سيناريو غزو أوكرانيا.. هل تملك أوروبا فرصة التخلي عن غاز روسيا؟
وحدة أبحاث الطاقة - أحمد الكومي
بموجب سيناريو غزو أوكرانيا، وجدت أوروبا نفسها فجأة في قلب كابوس لطالما خشيت من تحوّله إلى واقع؛ إذ أضحى الغاز الروسي المهم لتدفئتها وإمدادها بالكهرباء في مهب رياح الحرب والعقوبات.
وأصبحت القارّة العجوز ملزمة بالردّ على التساؤل الذي هربت من الإجابة عليه مرارًا: هل بوسعنا حقًا أن نتخلى عن الغاز الروسي حال تحقيق سيناريو غزو أوكرانيا، أم أن الأمر لا يتعدى أوهامًا أميركية تخشى تمدّد نفوذ الكرملين؟
وتتشابك تعقيدات ملف الطاقة في أوروبا بين طموحات السياسة وضرورات الاقتصاد، ويبدو أن الوقت قد حان لفكّ تشابكات هذا الملف بعد تصاعد التوتر على الحدود الروسية الأوكرانية، وتهديد واشنطن بعقوبات قد تؤدي عمليًا إلى حرمان أوروبا من غاز موسكو.
هل تملك أوروبا البدائل؟
تتطلب الإجابة على هذا السؤال إيضاحًا لنقطة مهمة، وهي أننا عندما نتحدث عن أوروبا فالحديث مجازي؛ لأن وضع الطاقة يختلف من دولة لأخرى على امتداد القارّة، وفق تحليل نشره مجلس العلاقات الخارجية (CFR)، وهو منظمة بحثية أميركية مستقلة.
فعلى سبيل المثال، تصنّف ألمانيا من أحد أكثر المتضررين من الأزمة حال اندلاعها؛ إذ تعتمد الدولة الصناعية العظمى على الدب الروسي لتدبير ما يزيد عن 50% من استهلاك الغاز الطبيعي وأكثر من 30% من إمداداتها النفطية.
ويتغير الوضع بالنسبة لدول مثل، البرتغال وإسبانيا اللتين تعتمدان -بشكل أقلّ كثيرًا- على الطاقة القادمة من الروسية.
وفي المقابل، تبدو فرنسا أكثر استقلالاً؛ إذ تحصل على معظم احتياجاتها من الكهرباء عبر الطاقة النووية، وإن كانت -أيضًا- تبقى معتمدة على الوقود الأحفوري المستورد من روسيا.
كيف يمكن لأوروبا تدبير طاقتها؟
يعدّ الغاز المسال مفتاح الحل الرئيس المطروح حاليًا، على صعيد الحلول الخارجية، وفق تحليل مجلس العلاقات الخارجية.
ويوفر هذا الحل آلية عملية بعيدًا عن أنابيب الغاز القادمة من روسيا (نورد ستريم 1 و2)؛ إذ يتيح للسفن تحميل الغاز المسال من دول المصدر إلى بعض مرافئ أوروبا قبل ضخّه إلى المستهلكين.
وتعمل واشنطن بجدّ على هذا الحل، عبر محاولة إقناع بعض كبار منتجي الغاز الطبيعي في العالم، فضلًا عن التجّار، على إعادة توجيه بعض شحنات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا.
ويبدو الحل ممكنًا عمليًا، خاصة في ظل تجربة مشابهة، وإن كانت على نطاق أضيق عندما زُوِّدَت اليابان بالغاز المسال لتعويض الطاقة النووية المفقودة إبان كارثة فوكوشيما.
أمّا على صعيد الحلول الداخلية، فهناك تصورات تنحصر في قيام دول أوروبا بتعديل مزيج الطاقة المتّبع لديها، عبر زيادة الاعتماد على الفحم أو مصادر أخرى، كما يشير التحليل.
ويبدو هذا الحل الأخير محبطًا بشكل خاص لألمانيا، التي تسير بإصرار نحو تقليل اعتمادها على الطاقة النووية والفحم لصالح الغاز الطبيعي، فضلًا عن انخراطها الكبير في مشروع نورد ستريم 2.
ويعدّ نورد ستريم 2 بمثابة مشروع أنابيب نفطية -وافقت الحكومة الألمانية على نورد ستريم 2 عام 2018، وتمّ بناؤه في سبتمبر/أيلول 2021- طَموح يعزز من صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا دون المرور بأوكرانيا ودول شرق أوروبا.
وعلى الرغم من الانتهاء من نورد ستريم 2، فإن عملية إطلاقه تأخرت لأسباب سياسية وسط التوترات الغربية المتزايدة مع روسيا.
سيناريو غزو أوكرانيا.. ماذا لو انقطع الغاز فورًا؟
يبدو هذا التساؤل منطقيًا، في ظل وصف واشنطن لسيناريو غزو أوكرانيا من جانب روسيا بأنه "وشيك".
ويطرح هذا الوصف وضعا مرعبًا يقول في أسوأ سيناريوهاته، إن الحرب يمكن أن تندلع فجأة ثم يتلوها كل المخاطر الممكنة وعلى رأسها فرض العقوبات على موسكو وقطع الغاز عن أوروبا.. فإلى أيّ مدى يمكن أن تتحمل القارّة العجوز هذا الوضع؟
ومن شأن قرار روسي بقطع إمدادات الغاز المرسلة إلى أوروبا أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل مفاجئ وكبير مع تقويض التعافي الاقتصادي في أوروبا.
وبوسع احتياطيات أوروبا من مخزونات الغاز تلبية احتياجات القارّة لمدة شهر تقريبًا، أو الحد الأدنى المطلوب من الغاز عادةً للتخزين، والذي يمكن الاعتماد عليه في حالات الطوارئ.
وكذلك، يمكن الاعتماد على المورّدين التجاريين الذين يحتفظون عادةً بكميات من الغاز تغطي قرابة 9 أسابيع من الطلب، حسب التحليل.
موضوعات متعلقة..
-
أزمة روسيا وأوكرانيا.. كيف تتأثر أسواق الطاقة العالمية؟ (إنفوغرافيك)
-
الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا.. هل تتأثر إمدادات الطاقة في أوروبا؟
اقرأ أيضًا..
- أميركا تتعهد بضمان أمن الطاقة في أوروبا مع تصاعد التوترات بين روسيا وأوكرانيا
-
الأزمة بين روسيا وأوكرانيا تشعل أسعار الكهرباء والغاز في أوروبا