احتياطي النفط الإستراتيجي.. خبراء يحذرون من نتائج عكسية ويكشفون رد فعل أوبك+
دينا قدري
ما يزال إعلان إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس الثلاثاء، سحبًا منسقًا دوليًا من احتياطي النفط الإستراتيجي، يجذب المزيد من ردود الفعل من قبل الخبراء والمحللين من مختلف أنحاء العالم.
إذ شهدت أسعار النفط ارتفاعًا عقب هذا الإجراء، وسط صدمة الأسواق من الكميات المحدودة من البراميل التي سيجري الإفراج عنها، وهو ما يتناقض مع الهدف المعلن بالسيطرة على ارتفاع أسعار الطاقة.
وفي هذا السياق، واصلت "الطاقة" رصد آراء العديد من كبار الخبراء، الذين أكدوا أن تأثير إجراء إدارة بايدن سيظل محدودًا وقصير المدى على الأسعار، كما سيؤدي إلى نتائج عكسية.
وشدّدوا على أن إلقاء اللوم على تحالف أوبك+ غير منطقي في ظل تقييد الإنتاج الأميركي، وأرجعوا أزمة ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة إلى السياسات الداخلية.
تقليل أمن الطاقة
أوضحت مُؤسِسة ورئيسة شركة إس في بي إنرجي إنترناشيونال، سارة فاخشوري، أن السحب من احتياطي النفط الإستراتيجي بصفة جماعية له تأثير قصير المدى فقط على أسعار النفط، وقد انعكس جزئيًا على الأسعار بالفعل، بسبب توقعات السوق بشأن البراميل الإضافية المقبلة من هذه الاحتياطيات في الأيام القليلة الماضية.
إلا أنها أكدت أن هذا الإجراء يقلّل من أمن الطاقة العالمي، لأنه يترك القليل جدًا من المخزونات حال حدوث أي انقطاع مفاجئ في العرض، وهو ما يُعدّ من المفارقات، لأن الغرض الرئيس من الاحتفاظ باحتياطي النفط الإستراتيجي هو حماية السوق والأسعار من أي انقطاع مفاجئ في العرض.
وأضافت أن السحب من احتياطي النفط الإستراتيجي قد يأتي بنتائج عكسية على السوق والمستهلكين، لأن انخفاض المخزونات قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط في المستقبل، وإذا كان هناك أي توقع بانقطاع العرض بسبب المخاطر الجيوسياسية، فستتفاعل الأسعار بطريقة أكثر تشويهًا للسمعة.
وقالت: "يُعد تحالف أوبك+ هو المصدر الوحيد لتجديد هذه المخزونات وخلق التوازن في السوق"، ما لم يخطط الرئيس بايدن لاستخدام سلطته التنفيذية لإصدار إعفاءات مؤقتة وتخفيف العقوبات ضد إيران وفنزويلا لإعادة البراميل الخاضعة للعقوبات إلى السوق.
ومع ذلك، قد يكون لهذا الخيار ردود فعل سياسية ضده، مثلما حدث -إن لم يكن أكثر- بسبب ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة، حسبما ذكرت فاخشوري.
رد فعل معاكس
أكد المحلّل المالي في قطاع النفط، ويلسون وانج، أن لكل فعل رد فعل مساوٍ له ومعاكس له، وفي حالة سوق النفط، سيُقابل الإفراج عن احتياطي النفط الإستراتيجي المنسق عالميًا من أي حجم بوقف مؤقت لزيادة الإنتاج أو خفض تام للإنتاج.
ونتيجةً لذلك، أشار إلى أنه من المحتمل أن يكون للإفراج عن احتياطي النفط الإستراتيجي تأثير ضئيل للغاية على أساسيات سوق النفط، لذلك سيستمر سحب المخزون، بغض النظر عن المعنويات.
وقال: "نظرًا إلى كون هذا السيناريو طويل المدى، نعتقد أن 75 دولارًا أميركيًا لبرميل خام غرب تكساس الوسيط يجب أن يستمر. ونتيجةً لذلك، يتعيّن على القراء شراء أسهم شركات النفط التي يفضلونها".
جودة النفط الخام
من جانبه، أشار المؤسس، الرئيس التنفيذي لشركة "سي 6 كابيتال هولدينغز"، مارك روزانو، إلى أن السحب الأميركي من احتياطي النفط الإستراتيجي هو 100% من الخام الحامض (نسبة الكبريت فيه عالية)، والذي لا يوجد طلب كبير عليه في العالم في الوقت الحالي، خاصةً في الولايات المتحدة.
إذ تحاول مصافي التكرير في الولايات المتحدة إدارة التكلفة من خلال مزج درجات من الخام الحلو (نسبة الكبريت فيه منخفضة) لتجنب بعض من التكاليف المرتفعة.
وأوضح روزانو أنه "من أجل تصنيع البنزين والديزل ذي الكبريت المنخفض للغاية ووقود التدفئة ذي الكبريت المنخفض للغاية، يُمكن لمصفاة التكرير ترك 15 جزءًا فقط في المليون أو أقل من الكبريت في عملية الإنتاج، ما يترك جزءًا كبيرًا من النفط الخام الذي جرى الإفراج عنه يتحرك في سوق التصدير".
وقال: "الـ32 مليون برميل التي يجري الإفراج عنها هي رقم كبير، إذا وضعنا في الاعتبار أنها تُضاف إلى الإنتاج الحالي والصادرات على مستوى العالم".
وتابع: "إنها تعادل شهرًا من إنتاج أنغولا، لكن الجودة تظل أكبر عائق أمام فاعليتها الأساسية".
إذ ينتج غرب أفريقيا كمية كبيرة من الخام المتوسط الحلو، الذي يجب أن يكون الطلب عليه مرتفعًا، لكنه يُخزن حاليًا بكميات قياسية.
ثقة أوبك+.. ونهج حذر
أكد مدير تحرير أخبار أوبك والشرق الأوسط في منصة "إس آند بي غلوبال بلاتس"، هيرمان وانغ، أنه بناءً على رد فعل السوق حتى الآن، يجب أن يشعر تحالف أوبك+ بالثقة إلى حد ما بشأن خططه للإبقاء على زيادات متواضعة في الإنتاج تبلغ 400 ألف برميل يوميًا على أساس شهري.
إذ سمحت له إستراتيجيته حتى الآن بدعم الأسعار مع زيادة حصته في السوق تدريجيًا، على الأقل بالنسبة إلى تلك الدول التي تمكنت من زيادة الإنتاج.
وأشار إلى أنه لا يزال هناك متسع من الوقت من الآن وحتى اجتماع أوبك+ في 2 ديسمبر/كانون الأول، وبالتأكيد هناك بعض الإشارات التحذيرية التي تشير إلى أن السوق قد تتحوّل.
وقال وانغ: "نعلم أن المملكة العربية السعودية فضلت اتباع نهج حذر، لذلك سيعتمد الاجتماع إلى حدٍّ كبير على كيفية رؤية المملكة لتشكيل قوى العرض والطلب في الربع الأول من العام المقبل".
إدارة بايدن تتحمل المسؤولية
من جانبه، أكد مدير شركة فيروسي الهولندية للاستشارات، المحلل الجيوسياسي في صناعة النفط والغاز، سيرل وودرشوفن، أن التأثير الإجمالي لإفراج إدارة بايدن عن احتياطي النفط الإستراتيجي سيكون ضئيلًا، على الأقل عند الحديث عن الكميات الحالية (50 مليون برميل على مدى عدة أسابيع).
ولن يصل إجمالي السحب من احتياطي النفط الإستراتيجي -مع الأخذ في الاعتبار الصين واليابان وكوريا الجنوبية ودول أخرى- إلى نحو 100 مليون برميل يوميًا، وهو ما يمثل يومًا واحدًا من الطلب العالمي، بحسب وودرشوفن.
وقال: "كما رأينا في السوق، فإن التأثيرات تتعارض حتى مع توقعات مجموعة بايدن، إذ ارتفعت الأسعار، وأخذت الأسواق هذا في الاعتبار بالفعل، ويبدو أنها محبطة من الأحجام التي جرى تناولها".
وشدد وودرشوفن على أن إلقاء اللوم على تحالف أوبك+ وحده ليس بالأمر الواقعي، خاصةً عند النظر إلى دلالة الطلب والعرض في الولايات المتحدة.
كما أن إلقاء اللوم على المنتجين الخارجيين مع تقييد الإنتاج المحلي وعرقلة مشروعات خطوط الأنابيب يُظهر نقصًا كبيرًا في المعرفة بكيفية عمل الأسواق في الولايات المتحدة وأماكن أخرى.
وأكد وودرشوفن أن إدارة بايدن تحتاج إلى النظر في المرآة، إذ إن الأسباب الرئيسة لارتفاع أسعار البنزين وغيرها ناتجة عن سياساتها الخاصة.
وذكر أن السحب من احتياطي النفط الإستراتيجي يرتبط مجددًا بجودة الخام، وفي الوقت الحالي يجري الإفراج عن خامات خاطئة.
الخوف من رد فعل سياسي
علّقت المديرة العامة رئيسة إستراتيجية السلع العالمية وأبحاث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "آر بي سي كابيتال ماركتس"، حليمة كروفت، قائلة: "نفهم أن الإدارة تتطلع إلى إبقاء الأسعار أقل من 80 دولارًا، ونعتقد أن لديهم القدرة على سحب آخر بالحجم نفسه من خلال آلية التبادل".
وأشارت إلى أن المسؤولين الأميركيين يركزون بشدة على خفض أسعار البنزين والديزل قبل العطلات، لكنهم يرون ذلك أيضًا جزءًا من إستراتيجية أوسع للتعامل مع الضغوط التضخمية وتحديات سلسلة التوريد.
وقالت: "في حين أن البقاء في المسار هو حالتنا الأساسية لاجتماع الأسبوع المقبل، فإننا لا نستبعد تمامًا احتمال أن تدعو المملكة العربية السعودية إلى تقليص زيادة إنتاج أوبك استجابةً إلى الإجراء المنسق اليوم، بالنظر إلى الملاحظات التي أوردها أمس الأمين العام لمنتدى الطاقة الدولي".
وأضافت: "مع ذلك، نعتقد أن العديد من دول الخليج التي لها علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة ستعارض مثل هذا العمل، خوفًا من رد الفعل السياسي من واشنطن".
إذ أوضحت أنه من المؤكد أن أي تحرك لتقليص زيادات الإنتاج المخطط لها من المرجح أن تحيي الجهود لتمرير تشريع مقاضاة أوبك في الكونغرس.
تحرك صيني دون تأثير
ذكّر الكاتب المتخصص في إستراتيجيات الاستثمار، إريك نوتال، أن الصين أفرجت عن احتياطياتها الإستراتيجية من النفط لعدة أشهر دون أي تأثير على أسعاره.
كما أشار إلى أن الهند لديها أسبوع واحد فقط من احتياطي النفط الإستراتيجي، وأن السحب الأميركي من 30-40 مليون برميل يعادل 10 ساعات هائلة من الاستهلاك العالمي.
ولذلك، أوضح أن توقع استمرار ارتفاع أسعار النفط لا يزال كما هو، مع تعافي الطلب، واستمرار التحديات الكبيرة التي يواجهها نمو العرض.
دروس مستفادة من سحب عام 2011
تحدث محلل السوق لدى وكالة رويترز، جون كمب، عن ارتفاع أسعار النفط بعد إعلان الإفراج المنسق عن احتياطي النفط الإستراتيجي، إذ ثبت أن حجم النفط الإضافي المعروض في السوق أقل مما توقعه التجار.
وأشار إلى أن عدم وجود التزامات مؤكدة من اليابان وكوريا الجنوبية خاصة الصين في الـ24 ساعة الأولى بعد الإعلان، أدى إلى تقويض التأثير النفسي الذي كان من المفترض أن يوفره التنسيق الدولي.
وذكّر كمب -في مقال نشرته رويترز- بآخر إفراج رئيس منسق من احتياطي النفط الإستراتيجي في يونيو/حزيران 2011، عندما وافق أعضاء وكالة الطاقة الدولية على الإفراج عن 60 مليون برميل، استجابة إلى تعطيل صادرات النفط الليبية بسبب الحرب الأهلية.
إذ تسبب الإفراج عن المخزون في انخفاض فوري -ولكنه متواضع- في الأسعار الفورية وانخفاض أكبر في الهوامش، على الرغم من أن كليهما كان ينخفض قبل الإعلان، وانعكست المزيد من الانخفاضات بالكامل في غضون أسابيع قليلة.
وتطرق إلى تحليل ما بعد الحدث لرد فعل السوق لعمليات الإفراج عن المخزون في 2011، الذي اقترح عدة دروس قابلة للتطبيق بعد عقد من الزمن، في مقدمتها أن تأثير هذه العمليات محدود وقصير المدى على الأسعار وفروق الأسعار.
كما يستغرق تنظيمها وقتًا طويلًا، حتى إنه بحلول الوقت الذي جرى الإعلان عنها فيه، غالبًا ما تكون الأسعار انخفضت، نظرًا إلى أن أسوأ ما في الشعور بالأزمة قد انتهى.
بالإضافة إلى ذلك، يتشكك تجار النفط بالفطرة في فاعلية التدخل الحكومي، خاصةً استخدام مخزون محدود من الاحتياطيات للتأثير على الأسعار، التي تعتمد على التدفق المستمر للإنتاج والاستهلاك.
لذلك يحتاج صانعو السياسة إلى إعداد جميع تفاصيل الإفراج مسبقًا قبل الإعلان، لإنشاء سرد مقنع حول التدخل وتعظيم التأثير النفسي لعمليات الإفراج عن الاحتياطي.
موضوعات متعلقة..
- احتياطي النفط الإستراتيجي.. خطة أميركا لمواجهة غلاء البنزين (إنفوغرافيك)
- احتياطي النفط الإستراتيجي.. اليابان والصين تنضمان إلى خطة بايدن لكبح الأسعار
- بعد ارتفاع أسعار البنزين.. بايدن يطالب لجنة فيدرالية بالتحقيق في ممارسات شركات الطاقة
اقرأ أيضًا..
- ولي عهد أبوظبي في تركيا.. وقطاع الطاقة يتصدر المباحثات (فيديو)
- برنامج إيران النووي.. فشل جديد لمحادثات وكالة الطاقة الذرية
- ألمانيا.. تطورات جديدة بشأن موعد التخلص من الفحم وغلق محطات الغاز