شبح الجفاف يفاقم أزمة الطاقة في أوروبا.. وألمانيا أكثر المتضررين
انخفاض مستويات نهر الراين يعني تراجع كميات السلع المنقولة وارتفاع تكاليف الشحن
مي مجدي
- انخفاض مستويات نهر الراين يزيد من تفاقم أزمة الطاقة في أوروبا
- أثار الجفاف مخاوف من انخفاض كميات النفط والغاز والفحم المنقولة وارتفاع تكاليف الشحن
- استمرار أزمة الجفاف يعني انخفاض إنتاج الطاقة الكهرومائية
- فرنسا تضطر إلى خفض الإنتاج من محطات الطاقة النووية
تواجه أوروبا تحديات متلاحقة قد تعصف باقتصادها منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، أو حتى قبل ذلك، وفي ظل تفاقم أزمة الطاقة جراء ارتفاع الأسعار وشحّ الإمدادات، تشهد القارة العجوز كارثة من نوع آخر قد تصبح بمثابة عقب أخيل.
فقد بدأت معضلة جديدة تلوح في الأفق تتعلق بأزمة الجفاف ونقص المياه التي تجتاح أوروبا، بداية من البرتغال إلى أوروبا الشرقية، ومن جنوب إنجلترا إلى إيطاليا.
ويعدّ نهر الراين، الذي يمر عبر أوروبا الغربية من سويسرا إلى هولندا، شريان الحياة لشحن السلع والبضائع في جميع أنحاء القارة، وألمانيا تحديدًا، لكن زيادة انخفاض منسوب المياه أثار مخاوف من تراجع كميات النفط والغاز والفحم المنقولة، وقد يسهم ذلك في ارتفاع تكاليف الشحن.
كما إن انخفاض منسوب أحد أهم الأنهار وأطولها في القارة الأوروبية يهدد بتراجع إنتاج الطاقة الكهرومائية، ومن ثم استمرار تفاقم أزمة الطاقة وعجزها عن توفير بدائل لتلبية احتياجاتها، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
مستويات الراين.. ومشكلات الشحن
قال تجّار السلع وسماسرة السفن، إن منسوب مياه نهر الراين في ألمانيا تراجع مرة أخرى خلال عطلة نهاية الأسبوع في أثناء موجة الطقس الجاف والحار، وأصبح من المستحيل مرور السفن محمّلة بكامل طاقتها، وفق وكالة رويترز.
فقد تسببت المياه الضحلة بحدوث مشكلات في الشحن على طول نهر الراين بألمانيا، إذ يعدّ أحد القنوات الرئيسة التي تربط المناطق الصناعية في ألمانيا بموانئ بحر الشمال التي تصدّر البضائع إلى الأسواق العالمية، بداية من الحبوب والكيماويات والمعادن، إلى الفحم والمشتقات النفطية، بما في ذلك وقود التدفئة.
ويمكن للسفن الإبحار عبر النهر بعد إجبارها على تفريغ ثلاثة أرباع حمولتها -تقريبًا-.
ومن المتوقع استمرار هذا الطقس على مدار الأسبوع، ولا تلوح في الأفق بادرة على فرج قريب.
بالإضافة إلى ذلك، سيؤثّر انخفاض مستوى مياه نهر الراين في الإنتاج من محطتين رئيستين لتوليد الكهرباء تعملان بالفحم بألمانيا خلال الشهر المقبل سبتمبر/أيلول 2022.
وأعلنت شركة الصناعات الكيميائية الألمانية "بي إيه إس إف"، يوم الجمعة 5 أغسطس/آب 2022، أنها لا تستبعد خفض الإنتاج إذا تأثّرت الخدمات اللوجستية بانخفاض مستوى المياه.
وأوضح سماسرة السفن أنه لم يطرأ تغيير كبير على تكاليف الشحن، يوم الإثنين 8 أغسطس/آب 2022، إذ حافظت على المستويات المرتفعة الأخيرة.
وبقيت الأسعار الفورية لناقلة تحمل البضائع السائلة من روتردام إلى كارلسروه عند قرابة 94 يورو (95.97 دولارًا أميركيًا) للطن، لكنها ارتفعت من نحو 20 يورو فقط للطن في يونيو/حزيران (2022) قبل انخفاض منسوب المياه.
(يورو= 1.02 دولارًا أميركيًا)
التداعيات على الإنتاج
قد يضيف انخفاض مستويات المياه لنهر الراين مشكلة أخرى إلى أكبر اقتصاد في أوروبا، الذي يعاني من انخفاض إمدادات الغاز الروسي.
فبعد موافقة ألمانيا على إعادة تشغيل محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم، أو إطالة عمرها استجابة إلى أزمة الطاقة، قد تسفر مستويات الراين عن انخفاض الإنتاج من محطتين رئيستين لتوليد الكهرباء من الفحم خلال الشهر المقبل، لا سيما أن الناقلات لا يمكنها الإبحار إلّا بأحمال جزئية.
فقد تواجه محطة "شتاودينغر5" -الواقعة شرق فرانكفورت 510 ميغاواط، وتقوم يونيبر بتشغيلها- صعوبة في إنتاج الكهرباء حتى 7 سبتمبر/أيلول؛ بسبب شحّ كميات الفحم المنقولة.
كما قد يؤدي الجفاف إلى تشغيل غير منتظم لمحطة كهرباء داتيلن، التي تبلغ قدرتها 1100 ميغاواط، وتديرها شركة يونيبر -أيضًا- حتى 7 سبتمبر/أيلول.
وتمثّل المحطتان معًا نحو 4.2% من إجمالي قدرة الكهرباء التي تعمل بالفحم في ألمانيا.
وتسببت ظروف مماثلة في انخفاض إنتاج محطات الكهرباء، وتكبُّد مصانع المواد الكيميائية خسائر كبيرة في عام 2018.
بالإضافة إلى ذلك، يؤثّر انخفاض منسوب المياه في أسعار الطاقة، إلى جانب السلع الأخرى، مثل الحبوب.
استمرار أزمة الطاقة
في الوقت نفسه، أعلنت هولندا هذا الأسبوع نقصًا في المياه على المستوى الوطني، بينما فرضت السلطات في بولندا قيودًا على استخدام المياه في ظل انخفاض مستويات العديد من الأنهار عند مستويات قياسية، بما في ذلك نهر فيستولا، أطول نهر في البلاد، حسبما نشرت صحيفة فاينانشال تايمز.
وفي حال انخفاض منسوب مياه نهر الراين بمقدار 7 سنتيمترات أخرى، سيعرقل ذلك حركة الملاحة في أحد أهم الطرق الصناعية بأوروبا.
كما اضطرت محطات الطاقة النووية الفرنسية إلى خفض الإنتاج، إذ أدى انخفاض منسوب الأنهار إلى تقليص إمدادات المياه اللازمة للتبريد في المحطات النووية خلال الأسابيع الأخيرة.
وأدى الجفاف -أيضًا- إلى تراجع إنتاج الطاقة الكهرومائية في أوروبا، بما في ذلك بجبال الألب.
ويعني ذلك تعطُّل الطاقة الكهرومائية والنووية والفحم، ويتبقى لأوروبا الرياح والطاقة الشمسية، وكلاهما يعتمدان على تقلبات الطقس، والغاز الطبيعي.
وقدّرت بروكسل في عام 2021 أن الأضرار المرتبطة بالجفاف قد تكلف الاتحاد الأوروبي قرابة 9 مليارات يورو سنويًا، وسترتفع إلى 40 مليون يورو سنويًا، إذا وصلت درجات الحرارة العالمية إلى 3 درجات مئوية.
الجفاف في أوروبا
يعدّ نقص المياه جزءًا من الجفاف الشديد الذي يجتاح القارة، ويلقي العلماء باللوم على تعرُّض القارة لشتاء وربيع جاف وصيف شديد الحرارة إلى الاحتباس الحراري الناجم عن تغير المناخ.
ويؤثّر الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة بجميع أنحاء أوروبا في المنازل والصناعة والنقل والسياحة، فضلًا عن الزراعة، وتعدّ الأراضي الجافة مناخًا مناسبًا لحرائق الغابات، مثل التي اجتاحت فرنسا والبرتغال ودول أخرى.
فمع جفاف الجداول الجبلية في أوبوالدان، أعلى جبال الألب السويسرية، جنّدت البلاد الجيش لإنقاذ الأبقار، وأرسلت مروحيات عسكرية، الأسبوع الماضي، لنقل حاويات ضخمة من المياه إلى المراعي لإنقاذ الماشية من الموت عطشًا.
في حين فعّلت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن، الأسبوع الماضي، وحدة خاصة للأزمات للتصدي لما وصفته بـ"أشد موجات الجفاف في تاريخ البلاد".
ويعتقد العلماء أن موجات الجفاف في الصيف يمكن أن تصبح المناخ الشائع في أوروبا الغربية، فقد كانت 4 من بين الـ5 فصول الصيف الماضية شديدة الجفاف، بسبب آثار تغير المناخ.
وقالت عالمة المناخ في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا بزيوريخ، سونيا سينيفيراتني، إن سويسرا ليست معتادة على فكرة الجفاف، وتَعُدّ نفسها محصّنة من ندرة المياه في أوروبا، لكن مع تقلُّص الأنهار الجليدية وارتفاع درجات الحرارة في الصيف، أصبحت واقعًا.
وأوضحت أن الطقس شديد الحرارة كان سيحدث مرة كل 10 سنوات دون تغير المناخ بفعل الإنسان، لكنه يحدث الآن 3 مرات كل 10 سنوات.
وتابعت: "من المحتمل استمرار الحال كل موسم صيف خلال عقد من الزمن، وسيزداد الوضع سوءًا إذا لم نتصدَّ لانبعاثات الكربون".
ووفقًا لهيئة الأرصاد الجوية الفرنسية، كان هطول الأمطار في يوليو/تموز (2022) عند 9.7 مليمترًا، أي أقلّ بنسبة 85% عن المعدل الموسمي، وهو ثاني أشدّ الشهور جفافًا بعد مارس/آذار 1961.
وفي هذا الشأن، قال المدير العلمي لقسم الزراعة في المعهد الوطني للبحوث الزراعية بفرنسا، كريستيان هويغي، إن الأمور ستزداد تعقيدًا إذا لم تشهد البلاد هطول أمطار غزيرة قبل نهاية سبتمبر/أيلول (2022).
اقرأ أيضًا..
- توقعات بتراجع الطلب على النفط وسط مخاطر نقص الإمدادات
- تأمين الليثيوم لبطاريات السيارات الكهربائية أزمة عالمية قد تستمر حتى 2030
- استخدام الطاقة الحرارية الأرضية لتدفئة البيوت الزجاجية.. تركيا تتصدر دول العالم (تقرير)