أمن الطاقة أم انتقالها؟.. الهند تحسم موقفها
اهتمام مودي بانتقال الطاقة يتراجع أمام أزمة توفير الإمدادات
مي مجدي
- تناقضات في سياسات الحكومة الهندية بعد مطالبها بزيادة استيراد الفحم خلال السنوات المقبلة.
- الهند ستكون المحرك الرئيس للطلب على الطاقة خلال السنوات المقبلة.
- السياسة تُجبر مودي على إجراءاته لجذب الناخبين في الانتخابات المقبلة.
- ارتفاع توليد الكهرباء من الفحم بنسبة 9.5%.. وخطط زيادة حصة الغاز في مزيج الطاقة معلقة.
- الهند تفشل في تحقيق أهدافها المرحلية لزيادة قدرات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
- حجم إنفاق 14 شركة مملوكة للدولة على مشروعات الوقود الأحفوري أعلى 11 مرة من مشروعات الطاقة المتجددة.
مع تزايد التقلبات في الأسواق العالمية والجغرافيا السياسية للطاقة، بات أمن الطاقة وتوفير الإمدادات دون انقطاع الشغل الشاغل للحكومات في جميع أنحاء العالم.
ورغم الزخم الكبير لمشروعات الطاقة المتجددة في الهند، ما زال أمامها طريق طويل لتقطعه لتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري، خاصة الفحم.
ومن ثَم تُظهر القرارات الأخيرة التي اتخذتها حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن أمن الطاقة هو محور السياسة الوطنية في الوقت الراهن، وليس انتقال الطاقة، حسب تقرير نشره موقع إنرجي إنتليجنس (Energy Intelligence).
وفي ظل المستجدات الراهنة، يبقى مستقبل الطاقة في الهند، وقدرتها على خفض الانبعاثات، وتحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول 2070، موضع تساؤلات، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
كيف تراجع انتقال الطاقة من الصدارة مقابل أمنها؟
لمحاربة تزايد الطلب على الكهرباء وضمان أمن الطاقة وسط موجة الحر الشديدة، طالبت الحكومة محطات الكهرباء بمضاعفة واردات الفحم على مدى السنوات الـ3 المقبلة؛ لضمان توفير الوقود الرخيص، وهو تناقض صارخ مع الموقف الذي اتخذته قبل عامين، عندما استهدفت إلغاء واردات الفحم بحلول السنة المالية 2023-2024.
واضطرت الهند إلى تخفيف بعض القوانين الداعمة للطاقة الخضراء، للسماح لبعض مناجم الفحم برفع الإنتاج دون السعي للحصول على الموافقات البيئية.
كما استخدمت قانونًا للطوارئ لدفع بعض محطات الكهرباء المعطلة التي تعمل بالفحم -التي أُغلقت بسبب ارتفاع أسعار الفحم أو الأزمات المالية- لبدء توليد الكهرباء مرة أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، أقرت إلغاء رسوم استيراد الفحم؛ لتعزيز الواردات على الرغم من ارتفاع الأسعار.
وفي الوقت نفسه، لم تتمكن شركات بيع الوقود بالتجزئة المملوكة للدولة من تعديل الأسعار منذ 7 أبريل/نيسان، وتواصل تكبد الخسائر، بحسب ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وخلال الشهر الماضي، خفّضت حكومة مودي الرسوم الضريبية على البنزين والديزل للحد من أسعار الوقود التي ارتفعت إلى مستويات قياسية، وهي خطوة ستعزز الطلب، ومن ثم سيرتفع التلوث الناجم عن المركبات.
وخلال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أكد وزير النفط الهندي، هارديب سينغ بوري، أن ثالث أكبر مصدر للغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم سيواصل اعتماده على حرق الوقود الأحفوري؛ لتلبية احتياجاته وضمان أمن الطاقة في المستقبل.
وخلال عامي 2020 و2040، ستكون الهند المحرك الرئيس للطلب على الطاقة، وستمثل ربع النمو العالمي، ولن يكون في وسعها قطع الإمدادات عن 1.3 مليار شخص.
أولويات سياسية أم اقتصادية؟
تؤدي الأولويات السياسية -وليست الاقتصادية- دورًا مهمًا في نهج مودي المتعلق بقطاع الطاقة.
وفي العام المقبل، سيواجه حزبه بهاراتيا جاناتا انتخابات حكومية إقليمية في 7 ولايات، تليها انتخابات عامة في عام 2024، وسيكون توفير الوقود الرخيص عاملًا أساسيًا لجذب الناخبين.
في غضون ذلك، فوجئ البعض بتجاهل الهند انتقال الطاقة بعدما شهدت نيودلهي وإسلام آباد موجة حر شديدة أودت بحياة 90 شخصًا على الأقل، وأسفرت عن أزمة غذائية عالمية مع تراجع محصول القمح، إلى جانب انقطاع التيار الكهربائي.
وكشف تقرير -صادر الشهر الماضي- عن أن هذه الموجة ناجمة عن الأنشطة البشرية المسببة لتغير المناخ.
وكان من المتوقع أن تدفع هذه الأزمة -إلى جانب الارتفاع الحاد في أسعار الفحم والنفط والغاز الطبيعي المسال- حكومة مودي إلى مضاعفة الاستثمارات منخفضة الكربون.
أهمية الوقود الأحفوري للهند
تعتمد الهند على الوقود الأحفوري؛ إذ تُعَد ثاني أكبر مستورد للفحم في العالم، وثالث أكبر مستورد للنفط، ورابع أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال.
ومع ذلك؛ ليست هي الدولة الوحيدة التي تخطط لزيادة الاستثمارات؛ فالولايات المتحدة والدول الأوروبية تتسابق للبحث عن إمدادات بديلة وسط التقلبات في الأسواق الناجمة عن غزو روسيا لأوكرانيا.
ويتصاعد توليد الكهرباء من الفحم في الهند، وارتفع بنسبة 9.5% في السنة المالية المنتهية في 31 مارس/آذار إلى 1041 تيراواط/ساعة، وهو أسرع معدل نمو منذ تولي مودي السلطة في عام 2014.
والأمر المفاجئ أن مودي لم يتخذ أي إجراء لزيادة حصة الغاز في مزيج الطاقة من 6.7% إلى 15% بحلول 2030، وإحياء محطات توليد الكهرباء العاملة بالغاز.
وتقلص توليد الكهرباء من الغاز بنسبة 29% على أساس سنوي في السنة المالية المنتهية في 31 مارس/آذار.
عقبات تواجه الطاقة المتجددة
يأتي تزايد اعتماد الهند على الفحم في وقت تتراجع فيه عن أهدافها الطموحة لزيادة قدرات الطاقة المتجددة.
وفشلت الدولة الواقعة في جنوب آسيا في تحقيق هدف مرحلي يتمثل في زيادة قدرة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى 175 غيغاواط بحلول مارس/آذار 2022، وكانت النتيجة الفعلية 110 غيغاواط فقط.
وكشف أحدث تقرير صادر عن مركز "كلايمت ريسك هوريزونس" -ومقره بنغالور- عن أن تحقيق أهداف الطاقة المتجددة لعام 2022 كان من الممكن أن يساعد في تفادي أزمة الكهرباء الأخيرة بالبلاد.
في الوقت نفسه، تعتمد سياسة انتقال الطاقة لرئيس الوزراء الهندي على زيادة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى 450 غيغاواط بحلول عام 2030، ويعني ذلك إضافة 42.5 غيغاواط سنويًا.
ومع ذلك، تبلغ الإضافات الفعلية 15.4 غيغاواط فقط في العام المنتهي 31 مارس/آذار، ويمكن لسياسات مودي أن تعرقل هذه المعدلات -أيضًا-؛ فالهند تستورد المعدات الرخيصة من الصين لتطوير محطات الطاقة الشمسية، لكن الحكومة فرضت رسومًا جمركية بنسبة 40% على واردات الألواح الضوئية، وضريبة استيراد بنسبة 25% على الخلايا الشمسية، بدءًا من أبريل/نيسان؛ لتعزيز التصنيع المحلي.
وخلال الشهر الماضي، توقع تقرير -صادر عن مؤسسة "جيه إم كيه ريسيرش" ومعهد اقتصادات الطاقة والتحليل المالي- أن يسفر ارتفاع أسعار السلع الأساسية وفرض رسوم جديدة على وحدات الطاقة الشمسية إلى زيادة التعرفة الجمركية على الطاقة الشمسية بأكثر من الخمس خلال العام المقبل.
كما أن التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة مهدد بالخطر بعدما أصدرت المحكمة العليا، العام الماضي، أمرًا بتطوير خطوط كهرباء عالية الجهد تحت الأرض في ولايتي غوجارات وراجستان الغنيتين بالطاقة المتجددة؛ للحفاظ على طائر الحبارى الهندي العملاق المهدد بالانقراض؛ إذ تلقى بعض الطيور حتفها عند تشابكها في الأسلاك.
تدفق الاستثمارات
في المقابل، تجذب مشروعات الوقود الأحفوري أغلب الاستثمارات في الهند، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتبيّن إحصاءات المعهد الدولي للتنمية المستدامة -ومقره كندا- أن الإنفاق الرأسمالي على مشروعات الوقود الأحفوري لـ14 شركة طاقة مملوكة للدولة أعلى 11 مرة من مشروعات الطاقة النظيفة.
كما أن إنفاق المؤسسات المالية العامة على مشروعات الوقود الأحفوري أعلى 3 أضعاف من مشروعات الطاقة المتجددة في السنة المالية المنتهية في مارس/آذار 2021.
وعلى الرغم من الاعتماد على الفحم؛ ما زالت وزارة الكهرباء تأمل في أن تلحق الطاقة المتجددة بالركب.
وأشارت تقارير محلية إلى أن وزارة الكهرباء تخطط لتقليل توليد الكهرباء من 81 محطة تعمل بالفحم على الأقل بحلول مارس/آذار 2026 مع بدء تشغيل المزيد من محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
ومع ذلك، ليست لديها خطط لإغلاق هذه المحطات؛ ما يعني أنه يمكن العودة إلى الفحم في حال حدوث أي أزمة في المستقبل.
اقرأ أيضًا..
- مستثمرون: سعر الهيدروجين الأخضر العقبة الرئيسة لتوسع إنتاجه في أوروبا
- الجفاف قد يخفض توليد الطاقة الكهرومائية في كاليفورنيا 48% هذا الصيف
- أسبوع باكو للطاقة يسلط الضوء على دور الغاز الطبيعي في أمن الطاقة (صور)