التقاريرتقارير النفطرئيسيةروسيا وأوكرانيانفط

حصار مصافي التكرير الروسية سلاح في "حرب الاستنزاف".. هل تتدخل الصين؟

هبة مصطفى

اقرأ في هذا المقال

  • إصلاح وحدة البنزين بمصفاة نورسي في يد شركة أميركية
  • خسائر شركة لوك أويل من تعطُّل مصفاة نورسي 100 مليون دولار شهريًا
  • 12 مصفاة روسية تضررت من هجمات مُسيّرات أوكرانيا منذ بداية 2024
  • روسيا حظرت تصدير البنزين 6 أشهر منذ فبراير لتلبية الطلب المحلي
  • تقنيات شركات صينية قد تنقذ مصافي التكرير الروسية وتضمن استقلالها

تعدّ مصافي التكرير الروسية أحدث حلقات الصراع في مرحلة ما بعد اندلاع الحرب الأوكرانية قبل ما يزيد عن عامين، غير أنها ربما تكون أهم المراحل على الإطلاق، خاصة أن موسكو وسّعت نطاق مستوردي وقودها مؤخرًا.

ومنذ انطلاق صناعة التكرير في موسكو قبل ما يقرب من 80 عامًا (في أربعينيات القرن الماضي)، استمر تطويرها خطوة تلو الأخرى، وكانت المعدّات الأميركية شريكًا رئيسًا في التأسيس لهذه الصناعة.

لكن -بحسب متابعة منصة الطاقة المتخصصة- باتت هذه التطورات محاصرة الآن، ما بين تلقّي مصافي التكرير الروسية الضربات من المُسّيرات والطائرات بدون طيار، وبين منع الشركات بموجب العقوبات من تقديم المعدّات اللازمة لإصلاح الأضرار أو الصيانة الدورية.

ويبدو أن الخيارات أمام روسيا باتت محدودة الآن، بعدما قررت مؤقتًا وقف تصدير البنزين في محاولة لمنع الأسعار المحلية من الارتفاع، إذ تعتمد موسكو على صادرات الوقود بنسبة كبيرة لإنعاش عائدات الكرملين، وتمويل آلة الحرب ضد أوكرانيا.

مصفاة نورسي

تعدّ مصفاة نورسي (NORSI) مثالًا لمعاناة مصافي التكرير الروسية جراء العقوبات، خاصة أن مساعي إنقاذ أكبر مصافي شركة لوك أويل (Lukoil) لم تنجح حتى الآن.

وبدأت أزمة المصفاة بعد أن واجهت عطلًا في أحد توربيناتها في 4 يناير/كانون الثاني 2024، وتسبَّب هذا العطل في توقُّف وحدة إنتاج البنزين بالمصفاة عن العمل.

وحتى الآن يبدو الأمر عاديًا، سواء لمصافي التكرير الروسية أو غيرها، لكن الأمر ليس كذلك إذا علمنا أن الشركة الوحيدة التي تملك مفتاح حل الضرر هي شركة أميركية انصاعت للعقوبات، وتوقفت عن تقديم خدماتها في روسيا منذ فبراير/شباط 2024.

مصفاة تابعة لشركة لوك أويل الروسية
مصفاة تابعة لشركة لوك أويل الروسية - الصورة من بلومبرغ

وحاول مهندسو المصفاة إيجاد "قطع غيار" بديلة لكن لم يتمكنوا من ذلك؛ ما أدى إلى توقُّف الوحدة عن العمل منذ ما يقارب 3 أشهر وحتى الآن إثر نقص خبرة موسكو في عمليات صيانة المصافي، بحسب ما نقلته رويترز عن مصادر.

وتؤدي الوحدة كيه كيه-1 (KK-1) دورًا مهمًا في تحويل الهيدروكربونات الثقيلة إلى بنزين عبر التكسير الحفزي، وتكتسب أهميتها بوصفها واحدة من وحدتي تكسير فقط بالمنشأة، وبتعطُّلها تعمل المصفاة بنصف طاقتها فيما يتعلق بالتكسير.

ولحلّ الأزمة بصورة مؤقتة، اضطرت رابع أكبر مصافي التكرير الروسية "مصفاة نورسي" إلى خفض إنتاجها من البنزين بنسبة 40%.

خسائر البنزين

لم تكن مصفاة "نورسي" التابعة لشركة لوك أويل المتضرر الوحيد، بعد عجزها عن استبدال المعدّات التالفة في توربين وحدة التكسير المعنية بإنتاج البنزين.

وربما تواجه المصفاة ضغوطًا مختلفة، خاصة أن تقنيات تركيبها وبنائها أُسست على يد شركات أوروبية وأميركية، ما يجعلها تقع تحت طائلة تداعيات العقوبات، بعد امتناع هذه الشركات عن دعمها بقطع الغيار والمعدّات اللازمة.

ويبلغ إنتاج مصفاة نورسي من البنزين ما يُقدَّر بنحو 405 ألف طن متري شهريًا، بما يعادل 11% من إنتاج البنزين الروسي.

وبالنظر إلى متوسط أسعار البنزين في روسيا البالغ 587 دولارًا للطن المتري، سيكبّد توقُّف إنتاج وحدة البنزين شركة لوك أويل خسائر شهرية من العائدات تُقدَّر بنحو 100 مليون دولار.

وتعدّ شركة يو أو بي (UOP) الأميركية متعددة الجنسيات، الشركة الوحيدة التي تملك أسرار ومعدّات إصلاح ضرر وحدة البنزين في مصفاة نورسي، لكن الشركة حذت حذو مثيلاتها بعد اندلاع الحرب، وانسحبت من أعمالها.

سلاح حرب

بين الحين والآخر، تشنّ أوكرانيا هجمات على مصافي التكرير الروسية وأهداف أخرى عبر المُسيّرات (الدرون، أو الطائرات دون طيار)، وتكرر الأمر كثيرًا مؤخرًا إلى أن أحدثت أضرار فعلية في المصافي.

وطالت هذه الهجمات -منذ بداية 2024 وحتى الآن- ما يُقدَّر بنحو 12 مصفاة؛ ما أفقد قطاع التكرير لدى موسكو خلال الربع الأول من العام الجاري (من يناير/كانون الثاني، حتى نهاية مارس/آذار) 14% من طاقته.

وفي 18 مارس/آذار الماضي، واجهت مصفاة سلافيانسك (Slavyansk) هجومًا من إحدى هذه الطائرات، أدى إلى اشتعال النيران بها.

محاولات إخماد حريق نشب في مصفاة روسية
محاولات إخماد حريق نشب في مصفاة روسية - الصورة من WSJ

والتزامًا بالعقوبات المفروضة على روسيا وقطاع الطاقة بها، تمتنع الشركات الأميركية والأوروبية عن تقديم خدماتها لشركات ومرافق موسكو.

وأكدت الشركة الأم لشركة يو أو بي، شركة هانيويل إنترناشيونال (Honeywell International)، أنها توقفت عن تقديم خدماتها لمصافي التكرير الروسية منذ فبراير/شباط 2022.

وأوضحت أن الامتناع شمل تقديم المعدّات أو التزوّد بالخدمات، سواء لمصفاة "سلافيانسك" أو المصافي في مدينة نيجني نيفغورود.

ويؤثّر هذا الامتناع في سير عمل المصافي، إذ جرت العادة -منذ عقدين- باعتماد 40 مصفاة كبرى ضمن أسطول التكرير الروسي، على تقنيات ومعدّات من شركات أميركية وأوروبية، مثل: شركة يو أو بي، وشركة إيه بي بي (ABB) الروسية.

وشدد عدد من هذه الشركات على أنه لا نية لديها لاستئناف عملها في روسيا في الآونة الحالية، ولا تملك خططًا مستقبلية لذلك أيضًا.

خيارات روسيا

تكافح روسيا للتخلي عن الشركات الأميركية والأوروبية، وبدأت إنتاج معدّات صيانة المصافي محليًا، وتعهَّد نائب رئيس الوزراء "ألكسندر نوفاك" باستئناف العمل في مصفاة "نورسي" خلال شهرين بحدّ أقصى.

وقال نوفاك، إن سوق الوقود المحلية لم تواجه نقصًا في الإمدادات إثر الهجمات الأوكرانية، مشيرًا إلى أن المصافي التي لم تتعرض لهجمات عوضت فارق الإنتاج.

في حين أكد وزير الطاقة، نيكولاي شولغينوف، أن مصافي التكرير الروسية سوف تنهي إصلاحات الأضرار كافة (سواء نتيجة الأعطال، أو الهجمات) بحلول يونيو/حزيران المقبل.

وأوضح الخبير في قطاع الطاقة الروسي، سيرغي فاكولينكو، أن العمل على تطوير القدرات الروسية لتتمكن من صدّ هجوم الطائرات المسيرة ضرورة لحماية مصافي التكرير الروسية، وضمان عدم نجاح أوكرانيا في خفض الإنتاج.

ولجأ الكرملين إلى حظر تصدير البنزين لمدة 6 أشهر بدأت من فبراير/شباط الماضي، لضمان الإمدادات المحلية ومنع الأسعار من الارتفاع.

وتشكّل صناعة التكرير أحد أبرز أدوات روسيا لإنعاش خزائنها، خاصة أنها تأثرت بوصفها ثاني أكبر مصدري النفط الخام في العالم بالعقوبات الأخيرة واضطرت إلى تغيير خريطة مبيعاتها، ووجهت المزيد من الشحنات إلى آسيا وأفريقيا بعد فقدانها للسوق الأوروبية.

ويرصد الرسم أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- صادرات النفط الروسي والمشتقات، خلال عامي 2022 و2023:

صادرات روسيا من النفط والمشتقات النفطية

الصين.. هل تصبح حلًا؟

تتجه الأنظار إلى دور محتمل للصين في إصلاح أضرار مصافي التكرير الروسية، بتزويدها بالمعدّات اللازمة لإصلاح الأعطال أو التداعيات الناجمة عن هجوم مسيرات أوكرانيا.

وعزّز من هذا الاحتمال تواصل شركة لوك أويل مع عدد من الشركات الصينية، لإصلاح وحدة مصفاة مصفاة نورسي، بحسب مصادر.

وقد يكلّف هذا الحل روسيا كثيرًا، خاصة أن اختلاف التقنيات بين الشركات الغربية والصينية قد يضطر موسكو إلى التخلص من وحدات كاملة في المصافي، بدلًا من إصلاحها بتكلفة معقولة.

وعلى صعيد الصادرات، تتأثر موسكو بتوقُّف إنتاج عدد من وحدات المصافي، خاصة أن دائرة مشتري وقودها في أفريقيا وأميركا الجنوبية أوسع نطاقًا من مشتري النفط الخام حاليًا، القاصرة بنسبة كبيرة على الصين والهند وتركيا.

ورغم أن روسيا وإيران الخاضعتين لعقوبات دولية تغلّبتا -نسبيًا- على تأثير العقوبات في قطع غير السيارات والطائرات، فإن تعويض معدّات وقطع غيار مصافي التكرير كان أكثر صعوبة حتى الآن.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق