التنوع سر ضمان أمن الطاقة.. الدرس الأبرز من الغزو الروسي لأوكرانيا
وتحذير من خطورة الاعتماد على مصدر طاقة واحد
هبة مصطفى
- أمن الطاقة لن يتحقق باعتماد الدول على مصدر واحد
- الدمج بين موارد الوقود الأحفوري والطاقة المتجددة يضمن أمن الطاقة
- اعتماد القارّة العجوز على الغاز الروسي شكّل تهديدًا لأمن الطاقة الأوروبي
- أميركا خطت خطوات جيدة لتنويع مصادرها، ورغم ذلك تواجه مشكلات بالكهرباء والبنزين
- الهند تواصل المسارات المتجددة، رغم تعزيز واردات النفط الروسي والفحم
- أفريقيا تحتاج للتوسع في استثمارات الغاز والطاقة المتجددة بجانب موارد النفط
كشف الغزو الروسي لأوكرانيا، منذ أواخر فبراير/شباط الماضي، أن الأساس الراسخ لضمان أمن الطاقة هو "تنوع" مصادرها، وأن الاعتماد على مصدر واحد للطاقة قد يقلب الأسواق رأسًا على عقب، ويُغيّر سياسات ومواقف حكومات بالكامل.
ورأى محللون أن اعتماد البلدان على مصدر طاقة محدد، دون التنوع، لا يضرّ باقتصادات الدول فقط، بل يُشكّل خطرًا على أمن الطاقة بها، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتباينت ردة فعل الدول في التعامل مع غياب النفط والغاز الروسيين عن الأسواق، إذ لجأ بعضهم إلى ضمان أمن الطاقة عبر تنويع مصادرها على الصعيد المحلي.
وشرعت اقتصادات أخرى بالبحث عن منافذ للحصول على وارداتها، ووقفت مجموعة ثالثة تشاهد تقلبات الأسواق بصمت، في حين استفاد بعضهم من الحرب وانخفاض أسعار الشحنات.
ضمان أمن الطاقة
برهنَ غزو أوكرانيا على أن غالبية الاقتصادات الكبرى لا زالت تعتمد بصورة كبيرة على الوقود الأحفوري، رغم التزاماتها وتعهداتها المناخية بالمحافل الدولية.
وبعد ارتفاع أسعار النفط والغاز لمستويات غير مسبوقة بالأسواق الدولية، أدركت تلك الاقتصادات أن الاعتماد على مصدر طاقة واحد يُشكّل خطرًا عليها، غير تأثيره سلبًا في المناخ.
وبصورة مباشرة، أثّر الغزو الروسي لأوكرانيا في مسارين؛ الأول اضطراب أسواق الطاقة، والثاني هو إرجاء الخطط المناخية بحثًا عن مصادر فورية للطاقة تضمن توافر الإمدادات قبيل شتاء يُتوقع أن يكون أشدّ من سابقه.
ولضمان أمن الطاقة تباينَ أداء تلك الاقتصادات ما بين فتح المجال أمام مصادر طاقة بديلة، ومن ضمنها المصادر المتجددة، وما بين العودة للوقود الأحفوري بقوة لتلبية الطلب الفوري، بعدما خطت تلك الدول خطوات مهمة على مسار مكافحة تغير المناخ، فيما يمكن وصفه بأنه "انتكاسة" مناخية.
وفي التقرير التالي ترصد منصة الطاقة المتخصصة نماذج لتعامل دول أو قارّات وكيانات مع ضمانات أمن الطاقة، اعتمادًا على تنويع المصادر عقب حرب أوكرانيا.
أوروبا
الواردات الروسية
تسهم إمدادات الطاقة الروسية بحصّة ضخمة على مستوى العالم، إذ تحتلّ المرتبة الثالثة ضمن أكبر منتجي النفط عقب أميركا والسعودية، بإسهام عالمي يصل إلى 12%، في حين يقتنص إنتاج روسيا من الغاز حصة قدرها 17%، وفق بيانات كاربون بريف (CarbonBrief).
