خريطة اليورانيوم والطاقة النووية العالمية تتغير.. ما دور السعودية والإمارات؟
هبة مصطفى
يرتبط تطوير الطاقة النووية بمعدن اليورانيوم، ومع الاتجاه العالمي للتوسع في بناء المفاعلات وزيادة إنتاجها، نجد أنفسنا أمام مستويات أسعار مرتفعة قد تعطّل مسارات انتقال الطاقة.
وحتى وقت قريب، كانت الكهرباء المنتَجة من المفاعلات بارقة أمل لعدد من الدول الكبرى، إذ تؤمّن الطلب دون الاعتماد على الإنتاج "المتقطع" للطاقة المتجددة، وتجنب البلاد ملوثات وانبعاثات الفحم في الوقت ذاته.
وعقدت دول أوروبية -مثل بريطانيا- آمالًا عريضة على الطاقة النووية خلال المرحلة الانتقالية، في حين اعتمدت عليها فرنسا في غالبية مزيجها.
ويبدو أن الصحوة الحالية بعد اندلاع الحرب الأوكرانية، وإعادة النظر إلى المفاعلات بأنها "غير كارثية" ستلقي بظلالها من جديد على معدن اليورانيوم.
ومع تراجع المعروض وتزايد حجم الطلب، قد يؤدي الشرق الأوسط -خاصة السعودية والإمارات- دورًا يغيّر خريطة الإنتاج العالمية.
تطلعات الطاقة النووية
في الوقت الذي تسجل فيه أسعار اليورانيوم ارتفاعًا، يخرج المشاركون في قمة المناخ كوب 28 بتوصية طموحة، وتتفق 22 دولة على زيادة قدرة الطاقة النووية 3 مرات بحلول 2050، على المستوى العالمي.
ويُعد هذا الاتجاه أحد حلول خفض الانبعاثات، ومحاولة -أيضًا- لتقليص تداعيات انسحاب غالبية الغاز الروسي من السوق الأوروبية، وتقلبات أسعار الطاقة التي خلّفتها العقوبات على موسكو بعد غزوها أوكرانيا.
وبالنظر إلى أن استخراج معدن اليورانيوم يُعد أولى خطوات الإنتاج في المفاعلات، نجد أن طموحات الطاقة النووية باتت مهددة في ظل نقص المعروض من المعدن، وارتفاع أسعاره إلى مستويات قياسية، حسب تحليل لصحيفة أربيان غولف بيزنس إنسايتس (AGBI).
ويرجع سبب نقص الإمدادات إلى عاملين رئيسين: أولهما امتداد العقوبات المفروضة على روسيا لشركة روساتوم، بما يمثل "ضربة" لتوسعات الطاقة النووية خاصة أن الشركة تنتج نصف إمدادات المعدن المخصب العالمية.
ويتعلق العامل الآخر بتراجع إنتاجه منذ مرحلة ما بعد حادث محطة فوكوشيما اليابانية عام 2011، ونقص الاستثمارات في هذا المجال.
وعلى صعيد الأسعار، بلغت أسعار المعدن الحالية 100 دولار للرطل (الرطل = 453 غرامًا)، بما يعادل ضعف مستويات أسعاره في فبراير/شباط العام الماضي 2023.
الاستعمالات وخريطة الصناعة
تخضع الطاقة النووية إلى رحلة طويلة، تبدأ من إنتاج معدن اليورانيوم واستخراجه من باطن الأرض، ثم تخصيبه، ويليها تصنيعه في صورة حبيبات تتطور إلى قضبان لتشكل "الوقود النووي".
وتُنتج 6 دول -هي: قازاخستان، وكندا، وناميبيا، وأستراليا، والنيجر، وروسيا- ما يُقدر بنحو 85% من المعدن الخام، ومع خروج إمدادات موسكو من المعادلة تتركز الأنظار على قازاخستان وكندا بوصفهما أكبر المنتجين العالميين.
ويستعرض الرسم أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أبرز المعلومات حول أكبر 10 مناجم لليورانيوم عالميًا:
أما المرحلة الثانية، وهي "التخصيب"، فتسجل سيطرة من أميركا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا بصورة رئيسة، مع ظهور جهود صناعية لكل من: إيران، وإسرائيل، واليابان، والكوريتين الشمالية والجنوبية.
وتحتاج محطة بقدرة 1 غيغاواط إلى ما مقداره 50 ألف وحدة سنويًا من قضبان الوقود النووي، ما يسلط الضوء على حجم الطلب ومدى توافر المعدن اللازم لتشغيل المحطات الأحدث مثل: "محطة براكة الإماراتية، ومحطة الضبعة المصرية، ومحطة أكويو التركية، ومحطة بوشهر الإيرانية".
صعوبات الطلب
سببت كارثة محطة فوكوشيما اليابانية صدمة للمهتمين بتطوير الطاقة النووية، وتوقفت المناجم عن إنتاج معدن اليورانيوم واضطربت الصناعة.
ورغم أن تراجع الإنتاج كان يعزز توقعات نقص المعروض على الأمد الطويل، فإنه منذ وقوع الحادث عام 2011 حتى وقت قريب كانت مخاوف الصناعة سببًا في توافر المعدن وضبط أسعاره.
وتدريجيًا، يبدو أن مخزون المعدن أوشك على الانتهاء، ما يضع خطط التوسعات النووية لدول عدة في مأزق ما لم تعد وتيرة إنتاج المعدن إلى سابق عهدها أو أكثر.
وما زاد الأمر سوءًا، النقص الحاد في حمض الكبريتيك الضروري لإنتاج معدن اليورانيوم، إذ يُضخ الحمض في المناجم لتيسير استخلاص المعدن.
وبخلاف اضطرابات سلاسل التوريد لبعض الشركات الرائدة عالميًا في الصناعة مثل كاميكو (Cameco) الكندية، فإن التلويح الأميركي وإجراءات الكونغرس لحظر اليورانيوم الروسي المخصب (الذي يشكل 12% من الواردات الأميركية) قد يؤدي إلى فرض المزيد من القيود على الطلب.
ويوضح الرسم أدناه -الذي أعدته منصة الطاقة المتخصصة- كبرى الشركات المنتجة للمعدن عالميًا:
دور الشرق الأوسط
"مصائب قوم عند قوم فوائد".. تنطبق هذه المقولة بصورة عملية على مساعي السعودية والإمارات لحفر مكانة عالمية لدول الشرق الأوسط، سواء فيما يتعلق بإنتاج المعدن أو تطوير مفاعلات الطاقة النووية.
ويبدو أن لاعبين بارزين ضمن دول مجلس التعاون الخليجي على وشك اقتحام المسيرة النووية العالمية، رغم أن الإنجازات ما زالت في طور التطوير.
وفيما يلي تستعرض منصة الطاقة المتخصصة ما يمكن أن تقدمه الرياض وأبوظبي إلى خريطة الصناعة العالمية.
1) السعودية:
تطمح السعودية إلى تقديم تجربة فريدة من نوعها، إذ تسعى إلى الاكتفاء النووي الذاتي عبر تطوير مفاعلاتها ومحطاتها، اعتمادًا على اليورانيوم المنتج محليًا، بعد تخصيبه وتصنيع الوقود اللازم.
وعززت المملكة خططها التطويرية بدعم مالي أوردته في الميزانية المقدمة في فبراير/شباط 2023، بتوفير حجم الإنفاق المطلوب لبناء مفاعلين بقدرة 1.4 غيغاواط.
وتتماشى هذه الخطوات مع تعزيز مزيج الطاقة السعودي بنحو 17 غيغاواط من الطاقة النووية، خلال عام 2024.
ورغم أن حجم إنتاج اليورانيوم السعودي غير معلن رسميًا -حتى الآن- فإن وزير الطاقة "الأمير عبدالعزيز بن سلمان" سبق أن أكد وجود رواسب في منجم جبل صايد، وفي المدينة المنورة، ومناطق شمال المملكة.
وأشاد كبير اقتصاديي شركة مينا أدفايزرز (Mena Advisors)، جوستن ألكسندر، بجهود السعودية في توفير احتياجاتها من المعدن النووي محليًا، لتجنب استيراده بعد معالجته.
2) الإمارات:
تسعى الإمارات -أيضًا- إلى عدم الاكتفاء بإنتاج الطاقة النووية من محطة "براكة" غير المسبوقة في الشرق الأوسط، بل تتطلع أيضًا إلى تصنيع الوقود النووي محليًا.
ومؤخرًا، عززت أبوظبي اتفاقيات التعاون النووي مع كوريا الجنوبية، بالإضافة إلى خطوة مهمة بطرح مناقصة إنشاء محطة لتصنيع الوقود.
وتضمن خطة محطة براكة -التي جرى ربطها بالشبكة عام 2020- تشغيل 4 مفاعلات بقدرة 5.6 غيغاواط، وتستعد لتشغيل المفاعل الرابع خلال شهر مارس/آذار المقبل.
ومع تشغيل مفاعلات المحطة الـ4، تدخل مرحلة التشغيل التجاري الكامل خلال العام الجاري 2024، بما يعزز الإنتاج السنوي بنحو 40 تيراواط/ساعة سنويًا من الكهرباء النظيفة، ويلبي 25% من الطلب الإماراتي على الكهرباء.
ولفت تقرير سابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى أن مفاعلات محطة براكة تعزز المسار المناخي والحياد الكربوني للإمارات.
موضوعات متعلقة..
- إنتاج اليورانيوم قد يقفز 12% عالميًا في 2024
- تاريخ محطات الطاقة النووية وسر تفوق الصين (مقال)
- محطات الطاقة النووية في أميركا تعتمد على اليورانيوم الروسي بنسبة 12% (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- مفاجأة صادمة بشأن احتياطيات حقل ظهر المصري
- وزير الطاقة السعودي: كسبنا الرهان في كل الأزمات.. ومستمرون بإنتاج النفط والغاز
- ذكرى غزو أوكرانيا.. 11 تقريرًا ترصد تطورات أسواق الطاقة (ملف خاص)