خلافات مالية تهدد صفقة توتال الضخمة في العراق
استثمارات الـ27 مليار دولار في مهب شروط الحكومة الجديدة
في بداية سبتمبر/أيلول الماضي، وقّعت وزارة النفط العراقية اتفاقًا مع شركة توتال إنرجي الفرنسية، يتضمن استثمارات بقيمة 27 مليار دولار في 4 مشروعات عملاقة، إلا أن الصفقة مهددة بالتوقف بسبب خلافات حول العقد، حسبما كشفت مصادر لوكالة رويترز، اليوم الإثنين.
العقد الذي تعوّل عليه بغداد في جني أرباح بنحو 50 مليار دولار، يأتي بالتزامن مع خروج عدد من شركات النفط الكبرى من البلاد، في مقدمتها إكسون موبيل الأميركية، وسط خلافات حول الشروط والمخاطر التي ألغتها الحكومة الجديدة في البلاد.
وكافح العراق لجذب استثمارات كبيرة جديدة إلى صناعة الطاقة منذ توقيع سلسلة من الصفقات التي أعقبت الغزو الأميركي منذ أكثر من عقد؛ إذ خفّضت الحكومة أهداف إنتاج النفط بشكل متكرر مع مغادرة شركات النفط الدولية التي وقّعت تلك الصفقات الأولية بسبب ضعف العائدات من اتفاقيات تقاسم الإيرادات.
واتفقت توتال، العام الماضي، على الاستثمار في 4 مشروعات للنفط والغاز والطاقة المتجددة في منطقة البصرة الجنوبية على مدى 25 عامًا، وهو الاتفاق الذي وقّعته وزارة النفط العراقية بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
مشروعات توتال في العراق
العقد الذي وقّعته وزارة النفط مع شركة توتال يتضمّن 4 مشروعات عملاقة، ويتوقع العراق منه تحقيق أرباح خلال مدة العقد تصل إلى 95 مليار دولار، باحتساب سعر برميل النفط عند 50 دولارًا.
ويستهدف المشروع الأول تطوير حقل أرطاوي النفطي، البالغ إنتاجه المتاح 85 ألف برميل يوميًا، إلى ذروة إنتاج تصل إلى 210 آلاف برميل يوميًا، وإدخال التكنولوجيا الحديثة، وتدريب الفرق الفنية العراقية، وتوفير فرص عمل للمواطنين.
في حين يتضمّن المشروع الثاني إنشاء مجمّع غاز أرطاوي بسعة 600 مليون قدم مربعة قياسية، بغرض استثمار حرق الغاز من حقول النفط؛ ما يؤدي إلى تقليل استيراد الغاز من دول الجوار، وإنتاج كمية مكثفات تُقدَّر بـ12 ألف برميل يوميًا، وإنتاج كمية من الغاز المسال تُقدَّر بـ3 آلاف طن يوميًا للسوق المحلية.
كما يستهدف المشروع الثالث تجهیز ماء البحر المشترك -باستثناء جزء من شبكة الأنابيب بطاقة 5 ملايين برميل ماء يوميًا- في المحطة المعالجة وبطاقة تصميمية قدرها 7.5 مليون برميل مياه يوميًا.
ويتضمّن المشروع الرابع إنشاء محطة توليد طاقة كهربائية تعتمد على الطاقة الشمسية؛ لإنتاج كهرباء بتكلفة أقلّ من 45% من تكلفة الإنتاج من المحطات الحالية، وبقدرة إجمالية تصل إلى 1000 میغاواط.
التفاصيل المالية
منذ توقيع، لم تتوصل وزارة النفط العراقية إلى اتفاق بشأن التفاصيل المالية للصفقة مع جميع الإدارات الحكومية التي كانت بحاجة إلى الموافقة عليها، حسبما أفادت 3 مصادر في وزارة النفط العراقية ومصادر صناعية مشاركة أو مطلعة على المفاوضات، وأنها غارقة في الخلافات منذ ذلك الحين، وفق رويترز.
وبعد الانتخابات البرلمانية، يحتاج الاتفاق الآن إلى موافقة الحكومة العراقية الجديدة، بما في ذلك وزيرا النفط والمالية الجديدان، خاصة أن الوزيرين الحاليين لن يكونا في منصبيهما حتى نهاية مارس/آذار على الأقل.
وقالت شركة توتال إنرجي إنها تتقدم نحو إبرام الصفقة، لكنها أضافت أن "الاتفاقات تظل خاضعة لشروط يتعين على الجانبين الوفاء بها ورفعها".
وأثارت الشروط، التي لم تُعلن أو يُبلغ عنها سابقًا، مخاوف السياسيين العراقيين، ووفقًا لمصادر قريبة من الصفقة؛ فهي غير مسبوقة بالنسبة للعراق.
ملاحظات نيابية
كتبت مجموعة من النواب الشيعة إلى وزارة النفط في يناير/كانون الثاني للمطالبة بتفاصيل الاتفاق والسؤال عن سبب توقيعه دون منافسة وشفافية، وفقًا لنسخة من الخطاب اطلعت عليها رويترز.
وقالت المصادر لوكالة رويترز إن البرلمان قد يجبر وزارة النفط على مراجعة الصفقة أو إلغائها.
وبموجب مسودة الشروط، تعتزم توتال استثمارات 10 مليارات دولار لتمويل المشروع الأوسع من خلال مبيعات النفط من حقل أرطاوي النفطي، وهو أحد 4 مشروعات في الاتفاقية الأوسع، وفقًا للمصادر.
ويضخ حقل أرطاوي 85 ألف برميل من النفط يوميًا، وبدلًا من أن تحصل توتال على حصتها، تذهب العائدات إلى خزائن الحكومة.
قالت مصادر نفطية عراقية مشاركة في المفاوضات إنه من المقرر أن تحصل توتال على 40% من عائدات مبيعات نفط أرطاوي، وهذا أقل من 10-15% كان من الممكن أن يحصل عليها المستثمرون من المشروعات السابقة من خلال عقود الخدمات الفنية العراقية.
ويجادل مسؤولو وزارة النفط العراقية بأن البلاد بحاجة إلى أن تكون قادرة على المنافسة مع الدول الأخرى المنتجة للطاقة لجذب كبار المستثمرين مثل توتال.
وقال مسؤول كبير في وزارة النفط: "نحن بحاجة إلى تقديم المزيد من الحوافز".
مخاوف توتال
توتال لديها مخاوف أيضًا بشأن الصفقة؛ إذ رفضت الشركة الفرنسية أن تكون شركة النفط الوطنية العراقية شريكًا لها في المشروع؛ الأمر الذي يؤخّر أيضًا إتمام الصفقة، وفقًا للمصدرين.
وتُعَد شركة النفط الوطنية العراقية المعاد تشكيلها، والتي أُنشِئَت لمحاكاة شركات مثل أرامكو السعودية العملاقة، لكن وضعها القانوني لم يُوَضَّح بالكامل من قبل الحكومة العراقية الجديدة والبرلمان؛ ما يمثل خطرًا على شركة توتال.
ونمت الطاقة الإنتاجية للنفط في العراق من 3 ملايين إلى نحو 5 ملايين برميل يوميًا في السنوات الأخيرة، لكن خروج شركات نفطية كبرى مثل إكسون موبيل وشل من عدد من المشروعات بسبب ضعف العائدات يعني أن النمو المستقبلي غير مؤكد.
كما تباطأت التطورات بسبب تزايد تركيز المستثمرين على المعايير البيئية والاجتماعية ومعايير الحوكمة؛ إذ كان العراق، في وقت من الأوقات، يستهدف أن يصبح منافسًا للسعودية، أكبر منتج عالمي، بإنتاج يبلغ 12 مليون برميل يوميًا أو أكثر من عُشر الطلب العالمي.
الموقف العراقي
من جانبها، رفضت وزارة النفط العراقية طلبًا أرسلته "الطاقة" للتعليق.
وكانت الوزارة قد أصدرت بيانات مؤخرًا ترد فيها على عدد من الملاحظات حول الاتفاق مع توتال، موضحة أن الشركة الفرنسية عملت منذ عدة سنوات على تقديم الدعم التقني العالي للصناعة النفطية العراقية، وكانت الرائدة في مجال تقديم دراسات تطوير الحقول النفطية العملاقة في العراق خلال الأعوام الـ30 الماضية.
وأوضحت وزارة النفط، في بيانها السابق، أن توتال تقدمت مع شركة لوك أويل، عام 2018، بدراسات لجمع وتكرير الغاز المحترق في المنطقة الجنوبية، ولم يتم المضي في المشروع بسبب الظروف السياسية للبلاد، وفي عام 2020، قدمت توتال مقترحاتها لبناء منشآت الغاز في الجنوب العراقي المحترق منذ عشرات السنين.
وقالت الوزارة: "قد جرى العمل في عدة ورش تفصيلية بمشاركة شركات الوزارة المعنية ودوائر مركز الوزارة وعدد من المستشارين الدوليين وعرض الموضوع على مجلس الوزراء الذي أصدر قراره المرقم (244) لسنة 2021 ونص على أن تتعاقد شركتا نفط البصرة وشركة غاز الجنوب مع شركة توتال؛ لغرض تنفيذ مشروع الغاز المتكامل (المقصود 4 مشروعات) والحصول على موافقته على استكمال جولات النقاش التي أنتجت الاتفاق مع توتال على مجموعة مشروعات من شأنها إتمام حلقات الصناعة النفطية ومعالجة نقاط الضعف التي منعت العراق من أخذ دوره باعتباره أحد أهم صناع الطاقة في العالم".
وأشارت وزارة النفط العراقية إلى أن نتائج المفاوضات النهائية وكل التفاصيل عُرِضَت على مجلس الوزراء والحصول على موافقته للتوقيع الأولي، بعدها صدر قرار مجلس الوزراء المرقم (307) لعام 2021 بالموافقة على تولي شركة غاز الجنوب ونفط البصرة مع شركة توتال الفرنسية للمشروعات، والمضي بالمشروع للنتائج التنموية العظيمة التي يمثلها هذا المشروع.
أوضحت الوزارة أن مشروع تطوير حقل أرطاوي جاء وفق صيغة عقود جولة التراخيص الخامسة "المشاركة في الربح"، ويُعَد من الخطوات الرائدة لتطوير الصناعة النفطية والغازية في العراق.
وأكدت أن شركة النفط الوطنية حصلت على موافقة مجلس الوزراء وفق القرار (361) لسنة 2021 بمساهمة وزارة النفط في مشروع تطوير البنى التحتية الذي أُحِيلَ بعهدة شركة توتال وبنسبة لا تقل عن 40%، على أن تسترد المبالغ من الأموال المتحققة من تصدير النفط للمساهمة بنسبة 40% من حصة شركة توتال البالغة 100%؛ ما يعظم الإيرادات المالية للشريك الوطني.
موضوعات متعلقة..
- توتال تستثمر 27 مليار دولار بـ 4 مشروعات ضخمة في العراق
- تحديث - وزارة النفط العراقية تتوقع 50 مليار دولار أرباحًا من اتفاقها مع توتال
- وزارة النفط العراقية تكشف عن عدة حقائق حول مشروعات الغاز في 3 حقول
اقرأ أيضًا..
- حقول النفط البرية.. أصول بتروبراس المتعثرة تفتح شهية المستثمرين على جني الأرباح
- الغاز الإيراني.. وفد عراقي يطير إلى طهران لبحث استعادة الإمدادات وجدولة الديون