مقالات الغازالمقالاترئيسيةغازمقالات منوعةمنوعات

مقال - اتفاقية الغاز الأردنية الإسرائيلية.. نظرة اقتصادية

أمجد خشمان*

تتوالى الأخبار من أوروبا إلى آسيا والصين عن أزمة طاقة عميقة يشهدها العالم.

وقد شهدت سوق الغاز الطبيعي -بالذات- أكبر ارتفاعات مقارنة بأسواق الطاقة الأخرى، إذ تجاوزت أسعار الغاز المسال 50 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لتعود إلى مستوى 30 دولارًا حاليًا، ومع ذلك يشكّل هذا السعر أضعاف سعر الغاز في الشتاء المنصرم محققًا ارتفاعًا قياسيًا تجاوز 300%.

مستوى الأسعار هذا جعل بعض الدول المستهلكة -مثل بنغلاديش- غير قادرة على تأمين احتياجاتها من الغاز، في حين تداعت الحكومات الأوروبية لمناقشة الحلول الممكنة لحماية المستهلكين من موجة الأسعار القياسية في أسواق الغاز والكهرباء.

وقد بدت السلطات الأردنية على النقيض تمامًا خارج عين العاصفة، بل وثبتت أسعار الطاقة وبالتحديد الكهرباء لشهري أكتوبر/تشرين الأول الماضي ونوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وتم هذا من خلال تثبيت بند فرق أسعار الوقود في فاتورة الكهرباء عند الصفر، وتثبيت أسعار المشتقات النفطية المستخدمة للتدفئة إلى آخر الشتاء.

لقد استُخدم في السابق هذا البند لعكس الارتفاع في تكلفة الوقود المستخدم في توليد الكهرباء، ويُعد هذا القرار -نوعًا ما- مغايرًا للتوقعات، إذ يشكّل الغاز الطبيعي جزءًا مهمًا في خليط الطاقة للمملكة.

يعتمد الأردن على الغاز الطبيعي بنحو 80% لتغطية احتياجاته من الكهرباء، وكان لانقطاع إمدادات الغاز في السابق أثر مادي شديد ما يزال يثقل كاهل شركة الكهرباء الوطنية بمليارات الديون.

العقود طويلة الأمد تؤتي ثمارها

وقّع الأردن في عام 2016 على اتفاقية مثيرة للجدل لشراء الغاز الطبيعي لمدة 15 عامًا من إسرائيل، ابتداء من عام 2020، وجُوبهت الاتفاقية باحتجاجات شعبية عارمة وصلت إلى حد محاولة مقاطعة شركة الكهرباء وإطفاء الأنوار بمثابة نوع من الاحتجاج.

وفي الجانب البرلماني، أدت جهود بعض النواب إلى إخراج الاتفاقية إلى العلن ونشر أجزائها، إذ تنص الاتفاقية -حسب ما نُشر في المؤتمر الصحفي للنائب صالح العرموطي في عام 2019- على شراء الأردن ما مجموعه 300,000 مليون وحدة حرارية بريطانية من الغاز الطبيعي يوميًا، وهي التي تشكل ما يزيد على 80% من احتياجات الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء في المملكة.

وحُدّد سعر الغاز بتسعيرة ذات شرائح متعددة مرتبطة بسعر برميل نفط برنت، وحُدّد الحد الأدنى الممكن للسعر عند 5.56 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، عندما يكون سعر النفط 30 دولارًا للبرميل أو أقل، في حين الحد الأعلى وضع عند 11 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية عند سعر نفط 320 دولارًا للبرميل أو أعلى.

ويشكّل مثل هذا العقد طويل الأمد المرتبط بسعر النفط تقليدًا بدأ في الانحسار في قطاع الغاز. وأدى نمو صناعة الغاز الطبيعي المسال إلى ربط مراكز العرض والطلب العالمية وظهور أسواق فورية نشطة في أوروبا وآسيا، فبات المستهلكون مؤخرًا يميلون إلى شراء الغاز وتسعيره بمؤشرات مرتبطة بأسواق الغاز مباشرة على شكل عقود تمتد إلى أوقات أقصر من السابق، لكن في الوضع الحالي للسوق باتت هذه العقود لا تؤمّن الحماية للمستهلكين من الارتفاع الجنوني للأسعار، وتعرضهم للخسارة بسبب التقلبات الحادة في أسواق الغاز.

أما في الحالة الأردنية فربط سعر الغاز بالنفط أدى إلى شراء مصدر الطاقة هذا بسعر أقل بمراحل من السعر بالسوق الفورية، إذ إن ارتفاع أسعار النفط كان خجولًا بالمقارنة مع ارتفاع سعر الغاز الطبيعي.

وبقيت أسعار الغاز الطبيعي المشتراة من إسرائيل والمربوطة بسعر النفط في حدود 6 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية -كما يشير الرسم البياني أدناه- بناء على نص الاتفاقية المنشور سابقًا من قبل النائب العرموطي وباستخدام أسعار برميل نفط برنت الشهرية.

وعلى النقيض تمامًا، كان التقلّب سيد الموقف في أسواق الغاز، إذ واصل مؤشِّر اليابان/كوريا لتسعير الغاز المسال الصعود، ليصل الى مستويات قياسية بحدود 30 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، ما يشكل أضعاف سعر الغاز الوارد من إسرائيل.

وبحسبة بسيطة، تحقق اتفاقية الغاز -حاليًا- للأردن وفرًا يقارب 200 مليون دولار شهريًا، مع الأخذ بعين النظر الكميات المتعاقد عليها، وعند المقارنة مع أسعار الغاز الطبيعي المسال عالميًا الذي يمثل البديل المتاح.. كان الوضع مغايرًا عند بداية الاتفاقية العام الفائت، إذ كانت أسعار الغاز المسال في حالة انهيار وتشكل بديلًا أوفر، لكن هذه الحالة لم تدم طويلًا.

الغاز

نظرة على المستقبل

يبقى التنبؤ بأسعار النفط والغاز على المدى الطويل مهمة شبه مستحيلة في ضوء النقاش الحالي حول مستقبل الوقود الأحفوري، فمن ناحية تَعِد التزامات المناخ بالحد من الطلب على الوقود الأحفوري، ومن ناحية أخرى يهدد نقص الاستثمارات أمن واستقرار التزويد من هذه المصادر، ما يجعل الأسواق سريعة التقلب.

ويلقى الغاز الطبيعي على الرغم من ذلك قبولًا أكبر من النفط بصفته وقودًا انتقاليًا حتى الوصول إلى عالم خالٍ من انبعاثات الكربون، وبالعودة إلى الاتفاقية الأردنية الإسرائيلية التي تمتد حتى عام 2035 فإن تسعير الغاز بالنفط يعطي الانطباع بأن الاتفاقية سوف تستمر بتحقيق وفر للأردن في المستقبل القريب، وهذا ما تشير إليه أسعار العقود الآجلة حتى نهاية 2022.

*كاتب متخصص بالغاز

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق