دور مركز الغاز بين روسيا وتركيا في إعادة تشكيل سوق الطاقة (مقال)
فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح
- استعداد تركيا المعلن فيما يتعلق بالبنية التحتية يُشَكِّل خطوة إيجابية.
- الإعلان عن المشروع في أعقاب حوادث خط أنابيب نورد ستريم ليس من قبيل الصدفة.
- اعتماد تركيا في مجال الطاقة على روسيا يبلغ حاليًا بين 30 و40%.
- اتفاق مركز الغاز بين روسيا وتركيا يُعَد تطورًا تاريخيًا له آثار بعيدة المدى.
تشير التطورات الأخيرة بشأن اتفاق مركز الغاز بين روسيا وتركيا إلى تحول إستراتيجي في ديناميكيات الطاقة الأوراسية، حسبما أفاد نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك.
ويأتي هذا الاتفاق، الذي شارف على الاكتمال، في أعقاب المناقشات بين الحكومتين في أنقرة، ومن المتوقع أن يعيد تشكيل مشهد الطاقة الإقليمي.
ويُستَدل من بيان نوفاك على أن موسكو وأنقرة على وشك الانتهاء من اتفاق مركز الغاز بين روسيا وتركيا، ويُعَد هذا التطور جوهريًا؛ لأنه يمثل جهدًا تعاونيًا لإنشاء منصة رئيسة لتداول الطاقة.
ويشير طرح فكرة مركز الغاز من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أكتوبر/تشرين الأول 2022، في أعقاب حادثة خط أنابيب نورد ستريم، إلى إعادة التوجيه الإستراتيجي لصادرات الغاز الروسية من الطرق الغربية التقليدية إلى الأسواق البديلة.
وتوصّلت روسيا وتركيا إلى توافق بشأن "خطة تفصيلية مجددة" تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية بينهما.
وتم التوصل إلى هذا الاتفاق خلال الدورة الـ18 للجنة الحكومية الروسية التركية للتعاون التجاري والاقتصادي، التي انعقدت في أنقرة بوزارة التجارة، وفي أعقاب الجلسة، صدق وزير التجارة التركي عمر بولات، ونائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، على بروتوكول الاجتماع الـ18 للجنة المشتركة.
وفي حفل التوقيع، أعرب الوزير بولات عن التطلع المتبادل للارتقاء بالعلاقات الثنائية من خلال تفعيل أحكام البروتوكول، وهو ما يُعَد تتويجًا لجهودهما التعاونية.
ويشمل البروتوكول مجموعة شاملة من المواضيع؛ بما في ذلك التجارة والإجراءات الجمركية والطاقة والزراعة والتعاون الصناعي والمعايير والنقل والسياحة وخدمات المقاولات.
ويُعَد البروتوكول بمثابة إطار إستراتيجي يحدد مسار المشاركة الاقتصادية لتركيا وروسيا في السنوات المقبلة، وفي الآونة الأخيرة، حققت الدولتان تطورات ملحوظة في مجالات التجارة والسياحة والتعاون في مجال الطاقة.
ارتفاع حجم التجارة الثنائية
بحلول نهاية عام 2022، ارتفع حجم التجارة الثنائية بين روسيا وتركيا إلى ما يزيد على 68 مليار دولار، ويسعى البلدان إلى توسيع هذا التبادل الاقتصادي، وتحديد هدف طموح يتمثل في تحقيق حجم تجارة يصل إلى 100 مليار دولار.
وتؤكد الزيارة المرتقبة لوفد شركة بوتاش التركية إلى مدينة سانت بطرسبرغ الروسية لمراجعة مشروع مركز الغاز بين روسيا وتركيا، بالشراكة مع شركة غازبروم الروسية، الخطوات الاستباقية التي تتخذها الدولتان لتسريع الاتفاق.
وتحدد الخطة التفصيلية التي تشاركتها روسيا مع تركيا إنشاء منصة إلكترونية لتجارة الغاز، ومن شأن هذا التقدم التكنولوجي في تجارة الطاقة أن يعزز الكفاءة والشفافية في معاملات الغاز.
إضافة إلى ذلك؛ فإن المناقشات بشأن مشاركة روسيا في مشروعات الطاقة النووية التركية؛ بما في ذلك بناء محطة سينوب للطاقة النووية، تُبرز توسيع شراكتهما في مجال الطاقة إلى ما هو أبعد من الغاز الطبيعي.
مركز الغاز التركي
يمثّل استعداد تركيا المعلن فيما يتعلق بالبنية التحتية خطوة إيجابية، لكن الحاجة إلى تغييرات تشريعية تشير إلى عقبات بيروقراطية وربما سياسية يمكن أن تؤخر أو تغير نطاق المشروع.
ويُعَد توقيت الإعلان عن المشروع، في أعقاب حوادث خط أنابيب نورد ستريم، ليس من قبيل الصدفة؛ إذ اعتبرت روسيا هذه الخطوة بمثابة خطوة إستراتيجية لإعادة توجيه طرق إمدادات الغاز استجابة للتوترات الجيوسياسية، خصوصًا مع الدول الأوروبية.
وتعكس الشكوك التي أبداها بعض المحللين، منذ بداية المشروع، مخاوف بشأن جدواه الفنية والتجارية والقانونية؛ إذ واجه المشروع، الذي كان يُنظر إليه في البداية على أنه بديل محتمل لخطوط أنابيب نورد ستريم، شكوكًا بشأن قدرته على أداء هذا الدور.
خلال العام الماضي، أصبح من الواضح ما يمكن أن يحققه مركز الغاز التركي وما لا يمكنه تحقيقه، ومن غير المرجح أن يكون بمثابة مركز جديد لتجارة الغاز في أوروبا أو بديل مباشر لخطوط أنابيب نورد ستريم بسبب القيود المختلفة على المدى القصير.
ويشير نقل شركة غازبروم الروسية مسودة الخطة التفصيلية ومناقشة مجموعة العمل إلى بعض التقدم، إلا أن هذه الخطوات تُعدّ متواضعة مقارنة بالتوقعات الأولية والضجة التي أحاطت بالمشروع.
وفي حال تنفيذ المشروع؛ فمن الممكن أن ينطوي على آثار جيوسياسية كبيرة، خصوصًا فيما يتعلق بإستراتيجية تصدير الطاقة الروسية ودور تركيا بوصفها مركزًا لعبور الطاقة في أوروبا.
الرسم التالي يكشف أبرز قدرات خطوط الغاز التى تعبر تركيا إلى أوروبا:
وعلى هذا الأساس، يمكن لهذا الاتفاق أن يغير بشكل كبير ديناميكيات أمن الطاقة في أوراسيا؛ ما يوفر لتركيا دورًا محوريًا في توزيع الطاقة الإقليمية.
وقد يؤدي تعزيز الشراكة الروسية التركية من خلال هذا الاتفاق إلى إعادة تنظيم النفوذ والتحالفات الإقليمية، ويمكن لإنشاء مركز الغاز بين روسيا وتركيا وتوسيع العلاقات التجارية أن يعزز اقتصادات البلدين، خصوصًا وسط تقلبات سوق الطاقة العالمية.
وقد يدفع هذا التطور الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تقييم إستراتيجيته في مجال الطاقة، وخصوصًا فيما يتعلق باعتماده على الغاز الروسي.
وتكشف التطورات الأخيرة في مشروع مركز الغاز التركي الروسي المقترح عن رؤى رئيسة بشأن هيكله المحتمل والأسواق المستهدفة والتحديات:
- اهتمام السوق الأوروبية: إن اهتمام المجر والنمسا بشراء الغاز من المركز الغاز بين روسيا وتركيا المقترح أمر بالغ الأهمية، ويقدم صورة أوضح لحجم السوق المحتمل؛ حيث تتراوح الأحجام من 5 مليارات إلى 10 مليارات متر مكعب سنويًا.
- اتفاق المجر مع تركيا: تُعَد صفقة المجر لشراء 275 مليون متر مكعب من الغاز من تركيا للتسليم في عام 2024 صفقة مهمة، وهذه هي المرة الأولى التي تبيع فيها أنقرة الغاز إلى دولة أوروبية غير مجاورة؛ ما يُشَكِّل سابقة للصفقات المستقبلية.
- مصدر الغاز: على الرغم من التصريحات العامة للمجر بشأن شراء الغاز الأذري والتركي؛ فإن مسألة توافر الكميات الاحتياطية في هذه البلدان تلقي بظلال من الشك على هذه الخطة، ويلفت هذا الوضع الانتباه مرة أخرى إلى روسيا باعتبارها المورد الرئيس المحتمل للغاز عبر مركز الغاز التركي.
- البنية التحتية وتحديات التمويل: يُعَد توسيع البنية التحتية لخطوط الأنابيب لتوصيل الغاز إلى المجر عبر بلغاريا وصربيا جانبًا بالغ الأهمية، وتكشف عن محاولات المجر الفاشلة لتأمين المساعدة المالية من الاتحاد الأوروبي لهذا التوسع التحديات التي تواجه تطوير البنية التحتية.
- القيود الزمنية: تتأكد أهمية هذا العامل مع اقتراب الموعد النهائي في عام 2024، الذي لن تتمكن شركة غازبروم بعده من توريد الغاز إلى النمسا عبر أوكرانيا، يضيف هذا الجدول الزمني الضيق الضغط لتسريع توسيع البنية التحتية.
- المفاوضات والربحية: تعتمد ربحية مركز غازبروم على نتائج المفاوضات مع تركيا؛ حيث إن الوضع الحالي لهذه المحادثات غير واضح؛ ما يضيف عنصر الضبابية إلى الجدوى المالية للمشروع.
خاتمة
يُعَد إنجاز المركز التركي، بالشكل الموصوف، أمرًا ممكنًا ولكنه يواجه تحديات كبيرة، ويوفر اهتمام المشترين الأوروبيين المحددين سوقًا مستهدفةً، لكن نجاح المشروع يعتمد بشكل كبير على حل مشكلات مصادر إمدادات الغاز، وتوسيع البنية التحتية، والتمويل.
وستؤدي المفاوضات بين روسيا وتركيا دورًا محوريًا في تحديد جدوى المركز وربحيته؛ فمع اقتراب الموعد النهائي في عام 2024، تزداد الحاجة الملحّة لمعالجة هذه التحديات؛ ما يجعل الأشهر القليلة المقبلة حاسمة لتقدم مشروع مركز الغاز بين روسيا وتركيا.
من ناحيته، أبدى معارض الرئيس التركي الحالي، كمال كليجدار أوغلو، تحفظات شديدة بشأن مركز الغاز المشترك المقترح مع روسيا.
وسلّط كليجدار أوغلو الضوء على المخاوف بشأن الزيادة المحتملة في الاعتماد على الطاقة، قائلًا: "في الوقت الحالي، يبلغ اعتماد تركيا في مجال الطاقة على روسيا بين 30 و40%.
وأوضح "يمكن أن يؤدي تنفيذ مشروع مركز الغاز بين روسيا وتركيا إلى تزايد اعتمادنا على نسبة مذهلة تبلغ 70 إلى 80%؛ ما يؤدي بشكل أساسي إلى ترسيخ حالة الاعتماد الكامل".
ويُعَد اتفاق مركز الغاز بين روسيا وتركيا تطورًا تاريخيًا له آثار بعيدة المدى؛ فهو يرمز إلى الشراكة المتنامية بين روسيا وتركيا، ولديه القدرة على إعادة تشكيل ديناميكيات الطاقة الإقليمية والتأثير في العلاقات الجيوسياسية العالمية.
وكانت التطورات المحيطة بمشروع مركز الغاز بين روسيا وتركيا المقترح موضع بحث مكثف وآراء متنوعة. من ناحية ثانية، تشير أحدث التقارير إلى أن السلطات التركية جاهزة تقريبًا من حيث البنية التحتية ولكنها تحتاج إلى تعديلات تشريعية لإنجاز المشروع.
ويسلط ذِكر الرئيس أردوغان لمجموعة عمل مشتركة، بعد محادثاته مع الرئيس بوتين، الضوء على الجهود الجارية لتفعيل هذه المبادرة، ومع ذلك؛ فقد تم التشكيك في جدوى المشروع وتأثيره المحتمل.
في الختام، على الرغم من إحراز بعض التقدم في مشروع مركز الغاز بين روسيا وتركيا؛ فإنه لا يزال محاطًا بالشكوك والضبابية.
وتعكس القيود والتحديات التي يواجهها المشروع تفاعلًا معقّدًا بين العوامل الجيوسياسية والفنية والتجارية. ويبقى أن نرى ما إذا كانت ستحقق أهدافها المعلنة في البداية أو ستتحول إلى شكل مختلف من أشكال التعاون في مجال الطاقة.
ومن المفترض أن تتمخض الأشهر المقبلة عن المزيد من الوضوح لدى انعقاد مجموعة العمل وصياغة التعديلات التشريعية.
* فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- 6 وزراء ومسؤولين يكتبون لـ"الطاقة" بمناسبة قمة المناخ (ملف خاص)
- استفتاء فنزويلا يضع استثمارات النفط في غايانا بمهب الريح.. هل تتحرك أميركا؟
- أوبك+ يرفض تغيير سياسة الإنتاج.. و8 دول تعلن تخفيضات طوعية