إلزام شركات تعدين العملات المشفرة في أميركا بالإفصاح عن استهلاكها للكهرباء (تحديث)

تمثّل زيادة عمليات تعدين العملات المشفرة تحديات واسعة أمام المراقبين لشبكات الكهرباء في الولايات المتحدة والعالم، بسبب كثافة استهلاك هذا القطاع وصعوبة تحديد مواقعه.

وارتفع الطلب على الكهرباء المرتبط بعمليات تعدين العملات الرقمية -البيتكوين غالبًا- في الولايات المتحدة بسرعة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية؛ ما دفع المحللين للتساؤل عن حصتها من إجمالي الاستهلاك.

وقدّر تقرير حديث -اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة- حجم الكهرباء المستهلكة في عمليات تعدين العملات المشفرة بما يتراوح بين 0.6% و2.3% من إجمالي الاستهلاك السنوي في الولايات المتحدة، إلّا أن التحديد التدقيق للنسبة ما يزال صعبًا.

ونتيجة لذلك، أوضحت إدارة معلومات الطاقة الأميركية أنها ستُجري مسحًا إلزاميًا لتقييم استهلاك الكهرباء المرتبط بتعدين العملات الرقمية مع النمو السريع لهذا النشاط.

وفي 26 يناير/كانون الثاني 2024، حصلت إدارة معلومات الطاقة على إذن مكتب الإدارة والميزانية في الولايات المتحدة، من أجل إلزام الشركات العاملة في تعدين العملات المشفرة بالإبلاغ عن استهلاكها للكهرباء بدءًا من فبراير/شباط الجاري.

استهلاك الكهرباء في العملات المشفرة

تراوح استهلاك تعدين العملات المشفرة من الكهرباء عالميًا من 67 تيراواط/ساعة إلى 240 تيراواط/ساعة عام 2023، ما يعني متوسطًا يصل إلى 120 تيراواط/ساعة، بحسب مؤشر كامبريدج لاستهلاك البيتكوين للكهرباء (CBECI).

وقدّرت وكالة الطاقة الدولية حجم استهلاك الكهرباء العالمي بنحو 27.4 ألف تيراواط/ساعة عام 2023، ما يعني أن حصة تعدين العملات الرقمية تتراوح بين 0.2% و0.9% من الطلب العالمي على الكهرباء، أو ما يعادل الاستهلاك الإجمالي في اليونان أو أستراليا على التوالي.

وارتفعت حصة تعدين العملات المشفرة في الولايات المتحدة من الإجمالي من 3.4% في يناير/كانون الثاني 2020 إلى 37.8% في الشهر نفسه من 2022، استنادًا إلى بيانات مؤشر كامبردج لاستهلاك البيتكوين للكهرباء.

وعلى افتراض أن حصة تعدين البيتكوين -أكبر العملات المشفرة- ما زالت في حدود 38%، فإن استهلاكها من الكهرباء قد يتراوح بين 25 إلى 91 تيراواط/ساعة، ما يعادل 0.6% إلى 2.3% من إجمالي الاستهلاك الأميركي عام 2023، والذي بلغ 3.9 ألف تيراواط/ساعة.

ويعادل هذا التقدير استهلاك 3 إلى 6 ملايين منزل أميركي، كما يعادل استهلاك ولايات بأكملها مثل يوتا وفرجينيا الغربية، بحسب تقرير تحليلي متخصص حول هذه الظاهرة صادر عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

وأدى هذا الاستهلاك الإضافي للكهرباء في عمليات تعدين العملات المشفرة إلى لفت انتباه صانعي السياسات ومخططي الشبكات القلقين بشأن آثار ذلك في التكلفة والموثوقية والانبعاثات.

منهجية تجريبية لحساب الاستهلاك

يواجه المراقبون لشبكات الكهرباء الأميركية صعوبات جمة في تتبع استهلاك الكهرباء المرتبطة بعمليات تعدين العملات المشفرة، أبرزها صعوبة تحديد نشاط التعدين بين ملايين العملاء والمستهلكين النهائيين.

وترجع تلك الصعوبة إلى الطبيعة المرنة لسوق العملات المشفرة، إذ يمكن للفاعلين فيه نقل أصول التعدين بسرعة إلى مناطق ذات أسعار منخفضة للكهرباء، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

وتعكف إدارة معلومات الطاقة على تطوير منهجية تتبّع صارمة لاستهلاك الكهرباء في عمليات تعدين العملات المشفرة عبر جمع البيانات المتعلقة بمواقع التعدين الفردية وكمية الكهرباء التي تقول كل منشأة، إنها قد تستهلكها.

وتتضمن المنهجية المقترحة الاستناد إلى بيانات مركز كامبريدج للتمويل البديل (CCAF)، والذي طوّر مؤشرًا رائدًا في تقدير استعمال الكهرباء بأنشطة العملات المشفرة على المستوى العالمي والوطني.

وتخطط إدارة معلومات الطاقة لبدء جمع البيانات المتصلة بأنشطة تعدين العملات المشفرة في الولايات المتحدة على أساس شهري بداية من فبراير/شباط وحتى يوليو/تموز 2024، ما قد يمكّنها من نشر معلومات أكثر تفصيلًا عن استهلاك الكهرباء في هذا القطاع المثير للجدل خلال عام 2024.

لماذا يتوسع تعدين البيتكوين في أميركا؟

على الرغم من أن تعدين العملات المشفرة بدأ في الولايات المتحدة منذ عقد من الزمن، فإن النشاط توسّع بسرعة عام 2019، مع تحوّله بعيدًا عن الصين، التي اتخذت إجراءات صارمة ضد القطاع عام 2021، لكنه لم يندثر كلّيًا بحسب التقارير التي تشير إلى أن بعض الأنشطة التعدينية المرتبطة ما زالت تعمل في بكين.

ومع تزايد تعدين هذه العملات تنامت المخاوف بشأن طبيعة الأعمال كثيفة الاستهلاك للطاقة، وتشمل الضغوط على شبكات الكهرباء خلال أوقات ذروة الطلب، واحتمال ارتفاع الأسعار على المستهلكين، إضافة إلى التأثيرات المتصلة بزيادة انبعاثات الكربون.

على سبيل المثال، أوضح العديد من أعضاء الكونغرس الأميركي في رسائل إلى وزارة الطاقة الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وفبراير/شباط 2023 رغبتهم في تأمين المعلومات التي يمكن أن تحدد بصورة أفضل تأثيرات تعدين العملات المشفرة في الكهرباء وانبعاثاتها.

كما أبدى مخططو الشبكات قلقهم من النمو المتسارع في الطلب على الكهرباء بالأنشطة المرتبطة بتعدين العملات المشفرة، إذ تعتقد مؤسسة موثوقية الكهرباء في أميركا الشمالية (NERC) أن الخصائص الفريدة للعمليات المرتبطة بهذه العملات، يمكنها أن تؤثّر بصورة كبيرة بتوقعات الطلب على الكهرباء.

على الجانب الآخر، يدرس مجلس موثوقية الكهرباء في تكساس (ERCOT) طلبات جديدة لممارسة أنشطة تعدين العملات المشفرة بقدرة 41 غيغاواط، بينما تمّت الموافقة على 9 غيغاواط منها، بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

إستراتيجيات الفاعلين في تعدين البيتكوين

تعتمد تكلفة التشغيل الأساسية لمنشآت تعدين العملات المشفرة على أسعار الكهرباء، نظرًا لكثافة استهلاكها في عمليات تشغيل الآلات من ناحية، وتبريد المعدّات لمنع ارتفاع درجة الحرارة من جانب الآخر.

لهذا السبب، يبحث الفاعلون في هذه الصناعة وملاك المنشآت عن بدائل مختلفة للحصول على كميات كبيرة من الكهرباء بأقل تكلفة ممكنة، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

واستفادت مرافق تعدين هذه العملات من مجموعة متنوعة من الإستراتيجيات لإدارة تكلفة الكهرباء عبر تقليل استهلاكها والتحكم في الأسعار النهائية.

ومن أبرز هذه الإستراتيجيات، اختيار مواقع منشآت التعدين بالقرب من محطات الكهرباء غير المستغلة أو بالقرب من موردي الكهرباء الذين يشكّلون مولدات منخفضة التكلفة، مثل تلك المعتمدة على السدود الكهرومائية الكبيرة.

وتعتمد هذه الإستراتيجية على الاتصال المباشر بمصدر توليد الكهرباء لتجنب التكاليف المرتبطة بالاتصال بشركة نقل أو توزيع كهربائية قديمة، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

وعلى سبيل المثال، تستمد منشآت تعدين العملات المشفرة في ولاية بنسلفانيا طاقتها الكهربائية مباشرة من محطة نووية مجاورة، بينما لجأت منشآت أخرى إلى نقل مرافق التعدين بالقرب من مصادر الطاقة المتجددة مثل مزارع طاقة الرياح، للاستفادة من التكلفة المنخفضة للكهرباء المولدة عبرها.

ومن جهة أخرى، اتخذت أسواق الجملة والتجزئة في الولايات المتحدة تعديلات استباقية للتعامل مع عبء زيادة استهلاك الكهرباء في تعدين العملات الرقمية.

ووضع بعض مشغّلي الشبكات الكهربائية برامج تحفيزية لكبار المستهلكين لحدّ من استهلاكهم خلال أوقات الذروة، تُعرف باسم برامج الاستجابة للطلب.

كما لجأ الفاعلون في المناطق ذات الأسعار المتقلبة للكهرباء إلى تخفيض استهلاكهم خلال الأوقات التي تشهد ارتفاعًا في الأسعار بأسواق الكهرباء الجملة حتى لا تتأثر أرباحهم التشغيلية.

تنبيه.. هذا التقرير جرى تحديثه في 11 فبراير/شباط 2024.

موضوعات متعلقة..

• السيطرة على أسعار الكهرباء في تكساس مرهونة بخفض تعدين "البيتكوين"
• كوسوفو.. رابع دولة تحظر تعدين العملات المشفرة لمواجهة أزمة الكهرباء
• تعدين العملات المشفرة يضرب الكهرباء والتدفئة في مدينة قازاخستانية (تقرير)

اقرأ أيضًا..

• وحدة أبحاث الطاقة: وقف مشروعات الغاز المسال الأميركية يؤذي أوروبا.. وهذا دور قطر والجزائر
• تقرير سعودي يرسم توقعات الطلب على النفط والمعروض في 2024 و2025
• توقعات الطلب على الكهرباء في أفريقيا.. الجزائر ضمن الأكثر نموًا ومصر الأقل (تقرير)
• الحياد الكربوني يقسم الأستراليين.. ومعارضة الطاقة المتجددة تتصاعد (تقرير)