الانحياز لتقنيات القيادة الذاتية قد يدفع تيسلا إلى الهاوية
هبة مصطفى
تقف شركة تيسلا (Tesla) أمام مفترق طرق ما بين تطوير تقنيات القيادة الذاتية، وبين التركيز على تحديث طرازات السيارات الكهربائية والتوسع في بنيتها التحتية من مصانع وغيرها.
ويبدو أن الرئيس التنفيذي لشركة تصنيع السيارات الأميركية، إيلون ماسك، ما زال متمسكًا بقدرة الشركة على مسك العصا من منتصفها، عبر تطلّعه إلى التركيز المزدوج في المجالين، والريادة بهما.
وبحسب متابعة منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) لتطورات صناعة السيارات، فقد انعكس اضطراب سياسية ماسك على أداء الشركة، وبرز ذلك بقوة خلال إعلان نتائج أعمال الربع الأول من العام الجاري 2024.
وتوشك الشركة على مواجهة مرحلة "نفق مظلم" مع اقتحامها عرين الأسد، وإبداء الرغبة في التعاون مع منافسيها الأقوى "شركات تصنيع السيارات الصينية" لتطوير تقنيات القيادة، وهي خطوة قد تعرِّض صناعتها للخطر.
سياسة متقلبة
"هل تتخلى تيسلا عن السيارات الكهربائية، وتركّز على تطوير تقنيات القيادة الذاتية؟".. تساؤل مُلِحّ يدور في الأذهان حاليًا، مع إبداء إيلون ماسك استعداده لشراكة صينية في مجال التقنيات.
ولسنوات طويلة، تصدّرت الشركة الأميركية قائمة أفضل شركات تصنيع السيارات الكهربائية في العالم، ومع ظهور لاعبين جدد واتّساع رقعة الصناعة، بات لزامًا على الشركة إدراك مخاطر المنافسة، والتركيز على الدمج بين طرازات جيدة بسعر زهيد.
ويعدّ الطرح السابق مثاليًا لإستراتيجية تطوير شركة رائدة في تصنيع السيارات، لكن بدلًا من ذلك كثَّف ماسك جهوده لتطوير تقنيات القيادة الذاتية، وتأكيد ذلك للمستثمرين.
ويأتي ذلك رغم إشارات واضحة لتراجع أعمال الشركة في مجال السيارات الكهربائية، إذ أظهرت نتائج أعمال الشركة في الربع الأول من 2024 انخفاضًا في المبيعات، هو الأول من نوعه منذ 4 سنوات.
ومع تحليل النتائج المالية، تبادر إلى الأذهان تساؤل جديد حول إستراتيجية الشركة التي باتت غامضة إلى حدّ ما، فمن أين ستأتي تيسلا بالمخصصات اللازمة للإنفاق على تطوير تقنيات القيادة الذاتية، إذا كانت ستتخلى عن مبيعات السيارات الكهربائية وتهمل دورها في الصناعة؟
لماذا الصين؟
كل ما سبق ذكره يمكن أن يكون مقتصرًا على إطار "تراجع مبيعات شركة تصنيع سيارات كهربائية كبرى في أميركا"، لكن قد يأخذ إطارًا أوسع نطاقًا إذا علمنا أن إيلون ماسك اختار شركة تنتمي إلى سوق منافسة على المستوي العالمي، لتكون شريكة في تطوير تقنية القيادة الذاتية.
وبدلًا من تلبية طموحات المستثمرين في تعزيز موقف تيسلا بصفتها منتجة سيارات كهربائية، تُعد الأبرز عالميًا، وقّع إيلون ماسك اتفاقًا مع شركة التقنيات الصينية بايدو (Baidu).
وتزامنت الشراكة الصينية مع انخفاض سعر سهم تيسلا بنسبة 59% مقارنة بأعلى مستوياته التي بلغها عام 2021، و42% مقارنة بسعر السهم في العام الجاري.
ومع التوسع الهائل واللافت للنظر للصناعة في الصين، تزداد مخاوف سحب البساط تدريجيًا من تحت أقدام صدارة تيسلا العالمية، خاصة أن هناك اتجاهًا لعدد من كبريات شركات السيارات في العالم بالتركيز على إنتاج السيارات الهجينة الأكثر طلبًا، وتراجع الطلب على السيارات الكهربائية.
ويعمّق هذه المخاوف التطور التكنولوجي القوي لتقنيات البطاريات لدى بكين، وانتشار المصانع المنتجة لسيارات كهربائية تجمع بين الكفاءة والسعر المنخفض الملائم.
السيارات أم التقنيات؟
يتعين على إيلون ماسك حسم الأولويات، إنفاق الاستثمارات على إصلاح المصانع والإعداد للمنافسة السعرية مع الشركات الصينية؟ أم الاندفاع نحو سباق تطوير تقنيات القيادة الذاتية؟
وربما يختار ماسك المسار الثاني رغبةً في أن يغرّد بعيدًا عن السرب، بتحويل تيسلا إلى الشركة الأبرز عالميًا في سوق السيارات بمجال تقنيات القيادة، بعد أن نافسها الكثير من الشركات -خاصة الصينية- في السيارات الكهربائية.
ومن جانب آخر، تضطر الشركة الأميركية إلى التركيز على زيادة المبيعات لتوفير تدفُّق نقدي، يمكنها من خلاله الإنفاق على عملية تطوير تقنيات القيادة الذاتية بالكامل، وفق رؤية المحرر السابق في صحيفتي "وول ستريت جورنال" و"فايننشال نيوز" نشرها، بن رايت، نشرها في مقال له بصحيفة ذا تيليغراف (The Telegraph).
وقد تجد الشركة نفسها في مواجهة معضلة أخرى، في ظل تراجع زخم السيارات الكهربائية، مع تحديات البنية التحتية وارتفاع أسعار السيارات نتيجة لارتفاع سعر الفائدة.
وفي حالة تيسلا بشكل خاص، يورّط ماسك الشركة في صراعات سياسية يقتحمها بين الحين والآخر، ما يدفع عددًا من المشترين إلى العزوف عن المخاطرة مع شركة مرتبطة بالتقلبات السياسية.
ورغم أن الشركة الأميركية أعلنت خططًا للتوسع والإصلاح في مصانعها، فإن ماسك يبدو مترددًا حيال الأمر، مع توجيه تركيزه الكامل لتطوير السيارات ذاتية القيادة.
مخاطر الصفقة
حيرة إيلون ماسك بين زيادة المبيعات والتركيز على التقنيات لن تعرِّض الشركة -فقط- إلى "مخاطرة" تراجع الأرباح، لكن قد تعرِّض سياراتها إلى "الإغراق التجاري"، وهو أمر يضرّ بسمعة الشركة في السوق الأميركية.
ويحدث الإغراق نتيجة خفض سعر المنتج المُصّدر عن سعر بيعه في موطنه، وهو ما يحدث بطريقة غير مباشرة بالنسبة لتيسلا، إذ سبق أن أعلنت الشركة خفض أسعار طرازاتها في السوق الصينية، حتى تتمكن من المنافسة السعرية مع وحدات بكين.
وينطبق الأمر ذاته على التقنية قيد التطوير، خاصة أن السوق الصينية شهيرة بشركات تطوير التقنيات.
ويتساءل "بن رايت" في مقاله: "إذا اختارت الشركة الأميركية أن تتحول إلى شركة تطوير تقنيات، فما الداعي لتعاونها مع شركة تقنيات في سوق منافسة؟".
ويبدو أن ماسك لم يلقِ بالًا لهذه المخاوف كافة، إذ التقى رئيس الوزراء الصيني "لي تشانغ" خلال قبل أيام، خلال إعلان الشراكة مع "بايدو".
وتنطبق الاشتراطات التنظيمية الصينية على الصفقة، إذ تلتزم الشركة الأميركية ببيع تقنياتها في سوق بكين، والتعاون مع المورّدين المحليين.
ومن الأساس، تبدو شراكة تطوير التقنيات في غير محلّها، ولن تحقق لشركة تيسلا الصدارة في مجال القيادة الذاتية، خاصة مع انطلاق عدد من الشركات في خطوات مماثلة لتطوير التقنيات، مثل: شركة فولكس فاغن، وتويوتا، ونيسان.
موضوعات متعلقة..
- ثاني أكبر أسواق تيسلا تقترب من تقنية متهمة بتعريض الأرواح للخطر
- كيف تسترد تيسلا صدارة مبيعات السيارات الكهربائية من الصين؟.. 7 نصائح
- تيسلا تواجه تحقيقًا جديدًا بشأن منظومة القيادة الذاتية.. ما القصة؟
اقرأ أيضًا..
- تفاصيل آخر شحنة غاز مسال مصرية قبل وقف التصدير
- قطر تقود توقعات ارتفاع إسالة الغاز الطبيعي عالميًا.. قد تتجاوز 666 مليون طن سنويًا
- إنتاج النفط الأميركي في فبراير يرتفع 578 ألف برميل يوميًا