التقاريرتقارير النفطتقارير دوريةسلايدر الرئيسيةنفطوحدة أبحاث الطاقة

من يملك نفط كردستان العراق؟.. القصة الكاملة للصراع بين بغداد وأربيل (تقرير)

وحدة أبحاث الطاقة - أحمد عمار

اقرأ في هذا المقال

  • يعود الخلاف القائم بين بغداد و إقليم كردستان بشأن النفط إلى عام 2007
  • إقليم كردستان العراق ينتج 470 ألف برميل يوميًا تقريبًا
  • أكثر من شركة نفط انسحبت من الإقليم بطلب من حكومة بغداد
  • الحكم الدولي ضد الإقليم دفع الطرفين للجلوس على طاولة المفاوضات
  • العقبات المالية ما تزال تمنع استئناف صادرات النفط عبر تركيا

رغم أن أزمة نفط كردستان العراق شهدت حالة من الانفراجة -إلى حدّ ما- بين حكومتي بغداد وكردستان، بعد صراع بدأ عام 2007 حول عائدات وإدارة حقول النفط والغاز في الإقليم، فإن تصدير الخام عبر تركيا ما يزال متوقفًا، وسط التصريحات المتعددة بقرب حل الأزمة.

وجاء تقارب وجهات النظر بين الطرفين بعد صدور حكم دولي لصالح بغداد في مايو/أيار 2022، أدى إلى وقف تصدير النفط الكردستاني عبر خط أنابيب (كركوك-جيهان)؛ ما دفع إلى تجنيب الخلاف وبدء اتخاذ خطوات عملية نحو التوافق، لكنها لم تُكلل بالنجاح حتى الآن.

وتستعرض وحدة أبحاث الطاقة -في تقرير معلوماتي على شكل سؤال وجواب- الخلاف بين بغداد وكردستان العراق، الذي يتمحور عنوانه الرئيس حول "من له الحق في السيطرة واستغلال نفط كردستان العراق؟، وما الوضع الحالي مع تركيا؟".

ما الذي أشعل الصراع بين بغداد وكردستان العراق؟

بدأ إشعال الصراع عندما أصدر إقليم كردستان العراق في عام 2007 قانونًا للنفط والغاز أتاح للإقليم التعاقد مع شركات أجنبية بشأن الحقول الموجودة داخله بصورة منفردة.

وبناءً على ذلك القانون، أُنشئ المجلس الإقليمي لشؤون النفط والغاز لتولّي وضع السياسة النفطية وخطط التنقيب وتطوير حقول نفط كردستان العراق، وجرت الموافقة على العقود الخاصة بالعمليات النفطية، بعيدًا عن الحكومة المركزية في بغداد.

من طرفها، رأت حكومة بغداد ذلك القانون مخالفًا للدستور، وأنها صاحبة الحق في استغلال الثروات النفطية بكل المناطق العراقية.

حقل غاز في العراق
حقل غاز في العراق - الصورة من رويترز

وبعد مرور نحو 7 سنوات على إصدار كردستان العراق قانون النفط والغاز، بدأ الإقليم رسميًا عام 2014 في تصدير وبيع النفط بعيدًا عن حكومة بغداد، لكن سبق ذلك تصدير كميات صغيرة عبر الشاحنات منذ عام 2012.

وأرجعت حكومة أربيل تصدير نفط كردستان العراق بشكل منفرد إلى قطع حكومة بغداد حصتها من الموازنة العامة للبلاد في 2014، وهو ما دفع الإقليم للقيام بذلك لتأمين رواتب الموظفين وتقديم الخدمات العامة.

واستند الإقليم في قراره إلى قانون أصدره برلمان كردستان عام 2013، يتيح له تحصيل المستحقات المالية من الإيرادات الاتحادية، لتغطية كل المتطلبات المالية التي تمتنع حكومة بغداد عن أدائها.

يشار إلى أن نفط كردستان العراق يُصدّر عبر خط الأنابيب الممتد من الإقليم إلى تركيا (كركوك-جيهان)، أو من خلال صهاريج محمّلة بالنفط عن طريق البر إلى تركيا.

كيف تصرفت حكومة بغداد؟

من جانبها، رفضت حكومة بغداد ما فعله إقليم كردستان منذ البداية، ولجأت وزارة النفط العراقية في عام 2012 إلى القضاء، ورفعت دعوى اتهمت فيها الإقليم بالامتناع عن تسليم النفط الخام إلى الحكومة الاتحادية، وتصديره خارج العراق دون موافقتها.

وبعد سنوات من الصراع داخل القضاء، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في 15 مايو/أيار عام 2022 حكمًا بعدم دستورية قانون النفط والغاز الخاص بإقليم كردستان الصادر في2007 وإلغائه، مرجعةً ذلك إلى مخالفته أحكام مواد بالدستور العراقي الصادر في 2005.

وألزم الحكم كردستان العراق بتسليم جميع إنتاج النفط من حقول الإقليم والمناطق الأخرى التي يُستخرج منها الخام، إلى الحكومة الاتحادية المتمثلة في وزارة النفط العراقية.

بدورها، رفضت حكومة كردستان العراق ذلك الحكم، إذ وصفته بغير المقبول وغير العادل وعدم مطابقته للدستور، داعية الحكومة المركزية إلى النظر في مطالب الإقليم.

وزارة النفط العراقية
وزارة النفط العراقية - الصورة من موقع الوزارة

لماذا رفض إقليم كردستان الحكم؟

كانت حكومة إقليم كردستان قبل صدور الحكم قد طالبت بتأجيل الدعوى؛ بهدف منح فرصة للاتفاق مع الحكومة الاتحادية حول نفط كردستان العراق.

واستندت حكومة كردستان في رفضها الحكم إلى المادة 117 في الدستور العراقي لسنة 2005، التي تنص على أن "كردستان" إقليم اتحادي يمارس جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

وأكد بيان لحكومة الإقليم أن الدستور جاء في مادته الـ112 أن مجال النفط والغاز لا يقع ضمن السلطات الحصرية للحكومة الاتحادية، وأنها اعترفت بحق الإقليم في استخراج وتطوير حقول النفط والغاز الواقعة داخل أراضيه.

وجاء في البيان الصادر رفضًا لقرار المحكمة الاتحادية، واطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة، أن إصدار إقليم كردستان قانون النفط والغاز الخاص به في عام 2007 كان بالتوافق مع الحكومة المركزية.

وتوصّل الاتفاق وقتها إلى أنه في حال عدم إقرار مشروع القانون الصادر في 2007 بمجلس النواب العراقي خلال 6 أشهر بالصيغة المتفق عليها من قبل الطرفين، فإن الحكومتين سيكون بإمكانهما تطوير قطاع النفط والغاز.

ونتيجة إدخال الحكومة الاتحادية -بحسب بيان إقليم كردستان- تغييرات على قانون النفط والغاز المشترك دون الرجوع لكردستان، أصدر برلمان الإقليم قانون النفط والغاز الخاص به بشكل منفرد، وأدخله حيز التنفيذ في 2007.

إلى أين وصلت المفاوضات قبل صدور الحكم القضائي؟

قبل صدور قرار المحكمة الاتحادية في 2022، كانت هناك مفاوضات قائمة بين حكومة بغداد وحكومة كردستان العراق؛ بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي ينظّم شؤون النفط والغاز في الإقليم.

وكان من بين نتائج الحوار القائم بينهما الاتفاق على تضمن موازنة 2021 تسليم حكومة الإقليم عائدات بيع 250 ألف برميل يوميًا من نفط كردستان العراق إلى الحكومة المركزية.

وظلت المفاوضات مستمرة بين الطرفان بعد صدور قرار المحكمة الاتحادية، وتضمنت مناقشة كيفية تنفيذ الحكم، ولكنها في نهاية المطاف وصلت إلى طريق مسدود، وفشلت مثل سابقاتها من المفاوضات.

وقال وزير النفط العراقي السابق إحسان عبدالجبار اسماعيل، خلال وجوده على رأس وزارة النفط، إن الحكومة الاتحادية ستعمل على تنفيذ حكم المحكمة رغم رفض الإقليم، وستواجه التحديات المحتملة لتنفيذ القرار، ولكنه أكد في الوقت نفسه أن البدء في تنفيذ الحكم لا يعني قطع الحوار مع الإقليم.

وانتقد الوزير السابق وجود سياستين للنفط في العراق: واحدة تطبّقها الحكومة الاتحادية، وأخرى حكومة كردستان؛ وهو ما يؤثّر في السياسة النفطية الخارجية للبلاد عمومًا.

لماذا يصر العراق على أحقيته في حقول كردستان؟

توضح وزارة النفط العراقية أن تكلفة إنتاج برميل نفط كردستان العراق تمثّل 50% من سعره الذي يقلّ كثيرًا عن سعر شركة تسويق النفط (سومو)، وهو من ضمن المآخذ للحكومة الاتحادية على سياسة إنتاج وبيع النفط في الإقليم.

