التغير المناخيرئيسيةسلايدر الرئيسيةمقالات التغير المناخي

تنوع انبعاثات غازات الدفيئة يهدد جهود العالم المناخية (مقال)

الدكتور عبدالله النعيمي*

غازات الدفيئة (GHG) هي غازات تحبس الحرارة في الغلاف الجوي، وتسبّب ظاهرة الاحتباس الحراري، كما أنها غازات يصنعها الإنسان أو يزيد من معدلات وجودها، وتؤثّر بحياته وبيئته.

وتُعدّ غازات ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النايتروز من الغازات الأكثر شيوعًا؛ لأنها تحتوي على أعلى التركيزات وأكبر الإسهامات في التأثير الإشعاعي للنظام المناخي.

ومع ذلك، هناك بعض غازات الدفيئة الأخرى التي نمت بسرعة في الـ100 عام الماضية، ولكنها أقل شيوعًا ومعرفة لدى العامة من الناس، ويقلّ الحديث عنها في المؤتمرات العالمية المتخصصة، وهذه الغازات يصنعها الإنسان، وهي الغازات المفلورة والغازات الاصطناعية التي تُستعمل في مختلف التطبيقات الصناعية والتجارية.

وتشمل الغازات المفلورة مركبات الهيدروفلوروكربون (HFCs)، والمركبات المشبعة بالفلور (PFCs)، وسداسي فلوريد الكبريت (SF6)، وثلاثي فلوريد النيتروجين (NF3).

وتحتوي هذه الغازات على تركيزات منخفضة في الغلاف الجوي، لكن قدرتها على احتمالات التأثير في الاحتباس الحراري (GWP) مرتفعة جدًا، مقارنة بثاني أكسيد الكربون.

انبعاثات غازات الدفيئة

تعدّ القدرة على إحداث الاحترار العالمي مقياسًا لكمية الحرارة التي يمكن أن يحبسها الغاز خلال مدة زمنية معينة، مقارنة بثاني أكسيد الكربون.

وعلى سبيل المثال، يمتلك سداسي فلوريد الكبريت قدرة على إحداث الاحترار العالمي تبلغ 23500 على مدار 100 عام، ما يعني أنه يمكنه احتجاز حرارة أكثر بـ23500 مرة من ثاني أكسيد الكربون خلال المدة نفسها.

وتمثّل الغازات المفلورة نحو 3.5% من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة، وتزداد بنحو 5% سنويَا، إذ إن الغازات المفلورة هي مركبات من صنع الإنسان، وتُستعمل في تطبيقات صناعية مختلفة، مثل تكييف الهواء والتبريد والتدفئة.

ويحتوي بعض الغازات المفلورة، مثل مركبات الكلوروفلوروكربون (CFCs) ومركبات الهيدروكلوروفلوروكربون (HCFCs)، على ذرات الكلور التي يمكن أن تستنزف طبقة الأوزون عندما تصل إلى الستراتوسفير.

وتعدّ طبقة الأوزون طبقة رقيقة من الغاز في الغلاف الجوي العلوي، تحمي الأرض من الأشعة فوق البنفسجية الضارة القادمة من الشمس، فالأوزون (O3) هو غاز يتكون من تفاعل الأكسجين وأشعة الشمس، ويمكن العثور عليه في أول طبقتين من الغلاف الجوي، الستراتوسفير والتروبوسفير.

وفي طبقة الستراتوسفير، يحمي الأوزون الأرض من الأشعة فوق البنفسجية الضارة، أمّا في طبقة التروبوسفير -وهي الطبقة الأقرب لسطح الأرض- فيصبح الأوزون ملوثًا يضرّ بصحة الإنسان والغطاء النباتي، لذا يُنظر إلى الأوزون هو -أيضًا- بصفته أحد غازات الدفيئة التي تسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري.

وتتزايد معظم هذه الغازات المفلورة بسرعة دون فحصها أو تقييم قدرتها على إحداث الاحترار العالمي، إذ يركّز معظم الدراسات على كمية غازات الدفيئة، ولكن إمكاناتها لم تُؤخذ بالحسبان جدّيًّا.

على سبيل المثال، يحتوي أكسيد النيتروجين على تركيز منخفض في الغلاف الجوي، ولكن لديه قدرة عالية على إحداث الاحتباس الحراري تبلغ 298 ضعف ثاني أكسيد الكربون خلال 10 أعوام، وإذا جرت جدولة القدرة على احتمال الاحتباس الحراري لجميع غازات الدفيئة، فقد يكون الترتيب من حيث القدرة المستقبلية على تغيير المناخ مختلفًا.

إن قياس تأثير الاحتباس الحراري العالمي بالكم وتجاهل الاحتمالات المستقبلية للاحتباس الحراري قد يكون مضللًا، ويمكن أن يقدّم رسائل مغلوطة، وربما تكون البيانات غير مفيدة للحدّ من تأثيرات غازات الدفيئة المستقبلية.

الجدول التالي يوضح إسهام غازات الدفيئة في الاحتباس الحراري مقارنة بثاني أكسيد الكربون:

جدول يوضح احتمالات تأثير غازات الدفيئة والاحتباس الحراري مقارنة بغاز ثاني أكسيد الكربون
جدول يوضح احتمالات تأثير غازات الدفيئة والاحتباس الحراري مقارنة بغاز ثاني أكسيد الكربون

قياس تأثير كل الغازات

يحتاج العلماء إلى تقييم القدرة على إحداث الاحترار العالمي لكل غازات الدفيئة واتجاهاتها مع مرور الوقت، لأنها تعتمد على الانبعاثات، وتركيزات وتفاعلات كل الغازات في الغلاف الجوي.

لكن ما نعرفه هو أن هذه الغازات تزايدت بشكل ملحوظ في العقد الماضي، إذ زاد أكسيد النيتروز بنحو 3%، وارتفع سداسي كبريتات الكبريت بنحو 34%، وصعد ثلاثي فلوريد النيتروجين بنحو 118%، ونمت الغازات المفلورة بنحو 50%.

تقييم القدرة لهذه الغازات المفلورة على إحداث الاحترار العالمي والارتفاعات السريع في معدلات كثافتها يحدث تحت الرادار دون حسم شدّتها وتقنين مدى انتشارها، وهو ما يشكّل تهديدًا خطيرًا للمناخ، ويحدّ من القدرة على تحقيق هدف خفض الاحتباس الحراري المتمثل في 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وعلى النحو المتفق عليه في اتفاق باريس للمناخ.

وعلى وجه الخصوص، يجب خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 45% بحلول عام 2030، والوصول إلى صافي الصفر(الحياد الكربوني) بحلول عام 2050.

ففي عام 2016، اعتُمِدَ تعديل كيغالي لبروتوكول مونتريال، وهو جزء من بروتوكول مونتريال، إذ تهدف المعاهدة إلى الخفض التدريجي لإنتاج واستهلاك مركبات الكربون الهيدروفلورية (HFCs)، وكان من المقرر أن تصبح المعاهدة سارية المفعول بدءًا من عام 2019 من قبل جميع موقّعي بروتوكول مونتريال.

ومن المؤسف أن الانبعاثات العالمية من الغازات المفلورة، بما في ذلك مركبات الكربون الهيدروفلورية، آخذة في التزايد، فخلال السنوات الـ5 الماضية زادت هذه الغازات بنسبة 20%، ولقد دُرِسَ العديد من السيناريوهات والتوقعات بهدف تقليل القدرة على إحداث الاحترار العالمي لجميع غازات الدفيئة، بما في ذلك خفض انبعاثات أكسيد النيتروز بنسبة 30% بحلول عام 2030، وتقليل تأثير الاحتباس الحراري للميثان بنسبة 35% بحلول عام 2050، إضافة إلى تنفيذ مقررات كيغالي، وما تزال هذه التوقعات والسيناريوهات غير مؤكدة، وتعتمد على التنفيذ الفعلي والامتثال للسياسات واعتماد تكنولوجيات ومواد بديلة قادرة على العمل لإيجاد البدائل المناسبة.

علاوة على ذلك، هناك عوامل أخرى يمكن أن تؤثّر في القدرة على إحداث الاحترار العالمي لهذه الغازات مستقبلًا، مثل تفاعلاتها مع غازات أخرى؛ الأمر الذي يمكن أن يعقّد من قدرة المعارف المتوفرة على التعامل مع مستجداتها، بجانب قدرة الدول للامتثال لمقررات الاتفاقات ذات الصلة.

ومن المؤكد أن إخفاق المجتمع الدولي في الوصول إلى خطط حاسمة للتعامل مع مخلفات الصناعة من الغازات المفلورة ومركبات الكربون الهيدروفلورية (HFCs) سيشكّل تحديات مستقبلية أخرى لاتفاقية باريس، وقدرتها على الحفاظ على 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، علاوة على ذلك، سيستمر تغير المناخ في التأثير سلبًا بحياتنا وكوكبنا.

* الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي وزير التغير المناخي والبيئة الإماراتي السابق.

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق