هل يمكن إنتاج الهيدروجين من النفط؟.. 4 تحديات تواجه وقود المستقبل
في الوقت الذي يتطلع فيه العديد من دول العالم إلى إنتاج الهيدروجين باعتباره وقود المستقبل، يبرز عدد من التحديات التي قد تقف عائقًا أمام التوسع في انتشاره خلال السنوات المقبلة.
وتتمثل التحديات الرئيسة لانتشار الهيدروجين على نطاق واسع في التكلفة المرتفعة وموثوقية سلاسل التوريد وكذلك أداء الخلية الهيدروجينية، فضلًا عن الافتقار إلى البنية التحتية للهيدروجين.
ولتحقيق الانتشار، يجب أن تدخل تكنولوجيات الاستخدام النهائي أسواقًا أكبر، وأن تكون قادرة على التنافس مع التكنولوجيات الحالية من حيث تكلفة سلاسل التوريد ومتانتها وقلة تأثيرها البيئي.
وقد تقتصر سلاسل توريده على الإنتاج والنقل والاستخدام، وقد تتمدد بتحويله إلى مركبات سائلة أو صلبة لتخفيض تكلفة نقله وتخزينه.
إنتاج الهيدروجين
تُعَد تكلفة إنتاج الهيدروجين القضية الأهم وتتعلق بسلاسل إمداده، ومن ثم ملازمة تكنولوجيات إنتاج الكهرباء، والتقاط الكربون، والنقل، والتخزين.
وذكر مختبر الطاقة المتجددة الوطني الأميركي أن الهيدروجين الناتج عن "إعادة النفث البخاري" يكلف ما يقرب من 3 أضعاف تكلفة الغاز الطبيعي (دون استخدام تكنولوجيات التقاط الكربون) لكل وحدة طاقة منتجة.
هذا يعني أنه إذا كان الغاز الطبيعي يكلف 6 دولارات لكل مليون وحدة حرارية؛ فإن تكلفة إنتاج الهيدروجين من إعادة النفث البخاري ستكون 18 دولارًا، وأيضًا سيكلف إنتاج الهيدروجين من التحليل الكهربائي بالكهرباء بسعر 10 سنتات/كيلوواط ساعة 60 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية؛ أي أكثر 3 أضعاف من تكلفة الهيدروجين من الغاز الطبيعي؛ إذ إن تكلفة إنتاج الهيدروجين من الكهرباء هي دلالة خطيرة لتكاليف الكهرباء.
تخزين الهيدروجين
تمثل حالة الهيدروجين الغازية تحديًا للتكلفة المرتفعة لتخزينه ونقله، ومع ذلك فلا بد من أن يتغلب الابتكار التكنولوجي على عدة مشكلات.
وتزداد التكلفة مع تمدد سلاسل توريده؛ إذ إنه غاز في الظروف الطبيعية، لا بد من ضغطه بشكل كبير لكي يُنقَل لمناطق الاستهلاك اقتصاديًا.
التحدي الأكبر هو العثور على مواد تخزين يمكنها تلبية 3 متطلبات، حسب موقع وزارة الطاقة الأميركية:
- تخزين الهيدروجين بسعة عالية.
- إمكانية عكس دورة التفريغ والشحن في درجات حرارة معتدلة في نطاق 70-100 درجة مئوية، لتكون متوافقة مع الجيل الحالي من خلايا الوقود.
- سرعة التفريغ والشحن.
نقل الهيدروجين
هناك 3 وسائل متكاملة فيما بينها لنقل الهيدروجين تتمثل في التالي:
- مقطورات أنابيب مضغوطة.
- شاحنات السوائل المبردة.
- أنابيب الغاز المضغوط.
وتوقع العديد من المحللين أن تكون متطلبات البنية التحتية والموارد المالية المخصصة للبنية التحتية هائلة خلال العقود الأولى لاستخدامه.
وباعتباره بديلًا للتخزين الغازي، يمكن تخزين الهيدروجين أو نقله بتكلفة معتدلة في شكل مركبات سائلة وصلبة، كالأمونيا وهيدرات المعادن، كهيدرات المنجنيز.
ويعتمد اختيار التخزين الأنسب على عدد من العوامل مثل الاستخدام النهائي وحجم الهيدروجين المطلوب، والقيود الجغرافية والجيولوجية، ومعدلات التدفق المطلوبة.
استخدام الهيدروجين
للاستخدام النهائي، لا بد من تحويل الطاقة التي يحملها الهيدروجين إلى شكل مختلف، مثل الكهرباء أو الحرارة، وتُنتَج الحرارة عن طريق الاحتراق المباشر مع الأكسجين، أو من خلال عملية كهروكيميائية باستخدام خلية الوقود.
وتكمن فائدة استخدام الهيدروجين في إنتاج الحرارة والكهرباء في أن ناتج الاستخدام الوحيد هو الماء؛ فلا غازات احترار ناتجة.
من أجل أن ينتشر استخدام الهيدروجين، هناك حاجة ماسة لتقليل تكلفة خلية الوقود وتحسين متانتها وتقليل تكلفة الصيانة وزيادة عمرها التشغيلي.
واعتمادًا على نوع خلية الوقود؛ فإن العامل المساعد الرئيس في التكلفة هو محفز التفاعل الكيميائي، وعادةً ما يعتمد على البلاتين أو البلاديوم.
كما يحتاج القطبان الكهربائيان (تجميع التيار الكهربائي الناتج) والأغشية الفاصلة (إزالة المياه) لمزيد من البحث والتطوير بغرض زيادة أعمارها التشغيلية، وزيادة كفاءتها، وفي الوقت نفسه تخفيض التكلفة.
انتشار الهيدروجين الأزرق
لإنتاج الهيدروجين الأزرق لا بد من إنضاج تكنولوجيات التقاط الكربون، وتكلفة التقاط الكربون ما زالت مرتفعة، وتحتاج إلى تكثيف الجهود وتوجيهها نحو خفض التكلفة وزيادة كفاءة الالتقاط، لكن هناك سببًا مشتركًا للاستثمار في هذه الجهود.
يُعَد التقاط غاز ثاني أكسيد الكربون من نهايات أنابيب مولدات الفحم والغاز الكهربائية غير مُجدٍ اقتصاديًا في الوقت الحاضر؛ لعدم نضج الابتكار التكنولوجي فيه؛ لذا فإن حلقة الاقتصاد الدائري للكربون لن تكتمل إلا باقتصادات الهيدروجين.
من أجل أن يتم ذلك لا بد من تعزيز اقتصادات سلسلة القيمة العالمية لاستخراج الهيدروجين من النفط للوصول للتكلفة التعادلية لجعل النفط المصدر الرئيس لإنتاجه، مقارنةً بالغاز الطبيعي والبدائل الأخرى.
لذلك، فتخفيض تكلفة التقاط الكربون وزيادة الكفاءة بالابتكار التكنولوجي المثابر، يجب أن يكونا الهدف الإستراتيجي الأول لصناعة النفط.
أسواق واعدة
وضع العديد من الدول الأوروبية، بما في ذلك فرنسا وألمانيا وهولندا وأستراليا وتشيلي واليابان والمملكة المتحدة والصين وكوريا الجنوبية ومؤخرًا الولايات المتحدة، أهدافًا استهلاكية مشجعة إلى حد كبير، مدفوعة بسياسات مكافحة التغير المناخي والتزامات البلدان بالحياد الكربوني.
وتتوقع وكالة الطاقة المتجددة الدولية ألا تقل نسبة الهيدروجين في مزيج الطاقة عن 12% بحلول 2050، وهي كمية هائلة؛ إذ ترى المنظمة أنها "الحلقة المفقودة" في تكامل مكونات مزيج الطاقة مع زيادة إنتاج الطاقة المتجددة.
بالإضافة إلى ذلك، يعزز الهيدروجين أمن الطاقة وموثوقيتها؛ فمع ظهور المزيد من اللاعبين والفئات الجديدة من المستوردين على المسرح العالمي، من غير المرجح أن يصبح الهيدروجين ذا بعد جيوسياسي كبير مع تعدد المنتجين والمستهلكين، على عكس التأثير الجيوسياسية للنفط والغاز وسلاسل توريد المعادن في الطاقة المتجددة.
وقد يعزز الهيدروجين أمن الطاقة ومرونة أنظمة الطاقة المحلية من خلال تقليل الاعتماد على الواردات وتقلب الأسعار.
يأتي ذلك مع تنافس دولي على الاستحواذ على سلاسل توريده؛ إذ سيصبح التنافس على امتلاك حصة في سلسلة قيمة الهيدروجين إحدى أهم المنافسات التجارية الدولية في العقود المقبلة؛ فامتلاك حصة في سلسلة القيمة سيعزز القدرة التنافسية الاقتصادية.
ويمكن للبلاد التي تتمتع بوفرة الموارد الهيدروكربونية وإمكانات الطاقة المتجددة أن تصبح مواقع لإنتاج الهيدروجين والاستحواذ على سلاسل توريده.
بالإضافة لامتلاك الموارد، سيكون التنافس على الابتكار التكنولوجي في تعزيز سلسلة القيمة المضافة للهيدروجين هو الفيصل؛ إذ ما زالت معظم التكنولوجيات غير ناضجة؛ فمن سيستحوذ على سلاسل توريده، سيكون حتمًا ذا كفاءة وطنية على الابتكار التكنولوجي.
ويعتمد الاستثمار في سلاسل قيمة الهيدروجين؛ أي قطاعات الإنتاج والنقل والتخزين وتكنولوجيات الاستهلاك، على إجادة الابتكار التكنولوجي؛ ما يمنح قدرة أي دولة على الاستحواذ على سلاسل توريده.
الوقود الأحفوري والهيدروجين
تعد علاقة الوقود الأحفوري والهيدروجين علاقة مركبة؛ إذ يستطيع الهيدروجين انتزاع جزء من حصة الوقود الهيدروكربوني في مزيج الطاقة عندما يكون أخضر، كما أنه يمكن أن يعززها عندما يكون أزرق.
والفرصة ما زالت سانحة للاستثمار في الهيدروجين الأزرق والاستحواذ على سلاسل توريده، وتعزيز القيمة المضافة للوقود الهيدروكربوني للدول المنتجة له.
ويُعَد الهيدروجين هو وقود التنقل والتخزين في المستقبل باعتباره موردًا موثوقًا ومرنًا وآمنًا؛ فيمكن أن يحل الهيدروجين محل استخدام البنزين والديزل في قطاع المواصلات. أيضًا من المتوقع أن تكون هذه التكنولوجيا بديلًا اقتصاديًا وأكثر استدامة لاستخدام بطاريات الليثيوم في السيارات الكهربائية في المستقبل المنظور.
كذلك، يمكنها اختراق أسواق تخزين الكهرباء الموسمي ذات الأهمية المتزايدة؛ لكي تكون عامل توازن للأحمال الكهربائية مع التوليد. وكذلك اختراق أسواق توليد الكهرباء في المناطق المعزولة، وقد يكون حلًا مهمًا لمشكلة "الوصول للطاقة" والتي ما زال يعاني بسببها نحو 900 مليون إنسان، بحسب التقرير الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
النفط مصدر رئيس لإنتاج الهيدروجين
يمكن أن يكون النفط هو المصدر الرئيس لإنتاج الهيدروجين في السيناريوهات التالية:
- سياسات عالمية ملزمة لإزالة الكربون العميق ومن ثَم "احتجاز الأصول الهيدروكربونية" عندما يكون استهلاكها سببًا في الانبعاثات.
- خسارة النفط أسواقًا إستراتيجية لمشتقاته كالتطبيق الصارم لقوانين حضرية تحرم تلوث الهواء.
- تحقيق التكافؤ في التكلفة مع الاستخدام التقليدي للنفط الخام ومصادر إنتاج الهيدروجين الأخرى كالغاز الطبيعي الذي تعتمد التكلفة فيه على تكلفة سلاسل إمداد تزداد إذا توسعت.
تسويق الهيدروجين الأزرق
يدعو عدد من الخبراء إلى تسويق الهيدروجين الأزرق على أنه بديل أكثر استدامة من السيارات التي تعمل بالبطارية الكهربائية، والمساعدة على استحواذه على حصة كهربة قطاع النقل المتوقعة، من خلال تسريع الابتكار التكنولوجي والذي يهدف لنقل السيارة الهيدروجينية للمرحلة التجارية بتخفيض التكلفة الكلية على المستهلك، بتكامل سلاسل التوريد، وتقنية الخلية الهيدروجينية، واستخراج الهيدروجين.
فبجانب الحفاظ على نصيب النفط في قطاع المواصلات، الفائدة الكبيرة الأخرى في الاستثمار في الابتكار التكنولوجي في الهيدروجين الأزرق هي توسيع قاعدة أسواق استهلاك النفط.
ويرى الخبراء أن النفط ستكون له فائدة كبيرة باعتباره مصدرًا للهيدروجين، وهي إمكانية بناء سلاسل توريد قصيرة للهيدروجين لسهولة نقل النفط؛ ما يساعد في زيادة كفاءته، ومن ثم يعزز تنافسيته مع الغاز الطبيعي والهيدروجين الأخضر.
وأشار إلى عدم وجود أي معوق لمكان تصنيع الهيدروجين من النفط؛ فوجوده قرب مناطق الاستهلاك قد لا يستلزم الحاجة لضغطه للنقل، ومن ثَم توفير كبير في التكلفة، وعدم الحاجة لمعمل لضغطه، ولا طاقة للضغط.
الهيدروجين ومتشددو البيئة
يقود البيئيون المتطرفون حربًا ضد الهيدروجين الأزرق على صعيدين مختلفين؛ فالأول يتعلق بكرههم للنفط والغاز واعتقادهم بأنه سيكون وسيلة لإطالة عمره، والآخر يتعلق بمنافسة البطارية الكهربائية التي يحبها البيئيون حبًا جمًا لأسباب قد تبدو رومانسية وغير عقلانية.
وقد لا تأتي المنافسة الحقيقية من تكنولوجيا البطارية الكهربائية، ولكنها قد تصدر من انخفاض تكلفة الهيدروجين الأخضر المنتج من الطاقة المتجددة؛ فالطريقة الأكثر شيوعًا لإنتاج الهيدروجين الأخضر هي استخدام التحليل الكهربائي للماء والذي ينتج منه تحليل الماء إلى عنصريه: الهيدروجين والأكسجين؛ إذ يمرر تيار كهربائي منخفض الجهد عبر الماء، لينتج الأكسجين عند الأنود بينما ينتج الهيدروجين عند الكاثود، فعادةً ما يكون الكاثود مصنوعًا من البلاتين أو معدن خامل آخر عند إنتاج الهيدروجين للتخزين.
كيف يخترق الهيدروجين أسواق الطاقة؟
يمكن أن يخترق الهيدروجين أسواق الطاقة من خلال تعزيز الشراكات الإستراتيجية مع أصحاب التوجه المشترك بين كل من المنتجين والمستهلكين لجعل الهيدروجين مصدرًا رئيسًا للطاقة في مجالات المواصلات وتعزيز موثوقية إنتاج الكهرباء وجعله المصدر الرئيس لتخزين الكهرباء، ووضعه على قائمة الأولويات.
ويعد الاختراق المبرمج والمدروس والموجه للاقتصادات القابلة لاستهلاك الهيدروجين عند تكاليف مرتفعة نسبيًا، في البداية، ذا بُعد إستراتيجي عميق.
موضوعات متعلقة..
- أوكيو العمانية تتعاون مع أكوا باور السعودية في مشروع ضخم لإنتاج الهيدروجين
- أكبر 5 مشروعات لإنتاج الهيدروجين الأخضر في أفريقيا.. مصر والمغرب في المقدمة
- الميثان الأخضر.. هل يصبح الطريقة الأقل تكلفة لإنتاج الهيدروجين المتجدد؟
- إنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر.. أول مشروع من النفايات (إنفوغرافيك)
اقرأ أيضًا..
- إيرادات السعودية من بيع النفط تقفز 90% في 3 أشهر (إنفوغرافيك)
- الطلب على وحدات الطاقة الشمسية عالميًا يصطدم بأزمة المعروض في 2022