ولا تتجاوز إيرادات إقليم كردستان العراق من بيع النفط 50% من قيمة الخام المبيع، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

وأكدت وزارة النفط العراقية أن إقليم كردستان لم يلتزم بالحصص المخصصة للعراق بموجب اتفاقيات تحالف أوبك+، وهو الأمر الذي تسبَّب في سلبيات على العوائد المالية للحكومة الاتحادية.

وأوضحت الوزارة أن الحكومة الاتحادية لا تريد السيطرة على النشاط النفطي في الإقليم، ولكنها ترغب في تنظيمه، مشيرةً إلى أن شركة نفط كردستان العراق ستكون بصلاحيات واسعة، باستثناء إقرار خطة التطوير، وتسعير برميل النفط.

ماذا بعد رفض الحكم الصادر في 2022؟

صدرت تصريحات من وزارة النفط العراقية وقتها، تضمنت تهديدًا لإقليم كردستان العراق بمخاطبة الشركات النفطية العاملة بالإقليم للانسحاب منه وعدم قانونية العمل به، وهو ما حدث بالفعل من مخاطبات أدت إلى انسحاب أكثر من شركة.

وهددت وزارة النفط العراقية باتخاذ حكومة بغداد خطوات لتنفيذ قرار المحكمة العليا بإلغاء عقود نفط كردستان العراق، إذ يرى أن الصفقات التي أبرمها الإقليم مع شركات النفط الدولية بعيدًا عن بغداد غير قانونية، وتصل إلى حدّ تهريب النفط.

وبحسب التصريحات الصادرة وقتها، خاطبت الحكومة العراقية الشركات العالمية الموقّعة لصفقات نفط مع الإقليم، لتحذيرها بعدم قانونيتها، وبالفعل، استجابت شركات نفط عالمية لقرار المحكمة الاتحادية.

وفي يوليو/حزيران 2022 -بعد شهر من صدور حكم المحكمة الاتحادية لصالح بغداد-، أصدرت وزارة النفط العراقية بيانًا تضمَّن محتواه تأكيدًا لـ3 شركات نفط عالمية كبرى وهي، شلمبرجيه -(إس إل بي) حاليًا- وبيكرهيوز وهاليبرتون، عدم التقديم على مشروعات جديدة في إقليم كردستان؛ امتثالًا لقرار المحكمة الاتحادية.

وكان قد سبق صدور البيان إعلان شركتي بيكر هيوز وشلمبرجيه (إس إل بي) الأميركيتين، انسحابهما من إقليم كردستان؛ امتثالًا لقرار المحكمة الاتحادية.

ماذا حدث بعد صدور حكم دولي لصالح بغداد؟

من جهة أخرى، نجح العراق -مارس/آذار 2023- في الحصول على حكم دولي لصالحه في دعوى كان قد رفعها ضد تركيا، أمام محكمة تجارية تابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس.

واتهمت بغداد في الدعوى تركيا بانتهاك اتفاقية خط أنابيب (كركوك-جيهان) الموقّعة بينهما عام 1973، إذ وافقت أنقرة على استقبال نفط كردستان العراق دون إشراف وزارة النفط العراقية؛ ما دفع الحكومة العراقية إلى الاحتجاج أكثر من مرة على ذلك.

وألزم الحكم تركيا بدفع تعويضات تُقدَّر بـ1.5 مليار دولار للعراق قبل الفوائد في حكم يغطي المدّة بين 2014 و2018، تتعلق بنقل نفط إقليم كردستان عبر خط أنابيب جيهان، دون الحصول على إذن بغداد.

وبعد صدور الحكم الدولي، أوقفت تركيا استقبال شحنات نفط كردستان العراق البالغة 450 ألف برميل يوميًا، إذ أبلغت أنقرة من خلال شركة أنابيب النفط المملوكة للدولة (بوتاش)، حكومة بغداد أنها علّقت ضخ نفط الإقليم إلى ميناء جيهان التركي، الذي بدأ التدفق في يناير/كانون الثاني منذ عام 2014.

كما اتجهت شركات نفط أخرى عاملة في الإقليم إلى تخفيض إنتاجها والتخزين بعد صدور الحكم الدولي وامتثال تركيا له، من بينها شركة غلف كيستون "Gulf Keystone" التي تمتلك حقل شيخان النفطي في إقليم كردستان العراق.

وفي 29 مارس/آذار الماضي (2023)، قررت شركة "دي إن أو" النرويجية -وهي أكبر شركة منتجة لنفط كردستان العراق- خفض إنتاجها في ظل استمرار الخلاف بين حكومة الإقليم وبغداد.

ما الوضع الحالي؟

رغم تعدّد تصريحات قرب انفراج الأزمة ونجاح التوصل إلى اتفاق بين حكومة بغداد والإقليم، ما يزال نفط كردستان العراق متوقفًا عن التصدير إلى ميناء جيهان التركي، وما تزال الأمور معقّدة.

وتؤكد حكومة بغداد أنّ وقف تصدير نفط كردستان لن يضرّ الإقليم فقط، بل سيؤثّر -أيضًا- في إجمالي الإيرادات النفطية للعراق؛ ما يزيد من عجز الموازنة، وهو ما دفع الطرفين -حكومة بغداد وحكومة إقليم كردستان- إلى تعجيل الجلوس على طاولة المفاوضات للوصول إلى حل وسط، يسمح بتصدير نفط كردستان العراق.

وبالفعل، وقّعت حكومة بغداد مع إقليم كردستان العراق في 4 أبريل/نيسان 2023 اتفاقًا مؤقتًا لاستئناف تصدير نفط كردستان العراق، لكن في الوقت نفسه، أوضحت تركيا أن خط الأنابيب قيد الصيانة.

وفي 5 أغسطس/آب 2023، عقدت الحكومتان اجتماعًا لبحث صياغة مشروع قانون جديد للنفط والغاز، واتفقتا على تشكيل لجنة لصياغة مشروع القانون للمساعدة في حل الخلافات حول الحقوق الدستورية لإقليم كردستان على النفط والعائدات.

ميناء جيهان التركي
ميناء جيهان التركي - الصورة من رويترز

وأشارت تركيا إلى أن استئناف عمليات التصدير سيكون بعد إتمام عمليات تأهيل خطوط الأنابيب، التي تضررت جراء الزلزال المدمر الذي وقع في فبراير/شباط 2023.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلنت تركيا جاهزية الخط لاستئناف صادرات نفط كردستان العراق؛ ومع ذلك، ما يزال العديد من الخلافات الفنية والمالية يحول دون ذلك.

ويدرس العراق تعديل الموازنة الاتحادية لكي تتمكن البلاد من دفع مستحقات شركات النفط العالمية العاملة في كردستان، واستئناف الصادرات، إذ تتعرض بغداد لخسائر كبيرة جراء توقّف التصدير، وينطبق الأمر نفسه مع الشركات العاملة في المنطقة.

وبعد أن كانت منطقة كردستان تنتج نحو 470 ألف برميل يوميًا، أصبحت حاليًا تنتج ما بين 80 و90 ألف برميل يوميًا فقط من النفط الخام توجَّه لمصافي تكرير محلية، وهو ما يبرز الخسائر الكبير للبلاد من توقُّف إنتاج تلك الكمية الكبيرة وتصديرها للخارج.

يشار إلى أن العراق قد أنتج 4.27 مليون برميل يوميًا في عام 2023، مقابل 4.439 مليون برميل يوميًا عام 2022، مع مشاركته في تخفيضات إلزامية وطوعية ضمن تحالف أوبك+، كما يصدّر -حاليًا- نحو 3.4 مليون برميل يوميًا، بإيرادات شهرية تراوحت بين 7 و8 مليارات دولار خلال العام الماضي، كما يستعرض الرسم البياني التالي، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة:

إيرادات صادرات النفط العراقي (2021 - 2023)

وفي نهاية يناير/كانون الثاني 2023، أشارت تقارير إلى اقتراب توصّل حكومة كردستان وبغداد لاتفاق لتعويض الإقليم بسعر بيع ثابت لجميع النفط الخام المنتج يبلغ 20.6 دولارًا للبرميل؛ ما يُقرّب من حل النزاع السياسي الذي أوقف الصادرات منذ نحو 10 أشهر، وفق ما نقلته منصة "إس آند بي غلوبال" (S&P Global).

وكان وزير الموارد الطبيعية في حكومة إقليم كردستان، كمال محمد صالح، قد صرّح بأن العقبة الوحيدة أمام استئناف صادرات كردستان هي تكاليف الإنتاج للبرميل الواحد، مشيرًا إلى الموازنة العراقية خصصت 6 دولارات للبرميل لذلك، وهو أقل بكثير مما تريده حكومة أربيل، بما يصل إلى 30 دولارًا للبرميل.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق