هل يؤثر ارتفاع أسعار النفط في تحول الطاقة؟ (تقرير)

مع ارتفاع أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل، تتزايد الدعوات إلى اغتنام الفرصة لتسريع الانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة، لكن يبدو أن الأمر ليس بهذه السهولة.

ودفعت أزمة غزو أوكرانيا، وما صاحبها من قفزة في أسعار النفط فوق 110 دولارات للبرميل، أوروبا إلى التحرك السريع نحو نشر مشروعات الطاقة المتجددة، لتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية وتفادي التكلفة المرتفعة.

ورغم ذلك، فإن الأزمة في الوقت نفسه تعزز خطط شركات النفط لزيادة الإنتاج وتحقيق أرباح كبيرة، كما تؤثر سلبًا في إنفاق الحكومات -خاصة الدول المستهلكة- على الطاقة النظيفة.

لذلك، يرى تقرير لوكالة رويترز أن ارتفاع أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل -تقارب حاليًا 130 دولارًا- قد يضر تحول الطاقة أكثر مما يفيده.

تحوّل المستهلكين

من شأن ارتفاع أسعار النفط ومن ثم البنزين والديزل وغيرهما، أن يُسرّع من تحول المستهلكين لاستبدال أجهزة التدفئة التي تعمل بالوقود الأحفوري، وإلى شراء السيارات الكهربائية، خاصة أن الرغبة والحوافز موجودة لخفض الانبعاثات.

وهذا ما تؤكده وكالة الطاقة الدولية أن ارتفاع أسعار النفط يمكن أن تزيد من وتيرة كهربة قطاع النقل مع تسريع التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، التي انخفضت تكاليفها مؤخرًا.

وهذا هو السيناريو الذي حدث عندما اقترب النفط من حاجز 150 دولارًا للبرميل في عام 2008، ما أعطى دفعة لمبيعات السيارات الكهربائية، لتصل حصتها من الإجمالي إلى 9% بنهاية العام الماضي.

ورغم ذلك، مع ارتفاع النفط بأكثر من 50% العام الماضي، ارتفعت حصة سيارات الدفع الرباعي الرياضية، التي تستهلك كثيرًا من الوقود الأحفوري، إلى 45% من مبيعات السيارات العالمية، وفقًا لوكالة الطاقة، ما يعني أن ارتفاع الطلب على هذه السيارات يعوّض التأثير الإيجابي الذي تفعله المركبات الكهربائية في عملية تحول الطاقة.

تعزيز التنقيب عن النفط

الأمر السلبي الآخر لتحول الطاقة، أن صعود أسعار النفط يعزز التنقيب عن الوقود الأحفوري، مع اندفاع الشركات إلى الاستفادة من زيادة الأسعار، ما يجعل النفط وفيرًا وبأسعار معقولة مرة أخرى، ولا تتمكن تقنيات الطاقة المتجددة من منافسته.

وهكذا، تستمر دائرة الكساد والازدهار لأسعار النفط في عرقلة تحول الطاقة؛ فالأسعار المرتفعة وحتى إن تجاوزت 100 دولار للبرميل كما هي الآن، لا تحفز الطاقة المتجددة أكثر بقدر ما تعزز الاستثمار في التنقيب عن النفط والغاز، ما يؤدي بدوره إلى انخفاض الأسعار، ومن ثم زيادة الطلب على الوقود الأحفوري.

وفي الولايات المتحدة -على سبيل المثال- فإن إنتاج النفط في طريقه للزيادة إلى مستوى قياسي جديد عند 12.41 مليون برميل يوميًا العام المقبل، قبل أن يبلغ ذروته عند 13.88 مليونًا بحلول عام 2034، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.

ومع النظر إلى أن 65% من احتياطيات النفط عالميًا تسيطر عليها شركات النفط الوطنية المملوكة كليًا أو جزئيًا للدولة، فإن أسعار النفط المرتفعة تعزز التغلغل في الوقود الأحفوري، خاصة في الدول الأقل تكلفة في الإنتاج، مثل السعودية وروسيا وإيران والعراق، بحسب وكالة رويترز.

ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، باشا ماهدافي -وفق ما نقله تقرير رويترز- أن الأسعار المرتفعة تعزز فكرة أن شركات النفط الوطنية تستطيع النجاة من تحول الطاقة، بدلًا من العمل على الانتقال بعيدًا عن النفط إلى الطاقة النظيفة.

مخاطر أخرى على تحول الطاقة

ارتفاع أسعار النفط قد لا يؤثر -فقط- في سياسات الدول المنتجة نحو تحول الطاقة، لكنه يخاطر بإحراز تقدم في البلدان النامية أو المستهلكة عمومًا فيما يتعلق بالطاقة المتجددة، لأن تكاليف الوقود المرتفعة تعني زيادة كل شيء من الغذاء إلى النقل؛ ما يؤثر في الإنفاق على الطاقة النظيفة، بحسب تقرير لوكالة بلومبرغ.

ورأينا المطالبات المستمرة من الولايات المتحدة، التي تهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050، لمنظمة أوبك من أجل ضخ المزيد من النفط، لمواجهة ارتفاع أسعار البنزين.

كما أن التقلبات في أسعار النفط تؤثر في المنافسة المتعلقة بمشروعات الطاقة النظيفة، والأكثر من ذلك، ما يراه رئيس أبحاث السلع في سيتي غروب، إد مورس، أن تقلب الأسعار سيصبح هو القاعدة، داعيًا الحكومات إلى التدخل لإبقاء الأسعار تحت السيطرة حتى لا تتضرر خطط مشروعات التقنيات المتجددة، بحسب ما نقلته بلومبرغ.

ليس هذا فحسب، وإنما ارتفاع النفط قد يؤدي إلى تسارع التضخم؛ ما قد يدفع البنوك المركزية إلى رفع معدلات الفائدة، وهذا يرفع تكلفة رأس المال للجميع، بما في ذلك شركات الطاقة المتجددة، التي يتعين عليها دفع المزيد إلى الاقتراض لتغطية التكاليف الأولية المرتفعة لبناء محطات طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

ورغم ذلك، فإن الأمر الإيجابي هنا أن زيادة أسعار النفط تعني أرباحًا ضخمة لشركات الطاقة، ومن ثم تكون لديها القدرة على تعزيز مشروعات الطاقة المتجددة.

وعلى سبيل المثال، في سبتمبر/أيلول 2021، أعلنت توتال إنرجي أنها ستستفيد من أسعار النفط المرتفعة لإعادة شراء 1.5 مليار دولار من الأسهم لتعزيز الاستثمار في الطاقة المتجددة.

بينما أعلنت شركة بي بي، خلال فبراير/شباط الماضي، أنها ستزيد الإنفاق على الطاقة منخفضة الكربون إلى 40% من إجمالي الإنفاق بحلول عام 2025 و50% بنهاية القرن الحالي، بعد أن حققت أعلى ربح سنوي منذ 8 سنوات عند 12.8 مليار دولار.

موضوعات متعلقة..

• ارتفاع أسعار النفط.. نقمة أم نعمة لمستثمري الوقود الأحفوري؟
• تحول الطاقة.. رياح معاكسة تواجه طموحات شركات الطاقة المتجددة (تقرير)

اقرأ أيضًا..

• الربط الكهربائي بين مصر والسودان.. بوابة القاهرة لأفريقيا وحل لأزمة الخرطوم (إنفوغرافيك)
• الميثان الأخضر.. هل يصبح الطريقة الأقل تكلفة لإنتاج الهيدروجين المتجدد؟