التغير المناخيالتقاريرتقارير التغير المناخيرئيسية

رئيس معهد الصحة العالمية: التغيرات المناخية أسهمت في انتشار الأمراض (مقابلة)

و"كوب26" إعادة للمؤتمرات السابقة ولم يحقق نتائج

داليا الهمشري

أبرز رئيس معهد الصحة العالمية والبيئة البشرية، العميد السابق لكلية الهندسة والعلوم بالجامعة الأميركية في القاهرة، الدكتور حسن الفوال، أن التغيرات المناخية تؤدي دورًا كبيرًا في التأثير بالصحة العامة، كاشفًا عن علاقة العوامل البيئية بانتشار بعض الأمراض وتفاقمها، مثل أمراض القلب والرئتين والكلى والسرطان وألزهايمر.

وأوضح الفوال، في مقابلة مع "الطاقة"، أن الجينات تُسهم في مدى استجابة الأفراد للتغيرات البيئية.

ودعا الفوال إلى ضرورة الحد من آثار تغير المناخ، من أجل ضمان صحة الإنسان ورفاهيته، مؤكدًا أن قمة المناخ (كوب26) لم تحقق النتائج المرجوة منها.. وإلى نص المقابلة:

كيف تؤثر التغيرات المناخية في الصحة العامة؟

لا يؤثر الاحتباس الحراري فقط في الغلاف الجوي، بل يتسبب في حبس العديد من الانبعاثات الكربونية الضارة في مساحاتنا القابلة للتنفس، ثم تجد هذه الانبعاثات طريقها إلى مياهنا، وتربتنا عن طريق الأمطار.

فمن السذاجة الاعتقاد بأن تغير المناخ يتعلق ببساطة بارتفاع درجات الحرارة، وارتفاع منسوب مياه البحر، واتساع رقعة الصحاري.

فالانبعاثات الكربونية الناتجة عن الأنشطة البشرية، ولا سيما عملية توليد الكهرباء من الوقود الأحفوري، تؤثر في الصحة العامة.

ويسهم تغير المناخ في زيادة الجوع والفقر وانعدام العدالة الاجتماعية، والتأثير في الشيخوخة الصحية، وانتشار وتوطن بعض الأمراض غير المعدية، مثل أمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري والسرطان، وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة.

كما تؤثر التغيرات المناخية في مدى استجابة الأفراد لهذه الأمراض وإضعاف قدرتهم على الشفاء.

وهناك فرع في الطب يركز على نوعية العوامل البيئية التي تؤدي إلى المرض، كما يربط التغيرات المناخية بجوانب اقتصادية واجتماعية ونفسية.

وعندما يؤثر تغير المناخ في صحة الأشخاص، تقل إنتاجيتهم، ومن ثم يؤثر في الدخل القومي للبلاد ويعوق التنمية الاقتصادية.

آثار التغيرات المناخية في الصحة
رئيس معهد الصحة العالمية والبيئة البشرية العميد السابق لكلية الهندسة والعلوم بالجامعة الأميركية بالقاهرة، الدكتور حسن الفوال

ما أكثر الفئات عرضة للتأثر صحيًا بالتغيرات المناخية؟

الجميع معرضون لتبعات التغيرات المناخية، وبصورة خاصة الأطفال والمسنون.

فقد توصل المعهد الوطني لعلوم الصحة البيئية (إن آي إي إتش إس) في الولايات المتحدة إلى أن الأطفال وكبار السن والفقراء، والذين يعانون ظروفًا صحية أساسية، أكثر عرضة للتأثيرات الصحية الناجمة عن تغير المناخ.

كيف تؤثر الجينات في مدى استجابة الأفراد للتغيرات المناخية؟

من السذاجة الاعتقاد بأن البشر مستنسخات، وأن النموذج الذي قد يكون قابلًا للتطبيق في بلد أو منطقة ما، ينطبق بشكل متساوٍ على شرق البحر الأبيض المتوسط ​​أو شمال أفريقيا.

فهناك مفهوم معروف لدى الأطباء والعلماء وهو ما يعرف بالدقة، أو الطب الشخصي، وهو تعريف التفاعل بين البيئة والجينات.

وقد وسّعنا تعريف البيئة ليشمل العوامل الاجتماعية والاقتصادية والغذاء والسياسة، فيما يعرف باسم الدقة الصحية.

فمن الناحية الصحية، نحن -جميعًا- عُرضة للإصابة بالأوبئة مثل كورونا؛ فأي شخص سيتعرض للفيروس سيمرض، ولكن مستوى المرض يختلف بين شخص وآخر نتيجة لاختلاف الجينات الوراثية؛ فهناك جينات لها علاقة بضعف المناعة أو الإصابة بالسرطان.

كما تؤدي البيئة دورًا في زيادة الاحتمال بالإصابة بالأمراض، ومن ثم فإن التعرض للانبعاثات الكربونية في الصناعة أو البيئة قد يضاعف فرص الإصابة بالأمراض.

وتختلف الجينات بين الدول والقارات ومن ثم تختلف درجة التأثر بالتغير المناخي، هذا بالإضافة إلى تفاعل الانبعاثات الكربونية مع الجينات والبيئة المحيطة.

كيف أثرت التغيرات المناخية في العالم خلال السنوات الأخيرة؟

الأمم المتحدة
ظاهرة التصحر تهدد بزيادة غازات الدفيئة عالميًا

ظهرت آثار التغيرات المناخية بوضوح في انتشار ظاهرة التصحر، التي أسهمت في هجرة الناس من القرى إلى المدن بحثًا عن فرص عمل بديلة؛ الأمر الذي تسبب بدوره في زيادة العشوائيات، وزيادة الطلب على الكهرباء.

ربع تعداد مصر؛ أي ما يقرب من 24 إلى 25 مليون، يقطنون في مدينة القاهرة، كذلك الحالة في مدينة الإسكندرية التي اكتظت بالسكان، ومن ثم زاد الطلب على الكهرباء في هذه المدن.

وشهدنا آثار التغيرات المناخية بوضوح خلال الفترة الماضية؛ ففي كندا وألمانيا، على سبيل المثال، تسببت الفيضانات في مسح قرى بالكامل.

كما رأينا حرائق الغابات المدمرة في ولاية كاليفورنيا، وحرائق مماثلة في تركيا واليونان نتيجة الجفاف مع ارتفاع درجة الحرارة التي تسببت في اشتعال الغابات.

وبالطبع تنتج عن هذه الحرائق كميات هائلة من الانبعاثات، التي تتساقط بفعل الأمطار، وتؤدي إلى تلوث الأراضي والأنهار؛ ما يعني أن تغير المناخ يتسبب في زيادة الأمراض التي تشكل عبئًا على أي بلد، سواء كان متقدمًا أو غير متقدم.

لذا ينبغي على العلماء والجامعات الإسهام في توفير حلول لمواجهة التغيرات المناخية، ولن يحدث هذا -بالتأكيد- بين ليلة وضحاها، ولكنه سيستغرق بعض الوقت.

ما الأنشطة التي تقومون بها في الجامعة لمواجهة التغيرات المناخية؟

لدينا مركز بحوث استدامة البيئة، الذي يركز على دراسة العلاقة بين المياه والطاقة والغذاء، وإيجاد حلول للتغلب على تحديات نقص المياه والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة -ولا سيما الطاقة الشمسية- بدلًا من الوقود الأحفوري.

ومن ناحية الغذاء، يعمل المركز على مشروع جديد يستهدف زيادة القيمة الغذائية للمحاصيل الزراعية من خلال استخدام محاليل المياه، بدلًا من التربة الملوثة للزراعة.

وهذه المحاليل تأتي من مزرعة لتربية الأسماك، وبدلًا من استخدام الأسمدة الصناعية، تُستخدَم المياه التي يتربى فيها السمك عند تغييرها لتسميد المحاصيل.

وهناك جانب آخر للمشروع؛ حيث نربي الأسماك باستخدام مياه بحر محلاة، (بعد تحليتها من الملح)، تحت الشمس لتربية أسماك الأنهار مثل البلطي.

وفي الوقت نفسه فإن الأسماك توفر للمياه النيتروجين الذي يحتاج إليه النبات للنمو؛ حيث تثبت جذور النبات في المياه الغنية بالنيتروجين.

وبذلك نكون قد تغلبنا على مشكلة تلوث المياه والتربة، التي يتعرض لها النبات والأسماك، باستخدام الطاقة الشمسية، لتحلية المياه المالحة التي عادة لا تُستخدم في الزراعة.

ويهدف المشروع إلى مواجهة مشكلة التلوث وانخفاض القيمة الغذائية، وهذا ما نطلق عليه اسم الصحة البيئية، كما يحقق استدامة على 3 مستويات، هي: الطاقة والمياه والنبات.

وهذه الفكرة يمكن تعميمها بنجاح للتغلب على أزمة المياه في بلد مثل مصر، تتمتع بوجود البحرين الأحمر والمتوسط، فضلًا عن توافر الطاقة الشمسية.

ما المقصود بـ"لاجئ المناخ"؟

هناك تعريف في علم البيئة يسمى بـ "لاجئي البيئة" أو "مهاجري البيئة"، ويشير إلى الهجرة إلى بلاد أخرى بسبب التصحر؛ ما يتسبب في مشكلات سياسية في بعض الأحيان.

وتسببت التغيرات المناخية -بالفعل- في نشوب بعض النزاعات، مثل الحروب على المياه في الصومال، نتيجة الجفاف والفيضانات المتكررة.

وفي آسيا وأميركا الجنوبية، تسبب تغير المناخ في التصحر، ومن ثم الهجرة إلى الغابات.

هل ترى أن الدعوات العالمية لإبقاء درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، قابلة للتطبيق عمليًا؟

نعم، يمكن تحقيق ذلك من خلال شراء أرصدة الكربون، وإن كان من الصعب تطبيق هذا النظام بصورة دقيقة؛ لأن الانبعاثات الكربونية لا تعترف بالحدود بين الدول.

فعلى الرغم من وجود حدود تفصل البلاد عن بعضها؛ فإن الرياح تعمل على نقل الانبعاثات عبر الحدود. مثلا، الانبعاثات في كندا، معظمها قادم من الولايات المتحدة الأميركية، وانبعاثات الدول الإسكندنافية مثل فنلندا والنرويج، عادة ما تصل إلى ألمانيا؛ فالرياح لا تحترم الحدود.

ما التحديات التي تواجه تحقيق هذا الهدف؟

انطلاق قمة المناخ كوب26
جانب من فعاليات كوب26 - الصورة من الصفحة الرسمية للقمة على تويتر (31 أكتوبر 2021)

رغم تعهدات الدول خلال قمة المناخ (كوب26 ) بتقليل الانبعاثات الكربونية؛ فإنه عادة ما يقف طموح الدول -في النمو الاقتصادي- أمام الوفاء بمثل هذه التعهدات.

فمنذ أول المؤتمرات المناخية في التسعينات، كانت أوروبا والولايات المتحدة تطالبان الهند والصين بتقليل استخدام الفحم والحد من الانبعاثات الكربونية، إلا أن النفط والفحم كانا عاملين رئيسين في تنمية اقتصاد الهند والصين.

ومن ثم، كان من الصعب عليهما الموافقة على هذه الدعوات، والآن تواجه دول الشرق الأوسط وأفريقيا التحدي نفسه؛ إذ أصبح عليها -أيضًا- الالتزام بالتعهدات المناخية بينما تسعى لتحقيق التنمية الاقتصادية.

والمعروف أن توليد الكهرباء بالوسائل التقليدية هو أقصر طريق لتحقيق الأهداف الاقتصادية؛ ما يجعل دول أميركا الجنوبية مثل المكسيك تجد صعوبة في الالتزام بمثل هذه الأهداف، ولا سيما أنها لا تزال في حالة نمو.

فهذه الدول تعتقد أن لها الحق في استخدام وسائل الطاقة التقليدية، وإطلاق حصتها من الانبعاثات.

وأعتقد أننا نستطيع التغلب على هذه المشكلة، وإيجاد حلول لها من خلال التوسع في مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتي تعمل على تقليل الانبعاثات الناجمة عن وسائل الطاقة التقليدية، ولا بد من زيادة الاستثمارات في هذا المجال.

ما تقييمك لنتائج قمة المناخ كوب26؟

المؤتمر كان إعادة لجميع المؤتمرات المناخية السابقة ولم يُسفِر عن نتائج تُذكر.

وعن توصية المؤتمر بضرورة التخلص التدريجي من الفحم، هذه ليست نتيجة جديدة؛ فهذه المطالبات منتشرة منذ 20 عامًا.

كما لا تزال الصين ترفض التخلي عن استخدام الفحم، بل تواصل بناء محطات توليد الكهرباء العاملة بالفحم، وتماطل في الالتزام بالأهداف المناخية.

وتواصل البلاد النامية مطالبة الدول المتقدمة بالتمويل، حتى تتمكن من دفع عجلة النمو الاقتصادي وتحقيق الأهداف المناخية معًا، دون اللجوء إلى استخدام مواردها من الوقود الأحفوري.

ولن تتحقق الأهداف المناخية إلا إذا توافرت الإرادة الدولية للحد من الانبعاثات.

ما أهم التوصيات التي تمخض عنها مؤتمر الجامعة حول التغيرات المناخية الشهر الماضي؟

طالب المؤتمر بضرورة مواجهة التغيرات المناخية؛ لأن هذا الكوكب هو عنواننا الوحيد، وهذه القضية لا بد أن تتقدم جميع الشواغل الأخرى للدول؛ لأن الانبعاثات التي تحدث في دولة ما تؤثر في الكوكب بأكمله.

واعتمدت فكرة المؤتمر -الذي تعمدنا ألا يكون على مستوى علمي بحت- على التوعية بمخاطر التغيرات المناخية، كما يعمل بعض الطلاب -الآن- على تصميم كتيبات وأفلام كرتونية صغيرة لنشر الوعي بهذه القضية الملحة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق