ازدهار استخراج النفط والغاز في أميركا ينذر بكارثة مناخية عالمية
مشروعات النفط المزمعة في الولايات المتحدة ستطلق 140 مليار طن من الانبعاثات
نوار صبح
- تستعد الولايات المتحدة لاستخراج أنواع من الوقود الأحفوري بكميات كبيرة.
- الولايات المتحدة ستؤدي دورًا كبيرًا في موجات الحر والجفاف في جميع أنحاء الكوكب.
- حوض برميان يُعَد مكان استقطاب الكثير من استثمارات التنقيب عن النفط الصخري.
- أدى الافتقار إلى التنظيم الفيدرالي إلى الانتشار السريع لآبار التكسير في المناطق السكنية.
- ارتفاع معدلات عيوب القلب الخَلْقية والولادات المبكرة في الأحياء القريبة من مواقع التكسير.
- توقعات بوصول إنتاجية الآبار الجديدة في برميان إلى مستوى قياسي في عام 2022.
- لدى العالم الآن بدائل رخيصة متاحة في شكل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
كشف تحليل جديد مشترك بين معهد سياسة الطاقة بجامعة شيكاغو الأميركية وصحيفة الغارديان البريطانية، عن أن الموافقة على خطط استخراج النفط والغاز في أميركا يمكن أن تؤدي إلى إطلاق 140 مليار طن متري من غازات الاحتباس الحراري.
وأشار التحليل إلى أن مصير الكميات الهائلة من النفط والغاز الموجودة تحت الصخر النفطي والطين والحجر الرملي لحقول الحفر الأميركية سيحدد إلى حد كبير مدى احتفاظ العالم بمناخ مناسب للعيش.
وتستعد الولايات المتحدة، أكبر مستخرج للنفط في العالم، لاستخراج هذه الأنواع من الوقود الأحفوري بكميات كبيرة، وفقًا لمقال بعنوان "ازدهار التكسير المائي (الهيدروليكي) في الولايات المتحدة قد يدفع العالم إلى حافة كارثة مناخية"، نشرته صحيفة الغارديان مؤخرًا.
وأشار كاتبا المقال نينا لاخاني وأوليفر ميلمان إلى أن الدراسة التحليلية، التي ستنشرها مجلة إنرجي بوليسي هذا الشهر، وجدت أن انبعاثات مشروعات النفط والغاز في أميركا (قنبلة الكربون) هذه كانت أكبر بـ4 أضعاف من جميع غازات الاحتباس الحراري التي تنطلق على مستوى العالم سنويًا.
عمليات الحفر والتكسير الهيدروليكي
تشمل خطط استخراج النفط والغاز في أميركا عمليات حفر وتكسير تقليدية تمتد من المياه العميقة لخليج المكسيك إلى سفوح سلسلة جبال فرونت رينج في كولورادو ومنطقة جبال الأبلاش.
وتتركز العمليات في حوض برميان، وهو تكوين جيولوجي بعرض 250 ميلًا (402 كيلومتر) يقع تحت التضاريس المسطحة في الغالب في غرب ولايتيْ تكساس ونيو مكسيكو.
يُتوقع أن ينتج جزء واحد من هذا التكوين، المعروف باسم حوض ديلاوير، 27.8 مليار طن متري من الكربون خلال مدة الحفر المخطط لها، بينما يُحتمل أن يطلق فرع آخر، يُعرف باسم حوض ميدلاند، 16.6 مليار طن من الانبعاثات.
وهذا يعني أن الولايات المتحدة، مركز إدمان العالم على النفط والغاز، ستؤدي دورًا كبيرًا في موجات الحر والجفاف والفيضانات التي ستؤثر في الناس في جميع أنحاء الكوكب.
- تغيّر المناخ.. 3 عجائب طبيعية مهددة بالاختفاء (تقرير)
- شركات النفط والغاز في أميركا وكندا تواجه أزمة جديدة لزيادة الإنتاج
وقال المدير التنفيذي لمعهد سياسة الطاقة بجامعة شيكاغو، سام أوري، إن حوض برميان هو المكان الذي ستذهب إليه الكثير من استثمارات التنقيب عن النفط الصخري، وستتوسع الشركات في استخراج النفط من الحوض.
وأوضح أنه من الصعب التفكير في توقّف عمليات الحفر في حوض برميان لعقود مقبلة؛ نظرًا للأرباح المتوقعة وانتعاش سوق النفط.
وتوسع استخراج النفط والغاز في أميركا من خلال الأساليب غير التقليدية مثل التكسير السريع في جميع أنحاء الولايات المتحدة على مدى العقدين الماضيين؛ إذ يعيش ما لا يقل عن 17.6 مليون شخص على بُعد نحو نصف ميل (كيلومتر واحد) من بئر نشط.
نتيجة لذلك، سيكون التوسع الإضافي كارثيًا بالنسبة لتغير المناخ، ويشكل تهديدًا متزايدًا لصحة ورفاهية العائلات والمجتمعات التي تعيش بالقرب من مواقع الحفر، حسبما نشرت صحيفة الغارديان في 11 مايو/أيار الجاري.
وتُعَد ولاية كولورادو خامس أكبر منتج للنفط في البلاد؛ حيث يأتي 90% من مقاطعة واحدة فقط: هي ويلد؛ إذ أدى الافتقار إلى التنظيم الفيدرالي إلى الانتشار السريع لآبار التكسير في المناطق السكنية القريبة من المنازل والمدارس والمستشفيات ومراكز التسوق.
وقالت المحامية المساعدة راكيل فينيغاس، 34 عامًا، التي تصطحب أطفالها لمدرسة بيلا روميرو؛ حيث تعمل 11 بئرًا للتكسير على بُعد 210 أمتار من باحة المدرسة، إن آبار التكسير هنا مثل الأشجار، من الطبيعي أن نرى واحدة في كل مبنى.
زيادة الإنتاج ومستويات التلوث
بالمقارنة مع الحفر التقليدي، يرتبط التكسير المائي (الهيدروليكي) بمستويات مرتفعة من التعرض لملوثات الهواء السامة ونوعية المياه الرديئة، فضلًا عن الضوضاء غير الصحية والتلوث الضوئي.
في المقابل، كشف العديد من الدراسات عن ارتفاع معدلات عيوب القلب الخَلْقية، وسرطان الدم لدى الأطفال، والربو، والولادات المبكرة في الأحياء القريبة من مواقع التكسير، في حين أن كبار السن الذين يعيشون بالقرب من الريح أو في اتجاه الريح هم أكثر عرضة للوفاة المبكرة.
ومع ذلك، فإن عشرات الآلاف من آبار النفط، التي استخرجت أكثر من ثلث إنتاج النفط الأميركي، تنتشر في حوض برميان، والإنتاج على وشك التصعيد.
وأعلنت شركة إكسون موبيل الأميركية أنها ستزيد الإنتاج من نهر برميان بمقدار 100 ألف برميل يوميًا هذا العام، بينما سترفع شركة شيفرون الأميركية إنتاجها بمقدار 60 ألف برميل.
ومن المتوقع أن تصل إنتاجية الآبار الجديدة في برميان إلى مستوى قياسي في عام 2022، مع توقع أن تكون العام المقبل علامة فارقة للولايات المتحدة ككل، وهو رقم قياسي يبلغ 12.6 مليون برميل من النفط الخام يُضَخ يوميًا في جميع أنحاء البلاد.
وشهد شهر مارس/آذار الماضي إصدار 904 تصاريح حفر للشركات العاملة في حوض برميان، وفقًا لشركة الاستشارات ريستاد إنرجي، التي قالت إن الموافقة تتم عادة على نحو 400-500 تصريح شهريًا، لكن أسعار النفط المرتفعة والطلب القوي تسبّبا في زيادة غير مسبوقة.
وقال خبير سياسة الطاقة في جامعة تكساس، مايكل ويبر، إن حوض برميان يُعَد واحدًا من أهم المراكز الحيوية في العالم لإنتاج الطاقة.
إنتاج النفط والغاز في أميركا
تُعد ولاية كولورادو الولاية الغربية، ذات المناظر الطبيعية الخلابة للجبال والغابات والأودية، سابع أكبر ولاية منتجة للغاز، وقد مثلت، في عام 2019، ما يقرب من خمسي إنتاج غاز الميثان من طبقة الفحم في البلاد.
ويُستخرج النفط والغاز في أميركا منذ أكثر من قرن من حوض دنفر - جولسبيرغ، الذي يقع بالقرب من أكبر المراكز السكانية في الولاية على الجانب الشرقي من جبال روكي، ومع ذلك، فقد ارتفع الإنتاج بشكل كبير خلال العقدين الماضيين بفضل طفرة التكسير.
وتعرضت كولورادو لحرائق غابات وفيضانات مرتبطة بالاحترار العالمي، في السنوات الأخيرة، ويؤدي انخفاض كتلة الجليد على الجبال إلى تفاقم الجفاف ونقص المياه في جميع أنحاء الغرب الأميركي، وفقًا لما نشرته صحيفة الغارديان في 11 مايو/أيار الجاري.
وتتميز الولاية بواحد من أسوأ أنواع الهواء في البلاد؛ حيث تمثل الانبعاثات الناتجة عن عمليات النفط والغاز 30-40% من الأوزون المنتج محليًا على طول منطقة فرونت رينج، السهول الشرقية لجبال روكي؛ حيث توجد معظم الآبار النشطة في الولاية البالغ عددها 52 ألف بئر.
قبل عامين، جرى الكشف عن مستويات مرتفعة من مادة البنزين المسببة للسرطان في مدرسة بيلا روميرو، التي تضمّ في الغالب أطفالًا سودًا وبنيين من أسر منخفضة الدخل يعانون غالبًا نزيفًا في الأنف وتهيج العيون وأعراضًا تنفسية.
وأعربت المحامية المساعدة راكيلفينيغاس عن قلقها بشأن الوفيات الناجمة عن الكوارث المناخية مثل الحرائق والفيضانات والتعرض لنوبات القلق.
وأدى الخوف والقلق من المخاطر غير المعروفة، بجوار المناطق التي شهدت عمليات حفر مكثفة، إلى جانب الشعور بالعجز الجنسي، إلى مستويات عالية من التوتر والإبلاغ عن اضطرابات الصحة العقلية بما في ذلك الاكتئاب.
وقالت الأستاذة المشاركة في علم الاجتماع بجامعة ولاية كولورادو، ستيفاني مالين، إن عدم اليقين والعجز الذي يشعر به الناس ينطويان على تأثير مدمر.
علاوة على ذلك، كشفت مجموعة من الأطباء هذا العام كيف أخفت الصناعة استخدام مواد بولي فلورو ألكيل -فئة من السموم تُعرف أيضًا باسم المواد الكيميائية دائمة التأثير- في أكثر من 12 ألف بئر من خلال الادعاء بأنها أسرار تجارية.
وبعد سنوات من الحملات التي قام بها النشطاء على مستوى الجمهور، شُدِّدَت اللوائح التنظيمية تدريجيًا.
وفي مارس/آذار، دخلت لجنة الحفاظ على النفط والغاز في ولاية كولورادو التاريخ من خلال رفض تصريحها الأول؛ حيث أوقفت مؤقتًا عرض أكبر شركة لإنتاج النفط في الولاية ببناء 33 بئرًا بالقرب من 62 منزلًا.
وينصّ التشريع الجديد، الذي غيّر مهمة المنظمين في الولاية من تعزيز تنمية النفط والغاز إلى حماية الصحة العامة والسلامة والرفاهية والبيئة، على وجوب إعادة الآبار إلى الخلف بمقدار 2000 قدم (610 أمتار) عن حدود التجمعات السكنية.
ورغم ذلك؛ فقد دُعِيَت الشركة لإعادة تقديم الطلب؛ حيث يمكن منح الاستثناءات، التي يقول النشطاء إنها تضعف التشريع.
جدير بالذكر أن خطة الولاية للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تسمح بزيادة التنقيب عن النفط والغاز بشكل كبير بحلول عام 2030.
حتمية الفوضى المناخية
قال المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، إن "القنابل الكربونية"، التي كُشِفَ عنها في تحقيق صحيفة الغارديان، لن تحل أزمة الطاقة العالمية.
وحذر فاتح بيرول، من الاستثمار في تطويرات كبيرة جديدة للنفط والغاز، التي سيكون لها تأثير ضئيل في أزمة الطاقة الحالية وأسعار الوقود المرتفعة، ولكنها ستلحق الدمار بكوكب الأرض.
جاء ذلك في رد بيرول على تحقيق الغارديان الذي كشف عن أن شركات الوقود الأحفوري كانت تخطط لمشروعات ضخمة لـ"قنبلة الكربون" من شأنها أن تؤدي إلى كارثة مناخية.
ودعا بيرول، الدول إلى السعي لاستبدال النفط والغاز الروسي في المدى القريب دون الإضرار بإمكاناتها على المدى الطويل، حسبما نشرت صحيفة الغارديان البريطانية في 12 مايو/أيار الجاري.
وقال فاتح بيرول إنه يتفهم أن بعض الدول قد تتطلع للحصول على أنواع جديدة من الوقود الأحفوري، لكن يجب أن تتذكر أن الأمر يستغرق سنوات عديدة لبدء الإنتاج، مشيرًا إلى أن مثل هذه المشروعات ليس الحل لاحتياجات أمن الطاقة الملحة، وسوف تقتصر على استخدام الوقود الأحفوري.
وألمح إلى أن الشركات التي تتابع مثل هذه التطورات قد ينتهي بها الأمر بأصول غير اقتصادية متعثرة.
وقال، في مقابلة مع صحيفة الغارديان، إن إخفاق العالم في الانتقال إلى الحياد الكربوني يعني فشل هذه المشروعات في استرداد تكاليف التطوير الأولية.
وبيّن بيرول أن المشروعات الاستكشافية الكبيرة الجديدة للنفط والغاز والفحم ستستغرق سنوات لإنتاج أي وقود ويمكن أن تفاقم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لعقود، مشيرًا إلى أن استخدام المصادر الحالية بشكل أكثر كفاءة سيساعد أيضًا في تقليل الانبعاثات.
وأضاف أنه على عكس صدمات النفط السابقة، مثل تلك التي حدثت في السبعينات؛ فإن لدى العالم الآن بدائل رخيصة متاحة في شكل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، التي انخفضت أسعارها إلى حد كبير.
ودعا الحكومات والشركات إلى بذل المزيد من الجهد من أجل الطاقة المتجددة.
المشروعات الجديدة للنفط والغاز
علاوة على ذلك، نصحت وكالة الطاقة الدولية، منذ عام تقريبًا، بعدم تطوير مشروعات جديدة للغاز أو النفط أو الفحم بدءًا من هذا العام فصاعدًا إذا كان العالم سيحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية.
وتسبب هذا الرأي في حدوث موجات صادمة بين الحكومات في المدة التي سبقت قمة المناخ كوب 26 في غلاسكو خلال نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي؛ حيث اتفق القادة على تقديم الخطط الوطنية بما يتماشى مع حد 1.5 درجة مئوية.
ورغم ذلك، فإن العديد من البلدان، وشركات القطاع الخاص، تجاهلت النصيحة، كما أظهر تحقيق الغارديان في مشروعات الوقود الأحفوري قيد التطوير.
وبيّن تحقيق الغارديان، أن هذه القنابل الكربونية ستقضي على أي أمل في البقاء ضمن عتبة 1.5 درجة مئوية.
وكشفت الصحيفة عن أن ما يقرب من 200 مشروع "للقنابل الكربونية" في طور التخطيط، أو بدأت في الإنتاج، وسيؤدي كل منها إلى ما لا يقل عن مليار طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مدار مدة تشغيلها؛ أي ما يعادل نحو 18 عامًا من الانبعاثات العالمية الحالية.
كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غويتيريس، إلى منع مشروعات الوقود الأحفوري الجديدة، محذرًا من أن التغير المناخي يشكل تهديدًا وجوديًا للعالم بأسره.
وقال في حديثه في مؤتمر صحفي يوم الأربعاء 11 مايو/أيار، إنه يجب على مصادر الانبعاثات الرئيسة خفض الانبعاثات بشكل كبير، بدءًا من الآن، وهذا يعني تسريع نهاية الإدمان على الوقود الأحفوري وتسريع نشر الطاقة المتجددة النظيفة.
رأي الخبراء ومجموعات البيئة
قال خبير الطاقة في المعهد الدولي للتنمية المستدامة، غريغ موتيت، إن الحكومات والشركات غالبًا ما تعاني أحد أشكال التنافر المعرفي، ورغم إدراك مدى إلحاح وشدة التهديد المناخي؛ فإنهم لا يزالون يواصلون تطوير حقول نفط وغاز وفحم جديدة والألغام التي ستؤدي إلى تفاقم المشكلة.
وأوضحت منظمة السلام الأخضر أن تحقيق صحيفة الغارديان كشف عن أن نموذج الأعمال في صناعة الوقود الأحفوري يُعَد مخططًا تفصيليًا لكارثة المناخ.
وقالت عضوة البرلمان عن حزب الخضر في المملكة المتحدة، كارولين لوكاس، ردًا على تحقيق الغارديان: يبدو أن الحكومات عازمة على المضي قدمًا في تدمير الكوكب، مشيرة إلى تكرار التحذيرات لشركات الوقود الأحفوري بإبقاء الوقود في باطن الأرض.
وقال وزير الظل لشؤون التغير المناخي والحياد الكربوني في المملكة المتحدة، إد ميليباند، إنه لا يمكن أن يكون الرد على أزمة الوقود الأحفوري العالمية هو مضاعفة الوقود الأحفوري. ودعا جميع الدول إلى تسريع التحول إلى الطاقة النظيفة.
اقرأ أيضًا..
- شركات الاستكشاف والإنتاج قد تحقق أرباحًا قياسية مع قفزة أسعار النفط (تقرير)
- الطاقة النووية.. كلمة السر في تحقيق استقرار أفريقيا (تقرير)