الحياد الكربوني في المملكة المتحدة يجعل الفقراء أشد فقرًا (دراسة)
أسماء السعداوي
عادة ما يُثار الحديث حول الحياد الكربوني في المملكة المتحدة من جوانب السياسات والصناعة أو التكنولوجيا، لكن لأول مرة تُجرى دراسة لمعرفة تأثيره في حياة المواطنين.
وحذّرت دراسة نشرتها مؤسسة يونغ غير الربحية، ومقرّها لندن (Young)، اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، من أن سياسات الحياد الكربوني تجعل الفقراء أكثر فقرًا؛ لأنها تُدار على نحو سيئ، بما يُضيف عبئًا على الأسر التي تعاني من أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة.
وعلى نحو خاص، لا تأخذ السياسات في الحسبان الاحتياجات ومواطن الضعف لدى المجتمعات المختلفة، ولذلك فإن 40% من الأسر في خطر حقيقي بالسقوط في براثن "فقر التحول".
وبموجب سياسات الحياد الكربوني، "ستكافح" تلك النسبة من السكان من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية، وستشهد تراجعًا في جودة الحياة في ظل ارتفاع التكاليف.
خطط الحياد الكربوني في المملكة المتحدة
في كلمة له خلال شهر سبتمبر/أيلول المنصرم (2023)، حذّر رئيس الوزراء، ريشي سوناك، من أن سياسات الحياد الكربوني قد تخسر الدعم الشعبي، بسبب تأثيرها غير المتناسب في الطبقة العاملة.
ووفق نص الدراسة، من غير المحتمل أن تتمكن الأسر ذات الدخل المنخفض من تحمّل إجراءات خفض الانبعاثات، ومنها السيارات الجديدة والتحديثات للمنازل، وهو ما يجعل تلك العائلات أكثر عرضة لتكبّد الغرامات والرسوم، ما لم تتدخل الحكومة بتقديم الدعم.
وسيكون الفقراء الأشد تضررًا من انكماش سوق العمل في القطاعات مرتفعة الانبعاثات مثل التعدين، وعلى العكس تمامًا سيتركز أوائل المطبّقين للتقنيات منخفضة الانبعاثات في دائرة الدخل الأعلى.
وبناءً على ذلك، سيُفاقم التحول إلى مصادر الطاقة الخضراء من حالة انعدام المساواة القائمة أصلًا، عبر ازدياد نسب البطالة وارتفاع تكلفة الغذاء.
وخلُصت الدراسة إلى أن التحول سيؤدي -أيضًا- إلى تراجع فرص الترفيه والأنشطة الاجتماعية؛ لأن وسائل النقل ستصبح أكثر تكلفة.
فائزون وخاسرون
وجدت الدراسة أن الوضع الاقتصادي الحالي بالإضافة إلى خطة الحكومة غير الكافية لـ"الارتقاء بالمستوى"، ستترك المجتمعات متخلفة، بينما تتسارع وتيرة الحياد الكربوني.
وحذّرت من وجود مواطنين ومجتمعات معرضين للخطر بسبب الديون أو القدرات الشرائية المحدودة، وهؤلاء يعتمدون على الإسكان الاجتماعي أو الإيجار، وكذلك قطاعات هشة أو كثيفة الانبعاثات، وكل تلك حواجز أمام المشاركة في أنماط العيش الجديدة القائمة على هدف إزالة الكربون.
تقول مديرة الاستدامة والتحول العادل في مؤسسة يونغ، إيميلي ماريسون: "السياسة الحالية للحياد الكربوني ستؤدي إلى ظهور فائزين وخاسرين، لا يمكننا تركها لتصبح جزءًا آخر من سياسة المملكة المتحدة التي تحتاج إلى الارتقاء بالمستوى".
وتضيف: "إذا حققنا المشاركة، وليس تحفيز الناس والأمل في امتثالهم، وإذا أزلنا الحواجز وبنينا على الأصول المجتمعية وحققنا أقصى قدر من الاستعداد المحلي، يمكننا حينها التوفيق بين إزالة الكربون والنتائج المنصفة والعادلة التي تعني عدم ترك أيّ أحد، أو أيّ مكان، متخلفًا عن الركب".
توصيات
يقول معدّو الدراسة، إن انتقال الطاقة العادل يسعى لضمان تشارك مكاسب ذلك التحول على نطاق واسع، مع تخفيف الأضرار المصاحبة وتقديم الدعم للمحتاجين.
لكن إذا فشل صنّاع السياسات في تقييم توزيع التكاليف والمكاسب وتنظيم السياسات المرتبطة بآثار وفرص التحول على نحو عادل بالنسبة للأسر والمجتمعات، سيكون هناك خطر بتفاقم انعدام المساواة بين طبقات المجتمع، بل وستظهر فوارق جديدة.
ولتجنّب ذلك، تدعو الدراسة إلى الاعتراف بانعدام المساواة القائم لتجنّب المزيد من الحرمان والإقصاء وضمان نجاح التحول إلى عالم أخضر.
وأوصى التقرير حكومة المملكة المتحدة بتقديم دعم مالي للفقراء للمساعدة في تغطية ارتفاع تكلفة التطورات بقطاعي النقل والمنازل، وكذلك ارتفاع تكاليف الغذاء والوقود.
تقول أستاذة السياسات الاجتماعية بجامعة يورك، كارولين سنيل: "نحن في المنتصف من أزمة مناخ، وتغيرات الحياد الكربوني جزء أساس من هذا.. إنها بالفعل تشكّل طريقة حياتنا، لكن إذا ذهبنا بعيدًا دون دعم الفئات الأكثر احتياجًا، فإننا سنتركهم متخلفين عن الركب".
وتضيف: "انعدام القدرة على المشاركة في تلك التغيرات يعني بالنهاية أن بعض قطاعات السكان ستُترك مع منازل قديمة ومكلفة، وهو ما يفاقم ظروفهم".
وتابعت: "سياسات الحياد الكربوني بحاجة للاعتراف بالفروقات القائمة وعلاجها، وعلى سبيل المثال، ينبغي أن تزيل السياسات الحواجز المالية التي تمنع الأسر محدودة الدخل من المشاركة في التحول عبر تقديم حزم دعم مالي جديدة".
وتقول الدراسة، إن التحول يهدد بدفع الأسر والمجتمعات المعرضة للخطر، نحو مزيد من الحرمان والإقصاء والأزمات.
وعلاوة على كل ذلك، ستكون تلك الجماعات الأكثر تضررًا من آثار تغير المناخ، والسياسات المرتبطة بالحياد الكربوني في المملكة المتحدة.
ومن بين المقترحات الأخرى منح المزيد من الصلاحيات للسلطات المحلية، بعيدًا عن الحكومة المركزية لتنفيذ سياسات المناخ.
دعوة للمشاركة
أطلق معدّو الدراسة دعوة لصنّاع السياسات لزيادة مشاركة السكان؛ لأن العمل على فهم احتياجات المجتمعات المحلية ومخاوفهم عنصر طويل الأمد في صناعة الخطط البيئية، ويمكن تطبيقه بصورة أكبر في سياسات الحياد الكربوني في المملكة المتحدة.
تقول الباحثة بجامعة يورك، التي شاركت في إعداد الدراسة، كيلي كيندي: "عندما نفكر بشأن التحول إلى مستقبل أكثر اخضرارًا، عادة ما نفكر بشأن الحلول العلمية والصناعية والتقنية التي نحتاج لتطبيقها لإدارة التغيير".
وتضيف: "لكن هذا انتقال بشري يتطلب مشاركة الأفراد والأسر والمجتمعات، وهذا يعني إشراك الناس في كل مراحل الرحلة، والاعتراف بأننا لسنا جميعًا على قدم المساواة".
موضوعات متعلقة..
- الحياد الكربوني في المملكة المتحدة يثير غضب برلماني بارز ضد رئيس الحكومة
- تأجيل خطط الحياد الكربوني في المملكة المتحدة.. دعم للشعب أم لعبة سياسية؟ (تقرير)
- انتخاب "سوناك" يهدد الحياد الكربوني في المملكة المتحدة
اقرأ أيضًا..
- هل ترتفع أسعار الكهرباء في العراق؟ (خاص)
- الموافقة على أكبر مشروع تعدين في العالم بأفريقيا
- طاقة الرياح في تركيا تتوسع بمزرعة جديدة