يرجع إلى غزو روسيا لأوكرانيا وتلاعبها بإمدادات الغاز
بعد أن وصلت أسعار الغاز والكهرباء في أوروبا إلى مستويات قياسية في عام 2021، وارتفعت مرة أخرى إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في عام 2022، خصوصًا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، قررت المفوضية الأوربية اتخاذ مجموعة تدابير طارئة لمعالجة الأزمة.
ويرتبط الارتفاع غير المسبوق بأسعار الكهرباء في جميع أنحاء أوروبا ارتباطًا وثيقًا بارتفاع أسعار الغاز، ما يزيد من سعر الكهرباء بسبب دور محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز في تغطية الطلب وتحديد الأسعار.
في الصيف الماضي، بدأت الأسعار الارتفاع جرّاء انتعاش الاقتصاد العالمي بعد تخفيف قيود مكافحة جائحة كوفيد -19، حسب تقرير اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وأدى غزو روسيا لأوكرانيا واستخدامها إمدادات الغاز أسلحة إلى تفاقم هذا الوضع إضافة لزيادة أسعار الكهرباء بالتجزئة بنسبة 50% تقريبًا على أساس سنوي، بدءًا من يوليو/تموز 2021.
توقعات باستمرار ارتفاع أسعار الطاقة
يتوقع محللون أن تظل أسعار الطاقة مرتفعة بسبب الحالة الضبابية في السوق، التي تعززت على ضوء خطر حدوث مزيد من الاضطرابات في إمدادات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي.
في المقابل، كان توافر توليد الكهرباء في الاتحاد الأوروبي أقلّ من المستويات المعتادة الأشهر الماضية؛ بسبب زيادة أعمال الصيانة لمحطات الكهرباء، وانخفاض إنتاج الطاقة الكهرومائية بسبب الظروف الجوية القاسية في الصيف، وإغلاق بعض محطات الكهرباء القديمة.
وأسهم ذلك في شُحّ إمدادات الطاقة وارتفاع أسعارها، وشكّل عبئًا على المستهلكين والصناعة وثبّط الانتعاش الاقتصادي، وفقًا لتقرير نشرته المفوضية الأوروبية (European Commission) على موقعها الإلكتروني، واطلعت عليه منصة الطاقة.
وترهق هذه الزيادة الهائلة بأسعار الكهرباء كاهل الأسر في الاتحاد الأوروبي والشركات الصغيرة والمتوسطة والصناعة عمومًا.
ويُعدّ العملاء الضعفاء وفقراء الطاقة الأكثر تضررًا من ازدياد الأسعار، وتخشى الأسر ذات الدخل المتوسط والشركات الصغيرة والمتوسطة عدم القدرة على دفع فواتير الطاقة.
لذلك تمثّل مجموعة تدابير الطوارئ المقترحة حاليًا استجابة للأولوية الملحّة لحماية المستهلكين في الاتحاد الأوروبي من ارتفاع أسعار الطاقة هذا الشتاء.
وتُعدّ تدابير الطوارئ المقترحة خطوة إضافية تتخذها المفوضية الأوروبية بشأن وسائل خفض أسعار الطاقة، التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واستمرت خلال العام الماضي.
الموعد ومدة التنفيذ
تستند اللائحة التنظيمية المقترحة لمجلس الاتحاد الأوروبي بشأن خطة طوارئ الكهرباء والإسهام التضامني لقطاع الوقود الأحفوري إلى المادة 122 من معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي.
على ضوء ذلك، تتطلب اللائحة التنظيمية المقترحة موافقة الأغلبية المؤهلة في المجلس، وسيتوقف اعتمادها على الإجراءات الداخلية للمجلس.
وبالنظر إلى حالة الطوارئ في قطاع الطاقة، فقد أعربت الدول الأعضاء عزمها العمل بسرعة على تنفيذ مقترحات المفوضية المتوقعة، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وبما أن التدابير المقترحة تُعدّ غير عادية في طبيعتها، فإنه ينبغي أن تكون محدودة ضمن الوقت المناسب، ويجب تطبيق خطة طوارئ الكهرباء في موعد أقصاه 1 ديسمبر/كانون الأول 2022، وحتى 31 مارس/آذار 2023.
بدورها، التزمت المفوضية الأوروبية بإجراء مراجعة خطة طوارئ الكهرباء بحلول 28 فبراير/شباط 2023، مع الأخذ في الحسبان حالة إمدادات الكهرباء وأسعار الكهرباء في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، وتقديم تقرير عن النتائج الرئيسة لتلك المراجعة إلى المجلس الأوروبي.
وستُطَبَّق الإسهامات التضامنية لقطاع الوقود الأحفوري لمدة عام واحد، بعد دخولها حيز التنفيذ، وستُجري المفوضية مراجعة بحلول 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بالنظر إلى الوضع العام لقطاع الوقود الأحفوري والأرباح الفائضة الناتجة.
وستقدّم المفوضية تقريرًا عن النتائج الرئيسة لتلك المراجعة إلى المجلس.
وتحتوي اللائحة التنظيمية المقترحة للمجلس الأوروبي على التزامات تقديم التقارير المنتظمة، بدءًا من 1 ديسمبر/كانون الأول 2022، وستراقب المفوضية من خلالها تبنّي الدول الأعضاء للإجراءات وإنفاذها،
وتُعدّ المراقبة المنتظمة مهمة للحفاظ على أداء وسلامة السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي، إذ إن أسواق الطاقة العاملة عبر الحدود تمثّل ركيزة لضمان أمن الإمدادات في حالة النقص.
قدرة الإجراءات على مساعدة المواطنين والشركات
قدّرت المفوضية أن الدول الأعضاء ستكون قادرة على جمع ما يصل إلى 117 مليار يورو من الحد الأقصى المؤقت المقترح إيرادات منتجي الكهرباء بسعر قلّ عن سعر المنتجين الهامشيين، على أساس سنوي.
ودعت المفوضية إلى أنْ تُوَجّه الدول الأعضاء فائض الإيرادات المحصلة إلى مستهلكي الكهرباء النهائيين، سواء أكانوا أشخاصًا أم شركات تجارية، المعرضين لارتفاع الأسعار.
يمكن استخدام هذه الإيرادات لتوفير دعم الدخل، والخصومات، والاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة أو تقنيات إزالة الكربون، بحيث يحافظ الدعم المقدّم على حافز لخفض الطلب.
وستُتَّخَذ القرارات بشأن التوزيع الدقيق على المستوى الوطني بما يتماشى مع المبادئ المنصوص عليها في اللائحة، وفقًا لما نشرت المفوضية الأوروبية (European Commission) في 14 سبتمبر/أيلول الجاري.
سيعتمد المبلغ الدقيق للإيرادات لكل دولة عضو على كمية الكهرباء المولدة من التقنيات تحت الهامشية (منتجي الكهرباء بسعر قلّ عن سعر المنتجين الهامشيين) في الدولة ومستوى أسعار الكهرباء خلال وقت تطبيق هذه التدابير.
وسيختلف مبلغ الإيرادات اعتمادًا على مزيج الطاقة وتصميم خطط دعم الطاقة المتجددة في كل دولة عضو بالاتحاد الأوروبي.
ويقول المحللون، إنه يمكن للمساهمة التضامنية المؤقتة القائمة على الأرباح الفائضة الخاضعة للضريبة، التي تحقّقت في السنة المالية 2022، على تعهدات الطاقة في قطاعات النفط والغاز والفحم والتكرير في الاتحاد، أن تصل إلى نحو 25 مليار يورو من الإيرادات العامة،
وتنصّ المقترحات الحالية على أن هذه الأرباح يجب أن تذهب إلى المنازل والشركات، بما في ذلك الصناعات كثيفة استخدام الطاقة، للتخفيف من آثار ارتفاع أسعار الطاقة وترشيد استهلاك الطاقة وتعزيز استقلال الطاقة في الاتحاد الأوروبي.
ويمكن أن يساعد خفض الطلب في قطاع الكهرباء على خفض الأسعار، من خلال تقليل الحاجة إلى محطات توليد الكهرباء بالغاز باهظة الثمن لتلبية الطلب.
طريقة تقليل الطلب على الكهرباء
تجمع خطة طوارئ الكهرباء المقترحة بين التخفيض العام للطلب على الكهرباء من جانب جميع المستهلكين والتركيز على خفض الطلب خلال ساعات ذروة الأسعار.
وتطلب اللائحة التنظيمية المقترحة لمجلس الاتحاد الأوروبي من الدول الأعضاء السعي إلى تنفيذ تدابير لخفض الاستهلاك الإجمالي للكهرباء بنسبة 10% على الأقلّ، حتى 31 مارس/آذار 2023، ويمكن لجميع المستهلكين الإسهام في خفض الاستهلاك، بما في ذلك أولئك الذين لم يُجَهَّزوا بأنظمة أو أجهزة قياس ذكية تمكّنهم من ضبط استهلاكهم خلال النهار.
وتقترح المفوضية التزامًا بتخفيض بنسبة 5% على الأقلّ في إجمالي استهلاك الكهرباء خلال ساعات الذروة المحددة للسعر، والتي تغطي 10% على الأقلّ من الساعات من كل شهر، إذ من المتوقع أن تصل الأسعار إلى أعلى مستوياتها.
وسيؤدي هذا الالتزام إلى اختيار معدّل متوسط بين 3 و4 ساعات يوميًا طوال الأسبوع، الذي يتوافق عادةً مع ساعات ذروة الأحمال.
ويمكن أن يشمل الالتزام بخفض الاستهلاك الساعات التي يُتوقع أن يكون فيها توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة منخفضًا، ويكون التوليد من المحطات الهامشية ضروريًا لتغطية الطلب.
من المتوقع أن يؤدي هذا التخفيض المستهدف إلى تقليل استهلاك الغاز المقدّر بنحو 1.2 مليار متر مكعب على مدى 4 أشهر، وهذا يمثّل انخفاضًا في استخدام الغاز للطاقة بنحو 4% خلال فصل الشتاء، في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.
سيكون الأمر متروكًا للدول الأعضاء لتحديد ساعات ذروة الطلب في أسواقها، وتتمتع الدول الأعضاء بحرية اختيار التدابير المناسبة لتلبية خفض الطلب المتوقع.
سقف الإيرادات
يهدف سقف الإيرادات المقترح إلى استرداد الإيرادات الزائدة من محطات توليد الكهرباء بتكاليف هامشية منخفضة، وهو ما يسمى "تقنيات تحت هامشية"، وتشمل هذه مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النووية وفحم الليغنيت.
وشهدت محطات توليد الكهرباء هذه مكاسب مالية كبيرة بشكل غير متوقع خلال الأشهر الماضية، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
من خلال وضع حدّ أقصى على مستوى الاتحاد الأوروبي بقيمة 180 يورو على إيرادات السوق المحققة لكل ميغاواط/ساعة من الكهرباء المنتجة، تعتزم المفوضية الأوروبية تقليل تأثير المصادر الهامشية لتحديد الأسعار باهظة الثمن مثل الفحم أو الغاز حاليًا على السعر النهائي للكهرباء.
وتتطلع المفوضية إلى ضمان استمرار عائد معقول على الاستثمار للتقنيات المذكورة.
يسعى مستوى سقف الإيرادات المقترح، الذي أُعِدَّ للتنفيذ حتى 31 مارس/آذار 2023، إلى شمول غالبية المولدات بمصادر الطاقة المتجددة والنووية والليغنيت في الاتحاد الأوروبي.
وتمّت معايرة مستوى سقف الإيرادات بشكل كبير فوق متوسط توقعات سعر السوق للمشاركين في السوق لساعات الذروة، قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.
ومن الضروري وجود سقف موحد للإيرادات عبر الاتحاد للحفاظ على أداء سوق الكهرباء الداخلي، لأنه يسمح بالحفاظ على المنافسة القائمة على الأسعار بين منتجي الكهرباء.
تضامن شركات الوقود الأحفوري
اقترحت المفوضية الأوروبية مساهمة تضامنية استثنائية من شركات النفط والغاز والفحم والتكرير، لضمان قيام قطاع الطاقة بأكمله بدفع نصيبه العادل في هذه الأوقات الصعبة بالنسبة للكثيرين لمعالجة أزمة الطاقة غير العادية الناتجة عن استخدام روسيا إمدادات الطاقة سلاحًا.
وستشكّل هذه المساهمة التضامنية سقف الإيرادات على التقنيات تحت الهامشية، وتستهدف الأرباح الفائضة التي حققتها صناعة الوقود الأحفوري بسبب أزمة الطاقة.
وستقوم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، عام 2022، بتحصيل أرباح تزيد عن 20% على متوسط أرباح السنوات الـ3 السابقة، بمعدل 33% على الأقلّ.
وسيضمن تأسيس هذه المساهمة التضامنية تجنّب التداعيات السلبية داخل سوق الطاقة الداخلية والناجمة عن التدابير الوطنية غير المنسّقة، ويمكنه تقليل مخاطر التقاضي بين الشركات والحكومات بشكل كبير، انسجامًا مع أهداف مبادرة "ريباور إي يو".
أسواق الكهرباء المستقبلية
يعود السبب في الضغط الحالي على أسواق الكهرباء في المقام الأول إلى الغزو الروسي لأوكرانيا، وتلاعب روسيا بإمدادات الغاز، ويُعدّ هذا وضعًا استثنائيًا لأسواق الطاقة، مع بعض التأثيرات الثانوية في أسواق المشتقات النفطية.
وتؤدي أسواق الكهرباء المستقبلية دورًا على هذا الصعيد، إذ تسمح لشركات الطاقة بالتحوط من المخاطر، على سبيل المثال: سعر الجملة الذي يتعين عليهم دفعه مقابل إمداداتها، أو سعر الإنتاج الذي يمكّنها من توقّع بيع الغاز أو الكهرباء به.
اقرأ أيضًا..
- وزيرة الطاقة ليلى بنعلي: المغرب يتفاوض على صفقة غاز مسال تغطي 10 سنوات (حوار - فيديو)
- الطلب العالمي على توربينات الرياح يرتفع لمستوى قياسي (تقرير)
- لماذا ترفض أميركا وكندا تكثيف إنتاج النفط والغاز؟ (مقال)