وفما يتعلق بأوروبا، تسهم روسيا بنحو 70% من واردات الغاز لدول قارّة أوروبا بالكامل، في حين تستحوذ على نصف واردات تلك الدول من النفط، وفق بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
This is the breakdown of its gas exports.
Data taken from @EIAgov: https://t.co/4wB4QcPS9m
— Hannah Ritchie (@_HannahRitchie) February 24, 2022
وكانت القارّة العجوز هي أكثر المتضررين من حرب أوكرانيا، إذ يعتمد الاتحاد الأوروبي بصورة مفرطة على الغاز الروسي بنسبة 41%، وعلى الغاز النرويجي بنسبة 24%، والغاز الجزائري بنسبة 11%.
ويوفر الاتحاد الأوروبي 10% من الطلب على الغاز عبر الإنتاج المحلي، ما أدى لتصنيفه أكبر مستوردي الغاز الطبيعي في العالم، وفق ما نقلته سي إن بي سي (CNBC) عن بيانات مديرية الطاقة بالمفوضية الأوروبية.
وطبقًا لبيانات يوروستيت لعام 2020، فإن الاتحاد يحصل على 32% من طاقته عبر النفط ومشتقاته، و25% من الغاز الطبيعي، و18% من المصادر المتجددة، و13% من الطاقة النووية، و11% من الوقود الأحفوري الصلب.
خطط بديلة
رغم أن الاتحاد الأوروبي لم يفصح رسميًا عن خطط بديلة لضمان أمن الطاقة وتنوع الإمدادات، فإنه أتاح لبعض دوله الانطلاق في مسارات تضمن تلبيتها للطلب المحلي، واتّجه بعضها لتعزيز مصادر الطاقة المتجددة، بينما فضلت دول أخرى العودة لإتاحة مساحة أكبر من ذي قبل للفحم والطاقة النووية وغيرها.
ومن جانب موازٍ، أعلنت بريطانيا -التي انفصلت عن الاتحاد الأوروبي قبل أعوام قليلة- تخلّيها بصورة نهائية عن الاعتماد على الإمدادات الروسية بحلول نهاية العام الجاري، وضمان أمن الطاقة عبر التنوع وفق ما ورد في إستراتيجية الطاقة البريطانية المُعلنة منتصف أبريل/شباط الماضي.
وتضمنت الإستراتيجية خططًا لتعزيز مشروعات الطاقة النووية وطاقة الرياح البحرية لضمان أمن الطاقة وتنوع مصادرها، وجذبت الإستراتيجية اهتمام 20 شركة عالمية تعمل داخل بريطانيا.
وأعلن وزير الطاقة والأعمال البريطاني، كواسي كوارتينغ، مطلع أبريل/نيسان، عزم بلاده بناء 7 محطات نووية جديدة بحلول عام 2050 لضمان أمن الطاقة عبر وسائل محلية، بالتوازي مع التخلي عن الإمدادات الروسية.
أميركا
اضطراب ما بعد الحرب
منذ سنوات عدّة، لا سيما عقب تولّي إدارة الرئيس جو بايدن مهامها، تعكف أميركا على تنويع مصادر الطاقة لديها، بخلاف ما اتّبعته الإدارة السابقة لها برئاسة دونالد ترمب.
ورغم اعتماد بايدن في حملته الانتخابية قبل الفوز على محاربة شركات النفط والغاز والتعهد بوقف تصاريح التنقيب الجديدة وموافقات عقود تأجير الأراضي الفيدرالية وإعلان خطط مناخية تشمل قطاعات الكهرباء والنقل وغيرها، فإن واشنطن تأثرت بقوة عقب حرب أوكرانيا.
وطرحت أميركا نفسها بديلًا لأوروبا عن إمدادات الغاز الروسي، وتعهَّد بايدن بتوفير الغاز المسال الأميركي لدول القارّة العجوز، وبالتوازي سعى لحثّ قطر على زيادة وارداتها من الغاز، وطالبَ السعودية مرارًا وتكرارًا بزيادة إنتاج النفط، رغم أن بلاده على الصعيد المحلي تعاني من ارتفاع أسعار البنزين لمستويات غير معهودة في البلاد، خلال السنوات الأخيرة.
وبينما أخذت أميركا على عاتقها فرض عقوبات على موسكو يتعلق أبرزها بواردات النفط والطاقة، فإن بيانات شحن كشفت مؤخرًا أنها -بجانب أوروبا- تستورد النفط الروسي عقب تكريره في الهند.
وبالفعل، خاضت أميركا تجربة مثيرة، بعدما عكفت على ضمان أمن الطاقة عبر تنويع مصادرها خلال العامين الماضيين، وأنجزت جانبًا مهمًا من خطة بايدن المناخية.
تنوع المسارات
حدّد تقرير 9 مسارات بديلة لضمان أمن الطاقة في أميركا، غير الوقود الأحفوري الذي تعتمد عليه البلاد بنسبة 80%، مشددًا على أنّ تنوّع تلك المصادر من أهم العوامل.
والمسارات الـ9 البديلة للطاقة في أميركا (سواء متجددة أو غير متجددة) هي: (طاقة الرياح، الطاقة الشمسية، الطاقة الكهرومائية، الطاقة الحرارية الجوفية، الطاقة الحيوية، الطاقة النووية، الهيدروجين، وطاقتا المد والجزر والأمواج)، باختلاف إمكانات الأداء في كل منها، وفق ما نشرته جاست إنرجي (justenergy).
ويبدو أن مساحة التنوع التي اعتمدت عليها أميركا لضمان أمن الطاقة اصطدمت بأرض الواقع، رغم أن مزيج الكهرباء الأميركي يمتاز بالتنوع.
ففي الوقت الذي تعاني فيه البلاد من ارتفاع أسعار البنزين والحاجة لضخّ المزيد من الإمدادات، كشفت بيانات شركة وود ماكينزي للأبحاث أن الربع الأول من العام الجاري شهد تراجعًا في سعة مشروعات الطاقة الشمسية إلى أقلّ مستوياتها منذ جائحة كورونا.
وكشف تقرير صادر عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية -في أبريل/نيسان الماضي- انخفاض معدل توليد الكهرباء من الطاقة النووية للعام الثاني على التوالي، في ظل سياسة إدارة بايدن بإغلاق المحطات، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وتتولى طاقة الرياح الصدارة ضمن أبرز مصادر الطاقة البديلة في أميركا -ضمن مساراتها للتنوع وضمان أمن الطاقة- وحلّت بالمرتبة الثانية، عقب الغاز بصفة أكبر مصادر توليد الكهرباء يوم 29 مارس/آذار الماضي.
الهند
تواصل الهند -بصفتها نموذجًا للدول التي تسعى لضمان أمن الطاقة عبر تنوّع الإمدادات- دعم مسارات الطاقة المتجددة والشمسية وتوسعات السيارات الكهربائية والبطاريات.
وأعلنت الدولة الواقعة جنوب آسيا إستراتيجية وطنية للهيدروجين الأخضر، قبيل الغزو الروسي لأوكرانيا بنحو أسبوع، استهدفت من خلالها إنتاج 5 ملايين طن منه بحلول عام 2030، ودعمت نيودلهي إطلاق الإستراتيجية بحزمة سياسات تحفيزية لتعزيز الإنتاج.
وبينما تفتح الهند لنفسها مجالات تسمح بتنويع مصادرها لضمان أمن الطاقة بالتوازي مع خطط خفض الاعتماد على الفحم التزامًا بالتعهدات المناخية في قمة المناخ كوب 26، اصطدمت بانقطاعات متواصلة بالكهرباء في ولايات عدّة.
وعادت الهند لاستيراد الفحم ومزجه بالإنتاج المحلي، لضمان أمن الطاقة وتوفير إمدادات الكهرباء اللازمة لإنارة الولايات التي تعرضت في أبريل/نيسان الماضي لأسوأ أزمة كهرباء منذ 6 سنوات.
ومن جانب آخر، عززت الهند من واردات النفط الروسي، مستفيدةً من انخفاض أسعاره، بعدما عزفت غالبية المشترين الدوليين عن شرائه خوفًا من الوقوع تحت طائلة العقوبات المفروضة على موسكو، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وتستهلك الهند جانبًا من واردات النفط الروسي محليًا، في الوقت الذي تُعيد فيه تكرير جانب آخر لبيعه إلى أميركا وأوروبا، وفق بيانات الشحن الدولية.
أفريقيا
دمج الغاز
في بقعة أخرى من العالم، وبعيدًا عن الصراعات حول حصص النفط والغاز الروسيين وتأثّر وارداتهما بغزو أوكرانيا، وفي ظل تصاعد وتيرة الحديث عن الالتزامات المناخية، ما زالت القارّة الأفريقية محاصَرة بين مطرقة انخفاض الاستثمارات وسندان الطلب المحلي، رغم توافر إمكانات لا بأس بها.
وخلُص مؤتمر إنلايت أفريكا لعام 2022 -الذي انعقد بالعاصمة الجنوب أفريقية كيب تاون من 7 إلى 9 يونيو/حزيران الجاري، وناقش انتقال الطاقة بالقارّة السمراء- إلى أن الاعتماد على مصدر طاقة واحد في ظل المتغيرات الدولية يشكّل خطرًا على الدول.
وبدوره، أكد المدير التنفيذي لشركة أفريكا إنفراستركتشر أدفيزورز، حسنين إيراهيم، أن حرب أوكرانيا وتداعياتها على أسواق الطاقة -لا سيما فيما يتعلق بالوقود- أكدت مدى حكمة بعض الدول التي لجأت لتنوّع مصادرها؛ لضمان أمن الطاقة.
وأضاف أن دمج الطاقة المتجددة والطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية والكهرومائية مع موارد الغاز بمزيج الطاقة كان منقذًا للدول التي اتّبعت تلك الإستراتيجيات.
ودعا إبراهيم مجموعةَ التنمية لأفريقيا الجنوبية "سادك" للعمل على تنوع مصادر أمن الطاقة، لا سيما فيما يتعلق بالتركيز على استثمارات الغاز، مطالبًا بتطوير الخطط الإقليمية لصناعة الغاز، وفق ما ورد بصحيفة إي إس آي أفريكا (ESI-Africa).
وبالنظر إلى اعتبارات اهتمام القارّة السمراء بالنفط بصفته أولوية أولى ضمن مزيج الطاقة، تطرَّق إبراهيم إلى أن توسعة حصة الغاز بالقارّة تتطلب زيادة الإنتاج والاستثمارات للحصول على ميزة نسبية لتوفير إمدادات ذات أسعار ملائمة.
مصادر متجددة
في غضون التوسع باستثمارات الغاز في القارّة الأفريقية توازيًا مع النفط، تتوافر إمكانات هائلة للتوسع في مصادر الطاقة المتجددة، غير أنها مُكبّلة بقيود نقص الاستثمارات والتمويل والمهارات التقنية اللازمة.
الطاقة المتجددة في أفريقيا.. أكثر 5 دول استفادة (إنفوغرافيك)
ولضمان أمن الطاقة بالقارّة التي يعاني ما يقرب من 600 مليون شخص بها من الوصول للكهرباء، يتعين اتّباع مسار تنويع مصادر الطاقة خوفًا من التعرض لأخطار الاعتماد على مصدر واحد فقط.
ووفق بيانات صادرة عن إنرجي كابيتال آند باور، تملك 5 دول أفريقية إمكانات هائلة لموارد الطاقة المتجددة (موزمبيق، إثيوبيا، زامبيا، كينيا، غانا)، وتتنوع المصادر في تلك الدول ما بين إمكانات مهمة للطاقة الكهرومائية والشمسية وطاقة الرياح وغيرها.
وطبقًا لبيانات اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، فإن المصادر المتجددة تُشكّل 70% من موارد 30 دولة أفريقية، غير أن غالبيتها غير مستغلة بصورة مناسبة.
اقرأ أيضًا..
- 8 معلومات عن أكبر محطة للطاقة الشمسية في أوروبا (إنفوغرافيك)
- مسؤول أممي للطاقة: قمة المناخ كوب 27 أمل العالم بإجراءات عاجلة (حوار)
- هل ينجح تصدير الهيدروجين اقتصاديًا من المغرب والجزائر ومصر؟.. خبير دولي يجيب