عجز الكهرباء في كاليفورنيا يهدد بإغراق ثالث أكبر ولاية أميركية في الظلام
وتوقعات الأحمال تقارب 49 غيغاواط
هبة مصطفى
يبدو أن معدل الطلب على الكهرباء في كاليفورنيا -الذي سجل مستويات قياسية إثر ارتفاع درجات الحرارة- يتجه نحو إغراق الولاية في ظلام دامس، بعدما رصد مشغّل النظام المستقل احتمال بلوغ العجز 4 غيغاواط اليوم الإثنين 5 سبتمبر/أيلول.
وتواجه ثالث أكبر ولاية أمريكية من حيث المساحة، أعلى احتمالات انقطاع التيار الكهربائي خلال فصل الصيف الجاري، في حين توالت الدعوات المطالبة بخفض الاستهلاك، حسبما نشرته رويترز.
ويسعى قطاع الكهرباء في كاليفورنيا لمواكبة حجم الطلب الآخذ في الارتفاع مع زيادة تشغيل أجهزة تبريد الهواء، وتخرج الجهات المعنية من حين لآخر بمقترحات من شأنها خفض الطلب، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
انقطاع الكهرباء في كاليفورنيا
سجل الطلب على الكهرباء في الولاية مستوى مرتفعًا مع استمرار موجات الحرارة، وتوقّع مشغّل النظام المستقل في كاليفورنيا "أي إس أو" بلوغ الأحمال 48 غيغاواط و817 ميغاواط.
ومن جانب آخر، رجّح المشغّل وجود عجز بين معدل التوليد الفعلي وحجم الطلب بما يتراوح بين 2 و4 غيغاواط، اليوم الإثنين.
وحذّر المشغّل من مواجهة كاليفورنيا أعلى إمكان لقطع التيار خلال فصل الصيف الجاري، نظرًا للإقبال الواسع على زيادة الاستهلاك المنزلي وتشغيل مبردات الهواء للسيطرة على الحرارة المرتفعة.
وتعيش الولاية منذ أشهر عدّة في حالة من عدم انتظام التيار، وزاد من حدّة الأمر تأثير موجات الجفاف في إنتاج الطاقة الكهرومائية التي قد تواجه انخفاض خلال فصل الصيف الجاري بنسبة 48% عن مستوياتها المعتادة، وفق بيانات إدارة معلومات الطاقة الطاقة الأميركية.
وانخفض توليد الكهرباء من محطات الطاقة الكهرومائية بالولاية بنسبة 48% خلال العام الماضي (2021) أيضًا، إثر موجة جفاف تعرضت لها.
خفض الاستهلاك
دفع حجم الطلب المرتفع على الكهرباء في كاليفورنيا مشغّل الشبكة بالولاية نحو إطلاق دعوة لخفض معدل الاستهلاك لتجنّب انقطاع محتمل للتيار.
وقال المشغّل اليوم الإثنين، إن مدة ذروة الطلب -التي يتعين على المستهلكين خفض الاستخدام خلالها- تبدأ من بعد الظهر وتمتد حتى المساء.
وجاءت المطالبة بخفض الاستهلاك بعدما دعا المشغّل -نهاية شهر أغسطس/آب الماضي- المستهلكين إلى التوقف عن شحن سياراتهم الكهربائية في ظل موجة حرارة شديدة.
وأكد المشغّل حينها أن موجة حرارة شديدة بدأت نهاية أغسطس/آب قد تسبّب ضغطًا على الشبكة، ما يؤدي إلى قطع التيار، داعيًا إلى ترشيد الاستهلاك خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وتوقّع المشغل منذ أيام تسجيل الكهرباء في كاليفورنيا أعلى الأحمال خلال العام الجاري (2022) الإثنين 5 سبتمبر/أيلول، متجاوزًا 48 ألف ميغاواط (48 غيغاواط)، وهو ما أُعلن رسميًا اليوم.
وانحاز حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم للوقود الأحفوري وتوليد الكهرباء من الغاز الطبيعي، وسعى لتأمين إمدادات الكهرباء عبر توقيع مرسوم نهاية يونيو/حزيران الماضي بتأخير إغلاق محطات عاملة بالغاز.
يوضح الرسم البياني أدناه تطور إنتاج الكهرباء في كاليفورنيا اعتمادًا على مصادر الطاقة المتجددة خلال أعوام (2013، 2020، 2045).
الاستجابة للطلب
استهدف حاكم كاليفورنيا من القرار تفادي انقطاع التيار بالولاية خلال فصل الصيف، السنوات الـ5 المقبلة، بتعزيز إمدادات الشبكة وزيادة قدرتها على مواجهة عجز إنتاج الطاقة الكهرومائية أمام موجات الجفاف الناجمة عن التغيرات المناخية.
ولم تكن شبكة الكهرباء في كاليفورنيا وحدها ضحية موجات الحرارة العنيفة خلال فصل الصيف الجاري، إذ طالت العدوى ولاية تكساس، وأدى ارتفاع الحرارة إلى تعطّل 6 محطات لتوليد الكهرباء في شهر مايو/أيار الماضي.
وإثر ذلك، انطلقت دعوات لتطبيق مفهوم "استجابة الطلب"، وهو مفهوم يهتم بفصل الكهرباء، سواء تلقائيًا أو بإجراءات يدوية، حال تعرُّض الشبكات لطلب مرتفع نتيجة موجات حرارة أو برودة شديدة.
ويمكن تطبيق استجابة الطلب عبر برامج تطوعية خلال الساعات الضرورية للتعامل مع تغير نمط استهلاك الكهرباء، ويحدث عبر مسارين، إمّا بالاعتماد على "وعي المستهلك"، أو اضطرار الجهات المتبنّية للبرنامج طرح حوافز مالية لإغراء المستهلكين بالاستجابة لخفض الطلب.
وتتضمن برامج الاستجابة للطلب جهودًا من شأنها حثّ مستهلكي المنازل والشركات على خفض استهلاك الكهرباء خلال المدة التي تتعرض لها الشبكة لضغط طلب لا يمكن تلبيته.
وقد تتلقى شبكة الكهرباء في كاليفورنيا دعمًا من برنامج "الاستجابة للطلب" في مواجهة درجات حرارة تجاوزت 110 درجات فهرنهايت (43 درجة مئوية).
سلوكات الاستهلاك
تتنوع صور تطبيق برامج "استجابة الطلب"، وتهدف جميعها إلى التحول من معدل استهلاك مرتفع إلى معدل طلب متوفر يمكن للشبكة تلبيته بسهولة، دون الاضطرار إلى فصل الأحمال وقطع التيار.
وبحساب كون ساعات ذروة الطلب على الكهرباء في كاليفورنيا تتأرجح ما بين الساعة 4 و9 مساء عقب انتهاء أوقات العمل وانخفاض إنتاج الطاقة الشمسية، فإن حملة "الإنذار المرن" التي يطلقها مشغّل الشبكة بالولاية تمثّل إحدى صور برنامج "استجابة الطلب".
ونبّهت الحملة -خلال المدة من 31 أغسطس/آب حتى 1 سبتمبر/أيلول- المستهلكين لساعات الذروة التي تتطلب المحافظة على الإمدادات وخفض الاستهلاك.
وتُشير الخبرات الحديثة إلى قدرة التغييرات السلوكية حيال حجم الاستهلاك على إنقاذ شبكات الكهرباء من كارثة محققة خلال موجات الحرارة المرتفعة، وفق ما أوردته بلومبرغ في تقرير لها.
وطبّقت ولاية تكساس هذا البرنامج، وتمكّنت من خفض الطلب بنسبة 2.5% في 20 يوليو/تموز الماضي، وأطلقت منح من شأنها إجراء خفض بنسبة 30% على فواتير الكهرباء السنوية للشركات الأكثر حفاظًا على إمدادات الكهرباء.
التغيرات المناخية
تزيد التغيرات المناخية وتداعيات الاحتباس الحراري والجفاف من وعي المستهلكين بمدى ضعف شبكات الكهرباء، ما ييسّر من مهمة مُشغّل الشبكة والحكومات والمرافق الرئيسة بإقناع المستهلك بخفض معدل الاستهلاك والحفاظ على الإمدادات.
وحظيت شبكة الكهرباء في كاليفورنيا وتكساس -بصورة خاصة- بحجم وعي لدى مواطنيها أسهم في سرعة استجابتهم لحملات الحفاظ على الطلب.
ومن جانب آخر، قد يستفيد المستهلك من الاستجابة لحملات "الاستجابة للطلب"، إذ توفر شبكات الكهرباء في كاليفورنيا وتكساس ميزة نسبية بالدفع مقابل خفض الاستهلاك، وتعزيز أرصدة المستهلكين، بما يسمح لهم ببيع الكهرباء الفائضة -المُوفَرّة من الاستهلاك- مرة أخرى إلى الشبكة.
وسعت ولايات أميركية أخرى لتطبيق تجربة برامج "الاستجابة للطلب"، إذ امتدت لولايات وسط غرب أميركا، في حين يتطلع المعنيون بالأمر لامتداد التجربة خارج الحدود الأميركية.
ولجأت اليابان الواقعة في قارة آسيا، بوقت سابق من العام الجاري (2022)، إلى حثّ المواطنين على خفض ساعات مشاهدة التلفاز وضبط أجهزة التدفئة.
وانطلقت حملة مشابهة في القارة الأوروبية بالتحكم في منظمات الحرارة وساعات الإضاءة وتدفئة المياه، بعدما عانت القارة العجوز من ارتفاع قياسي في أسعار الكهرباء إثر غياب الغاز الروسي.
اقرأ أيضًا..
- تحالف أوبك+ يقرر خفض الإنتاج 100 ألف برميل يوميًا في أكتوبر
- هل تؤثر المعادن اللازمة للتحول الأخضر في الأمن القومي الأميركي والأوروبي؟ أنس الحجي يجيب
- تحذيرات من خطورة تحديد سقف لسعر النفط الروسي.. هل تتغير خريطة الشراء؟
- أوبك+ بحاجة للتريث في اتخاذ القرارات وسط تقلبات أسواق النفط (مقال)