طاقة نوويةتقارير الطاقة النوويةرئيسية

المفاعلات المعيارية الصغيرة.. رهان أوروبا لتحقيق أمن الطاقة

أسماء السعداوي

يبدو أن المفاعلات المعيارية الصغيرة (SMR) على موعد مع الانتشار بأنحاء أوروبا؛ إذ تعول عليها بلدان القارة لتوليد الكهرباء النظيفة إلى جانب مصادر الطاقة المتجددة، وصولًا إلى هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

وبحسب البيانات، التي طالعتها منصة الطاقة المتخصصة نقلًا عن وكالة الطاقة الذرية، تختلف هذه المفاعلات الصغيرة عن محطات الطاقة النووية ذات أبراج التبريد الضخمة؛ بكونها أصغر حجمًا وأكثر مرونة وأقل تكلفة.

كما أن بناءها أسرع وأقل تعقيدًا؛ لأنها مُنتجة في المصنع (وليس في الموقع كما المفاعلات الضخمة)؛ ما يقلل وقت البناء ويجعل عملية إنتاج ونشر نسخ إضافية أسهل وأكثر فاعلية من حيث التكلفة.

ومن المتوقع أن تكشف المفوضية الأوروبية عن تشكيل تحالف صناعي جديد في شهر فبراير/شباط 2024، لنشر المفاعلات المعيارية الصغيرة بأنحاء القارة بحلول عام 2030.

وتعرضت أوروبا لأزمة طاقة مريرة عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، وما تلاها من خروج الغاز الروسي من المشهد؛ ما دفع القارة العجوز للبحث عن بدائل.

لكن من المتوقع أن تلقى الخطوة اعتراضًا داخل بلدان الاتحاد الأوروبي؛ فبالإضافة لارتفاع تكاليف بناء المفاعلات المعيارية الصغيرة وعدم إثبات تنافسيتها الاقتصادية حتى الآن؛ تعارضها ألمانيا والنمسا، كما تقول وكالة الطاقة الدولية إن تطورها وانتشارها ما زال متواضعًا ولا يخلو من عقبات.

المفاعلات المعيارية الصغيرة في أوروبا

خلال المنتدى الأوروبي للطاقة النووية في نسخته الـ16، الذي عُقد في نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم (2023)، قالت مفوضة الطاقة في الاتحاد الأوروبي كادري سيمسون، إن المفاعلات المعيارية الصغيرة قادرة على الإسهام في إزالة الكربون ليس فقط لتوليد الكهرباء وإنما في تطبيقات تعتمد عادة على الوقود الأحفوري.

وأضافت: "الانتشار الناجح للمفاعلات المعيارية الصغيرة بحلول العقد المقبل سيكون علامة فارقة مهمة وحسنة التوقيت على طريقنا إلى الحياد الكربوني بحلول 2050".

وأعربت عن ثقتها بقدرة الاتحاد الأوروبي على قيادة مساعي الوصول لمرحلة النضج التكنولوجي للمفاعلات المعيارية الصغيرة، وقالت: "بالنسبة لي يعني ذلك أنه يتعين ربط أول المفاعلات النووية الصغيرة بشبكة الكهرباء الأوروبية في غضون عقد على الأقل".

ويمكن لمفاعل معياري صغير إنتاج 300 ميغاواط من الكهرباء، وهو ما يشكل نحو ثلث قدرات التوليد لمفاعلات الطاقة النووية التقليدية.

وتُعد محطة "أكاديمك لومونوسوف" الروسية (Akademik Lomonosov) أول محطة نووية عائمة في العالم، ودخلت حيز الخدمة في مايو/أيار 2020، وتحتوي على مفاعلين معيارين صغيرين بقدرة 35 ميغاواط لكل منهما.

محطة أكاديمك لومونوسوف
محطة أكاديمك لومونوسوف - الصورة من موقع شركة روساتوم

كما توجد مفاعلات معيارية صغيرة في طور الترخيص في الأرجنتين وكندا والصين وروسيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، بحسب تقرير نشرته منصة "إي إس آي أفريكا" (esi-africa) والذي طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

اهتمام عالمي

تشير تقديرات وكالة الطاقة الذرية إلى تطوير أكثر من 80 مفاعلًا معياريًا صغيرًا في أنحاء مختلفة من العالم، لأهداف مختلفة من بينها توليد الكهرباء وأنظمة الطاقة الهجينة والتدفئة وتحلية المياه والبخار للتطبيقات الصناعية.

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يتجاوز الإنتاج العالمي للكهرباء من الطاقة النووية الرقم القياسي المسجل في 2021، وأن ينمو توليد الكهرباء من الطاقة النووية بنسبة تقترب من 3% في المتوسط بحلول عام 2026.

مفاعل معياري صغير قيد الإنشاء في الأرجنتين
مفاعل معياري صغير قيد الإنشاء في الأرجنتين - الصورة من لجنة الطاقة الذرية المحلية

وفي الصين، كشف وسائل إعلام محلية عن اكتمال تجميع الوحدة الأساسية لأول مفاعل معياري صغير للأغراض التجارية "لينغ لونغ وان" في مقاطعة هاينان.

وفور اكتمال بنائه، من المتوقع أن يُنتج المفاعل مليار كيلوواط/ساعة سنويًا من الكهرباء؛ ما يكفي لتلبية احتياجات قرابة 526 ألف منزل، كما سيحول دون إطلاق 880 ألف طن تقريبًا من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، ويعادل تأثيره زراعة 7.5 مليون شجرة سنويًا.

انتشار متواضع وتحذير

تقول وكالة الطاقة الدولية إن ثمة زخمًا متناميًا يدفع المفاعلات المعيارية الصغيرة قدمًا، على الرغم من أن تطورها وانتشارها ما زال متواضعًا ولا يخلو من عقبات، فإن البحوث والتطوير بدأت في الانتعاش.

كما حذرت وكالة الطاقة الذرية من ارتفاع التكاليف، كما أنه لم تثبت بعد كفاءتها الاقتصادية.

ولا تحظى الطاقة النووية بالتوافق ذاته الذي نالته الطاقة المتجددة في أوروبا، رغم أنها مصدر طاقة نظيف لا تنتج عنه انبعاثات كربونية تضر البيئة، بحسب تقرير نشرته منصة يوراكتيف (euractiv) وطالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وفي أبريل/نيسان 2023، قررت ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد أوروبي إغلاق آخر 3 مفاعلات نووية، بعد جدال طويل بدأ خوفًا من تكرار كارثة فوكوشيما النووية في اليابان 2011.

كما أشار نائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانس، إلى عقبة التكلفة المرتفعة للمحطات النووية، فضلًا عن استغراق بنائها وقتًا طويلًا، لكنه أكد أنه يقف في طريق الدول الراغبة في اعتمادها.

لكن فرنسا أخذت زمام المبادرة خارج إطار مجلس الطاقة الأوروبي، واستقبلت في منتصف مايو/أيار 2023 اجتماعًا يضم 16 دولة أوروبية داعمة للطاقة النووية، لبحث سبل تعزيز التعاون وتحقيق الاستقلال بعيدًا عن روسيا.

يُشار إلى أن بعض الدول الأوروبية ما زالت تستضيف على أراضيها محطات نووية روسية، وهو ما يزيد من تبعيتها لليوانيوم الروسي.

وأعربت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، عن شكوكها إزاء الطاقة النووية، قائلة إنها لا تعدها تقنية إستراتيجية لإزالة الكربون في أوروبا.

ورغم المعارضة التي قد تعترض إقامة تحالف صناعي لبناء المفاعلات النووية الصغيرة، قال رئيس مجموعة الطاقة النووية في البرلمان الأوروبي البرلماني الفرنسي كريستوف غرودلر إن المشروع "ممكن".

كما طالبت وزيرة الطاقة الفرنسية أغنيس بانيير روناتشر، الاتحاد الأوروبي بوضع الطاقة النووية على قدم المساواة مع الطاقة المتجددة سياسيًا وتقنيًا وتمويليًا.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق