التواطؤ مع أوبك.. "ذريعة" بايدن لمحاربة شركات النفط الأميركية
دينا قدري
أصبح التواطؤ مع أوبك أحدث ذريعة تسلّحت بها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لمحاربة شركات النفط الكبرى التي تمتلك تاريخًا طويلًا في الصناعة.
وكانت شركة بايونير ناتشورال ريسورسيز (Pioneer Natural Resources) آخر ضحايا إدارة بايدن، بعد أن مُنع رئيس الشركة الرائدة في صناعة النفط الصخري الأميركي، سكوت شيفيلد، من المشاركة في أكبر صفقة نفط في القرن الـ21.
واستعرض مقال حديث -اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (ومقرها واشنطن)- ما تعرّض له "شيفيلد"، بوصفه أحدث مثال على الموقف غير المتسق إلى حد كبير لإدارة بايدن تجاه أعمال النفط والغاز.
إذ تعمل الحكومة الأميركية بانتظام على الإضرار بالصناعة، من خلال فرض قيود على صادرات الغاز الطبيعي، أو حظر خطوط الأنابيب وغيرها من البنية التحتية النفطية الحيوية.
مسيرة ناجحة في صناعة النفط
أسّس سكوت شيفيلد شركة بايونير ناتشورال ريسورسيز في عام 1997، بعد مسيرة مهنية ناجحة في وقت مبكر في صناعة النفط.
وكان "شيفيلد" رائدًا حقيقيًا في الاندماج الحيوي بين رأس المال والتقنية، الذي وضع الولايات المتحدة في أوائل العقد الأول من القرن الـ21 على الطريق لتصبح المنتج الأول للنفط في العالم، ونشر أفضل تقنيات الهيدروكربونات وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة.
وأشار الكاتب فرانك كين -في مقاله الذي نشرته منصة أربيان غلف بيزنس إنسايت (Arabian Gulf Business Insight)- إلى أن "شيفيلد" يمتلك خبرة في صناعة النفط أكثر من رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية لينا خان.
ففي حكم صدر مؤخرًا، منعت لجنة التجارة الفيدرالية "شيفيلد" من المشاركة في صفقة الاندماج بين بايونير وإكسون موبيل (ExxonMobil)، التي تبلغ قيمتها 60 مليار دولار.
وقضت اللجنة بأنه يُمكن المضي قدمًا في الصفقة، لكن "شيفيلد" لا يمكنه الجلوس في مجلس الإدارة الموسع.
وأوضح كاتب المقال، أن الخطوة الأخيرة ضد "شيفيلد" تُظهر درجة مذهلة من الانتقام والجهل في سوق النفط العالمية، حتى وفق معايير التفكير الحالي للبيت الأبيض بشأن الطاقة.
وزعمت لجنة التجارة الفيدرالية أن "شيفيلد" تواطأ مع منظمة الدول المصدّرة للنفط أوبك، لرفع أسعار النفط على حساب الشركات والمستهلكين الأميركيين، في أبريل/نيسان 2020، في حين كان العالم يتصارع مع تداعيات جائحة فيروس كورونا.
قراءة خاطئة للتاريخ
أكد كاتب المقال فرانك كين أن الإشارة إلى أن دور "شيفيلد" في هذا الأمر يرقى إلى مستوى التواطؤ ضد المستهلك، هي قراءة خاطئة للحقائق التاريخية.
وشدد على ضرورة أن نأخذ في الحسبان ظروف السوق في ذلك الوقت، فقد توقف جزء كبير من الصناعة والنقل في العالم، وانخفض الطلب على النفط بنسبة تصل إلى 30%.
وانهار سعر النفط الخام، مع بيع خام غرب تكساس الوسيط (المؤشر الأميركي) بسالب 37 دولارًا للبرميل، وكان المنتجون -مثل بايونير وإكسون موبيل- يدفعون للعملاء مقابل أخذ منتجاتهم من مصافي التكرير وصهاريج التخزين الخاصة بهم.
وفي ظل هذه الفوضى غير المسبوقة في السوق، أدرك "شيفيلد" وغيره من قادة صناعة النفط أن التخمة يجب أن تتوقف، إذ اجتمعوا معًا في تعاون تاريخي ضم أوبك وأوبك+ ومجموعة الـ20 ووكالة الطاقة الدولية وكبار منتجي النفط، المستقلين والمملوكين وطنيًا.
حتى إن الرئيس السابق دونالد ترمب انخرط في الأمر، مدعيًا الفضل في عقد سلسلة من الاجتماعات التي أدت في النهاية إلى سحب ما يقرب من 20 مليون برميل يوميًا من الإمدادات من السوق العالمية.
وسخر الكاتب قائلًا: "هل تُضاف تهمة التواطؤ إلى قائمته الطويلة من القضايا القانونية؟".
وكان أكبر خفض للنفط في تاريخ الصناعة -الذي وصفه كين بـ"الدواء المر"- سببًا في قلب اتجاه السوق ببطء، الأمر الذي ساعد الأسعار على العودة إلى ما يُعده كثيرون مستوى "معتدلًا" اليوم، نحو 80 إلى 85 دولارًا للبرميل.
وما تزال السعودية والإمارات من بين الدول الأعضاء في منظمة أوبك التي تدفع ثمن هذا الإجراء، إذ تُبقي مستويات الإنتاج أقل بكثير من طاقتها، للمساعدة في ضمان التوازن بين العرض والطلب، وفق ما جاء في المقال الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
أسباب الاتهام بالتواطؤ مع أوبك
زعمت لجنة التجارة الفيدرالية أن "شيفيلد" وأوبك كانا يسعيان إلى الحدّ من المنافسة التي ضُخت إلى السوق بفضل زيادة المعروض الأميركي، وذلك من خلال "الشروع في سلسلة من الجهود لتنسيق مستويات الإنتاج لإبقاء الإنتاج منخفضًا بصورة مصطنعة".
وقد كان "شيفيلد" مدافعًا صريحًا عن تقليص الإنتاج الأميركي خلال أزمة عام 2020، ودعا هيئة سكك حديد تكساس -التي تنظم الصناعة في الولاية- إلى فرض قيود.
واستشهدت لجنة التجارة الفيدرالية بتعليقات قال فيها: "إذا قادت تكساس الطريق، فربما يمكننا إقناع أوبك بخفض الإنتاج".
وزعمت اللجنة -في شكواها- أنه من خلال البيانات العامة والرسائل النصية والاجتماعات الشخصية ومحادثات "الواتساب"، سعى "شيفيلد" إلى مواءمة إنتاج النفط عبر حوض برميان الغني بالنفط في الولايات المتحدة مع تحالف أوبك+، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن) في صحيفة "فايننشال تايمز" (Financial Times).
وأشارت -أيضًا- إلى العشاء الذي عقده "شيفيلد" وغيره من المسؤولين التنفيذيين في مجال النفط الصخري مع الأمين العام الراحل لمنظمة أوبك محمد باركيندو في عام 2017، والتعليقات التي أدلى بها، والتي تشير إلى أن المنظمة تتواصل مع المنتجين الأميركيين أكثر من أي وقت سابق في حياته المهنية.
وكان كبار المسؤولين التنفيذيين في المنتجين الأميركيين يعقدون حفلات عشاء خاصة بصورة منتظمة مع المسؤولين التنفيذيين في منظمة أوبك في السنوات الأخيرة، وغالبًا على هامش مؤتمر الطاقة السنوي أسبوع سيرا في هيوستن.
وردًا على سؤال عما إذا كان هناك تحقيق حكومي أوسع نطاقًا في التواطؤ المحتمل في سوق النفط، قالت متحدثة باسم لجنة التجارة الفيدرالية، إن اللجنة تتحمل "مسؤولية إحالة السلوك الإجرامي المحتمل، وإنها تأخذ هذا الالتزام على محمل الجد".
يُذكر أن "شيفيلد" (71 عامًا) انسحب من الشركة في عام 2016، لكنه عاد رئيسًا ومديرًا تنفيذيًا في عام 2019، وشغل منصب الرئيس التنفيذي من عام 2021 إلى عام 2023، ويستمر في العمل ضمن مجلس الإدارة.
أكبر صفقة نفط في القرن الـ21
من جانبها، قالت شركة إكسون موبيل، إنها وافقت على طلب لجنة التجارة الفيدرالية بعدم إضافة "شيفيلد" إلى مجلس إدارتها، كما كان مخططًا في الأصل.
وتابعت: "لقد علمنا بهذه الادعاءات من لجنة التجارة الفيدرالية.. إنها تتعارض تمامًا مع الطريقة التي نؤدي بها أعمالنا”.
وصرّحت شركة بايونير بأنها لا تتفق مع شكوى لجنة التجارة الفيدرالية وتفاجأت بها، التي قالت إنها "تعكس سوء فهم أساسي لأسواق النفط الأميركية والعالمية، وتسيء قراءة طبيعة تصرفات شيفيلد ونياتها".
ورغم ذلك، أضافت بايونير أنها لن تتخذ هي ولا "شيفيلد" أي خطوات لمنع إتمام عملية الاندماج، وقد اكتملت عملية الاستحواذ -وهي الأكبر لشركة إكسون منذ اندماجها مع موبيل في عام 1999- في 3 مايو/أيار 2024.
ومن شأن الجمع بين أصول النفط الصخري لدى إكسون موبيل وبايونير، أن يمنح الشركة العملاقة مركزًا مهيمنًا في حوض برميان، وهو الحقل الضخم في غرب تكساس ونيو مكسيكو الذي ساعد الولايات المتحدة على أن تصبح أكبر منتج للنفط والغاز في العالم.
موضوعات متعلقة..
- الاتفاق النووي الإيراني.. سلاح بايدن لإحباط خطط أوبك+ في أسواق النفط
- كيف دعّمت سياسة بايدن أسعار النفط أكثر من قرارات أوبك+؟ (تقرير)
- أميركا تلجأ لاحتياطي النفط الإستراتيجي.. أنس الحجي: أوبك+ أثار جنون بايدن
اقرأ أيضًا..
- أكبر الدول المصدرة للنفط إلى إسرائيل في 2024.. دولتان أفريقيتان بالقائمة
- حقل أفروديت للغاز يثير الجدل مجددًا.. وحقل ظهر المصري يترقب الموقف
- رئيس شركة إنجي الفرنسية في السعودية: خطة توسع ضخمة.. وهذه أهدافنا للهيدروجين (حوار)
- السيارات الكهربائية تدفع الثمن.. ضرائب جديدة لتعويض خسائر رسوم الوقود