محطات الفحم.. أزمة الطاقة تدفع أوروبا لغض الطرف عن التحديات المناخية
دول القارة تلجأ لاستخدام الوقود الملوث في توليد الكهرباء
نوار صبح
- سيؤدي الفحم دورًا مهمًا بالحفاظ على إمدادات الكهرباء في أوروبا
- بذل المشرّعون في الاتحاد الأوروبي قصارى جهدهم للاستغناء عن الفحم
- دخلت أوروبا فصل الشتاء بمخزون منخفض من الغاز الطبيعي
- عززت الأزمة بين روسيا وأوكرانيا نقص إمدادات الغاز الروسي وارتفاع أسعاره
- ارتفاع أسعار الغاز بالجملة في أوروبا يشجع بعض المرافق على التحول إلى الفحم
تجاهلت العديد من الدول الأوروبية التعهدات المناخية والشعارات الضحمة التي أطلقتها، وفي مقدّمتها التوقف والتخلص من محطات الفحم، أمام أزمة الطاقة التي تضرب دول القارّة العجوز بالتزامن مع انحسار مخزونات الغاز الطبيعي.
وارتفعت أسعار الفحم في شمال غرب أوروبا لشهر فبراير/شباط بأكثر من 3%، لتسجّل أعلى مستوياتها في 3 أشهر يوم الثلاثاء 25 يناير/كانون الثاني الجاري، ما يشير إلى أن الفحم سيؤدي دورًا مهمًا في الحفاظ على إمدادات الكهرباء في أوروبا هذا الشتاء رغم ارتفاع الأسعار.
وبلغ مستوى استخدام الفحم في المملكة المتحدة ذروته يوم الإثنين 24 يناير/كانون الثاني، مسجّلًا أعلى مستوى له منذ شهر مارس/آذار الماضي، ما يعكس أهميته بسدّ فجوة في الإمدادات التي ترافقت مع أزمة الطاقة في أوروبا وتفاقمت في الظروف المناخية القاسية في فصل الشتاء.
وقد بذل المشرّعون في الاتحاد الأوروبي قصارى جهدهم للاستغناء عن الفحم الذي يرونه أحد أقذر أنواع وقود محطات توليد الكهرباء، حسبما أوردته وكالة بلومبرغ.
من ناحيتها، تقوم حكومات ألمانيا إلى هولندا والمملكة المتحدة بإغلاق محطات الفحم، التي ينبعث منها نحو ضعف كمية ثاني أكسيد الكربون التي تطلقها محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز.
وفي ذات الوقت، يدفع مشغّلو الشبكات الكهربائية مبالغ طائلة لبعض المرافق، خاصة محطات الفحم، لإبقائها جاهزة للتشغيل بصفتها ملاذًا أخيرًا، عندما تنخفض الإمدادات من مصادر الطاقة المتجددة.
أزمة الكهرباء في أوروبا
يرى بعض المحللين أن أزمة الطاقة في أوروبا تعود لأسباب واضحة جزئيًا وغامضة جزئيًا؛ إذ دخلت أوروبا فصل الشتاء بمخزون منخفض من الغاز الطبيعي، الذي يُستخدم لتدفئة المنازل وتوليد الكهرباء، وفقًا لما نشرته صحيفة "إيكونوميست" البريطانية.
وتقلّص إنتاج الكهرباء المحلية في هولندا، وحال سكون الرياح دون تحريك توربينات الرياح بالقدر المطلوب، وأسهم ازدهار الطلب الآسيوي بتوجّه شحنات الغاز شرقًا، إضافة إلى مشكلات الصيانة في المحطات النووية الفرنسية، ما أسفر عن نقص قليل في الإمدادات المستقبلية.
وعززت الأزمة بين روسيا وأوكرانيا نقص إمدادات الغاز الروسي وارتفاع أسعاره، لكن الأسر الأوروبية المتوسطة الدخل ستتحمل فواتير الكهرباء والغاز بقيمة 1850 يورو (2100 دولار) في عام 2022، ارتفاعًا من 1200 يورو في عام 2020، وفقًا لبنك أوف أميركا.
- هل تهدد أعطال شركة الكهرباء الفرنسية اقتصاد أوروبا؟
- فرنسا تلجأ إلى حرق الفحم خوفًا من انقطاع الكهرباء
في المقابل، خفّفت أوقات الطقس الدافئ، غير المعتادة في أوروبا في الوقت الحالي، من مخاوف انقطاع التيار الكهربائي.
وفي حين دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تتولى بلاده حاليًا رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي، إلى "الحكم الذاتي الإستراتيجي" ، تتساءل صحيفة "الإيكونوميست البريطانية عن الحكم الذاتي الذي يمكن أن تدّعيه أوروبا عندما تتطلب سخاء روسيا لتدفئة منازلها.
وأشار موقع "يورو نيوز" في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى أن ارتفاع أسعار الغاز بالجملة في أوروبا يشجع المزيد من المرافق على التحول إلى الفحم الثقيل لتوليد الكهرباء، وذلك في الوقت الذي تحاول فيه القارّة إبعاد الدول عن الوقود الملوِّث.
وأضاف الموقع أنه على الرغم من أن أسعار الفحم والكربون الأوروبية قد قفزت أيضًا في الأشهر الأخيرة، فإنها لم تواكب الارتفاع الحاد في أسعار الغاز، ما تسبَّب في تحوّل التكاليف الهامشية قصيرة الأجل لصالح استخدام الفحم.
العودة لاستخدام الفحم
أصدرت شبكة الكهرباء الوطنية في المملكة المتحدة يوم الإثنين، 24 يناير/كانون الثاني الجاري، تحذيرًا من الحاجة إلى مزيد من السعة، واستُدعِيَت محطات الفحم من خلال سوق السعة.
وكانت محطات الفحم لتوليد الكهرباء تنتج ما يصل إلى 3000 ميغاواط مساء يوم الإثنين، كما سارعت محطات الغاز العمل للمساعدة في سدّ النقص، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الكهرباء في المملكة المتحدة بعد تحذيرات الشبكة من ضيق هوامش التوليد، وفقًا لوكالة بلومبرغ.
ولا يزال الفحم يُستخدم بنسبة ضئيلة من طلب المملكة المتحدة، وكان أقلّ بقليل من 45 غيغاواط في مساء يوم الإثنين، وفقًا لبيانات شبكة الكهرباء الوطنية.
وتسعى المملكة المتحدة للتخلص من محطات الفحم، إذ من المقرر أن تتوقف محطة مجموعة دراكس، وشركة كهرباء فرنسا عن استخدامه في وقت لاحق من هذا العام.
لذلك، ستزداد الحاجة إلى الغاز الطبيعي الذي يرتفع سعره بسبب عدم اليقين بشأن الإمدادات من روسيا ومستويات التخزين المنخفضة القياسية.
وقال المحلل لدى منصة "إس آند بي غلوبال بلاتس"، غلين ريكسون، إن إغلاق محطات الفحم المتبقية في المملكة المتحدة، إلى جانب إيقاف تشغيل المحطات النووية القديمة، من شأنه زيادة أسعار الغاز.
وأفادت بيانات مؤسسة الأبحاث الألمانية "فراونهوفر" أنه مع تأخُّر عمالقة توليد الكهرباء بالفحم في أوروبا، فقد أظهر الفحم أهميته في نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول، مع زيادة توليد الكهرباء من محطات الفحم الصلب بنسبة 16% عن العام السابق في ألمانيا.
- أزمة الطاقة تنتقل إلى 2022.. وأوروبا وآسيا تتنافسان على إمدادات الغاز المسال نفسها
- هل تخسر ألمانيا الطاقة النووية في ظل أزمة الغاز؟
وارتفعت أسعار الفحم في بلدان شمال غرب أوروبا لشهر فبراير/شباط المقبل بنسبة 3.5% إلى 179 دولارًا/طن، بعد ارتفاعه بنسبة 6.7% يوم الإثنين على منصة "آي سي إي فيوتشرز أوروبا"، ويُعدّ هذا هو أعلى مستوى منذ 18 أكتوبر/تشرين الأول.
الحلول الممكنة
أشارت محررة شؤون الطاقة والبيئة لدى مؤسسة الأبحاث الأميركية المستقلة "أتلانتيك كاونسيل"، إلين وولد، إلى أنه يتعين على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي العمل على تنويع مصادرها من الغاز الطبيعي، لأنه من الواضح أن روسيا ليست شريكًا موثوقًا به.
وأضافت أنه على الرغم من أن الغاز الطبيعي المسال أغلى من الغاز الطبيعي المنقول عبر خط الأنابيب، يجب على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اللجوء إلى مزوّدي الغاز الطبيعي المسال الأميركيين والشرق أوسطيين لتنويع مصادرهم من الغاز الطبيعي.
وأوضحت أن هذا سيساعد في تجنّب ضرورة التحول إلى مصادر طاقة عالية انبعاث الكربون مثل الفحم والنفط، من أجل الحفاظ على تدفق الكهرباء.
وأردفت قائلة، إن الاتحاد الأوروبي استمر في تنفيذ تحوّل كبير إلى الطاقات المتجددة على مدى عقدين من الزمن، لكنه لم يحقق سوى الحد الأدنى من النجاح.
وبيّنت أنه في عام 2020، جاء أقلّ من 20% من كهرباء الاتحاد الأوروبي من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، و 13% فقط من الطاقة الكهرومائية، وعلى الرغم من ارتفاع النِّسب، فإنه لا توجد طاقة متجددة كافية في منطقة الاتحاد في الوقت الحالي، ولا يمكن الاعتماد عليها عند توفرها.
ودعت إلى أن يواصل الاتحاد الأوروبي زيادة توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، ولكن ليس بديلًا لمصادر مستقرة وموثوقة للطاقة النظيفة.
وقالت، إنه على الرغم من أن بعض أكبر اقتصادات الاتحاد الأوروبي تجنّبت الطاقة النووية على مدار العقد الماضي، فإن دولًا أخرى في الاتحاد الأوروبي تسعى للحصول على مصادر طاقة نووية جديدة.
اقرأ أيضًا..
- المغرب يعلن تطورات اكتشافات الغاز.. ومدى التأثر بوقف الإمدادات الجزائرية
- مشروع ديزرتيك للطاقة الشمسية.. تفاصيل لأول مرة عن أسباب فشل حلم الجزائر
- السيارات الكهربائية.. 3 عوامل تعوق نمو مبيعاتها في 2022 (تقرير)