أشعلت إمدادات النفط في غايانا صراعًا بين اثنتين من كبريات شركات الطاقة الأميركية، وسط مخاوف من تأثير هذه الخلافات في إنتاج الدولة حديثة العهد بتطوير الذهب الأسود.
وكان لشركة إكسون موبيل (Exxon Mobile) الأميركية دور مهم في التوصل إلى أول إنتاج نفطي من حقول غايانا عام 2019، لكن يبدو أن شركة شيفرون (Chevron) الأميركية -أيضًا- تسعى لمنافستها بقوة على هذه الإمدادات الوفيرة.
ورغم أن إنتاج غايانا الحالي يُقدر بنحو 400 ألف برميل يوميًا فإن التحالف الذي تقوده إكسون يتطلع إلى مضاعفة هذا الإنتاج 3 مرات في غضون سنوات قليلة، ما تسبب في زيادة المخاوف من دخول شركة بحجم شيفرون شريكًا.
وتتعاون إكسون مع شركتي هيس (Hees) الأمريكية وسينوك (CNOOC) الصينية لتطوير خام غايانا، في حين تخطط شيفرون للاستحواذ على أصول "هيس"، ومن ضمنها حصتها في مربع ستابروك.
حرب الشركات
تدافع إكسون موبيل عن حقها في اكتشاف النفط في غايانا وتطويره، لمواصلة المسار الذي بدأته منذ سنوات، وترى أنها تملك حق الرفض المسبق للصفقة، وفق بنود تعاقدها على تطوير مربع ستابروك، وانضمت سينوك الصينية لهذا الفريق.
وعادة ما يُستعمل حق الرفض الأول (ROFR) في العقود لتنظيم المعاملات التجارية للأطراف المشاركة في التعاقدات ثلاثية الأطراف، وبموجبه يحق للطرف المالك لهذا البند إبداء رأيه في أي تغيير يطرأ على التعاقد.
ومقابل دفاع إكسون، تتمسك شركتا شيفرون وهيس بعدم مخالفتهما لهذا الشرط، إذ إن بنود صفقة الاستحواذ بينهما لا تتعارض مع بنود تطوير المربع، حسب رويترز.
وتقدر حصة إكسون في المربع بنحو 45%، في حين تقدر حصة هيس بنحو 30%، وتؤول الحصة المتبقية إلى الشركة الصينية.
وتضغط شيفرون على هيس لإقناع إكسون موبيل بقبول صفقة الاستحواذ، خاصة أن هيس ستتحمل رسوم عدم اكتمال الصفقة بقيمة 1.7 مليار دولار إذا لم تصل هيس وشيفرون إلى مرحلة إغلاق الصفقة البالغة 53 مليار دولار، حسب ما خاطبت به هيئة إيداع الأوراق المالية.
وانعكس تصاعد الخلاف سلبًا على أسهم شركتي هيس وشيفرون، إذ انخفضت بنسبة 3% و1% على التوالي.
مربع ستابروك
يعد مربع ستابروك أبرز أصول النفط في غايانا، إذ تصل احتياطياته إلى 11 مليار برميل، وكانت هذه الموارد الغنية منبع دفاع وتمسك إكسون موبيل عن حقها في التطوير دون منافسة شركات قوية.
ويتطلع التحالف الثلاثي بقيادة إكسون للوصول إلى إنتاج قدره 1.2 مليون برميل نفط يوميًا بحلول عام 2027، في حين تواصل الحكومة خططها لتطوير قطاع النفط في غايانا وتزويده بالمزيد من الاستثمارات.
وكان أحدث خطوات الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية، إطلاق مناقصة بحرية مؤخرًا جذبت أنظار شركات: توتال إنرجي (Total Energies) الفرنسية، وقطر للطاقة (Qatar Energy)، وبتروناس (Petronas) الماليزية، وتقدمت بعروض.
وتكثف إكسون من جهودها الدفاعية، وتتعاون مع حكومة غايانا، لحماية ما أسست له من أصول نفطية، وحماية الحقوق والامتيازات.
وأغرت إمدادات المربع شركة شيفرون أيضًا، وكانت أصول النفط في غايانا محور صفقة الاستحواذ، إذ لم تكتسب بقية أصول هيس ذات القدر من الأهمية.
حصة جاذبة
حاولت شيفرون مسك منتصف العصا، إذ أبدت تفاؤلًا حول نتيجة مفاوضات الصفقة، وفي الوقت ذاته هددت باللجوء إلى التحكيم إذا لم تُغلق الصفقة لصالحها بعد التوصل إلى تسوية مرضية للأطراف كافّة.
وخفضت شيفرون وهيس من إمكان تسبب حق الرفض، الذي تلوح به إكسون، في تعطيل صفقة الاستحواذ أو عرقلتها.
وعلقت لجنة التجارة الفيدرالية في أميركا صفقة الاستحواذ، لحين توافر معلومات إضافية، ودفع هذا التعليق نحو توقع تأخر إتمام الصفقة إلى منتصف عام 2024 الجاري.
وحال استمرار رفض إكسون لها، والتقدم بطلبات حول حق الرفض المسبق مرة أخرى، قد تتأجل الصفقة مرة أخرى.
من جانبه، قال كبير مسؤولي الاستثمارات في شركة بيكرينغ إنرجي بارتنرز (PEP)، دان بيكرينغ، إن الصراع بين اثنتين من كبرى الشركات الأميركية يعكس أهمية مشروعات النفط في غايانا خاصة لإكسون التي تتمسك بها بشدة.
وأضاف أن شيفرون مدركة للغاية لمدة أهمية حصة هيس في مربع ستابروك البالغة 30%.
عوائد اقتصادية
سبق أن نبه مستشار تحرير منصة الطاقة، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي -منذ أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي 2023- إلى أهداف شيفرون الحقيقية وراء صفقة الاستحواء على أصول شركة "هيس".
وأوضح الحجي، في إحدى حلقات برنامج "أنسيّات الطاقة"، أن استثمارات "هيس" بقطاع النفط في غايانا كانت السبب الرئيس وراء سعي شيفرون إتمام الاستحواذ، نظرًا إلى ضم غايانا إنتاجًا غزيرًا يدر تدفقات مالية ومكاسب هائلة.
وقال إن أحواض النفط البحرية في غايانا عززت النجاحات التي أحرزتها إكسون وهيس، خاصة أنها منطقة ثرية بإمدادات تبشر باكتشافات متواصلة.
وحذر الحجي من التبعات السياسية والاقتصادية لصفقة استحواذ شيفرون على هيس، إذ ذهب إلى ما أبعد من مجرد صراع بين شركتين.
وأوضح أن الأحداث تشير إلى سيطرة أميركية على المياه والاحتياطيات، وقد يأتي هذا برد فعل من حكومة غايانا، للدفاع عن حقها في التنقيب عن النفط.
ولفت إلى أن إنتاج النفط في غايانا منذ عام 2019 عزز الوعي تجاه امتلاك حصة أكبر من ذي قبل، خاصة أن حصة العائدات تذهب في الغالب إلى الشركات مع احتفاظ الحكومة بحصة ضئيلة.
ويرصد الرسم أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- تطور إنتاج النفط في غايانا من عام 2019 حتى العام الماضي 2023:
صراع أميركا وغايانا
حذر الدكتور أنس الحجي من رد الفعل حال تنامي المطالبات الحكومية بالحصول على حصة أكبر من عائدات استثمارات النفط في غايانا، مشيرًا إلى أن الصراع في هذه الحالة سيأخذ نطاقًا أكبر من الخلاف بين إكسون موبيل وشيفرون.
وقال إنه حال تزايد الصدام بين الحكومة والشركات إلى حد وقف الاستثمارات والنمو، قد تلجأ الحكومة إلى قرار تأميم هذه الشركات.
وأشار الحجي إلى أن نمو قطاع النفط في غايانا، وتزايد المخاطر من ردة الفعل الحكومية بطلب حصة أكبر أو تلويح بالتأميم، قد يدفع إلى تدخل من الجيش الأميركي خاصة أن غالبية صادرات غايانا (بقيمة 300 ألف برميل يوميًا) تذهب إلى صالح أوروبا لتعويض النفط الروسي.
وأكد أنه في هذه الحالة ستكتسب إمدادات الخام من غايانا قيمة سياسية وإستراتيجية، كاشفًا عن أن شيفرون لم تكن تسعى للاستحواذ على أصول هيس في غايانا سوى بمباركة وتأييد من البيت الأبيض.
موضوعات متعلقة..
- النفط في غايانا قد يتحول إلى نقمة.. ارتفاع المعيشة والصراع مع فنزويلا الأبرز
- أنس الحجي: استحواذ شيفرون على هيس هدفه غايانا.. ولهذه الأسباب قد يتدخل الجيش الأميركي (صوت)
- اكتشاف نفطي في غايانا على يد إكسون موبيل
اقرأ أيضًا..
- أسعار ألواح الطاقة الشمسية في مصر ترتفع رغم انخفاض الدولار
- ذكرى غزو أوكرانيا.. 11 تقريرًا ترصد تطورات أسواق الطاقة (ملف خاص)
- مشروع تورتو أحميم للغاز المسال يواجه عقبة جديدة.. وحلم موريتانيا يتأجل