النفط الأميركي يغزو أسواق أوروبا وآسيا.. هل البنية التحتية وحجم الإنتاج مؤهلان للتصدير؟
والمصافي الأميركية تفضل الواردات لعدم قدرتها على معالجة الخام الحلو المنتج محليًا
هبة مصطفى
- صادرات النفط الأميركي سجلت 3.7 مليون برميل يوميًا في مارس/آذار
- تدور صادرات الخام مؤخرًا في نطاق 3.1 مليون برميل يوميًا
- حجم الإنتاج الأميركي لا يتناسب مع طموحات تصدير الخام
- الأسواق الأوروبية في صدارة الدول المستوردة للنفط الأميركي تليها آسيا وكندا
- مواني ساحل الخليج الأميركي الرئيس قد تتسع لتصدير 5 ملايين برميل يوميًا
- توسعات البنية التحتية للشحن تتطلب المزيد.. وميناء كوربوس كريستي الأفضل
- واردات أميركا النفطية بلغت 3.1 مليون برميل يوميًا العام الماضي (2021)
- مصافي التكرير الأميركية غير مؤهلة لمعالجة النفط الحلو المنتج محليًا
تنظر واشنطن إلى النفط الأميركي بصفته سلاحها الذي يمكنه تعويض الأسواق الأوروبية والآسيوية عن اضطراب الإمدادات الروسية خلال مرحلة ما بعد الحرب على أوكرانيا والعقوبات التي تخضع لها موسكو.
ووفق المعدلات الضخمة لبيانات الصادرات، فقد يستمر معدل إطلاق الشحنات خارج المواني الأميركية لتجوب أنحاء العالم كافة، لا سيما البلدان المعتمدة بصورة كبيرة على الإمدادات الروسية.
وترتبط التوسعات وخطط تصدير النفط الأميركي الطموحة بمدى جاهزية البنية التحتية لمنافذ الصادرات والمواني، بحسب تحليل أجرته رويترز.
ومن جانب آخر، تتطلّب زيادة شحنات الصادرات النفطية رفع معدلات الإنتاج، لا سيما في ظل وجود أزمة بنزين محلية رفعت أسعاره إلى مستويات غير مسبوقة، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
صادرات النفط الأميركي
يبدو أن النفط الأميركي يرسم -حاليًا- مكانة الولايات المتحدة بصفتها أبرز مُصدري الخام في أنحاء العالم كافة، ومؤخرًا، إذ تدور الصادرات النفطية مؤخرًا حول نطاق 3.1 مليون برميل يوميًا.
وارتفعت صادرات الخام الأميركي عن أعلى مستوياتها منذ مارس/آذار عام 2020 خلال شهر مايو/أيار الماضي مسجلة 3.7 مليون برميل يوميًا، بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة.
ويُرجح محللون أن الآونة المقبلة سوف تشهد انطلاقة بأحجام أكبر لصادرات الخام الأميركي، ما يشير إلى عودة قوية قد تقارب مستويات ما قبل جائحة كورونا -في ديسمبر/كانون الأول عام 2019- إذ سجل الخام حينها ما يقارب 4.5 مليون برميل يوميًا.
ويسعى الموردون الأميركيون لتلبية الطلب الأوروبي المتزايد منذ مرحلة ما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وخضوع موسكو للعقوبات الغربية، وتتضمن خطط واشنطن زيادة معدل تصدير النفط الأميركي من ساحل الخليج إلى ما يقارب 5 ملايين برميل يوميًا، وفق ما رصده محللو "رويترز".
وتتطلّب الخطط الطموحة لرفع سقف معدل الشحنات النفطية المُصدّرة العمل في مسارين متوازيين؛ يركز أولهما على زيادة الإنتاج المحلي، في حين يهتم الثاني باختبار مدى جاهزية البنية التحتية -خاصة المواني وأرصفة الشحن- لتحمل المزيد من الشحنات.
قدرة المواني
تحظى مواني ساحل الخليج بالنصيب الأكبر من صادرات النفط الأميركي، وتقع غالبيتها في ولاية تكساس بمدن (هيوستن، وكوربوس كريستي، وبومونت).
واستحوذ ساحل الخليج الأميركي على ما يزيد على 99% من صادرات الخام خلال النصف الأول من العام الجاري (2022)، بحسب بيانات كبلر.
وكان ميناء مدينة كوربوس كريستي أكبر نافذة تصدير لأكبر كميات الخام الأميركي خلال الأشهر الـ6 الأولى من العام الجاري (2022)، من مطلع يناير/كانون الثاني حتى نهاية يونيو/حزيران، إذ صدر ما يصل إلى 1.8 مليون برميل يوميًا.
وتفصيليًا، أوضح كبير محللي النفط في كبلر للأميركتين، مات سميث، أن صادارت الخام من مدينة كوربوس كريستي كانت الأكبر ضمن مواني الساحل، إذ قاربت مليوني برميل يوميًا، في حين حلت صادرات مواني مدينة هيوستن في المرتبة الثانية بنحو 700 ألف برميل يوميًا.
وحول خطط التصدير الطموحة، أكد سميث أن مواني الخليج الأميركي تتسع لتصدير 5 ملايين برميل يوميًا، محذرًا من تجاوز حجم الصادرات لتلك التقديرات التي قد تسبب اختناقات، ما يشير إلى أن أكبر المنافذ الأميركية تقف قدرته عند تحمل المعدل المحدد فقط.
تأهيل البنية التحتية
يبدو أن خطط التوسع في صادرات النفط الأميركي بدأ الإعداد لها منذ سنوات، وليس خلال المرحلة اللاحقة للغزو الروسي لأوكرانيا فقط.
وشهدت المواني الأميركية بصورة عامة توسعات ضخمة خلال السنوات الماضية، ومن ضمنها التطورات التي لحقت بميناء كوربوس كريستي بإجراء أعمال تجريف أتاحت استيعابه لنقلات نفطية ذات أحجام كبرى لحمل المزيد من شحنات الصادرات النفطية.
وتتواصل أعمال التطوير في ميناء كوربوس كريستي حتى العام المقبل (2023) وتُركز على توسعة قناة السفن، غير أن عمق القناة لا يزال غير كافٍ لحمل الناقلات النفطية الضخمة.
وقد تضطر شركات النفط والشحن إلى مواصلة الاعتماد على تكنيك النقل من ناقلة إلى أخرى تبعد قليلًا عن مجرى القناة وتتسع لما يقارب مليوني برميل التي تفضلها مواني الدول المستقبلة للصادرات النفطية.
ودفعت محاولات إعادة تهيئة البنية التحتية كي تتسع لمزيد من شحنات تصدير الخام الأميركي نحو زيادة آفاق توقعات تجاوز شحنات ساحل الخليج النفطية إلى 4 ملايين برميل يوميًا منتصف العام المقبل (2023)، وارتفاعها لتسجل 4.8 مليون برميل يوميًا بنهاية (2024)، حسب توقعات ريستاد إنرجي.
حجم الإنتاج المحلي
يُعد حجم إنتاج النفط الأميركي على الصعيد المحلي الذراع الثانية لدعم الخطط الطموحة لزيادة الصادرات، لتغطي الأسواق الأوروبية والآسيوية المتعطشة للخام، بعد غياب النفط الروسي أو اضطراب وارداته لبعض المناطق.
ووفق تقديرات المحليين، تنتج أميركا حاليًا ما يقارب 12 مليون برميل يوميًا، تذهب غالبيتها للاستخدام المحلي، في حين تتطلب خطط التوسع في حجم الصادرات زيادة الإنتاج بالتوازي مع مواصلة تأهيل البنية التحتية للشحن بالمواني لاستيعاب المزيد من الصادرات.
وكانت إدارة معلومات الطاقة قد توقعت، في مارس/آذار الماضي، ارتفاع إنتاج النفط الأميركي والسوائل بما يصل إلى 17% خلال المدة بين عامي 2021 و2050.
وأشارت إلى أن أسعار النفط المرتفعة من شأنها تحفيز زيادة الإنتاج حتى يصل إلى مستويات ما قبل الجائحة بحلول العام المقبل (2023) قبل أن يصل لمستويات الذروة بنهاية العقد (2030)، بحسب ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وعلى صعيد آخر، يسعى مستثمرون لـ"تحجيم" خطط زيادة إنتاج الخام الأميركي رغم المكاسب المتوقعة من وراء ارتفاع أسعار النفط، خوفًا منهم على اضطرابات رأس المال، بحسب تقرير صادر عن معهد اقتصادات الطاقة والتحليل المالي نُشر في أبريل/نيسان الماضي.
وجهات تصدير الخام الأميركي
يرتبط الطلب على النفط في واشنطن بصورة مباشرة بسعر الخام الأميركي مقابل المقياس العالمي "خام برنت".
ويُعد الخام الأميركي جاذبًا للشراء في الآونة الحالية؛ نظرًا إلى تداوله بسعر ينخفض عن خام برنت بنحو 6.80 دولارًا.
واستحوذت الأسواق الأوروبية على غالبية صادرات الخام الأميركي بما يُقدر بنحو 1.4 مليون برميل يوميًا، تليها الأسواق الآسيوية بنحو مليون برميل يوميًا، لا سيما أنها تفضل النفط الروسي منخفض التكلفة، وبالإضافة إلى ذلك تستقبل كندا 250 ألف برميل يوميًا من صادرات الخام لواشنطن، وفق بيانات كبلر.
وللمرة الأولى منذ 6 سنوات، احتل النفط الأميركي صدارة الاستهلاك الأوروبي متفوقًا على الاستهلاك الآسيوي، بحسب بيانات مكتب الإحصاء الأميركي التي اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وبلغ شحنات الخام الأميركي إلى أوروبا، خلال الأشهر الـ5 الأولى من العام الجاري (2022) بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار، ما يُقدر بنحو 213.1 مليون برميل مقابل 191.1 مليون برميل لصالح آسيا.
ويعكس حجم صادرات الخام الأميركي لأوروبا مدى تعطش الأسواق بعد غياب النفط الروسي عنها، إذ إن التفوق الأوروبي على الآسيوي في استقبال الخامات النفطية من أميركا لم يتكرر منذ عام 2016.
تصدير الخام.. أم حل أزمة الوقود؟
أثارت بيانات التوسع في صادرات النفط الأميركي للأسواق الأوروبية والآسيوية مؤخرًا جدلًا واسعًا، إذ إن طموحات التوسع وزيادة عدد الشحنات يتزامن مع أزمة وقود طاحنة يشعر بها المواطن الأميركي جراء تسجيل أسعار البنزين مستويات قياسية.
ويرى محللون أن الموقف الأميركي الطامح لزيادة تصدير الخام غير متناقض مع محاولات إدارة البلاد لحل أزمة الوقود وأسعار البنزين، ويرجع ذلك إلى تفسيرات تُشير إلى أن غالبية الخام المُنتج محليًا غير مفضل لمصافي التكرير.
وأضافوا أن أميركا تنتج بمعدلات كبيرة النفط الحلو منخفض الكبريت، في حين ترتفع قدرة مصافي التكرير على معالجة الخامات الثقيلة عالية الكبريت بصورة أكبر.
ولتخطي تلك العقبة، تتبع أميركا منهجًا تبادليًا، إذ تُصدر المزيد من البراميل المنتجة محليًا إلى وجهات تتسم مصافيها بالقدرة على معالجة "النفط الحلو"، وفي الوقت ذاته تعكف المصافي الأميركية على استيراد براميل الخام عالي الكبريت المفضل لها.
وتُشير إدارة معلومات الطاقة إلى استيراد أميركا ما يقارب 3.1 مليون برميل يوميًا خلال العام الماضي (2021)، وهو معدل ينخفض لنسبة تزيد على نصف واردات عام 2017 البالغة 6.8 مليون برميل يوميًا.
اقرأ أيضًا..
- إعلان أرقام ضخمة لحقل غاز أنشوا المغربي قبل بدء الإنتاج المرتقب
- أمين عام أوابك يكشف للطاقة توقعاته لأسعار النفط ودور أوبك+
- العراق يحصد قفزات أسعار النفط بإيرادات تاريخية منذ بداية 2022 (إنفوغرافيك)
- التنقيب عن المعادن في أعماق البحار.. كنز يواجه تهديدات دولية